لِله درها مِن أُسوة

لِله درها مِن أُسوة

التحرير

لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا

لاشك أن فيوض الإسلام وبركاته القدسية تشعّ جلالا وجمالا من خلال تعاليمه الحكيمة ودُرَرِه الروحانية الثمينة كونه آخر الشرائع والأديان التي ارتضاها رب العزّة للعالمين. وإن تلك الأسوة الحسنة للرسول التي قدّمها لنا بأفعاله وأقواله هي المنهج الوحيد للوصول إلى محبة الله ونيل رضوانه حيث تنمحي بأسوته الخطايا، وينْبَلِجُ بِهُداه فجر الهدى والإيمان مُشرقًا بَهيًّا على كل بصيرةٍ أعماها ظلام الكفر والعصيان، فترتدَّ مُبصرةً فَرِحةً مُستبْشِرَةً بمن خلَّصها من دناءة الأخلاق وهداها إلى شِيَمٍ قَيّمةٍ علياء.

لقد دوّن التاريخ الإنساني سِيَر كثير من العُظماء الذين أحدثوا تغيرات في عصور متفاوتة، فخُلّدت أقوالهم وأفعالهم، وتناقلت أخبارهم وسيرهم بما سوّده المؤرخون من تحليل وتقييم لأدوارهم. لكن الحق والحقَّ نقول لم تعرف البشرية شخصية عظيمة مؤثرة مثل شخصية الرسول الأعظم محمد المصطفى التي أحدثت سيرتُه الطاهرة المطهرة ثورةً روحانية غيّرت وجهَ السلوك البشري، وقدمت للعالم مفاهيم لم يكن له أن يفقه كُنهها.. فلِلّه درّها من أُسوة فيّاضة بأنوار القرآن حيث لا تعنيف ولا ترهيب، بل كَلِمٌ طيّبٌ ولين، وسَوْقُ الحُجج على ذراري الشياطين والمخالفين، ورأفة بالمظلومين المستضعفين، ومسح دموع الحزانى واليتامى والمحرومين..

فطوبى لهذا القلب العظيم الذي كان مهبطًا لنور وحي رب العالمين ومظهرًا لرحمانيته ورحيميته سبحانه وتعالى. فلبّى نداء ربه وتحمّل من أجل تبليغ الرسالة كل عناء ومشقّة في سبيل مرضاة الله وتحرير الإنسان من أغلال وأصفاد الشياطين.

إن سيرة رسولنا المصطفى وشخصيته الجليلة المقدسة، نبع روحاني فيّاض زاخر بقدرات الإرواء والإحياء يدل النفوس العطشى التائهة في فلاة الضلال إلى منهل الرشد والهداية والمحبة والسلام حيث تنتعش وترتوي ثم تُوهب لها الحياة الحقيقية. وقد انعكست أنوار وبركات الشخصية الفريدة لرسولنا الكريم على صحبه الكرام الذين سعوا بسنته بين الناس، فنجحت دعوته التبشيرية في إحداث ثورة روحية كبرى أسقطت الأساطير الكهنوتية والضلالات الوثنية، والأفكار الإلحادية، ليس بسيف ولا سنان ولا بسهم من السهام بل بهدي الفرقان والسنة والبيان، وهذا ما حيَّر خصوم الإسلام وأذاقهم طعم الهزيمة والآلام؟؟

إنها بحق أُسوة روحية عظيمة بزغت شمسها وانتشرت أنوارها في الشّعاب والجبال، وزحفت نحو الأقاصي والأداني من الأمصار والأقطار، حتى ارتقت النفوس بمعاني الإيمان، فحلّ الأمن والاطمئنان، وانقشعت غُيوم الفسق والعصيان… فلِلّه درّها من أسوة سار عليها الصحابة الأبرار والسلفُ الأخيار، فتمكّنت محبة الله من قلوبهم، فصاروا مظهرًا لرحمة الله، متجشّمين كل عناء ومشقة لإشاعة أنوار سيد المرسلين، فكانوا ربانيين ومن ورثة النبيين بما قضوا نحبهم وأفنوا أعمارهم في نُصرة الدين ومرضات رب العالمين، والسير على خُطى أقدام المصطفى الأمين. إن سيرته الطاهرة سِفْرٌ مفتوح وسُنّتُه منارٌ لمن أراد سلوك نهج الأخيار واللحاق بالأبرار، والغلبة على الأشرار.. فاسلكوا معشر المسلمين سبيله فهو الأسوة الحسنة الذي لا أسوة بعده، والهادي الكامل الذي لا هادي بعده، ولا هدي بعد هديه، فهو الإنسان الكامل الذي خُتِمَ به النبيون، وقُرنت بطاعته طاعة رب العالمين:

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصديقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا (النساء:70)

أخي القارئ إن القدوة الحسنة التي علّمنا إياها رسول الله عقيدةً ومَسْلَكًا هي سبيل إحياء لنا إن اتبعنا أسسها وعملنا بمقتضاها، وهي أداة تغيير وتأثير لتربية الخَلْقِ وتزكيته من أدران الخطيئة، قال تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ …. (الأنفال: 25).

فديننا دين إحياء وليس دين إفناء. فيا ليت بعض المتعصبين من أمتنا الحبيبة الذين يسلكون اليوم سبيل الإرهاب وتخريب الأوطان يَعُون أن رسولنا المصطفى جاء ليُحيي لا ليُفْني! وهذا الإحياء هو غاية هذا الدين الذي يأبى الظلم والعدوان والكفر والعصيان باعتبارها أدوات إفناء للحياة التي ما جعلها الله إلا لتكون موطن سلام وتعايش وفرصة للناس للاهتداء إلى سكينة القلب والروح.. لقد تناسى كثير من مسلمي اليوم مقاصد تلك الأسوة بما أُشْرِبوا في قلوبهم حُبّ الدنيا وانصرفوا عن أسوة حسنة إلى أسوات سيئات اتخذوها مورد اتّباعٍ وانبهارٍ وتقليد، من منجمين دجالين وفلاسفة دهريين ونجوم فنّ مجانين؟! فَحَذوا أُمَمَ الدجّال حَذْوَ النعل بالنعل فصفّدهم بأصفاد الغواية إلى النهاية، فنسوا القرآن والسُنّة ومالوا لألحانٍ وغُنّة! وتركوا الصلاة ودُمُوع الخُشُوع الغَوَالِي إلى نَشْوَةِ الخَمْرِ ولَيَالِي الحُمْرِ الخَوَالِي! غافلين لاهين بما آتاهم الشيطان الرجيم. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

يا أبناء أمة خير الأنام، من طغى منكم أو تجبّر بعد هذا الحال وكذّب وسفّه بعثة الإمام المهدي فليتدارك أمره فلم يفُته الأوان. ويعلم الله كيف أن هذه الأمة زاغت عن نهج أسوة الرسول الكريم حتى أنه لم يَعُد هناك من سبيل لتغيير ما بها من مفاسد في العوام والخواص بل وفي رجال الدين بما حمله كثير منهم من عقائد فاسدة تمسّ جوهر الدين. فغلب على أكثرهم العُجْبُ والخُيلاء وحُبُّ المال والسُّلطان وجحدوا فيوض بركات اتباع الإسلام وسنة خير الأنام، وتنزّل الملائكة على الأصفياء والأولياء بالوحي والإلهام، والرّقي في مدارج النبيين والصديقين والشهداء والصالحين! حتى كاد لسان حالهم وترجمة أفعالهم ينطق كُفرًا بواحًا أن قد مات هذا الدين! بما قالوا عن هذه الثمرات والفيوض التي هي من آي بركات الرحمن على صدق دين الإسلام أنها تستحيل على أمة خير الأنام! وأنها حصرٌ لمن كانوا قبلنا من أمم النبيين والمرسلين؟ وكيف ذلك وقد مات الرسول الأمين، وخَرَسَتْ السماواتُ بزعمهم وصَمَتَ الله ذو الجلال، وانزوى روح القُدُس حول عرش الرحمن واجمًا عاطِلا! فتلك قسمة ضيزى بما لم يتذوقوا طعم فيض طاعة رب العالمين واتباع أسوة خاتم النبيين عليه أفضل الصلاة والتسليم. فثبت أننا والحمد لله على أسوة هذا الرسول الكريم المبعوث رحمة للعالمين، بما أكرمنا به الله من حُلل وبركات هي من ثمرات اتباع أسوته الطاهرة، ونِعَمٍ خَصّنا بها وحُرِم منها سوادُ المسلمين، هُم منها يتامى مَحرومين، بما كفروا بأنعُمِ الإسلام، واتبعوا أسوة مشائخ آخر الزمان، وما ينحتونه لهم من قِشْرٍ للدين، لا يصلُ بهم إلى مرتبة اليقين، وبما بدّلوا معاني القرآن وِفْقَ الهوى والرأي السقيم، وتفاسير لم يبق منها غير الرَّميم. فللّه درُّها من أسوة حسنة أَحْيَتْنَا بعد الممات وعَرَجَتْ بنا نحو مدارج النبيين، ويقين الصديقين، وتضحيات الشهداء، ووَرَع الصالحين، وصلى اللهم على من جعلته خَاتَمًا للنبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك