منهج المسيح الموعود عليه السلام في تقدير الحديث النبوي

منهج المسيح الموعود عليه السلام في تقدير الحديث النبوي

هاني طاهر

  • “ان الله أعطاكم لهدايتكم ثلاثة أشياء؛ أولها القرآن الكريم ثم السنة ثم الحديث”
  • الأحاديث تفصل لنا أمور الإسلام التاريخية والأخلاقية والفقهية
  • الحديث خادم القرآن والسنة، وشاهد مؤيد للسنة التي هي تطبيق عملي للأحاديث
  • عدم الأخذ بالحديث بتر لعضو من أعضاء الإسلام

__

السقوط في ورطة رفض الأحاديث النبوية متوقَّع جدًّا ممن لم يؤمن بالمسيح الموعود ، خصوصا ممن وجد في الفكر التقليدي مثالبَ وثغراتٍ كثيرة وكبيرة.

ويظنّ هؤلاء أنّ منهجهم هذا سينهض بالأمة، ولكن سعيهم هذا لن يحقِّق شيئا؛ لأن الأمة التي ربط الله نهضتها بالتزامها بدينه سبحانه لا يمكن أن تنهض إلا بهذا الالتزام. لذا فجهودهم هذه

كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ (إِبراهيم 19)، أو كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا (النور 40).

هذا على فرض أنها جهود في الاتجاه الصحيح، فكيف وهي في الاتجاه الخاطئ جدا؟

وهذه البدعة ليست جديدة، بل كانت في زمن المسيح الموعود ، ويظهر أن بعض القائلين بها قد آمنوا بحضرته وظلّ بعضهم ملوَّثا بها، ولما علم حضرته بذلك كتب ما يلي:

“لقد تناهى إلى سمعي أن بعضًا منكم لا يؤمنون بالحديث مطلقًا. فإن كانوا كذلك فإنهم مخطئون جدًّا. إنني لم أعلّم هذا أبدًا، بل إن مذهبي هو أن الله تعالى قد أعطاكم لهدايتكم ثلاثة أشياء؛ أوّلها القرآن الكريم… ثم السنة… ثم الحديث… إن الحديث هو الوسيلة الثالثة للهداية، لأن الأحاديث تفصّل لنا شيئًا كثيرًا من أمور الإسلام التاريخية والأخلاقية والفقهية. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أكبر فائدة للحديث هي أنه خادم القرآن وخادم السنّة…. إن القرآن قولُ الله، والسنّة فعلُ رسول الله، والحديث شاهدٌ مؤيِّد للسنّة. فمِنَ الخطأ القول بأنّ الحديث حَكَمٌ على القرآن، نعوذ بالله من ذلك. إذا كان ثمة حَكَمٌ على القرآن فهو القرآن نفسه، أما الحديث -وهو على مرتبة ظنية- فلا يمكن أن يكون حَكَمًا على القرآن، إنما هو مجرد شاهد مؤيِّد له. لقد أنجز القرآن والسنّة العملَ الأساسَ كله، وليس الحديث إلا شاهد مؤيّد، وأنَّى للحديث أن يكون حَكمًا على القرآن؟ لقد كان القرآن والسنّة يهديان الخلقَ في زمن لم يكن فيه لهذا الحَكَم المزعوم أثر. لا تقولوا إن الحديث حَكَمٌ على القرآن، بل قولوا إنه شاهد مؤيِّد للقرآن والسنّة….. إن الحديث -مع أن أكثره على مرتبة الظن- لجديرٌ بالتمسك به شريطة أن لا يعارض القرآنَ والسنّة. إنه مؤيِّدٌ للقرآن والسنّة، ويحتوي على ذخيرة كبيرة من المسائل الإسلامية، لذا فعدمُ الأخذ بالحديث يعني بتْرَ عضوٍ من أعضاء الإسلام…. اقدروا الأحاديث حقَّ قدرها وانتفعوا منها، فإنها تُنسب إلى رسول الله ، ولا تكذِّبوها ما دام القرآن والسنّة لا يكذِّبانها. تمسكوا بالأحاديث النبوية تمسّكًا بحيث لا يصدر منكم حركةٌ أو سكون أو فعلٌ أو تركُ فعل إلاّ ويكون هناك حديثٌ يؤيده. ولكن إذا كان هناك حديث يعارض قصص القرآن معارضةً صريحة، فعليكم أن تحاولوا التطبيق والتوفيق بينهما، فلعل التعارض راجع إلى سوء فهمكم، أما إذا لم يزُل التعارض بأي طريق، فانبذوا مثل هذا الحديث، فإنه ليس من رسول الله . وإذا كان هناك حديث ضعيف يوافق -مع ضعفه- القرآنَ فاقبلوه، لأنّ القرآن مصدِّقُه. (سفينة نوح).

فمِنَ الخطأ القول بأنّ الحديث حَكَمٌ على القرآن، نعوذ بالله من ذلك. إذا كان ثمة حَكَمٌ على القرآن فهو القرآن نفسه، أما الحديث -وهو على مرتبة ظنية- فلا يمكن أن يكون حَكَمًا على القرآن، إنما هو مجرد شاهد مؤيِّد له.

ويبدو أن عددا من الأحمديين المعاصرين واقعون إلى حدّ ما في هذه البدعة، ويمكن اعتبار أنني كنتُ إلى حدّ ما من هذا النوع في بداية إيماني بالمسيح الموعود وقبل قراءة أقوال حضرته، لذا كان هناك شيء من التسرّع في تضعيف بعض الروايات في بعض كتبي الأولى، وفيما يلي أذكر بعض الأمثلة:

1: بعض أحاديث طاعة الحكام:

سأقتبس ما كتبتُه قبل  عشر سنوات: “والذي أراه أن الأحاديث التي تدعو إلى طاعة الحكام، وعدم استنكار أفعالهم، بل الاكتفاء بعدم المشاركة في الحرام، لهي أحاديث ضعيفة … وهي تعارض الآيات القرآنية العديدة التي توجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يستقيم هذا مع مجرد عدم الطاعة في المعاصي، بل لا بد من إظهار عدم الرضا بالمنكر….. والحديث الذي هو أصح من هذه الأحاديث هو “من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” (مسلم).. فهو يوجب العمل والتغيير، ولا يشترط الاكتفاء بالامتناع عن طاعة الحاكم في المحرمات، بل لا بدّ من محاسبته على معاصيه وظلمه وفسقه، ولا بدّ من نهيه عن المنكر كما يُنهى الناس الآخرون. لكن طريقة هذا النهي تختلف حسب الظروف. فالإسلام، إذن، يأمر المسلم بمعارضة المنكر”.. (الدولة الإسلامية بين النص والتاريخ)

أما الآن فأقول: أحاديث طاعة الحكام لا تأمر بالاكتفاء بالامتناع عن طاعة الحكام في المحرمات، بل هي تأمر بذلك ولكنها لا تقول: اكتفوا بذلك ولا تَنْهَوْهم عن منكرهم.. والقول بأنها تمنع من النهي عن المنكر هو تحميل للنصّ فوق طاقته، وأدّى إلى تضعيف هذا النوع من الأحاديث، مع  أنها أحاديث صحيحة لها سياقِها. وموضوعُها فقط هو الحضّ على طاعة الحاكم مهما بدا مخطئا وظالما، فالواجب طاعته وعدم التمرد عليه. لكن هذا لا يعني عدم نهيه عن منكره، وعدم نصحه، وعدم السعي لتغييره بالطرق الشرعية. فأحاديث طاعة الحاكم تأمر بالطاعة من دون تطرق إلى موضوع النهي عن المنكر، وهذا هو موضوعها، وليس واجبا أن يكون الحديث الواحد شاملا لكل المواضيع.

2: حديث: “جئتكم بالذبح”

سأقتبس ما كتبتُه قبل  عشر سنوات أيضا من نفس الكتاب:

“أخرج أحمد في مسنده قال: عَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ قُلْتُ لَهُ مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ مِنْ رَسُولِ الله فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُ مِنْ عَدَاوَتِه؟ قَالَ حَضَرْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ فَذَكَرُوا رَسُولَ الله فَقَالُوا مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ سَفَّهَ أَحْلامَنَا وَشَتَمَ آبَاءَنَا وَعَابَ دِينَنَا وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ أَوْ كَمَا قَالُوا. قَالَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ الله فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَلَمَّا أَنْ مَرَّ بِهِمْ غَمَزُوهُ بِبَعْضِ مَا يَقُولُ قَالَ فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى، فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ مَضَى، ثُمَّ مَرَّ بِهِمُ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا. فَقَالَ: تَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ. (مسند أحمد)

هذه العبارة تخالف الآيات القرآنية التالية:

1-قوله تعالى وما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمينَ لا لتذبحهم.

2-الآيات التي تدعو إلى الصفح والصبر وهي كثيرة جدًّا.

3-الآيات التي تدعو إلى المجادلة بالتي هي أحسن، فالذبح يتنافى مع ذلك.

كما أنها تخالف السيرة النبوية، فلو كان النبي قد أتى بالذبح ما عفا عن أهل مكة يوم دخلها. كما أنه لم يرد أن الكفار اجتمعوا وأصدروا بيانا استغلوا فيه “جئتكم بالذبح” ليبرروا إجرامهم وعدوانهم المستمر. بل كان واضحًا أن كفار مكة كانوا يطلبون من المسلمين التخلي عن العقيدة الإسلامية واحترام الأصنام وعدم نقدها.” (الدولة الإسلامية بين النص والتاريخ)

«إذا كان هناك حديث يعارض قصص القرآن معارضةً صريحة، فعليكم أن تحاولوا التطبيق والتوفيق بينهما، فلعل التعارض راجع إلى سوء فهمكم، أما إذا لم يزُل التعارض بأي طريق، فانبذوا مثل هذا الحديث، فإنه ليس من رسول الله . وإذا كان هناك حديث ضعيف يوافق -مع ضعفه- القرآنَ فاقبلوه، لأنّ القرآن مصدِّقُه.»

أما الآن فأقول: هذا الحديث لا يتناقض مع الرحمة والدعوة بحكمة وموعظة حسنة ولا مع العفو، لأنه لا يقول لهم: سأذبح كل بريء فيكم، ولا يقول: سأتآمر عليكم، ولا يقول: لا جدوى من الدعوة لأن السيف هو طريق الإيمان!! لا يقول شيئا من هذا، بل هو نبوءة وعيد بهلاك كبار القوم بالقتل بالسيف إن لم يتوبوا، وقد تحقق ذلك في بدر. وهي نبوءة تتفق مع نبوءات الأنبياء السابقين بدمار قومهم وهلاكهم بعد أن أمعن الكفار بالعداء والظلم، كما نقرأ ذلك في الآيات التالية على سبيل المثال لا الحصر:

فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (71) قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ (الأَعراف 71-72). وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (الأَعراف 78). قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (هود 33). قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِـينَ (الأَحـقـاف 23). لَنُهْلِـكَنَّ الظَّالِمِينَ (14) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ (إِبراهيم 14-15). فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (هود 66). وأما نبوءات القرآن الكريم عن هلاك قريش وذبحهم فمنها قوله تعالى سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (القمر 46)،

والتي تحققت في عدوان المشركين في بدر.

أما قضية تضعيف بعض الأحاديث سندا، والذي كثُر في بعض كتبي، فلا مبرر لها، وإنني وبعد قراءة ما كتبه المسيح الموعود وخصوصا مناظرة لدهيانة لا أرى أي مبرر لوصف الحديث بالضعيف سندا، بل يُكتفى بعرضه على القرآن الكريم، وبذْلِ أقصى جهد ممكن للأخذ به وفهمه في ضوء القرآن، وإلا تركناه وتركنا الحكم عليه.

منهج المسيح الموعود في احترام الحديث وفهمه على الوجه الأهدى والأتقى والأنقى قد سبق أن قال به كبار الصحابة مثل عليّ بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، “فعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنْ رَسُولِ الله حَدِيثًا فَظُنُّوا بِرَسُولِ الله أَهْيَاهُ وَأَتْقَاهُ وَأَهْدَاهُ (مسند أحمد)، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللهِ فَظُنُّوا بِرَسُولِ اللهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ وَأَهْدَاهُ وَأَتْقَاهُ. (سنن ابن ماجة)

فالحمد لله الذي أرسل المسيح الموعود في هذا العصر، وإلا لكنّا من الذين لا يحترمون أحاديث النبي . والحمد لله الذي هيّأ لنا أن نقرأ كتبه ، وقد بات معظمها مترجما بفضل الله ومِنَّته.

فيا أيها الأحبة، التأنّي التأنّي قبل رفض أي حديث. وإحسانُ الظنّ بالرواة وبالسابقين هو الأسلم للقلب وطهارته ونقائه وطيبته، وقَوْلُ “لا أعلم” أسهل الطرق وأسلمها.

Share via
تابعونا على الفايس بوك