مصطلحات.. فقدت هويتها

مصطلحات.. فقدت هويتها

التحرير

 

إن حالة من غياب الوعي تسود على الساحة الإسلامية بشكل واضح، ومن ظواهر هذه الحالة أن بعض المفاهيم والمصطلحات المتداولة يومياً على ألسنة الناس أصبحت تفتقد لمعانيها الحقيقية. ونحن هنا لا نبالغ لأن نتائج هذا التخبط والترنح واضحة للعيان، بشكل يحمل معه كل مشاعر الحزن والأسى، ويثير أيضاً في النفس أيضاً أحاسيس الرفض والغضب. نحن نحرص جميعاً على مستقبل الإسلام مما يحثنا على أن نجند كل أدوات الوعي للتصدي لكل حالة ضبابية تريد أن تصبح القاعدة، وتبتغي أن نحجب أو تُغَيب الأصل والجوهر.

وفي الآونة الأخيرة.. ترددت بعض المصطلحات التي أصبحت تُقرن دائماً بمفاهيم بعيدة كل البعد عن جوهر تلك المصطلحات. ومن هذه المصطلحات مصطلح “الأصولية”، الذي أصبح عنوان كل فرقة تعمل من خلال ممارسات العنف الديني المتطرف.

إن “الأصولية” هي كلمة تعني في اللغة العربية العودة إلى الأصول، تلك الأصول التي تحدثنا عن الجوهر وأهميته. وكيفية الانطلاق من قاعدته في عمليات البناء.

ومما لا شك فيه.. أن هذا المعنى بعيد كل البعد عن الممارسات الخاطئة. التي تقوم بها تلك الفرق التي تتمسك بالقشور دون أن تُعير الجوهر أي أهمية.

ونحن نستطيع أن نكتشف ذلك بسهولة إذا ألقينا بنظرة تأمل على تصرفات أولئك المتطرفين الذين يحاولون لبس عباءة الإسلام دون أن يغتسلوا من أدرانهم الدنيوية. ولذلك تجد المراقب لأفعالهم.. الذي يحدوه دافع الإخلاص للتمسك بأصول دينه، وتدفعه الرغبة الصادقة في الاستمساك بالجوهر والعودة إلى الأصول الصحيحة.. يبتعد ويتقزز لمرأى الدماء والفتن التي يخلفها المتطرفون وراءهم.

إن جميع المخلصين الصادقين “أصوليون”، لأنهم يعوا معنى الأصولية.. ويجب أن نحرص على أن لا يُغلل هذا المعنى سحابة ضبابية، لأن هذا يعني أننا نفقد هوية مصطلحات لغتنا ومعانيها الحقيقية. وكلنا نعي أن اللغة العربية هي سبب وجود العرب، ولولاها لما كان لهم وجود.

ومصطلح ضبابي آخر هو مصطلح “الإرهاب”، الكلمة التي أصبحنا نسمعها من فم العدو والصديق، سواء كان الحدث هو عمليات تفجيرية وتدميرية، أو عمليات قتل جماعية من قِبل جماعات التطرف الديني أو كانت عمليات مقاومة شعبية للاحتلال، كما يجري في الأراضي العربية المحتلة.

وهنا علينا أن نحدد تماماً مفهوم “الإرهاب” لأن ذلك سينصف هذا المفهوم وحامله. إن فعل يرهب في اللغة العربية يفيد التخويف وزرع الرعب في النفس لنيل مقصد معين. ونحن هنا نقبل أن نُطلق على محاولات التفجير والتدمير، والقتل الفردي والجماعي باسم الدين، أو المقاصد الأخرى التي تهدف زرع الرعب والهلع في نفوس الناس لتحقيق هدف خبيث، أن نطلق على ذلك كله أعمالاً إرهابية. ولكن كيف يمكننا أن نطلق على من يقاوم المغتصب ويحاول تحرير أرضه المحتلة بأنه إرهابي يجب محاكمته وأن عمله هو عمل إرهابي خاصة إذا التزم بأصول الحرب المتفق عليها دوليا لتحرير وطنه؟ إن ميثاق الأمم المتحدة ينص على حق من اغتُصبت أرضه أن يحارب المغتصب لتحرير بلاده. وقد اتفقت الدول التي وضعت توقيعها على هذا الميثاق وانضمت إلى هيئة الأمم المتحدة، على اعتبار هؤلاء المحاربين مقاتلين من أجل الحرية freedom Fighter، ومع هذا فإننا نجد أن نفس هذه الهيئة العالمية تتناقض مع نفسها ومع ميثاقها، حينما تتصادم مصالح الأمم المسيطرة عليها مع ما وضعته الهيئة نفسها من القواعد في ميثاقها.

إن جميع المخلصين الصادقين “أصوليون”، لأنهم يعوا معنى الأصولية.. ويجب أن نحرص على أن لا يُغلل هذا المعنى سحابة ضبابية، لأن هذا يعني أننا نفقد هوية مصطلحات لغتنا ومعانيها الحقيقية. وكلنا نعي أن اللغة العربية هي سبب وجود العرب، ولولاها لما كان لهم وجود.

إن الشباب الذي جمعته جهود مندوبي رابطة العالم الإسلامي، الذين جابوا الدول العربية والإسلامية بل والدول الغربية أيضاً لتجنيد الشباب وتحميسه للحرب في أفغانستان باسم الجهاد الإسلامي ولتحرير أفغانستان من الاحتلال السوفيتي .. كان ذلك الشباب يعتبر مقاتلا من أجل الحرية، طالما كان ذلك الجهاد يخدم مصالح السادة الأمريكان الذين دفعوا ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار أمريكي لتسليح هؤلاء الذين أطلقوا عليهم اسم المجاهدين الأبرار. فلما تحقق الهدف الأمريكي انتهى معه تعريف المقاتلين من أجل الحرية، وتلاشى اسم المجاهدين الأبرار، وتحول نفس هؤلاء الشباب ليُدمغوا بطابع “الإرهابيين”.

ولم يسأل أحد رابطة العالم الإسلامي التي تطوعت ببث مندوبها في كل مكان لجمع الشباب وإرساله إلى أفغانستان خدمة للصديق الأمريكي ..  لم يسألها أحد: لماذا يعتبر تحرير الأرض العربية، وتحرير أرض البوسنة أيضا عملا تحريريا وجهادا إسلاميا؟ ولماذا انطلقت أصوات مندوبي رابطة العالم الإسلامي عالية مدوية في كل مكان تدعو الشباب لبذل دمائهم من أجل أفغانستان، بينما سكتت وخرست وخمدت تماما لتلك الأصوات، حينما وقفت البوسنة المسلمة تجابه وحدها مؤامرات الاحتلال والتقسيم. لماذا تغير الآن معنى كلمة “الجهاد” وأصبح يتوقف على رضى الأصدقاء الأمريكان وحدهم، حتى أن ما يوافقوا عليه وما يخدم مصالحهم يمكن أن يُسمى جهادا في سبيل الله، وما لا يوافقوا عليه يسمى إرهابا؟

ثم هل يمكن أن يمتد مفهوم الإرهاب ليشمل الإجراءات القمعية التي تمارسها الحكومات المستبدة لإخماد أصوات المعارضة؟ وهل يشمل أيضاً قرارات الحصار الاقتصادي الذي يُفرض على بعض الدول لتجويع شعوبها عقابا لتلك الدول التي لا تسير في ركاب الدول صاحبة القوة والنفوذ؟ وهل نسمح نحن العرب أن تغزو لغتنا الجميلة ألفاظ وكلمات تتوقف معانيها على تفسيرات وموافقة تلك الدول التي تملك القوة والنفوذ؟ إن إخلاصنا لكوننا مسلمين يدفعنا للحرص كل الحرص على تحديد المفاهيم الحقيقية لكل مصطلح، لأنه سيكون الزاد اللغوي لأجيالنا القادمة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك