مقاصد وجود الجمال والقُبح في حياتنا
التاريخ: 1993-10-08

مقاصد وجود الجمال والقُبح في حياتنا

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

 

 

حضرة مرزا طاهر أحمد

الخليفة الرابع لحضرة الإمام المهدي

 والمسيح الموعود (عليه السلام)

بمسجد الفضل بلندن يوم 8/10/1993م

تعريب: المرحوم الحاج محمد حلمي الشافعي[1]

بدأ حضرته خطبة الجمعة بالتشهد والتعوذ وتلاوة سورة الفاتحة فقال:

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين)

ثم تلا بعد ذلك آيتين من سورة الروم فقال:

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ * وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ * يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (سورة الروم: 18 – 20)

ذكرتُ في خطبة الجمعة الماضية أنَّ الصانع يكون له نقشٌ على صنعته، فيتجلَّى حُسنُه فيما يصنع. وفي هذا الصدد.. ينبغي إزالة شُبهةٍ أخرى، وهي أننا عندما نشاهد خلق الله في الكون، قد نجد بعض الأشياء كريهةَ المنظر بالنسبة لنا. هناك بعض الحيوانات التي تَفزعُ منها الأطفال، وإذا رأوها لا ينامون بهدوء خلال الليل. وهناك حيوانات انقرضت كانت ضخمةً مُخيفة. لقد جمع العلماء عِظامها ومثَّلوا هيكلها وشكلها فبدت مُفزِعة. والسؤال الآن: إذا كان الله خلّاقاً وصنّاعاً عظيماً، فلماذا هذه الدمامة التي تظهرُ في بعض صنعته؟ يجب أن نعرف أنّ كلّ رسّام له علاقةٌ بلوحته.. ولكنه لا يرسم الجمال دائماً، أحياناً يرسم مناظر مُخيفة. ومن المؤلِّفين من يخترعون شخصيّاتٍ بأقلامهم تُحيِّر الإنسان، وينظر إليها نظرة خوفٍ وبُغض، ولا يراها موضِع حُبّ. فلا يزال هذا السؤال قائماً.

الحقُّ أنَّ حُسنَ الصَنعة.. شيءٌ قائمٌ بذاته. فعندما يرسم الرسَّام منظراً مُخيفاً، ثم يبدو فيه شيئاً جميلاً، يعني ذلك أنّه لم ينجح تماماً في رسم الصورة المخيفة، ولا يُعتبر ذلك إبداعاً كاملاً منه، إذ لو كان رسَّاماً ماهراً حقّاً.. لخرجت صورته مُخيفةً مَهِيبة. فإذا كان يُريد أن يُعبِّرَ عن معنى مَهِيب لغرضٍ وقصدٍ مُعيّن، لوجب أن يكون رسمه مَهِيباً. وإذا لم يكن الرسم مَهِيباً تماماً.. لكان ذلك راجعاً إلى نقصٍ في قُدرة الرسَّام. وإذا لم يكن الموضوع مُخيفاً ومُرَوِّعاً لكان العيب في المؤلّف. و الله تعالى مُنزَّهٌ عن أيّ نقص. لقد وضع لكل شيء من صنعته هدفاً، وإذا شاء أن يخلق شيئاً مَهِيباً لوجب أن يكون كذلك. وجمال الصَنعة في تلك الأحوال يكون في هيبتها. وقد أراد الله تعالى أن يصنع هذه الأشياء في صورةٍ مَهِيبة لأسبابٍ مُعيّنة.

لقد أوضح القرآن الكريم هذا الموضوع في قوله تعالى:

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ ..

أي إذا أردتم أن تعرفوا الله تعالى فستجدون العلامات في الكون وفي أنفسكم. فهناك آياتٌ تُوَضِّح لكم هذه النقاط، وكل صَنعة الله تعالى كاملةٌ في حدِّ ذاتها. ربما لا ترى العين الهدف وراء خلقِها، ولكن اختبار الصَنعة وتجربتها اليوميّة تكشف أنّها خُلِقت خلقاً صحيحاً. ولو أمكن إدخال أي تعديل في هذه الصنعة لما حقَّقت هدفها. دودة الرَّوث مثلاً تبدو لكم كريهة.. ولكنها مخلوقةٌ لأهداف معيّنة، وإذا حاول أحدٌ أن يُعدِّل في خلقها لأفسدَ هذا الهدف. وتلك الديناصورات الضخمة، الدميمة في عيوننا، خُلِقت هكذا دميمةً لحِكَمٍ ودروس.. ولو تغيَّر شكلها ما حقَّقت أهدافها. يجب أن نضع هذا الموضوع في الاعتبار.. إذا رأى المؤمن خلق الله تعالى وتفكَّر فيه، فلا بدَّ أن يقول

رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .

كل مخلوق هو صَنعةٌ إلهيّة لها هدف، وخلقه الله تعالى ليحقِّق هذا الهدف الذي خلقه من أجله. ولو نظرنا إلى الديناصورات المهيبة بهذه النظرة لرأينا فيها حُسناً؛ ولا بدَّ أن نقول فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ .. سبحان الله تعالى ما أَعظَمهُ خالقاً!.. ولا بدَّ أن نَحمدُ تعالى ونمجِّده عندما نرى هذه الدمامة في الديناصورات، لأنّها تحقِّق الهدف الذي من أجله خُلِقت.

يُروَى أن النبي كان يُملي شيئاً من وحي القرآن على أحد الكَتَبة الذين كان يعهد إليهم بذلك.. وتلا النبي قوله تعالى عن مراحل خلق الإنسان:

ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً..

فهَتَف الكاتب تلقائيّاً وقال: آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ! فقال له النبي اكتبها فهكذا نزلت. وللأسف إنَّ هذا الكاتب اختلَّ إيمانه فيما بعد، وارتدَّ عن الإسلام. وقد ذكرتُ لكم هذا المثل لأنّ الإنسان إذا كان دارساً فاهماً للكون، لوجد في الدمامة ما يُثير  فيه مثل هذه النداءات الفطريّة التلقائيّة.. ولا بدَّ أن يقول: تبارك الله أحسنُ الخالقين.

وهناك ناحيةٌ أخرى ينبغي أن نلاحظها.. قد يخلق الله تعالى خلقاً لا تبدو الأهداف واضحةً وراء خلقِه، ولكنها تظهر فيما بعد. فمثلاً إذا لم يعرف الإنسان ما هي الدمامة، فإّنه لا يعرف ما هو الحسن. كل شيء له وجهان: وإذا ينتقل الإنسان بنظره إلى وجهٍ عرف الآخر. وكلما كان على مبعدةٍ عرف لكل وجهٍ شأنه.. ولكن إذا امتزج الوجهان لم يُعرفا. ولبيان الفرق خلق الله تعالى الكون بهذه الطريقة.. لنعرف ما هو الحُسن وما هي الدمامة. إذا فكَّرنا في الحُسن فلا بدَّ أن نُفكِّر في الدمامة. وإذا فكَّرنا في الرحمة فلا بدَّ أن نفكِّر في الظُلم.

هذا موضوعٌ طويل، وقد شرحتُ بعض نواحيه من قبل. أما الآن فأقول لكم إنّه ليس هناك أيُّ شيءٍ باطل في مخلوقات الله، وكل مخلوق – وإن كان من أكثر الأشياء دمامة – لو درستموه بدقة لوجدتم فيه حُسناً. والمخلوق يعرف أنّه خُلِقَ لتحقيق أهداف معيّنة.. وإذا خُلِقَ بشكل آخر لم يحقِّق هذه الأهداف.. هناك وراء هذه المخلوقات أهدافٌ قد تجلّت، وأهدافٌ أخرى لم تتجلَّ بعد، وسوف تتجلَّى في وقتها عندما يشاء الله تعالى. على أيّة حال.. تذكَّروا إذا وجدتم هناك دمامة في شيء، ففكِّروا أنّ هذه الدمامة تجذب نظرنا إلى ما خلق الله تعالى من مخلوقاتٍ جميلة. الدمامة تدفعنا إلى الحُسن لأنّ الدمامة إذا عرفها الإنسان ابتعد عنها.. وهذا المعنى مذكورٌ في عبارة «سبحان الله». كلما يتحدَّث القرآن عن سبوحيّة الله تعالى يُذكِّرنا بهذا الموضوع. عندما ذكر القرآن «الحمد» فإنّه يُشير إلى جمال الله تعالى.. وكلما ذكر «سبحان» فإنّه يُنزِّه الله تعالى عن كلِّ عيب. وهذا موضوع التبتُّل. كل شيءٍ ما سوى الله تعالى ليس فيه حُسنٌ دائم، فيجب أن نرجع إلى الله تعالى، فهو عز وجل مصدر الحُسن الدائم.

يقول الله تعالى

فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ..

أي يجب ان تُسبِّحوا الله تعالى، وإنّكم سوف تجدون الله تعالى دائماً مُنزَّهاً عن كل عيب.. سواء دخلتم في المساء أو في الصباح. في كل لحظة سوف تجدونه مُنزَّهاً عن كل عيب. عندما يدخل الإنسان في الليل.. ما هي العيوب التي يراها؟ منها مثلاً أنَّ النور يتحوَّل إلى ظلام، والأمن إلى خوف.. هناك مضامينٌ كثيرة في حلول المساء والليل. تُنزِّهون الله تعالى من هذه الأمور السلبيّة وتُقرُّون نزاهته منها. تجدون هذه الأمور واضحةً سواء في المساء أو في الصباح. إذا دخلتم في الليل.. تتذكَّرون بعض المشاكل التي تواجهونها بالليل، وعندما يطلع النهار.. تفكِّرون في المواضيع الجديدة. مثلاً: ماذا تبذلون في النهار من جهود لتحقيق أهداف معيّنة؟ فإذا فكَّر الإنسان في الليل في هذه المعاني نزَّه الله تعالى منها. في هذه التعبيرات لا بدَّ أن يُفكِّر الإنسان في هذه الأشياء.

ثم يقول الله تعالى: وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ .. أي أنّه ليس مُنزَّهاً عن العيوب فحسب، بل ومُستحقٌّ للحمد أيضاً.. ففيه جمال، وأيُّ جمال!. التنزيه عن العيوب ليس تعريفاً كاملاً.. وإنّما لا بدّ أن يكون في هذا المنزَّه من العيوب جمالٌ أيضاً. لأجل ذلك يقول: عندما يتجلَّى الله لكم في الليل والصباح منزَّهاً عن العيوب، فهو أيضاً صاحب الحمد في الأرض وفي السماء. ليس هناك ذرّةٌ في الكون حيث لا يتجلّى لكم بواسطتها حمدُ الله تعالى.

عندما ذكر القرآن «الحمد» فإنّه يُشير إلى جمال الله تعالى.. وكلما ذكر «سبحان» فإنّه يُنزِّه الله تعالى عن كلِّ عيب. وهذا موضوع التبتُّل. كل شيءٍ ما سوى الله تعالى ليس فيه حُسنٌ دائم، فيجب أن نرجع إلى الله تعالى، فهو عز وجل مصدر الحُسن الدائم.

ثم يعود إلى نفس الموضوع الأول ويقول وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ .. أي عندما تدخلون وقت الظهيرة.. وكذلك عندما تدخلون في العشاء، فإنّ الله تعالى يتجلّى لكم مُنزَّهاً من العيوب. عندما تكونون بالليل أو تكونون بالنهار وتَصِلون إلى وقت الظهيرة.. يتجلّى لكم الله تعالى مُنزَّهاً من كل عيب. هناك ذروةٌ لليل وذروةٌ للنهار، ووقت الظهيرة هو ذروة النهار.. وفيه أيضاً سوف تجدون الله منزّهاً.

ثم يقول

يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ،

أي يحوِّل الأحياء إلى أموات. هناك كلمة يُخْرِجُ ، أي يحوِّل الأموات إلى أحياء. وفي هذا الموضوع نجد أن الله تعالى يلفت النظر لبعض المخاطر. أولاً: يقول  يُخرج الحيَّ من الميت.. وفي هذا بشارة، يحمد الإنسان ربّه عليها، إذ يقول إنّ الأحياء يخرجون من الأموات. ولكنه يقول أيضاً وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ .. وهذا مقام خوف، ولكنه يستمر ويقول..

وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ..

أي هكذا سوف يُخرجكم الله تعالى من الأرض، أو من حالةٍ إلى حالةٍ أخرى. هذا الموضوع يتجلَّى لنا يومياً، ولا نحتاج إلى علماء كي يوضِّحوه لنا، فنحن نعرف أن الأموات يتحوَّلون إلى أحياء، عندما يتحوَّلون من الباطل إلى الحق.

ومن معانيها أيضاً أن جيلاً يموت، ومن نفس هذا الجيل يخرج اُناسٌ يُحيونَ اسم الجيل السابق. الأجيال القادمة تصبح علامة حياة للأجيال الماضية، وتكون ذريعةً لبقائها. ولكن هذه الأجيال أيضاً تضعف ثم تتحول إلى أموات. وهذا درسٌ مضمونه أنَّ كلّ شيء إلى فناء وزوال سوى الله عز وجل. إذا كنتم من الأمم الحيّة فسوف تموتون غداً، وإذا كنتم من الأُمم الميتة فيمكن أن يُحييكم الله تعالى.

هذه الآية تحمل لنا دروساً.. فهي تتحدَّثُ عن زوال الأُمم ونهضتها. هناك أُممٌ تعيش في حالٍ كحال الموتى.. وتركبهم الاُمم القويّة. وهذه الآية تُعلِّم هؤلاء الضُعفاء ألا ييأسوا ولا يحزنوا.. لأنّ من سُنّة الله تعالى أنه يُعطي للأحياء كي يختبرهم.. وبعد أن يمرُّوا بمرحلة الاختبار، ويجد أنّهم غير مستحقين للحياة، فإنّ الله تعالى يُخرجهم من هذا السباق ويأتي بقومٍ آخرين. فإذا كنتم من الأموات اليوم فيمكن أن يُحييكم الله تعالى غداً.. لأنّ هؤلاء الأحياء اليوم.. إذا لم ينجحوا في امتحانهم واختبارهم، فلا بدَّ ان يموتوا غداً. هذا الدرس موجودٌ في هذه الآية.

ثم يقول تعالى:

وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ..

أي تذكَّروا هذه السلسلة من الحياة والموت.. فيجب أن تعرفوا أن الموت ليس نهاية الإنسان، بل لابدَّ أن تُبعَثوا للحساب. كان لكم اختبارٌ في الدنيا.. وسوف تعرفون ماذا حقَّقتم في هذا الاختبار في الآخرة. هناك طريقان للجزاء والعقاب: هناك تحوّلاتٌ وتَغيُّراتٌ في حياة الاُمم وموتها.. هناك أقوامٌ كانت على ذروة التقدُّم حتى كانت تُناطح السحاب، وكانت تتعالى وتتكبَّر، ولكنها سقطت وتمرَّغت في التراب ولم يبقَ لها أثر. وكانت هناك أُممٌ مغلوبة على أمرها.. وكان يبدو أنّها ما كانت لتخرج من هذا الحال التَعِس.. ولكنها نهضت وقضت على الأُمم القوية. ففي هذه الآية درسٌ تاريخيّ عن حياة الأُمم وموتها، ولكن الله يقول إنّ هذا التغيُّر لن ينتهي هنا.. بل لابدَّ أن تُبعثوا مرةً أخرى، وتَرجِعوا إلى الله. وفي آيةٍ أخرى يقول تعالى: وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ، أي سوف يجمعكم الله تعالى من هنا وهناك.. وتُساقون كما تُساق الأغنام التي يحشرها صاحبها إلى البيت.

وفي الآية أيضاً تذكرةٌ أن الأديان تمرُّ كذلك بهذه المراحل. كثيرٌ من الأديان تحيا على أيدي الأنبياء.. ولكن إذا لم يُحافظ أصحابها على حياة دينهم، فلا بدَّ أن يموت هذا الدين. وهذا الموضوع أيضاً ينطبق هنا كذلك. فالواقع أنّ أتباع الأنبياء والمؤمنين بهم لا يموتون كقوم، بل إنّ حياتهم أبديّة كما قال الله تعالى أنّه

يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا .. وَإِلَيْهِ تُخْرَجُونَ ..

فالمؤمنون بالأنبياء وأتباعهم الأوَّلون لا موت لهم. ولكن الأجيال التالية يموتون كما قال تعالى:

فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ .

أي كان هناك أُناسٌ أتقياء.. ولكن أولادهم انقرضوا بسبب أعمالهم غير الصالحة، وتحوَّلت حياتهم إلى موت. فبعض الأُمم عندما تخرج من حالة الموت بقبول الحق وتنال الحياة.. فلهم نصيحةٌ في هذه الآية: عليكم أن تُربُّوا أجيالكم التالية لكم حتى لا يموتوا. ويقول الله تعالى إنّ هذا الوعد ليس وعداً أبدياً يضمن لكم أنّكم إذا ربّيتموهم فلا بدَّ ان أَفِي بوعدي بحقِّهم.. بل يجب أن تعرفوا أنّه لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .

وكما أنَّ الروح تغادر هذه الدنيا، وتذهب إلى عالَمٍ آخر، وتنال حياةً دائمة.. كذلك أعطيناكم وأجيالكم فرصةً لحياةٍ أبديّة بحيث لا تموتون أبداً. وهذا الموضوع تتضمَّنه هذه الآية. وقد اخترتُ هذه الآية لبيان موضوع التَبَتُّل. ففي هذه الخُطب أُبيِّن لكم أنَّ التَبَتُّل إلى الله ضروريٌّ لكم. التَبَتُّل يعني أن يترك الإنسان حالةً ما أو مكانً ما، وينتقل إلى حالةٍ أو مكانٍ آخر، كي يقطع كل صلة له بالحالة أو المكان السابق. وهذه الآية تقول لكم إنّكم مهما حَييتُم في هذه الدنيا فلا بدَّ أن تتركوها.. فهذا التَبَتُّل والانقطاع اضطراري. ليس هناك أحدٌ لا يمرُّ بهذا الانقطاع ولا يرجع إلى الله. ولكن هناك تَبَتُّلٌ أو انقطاع اختياري. إذا لم تقوموا بهذا التَبَتُّل فإنَّ كل شيءٍ تتعلَّقون به في هذه الدنيا سوف يصبح وقوداً لكم في النار. إنّ الإنسان عندما يبتعد عن شيء يُحبّه فإنّه يقلق له. هذا الموضوع يَصْدُقُ في لقاءاتنا اليوميّة. إذا التَقيتم بمحبوب فإنّكم لا تُريدون منه أن يترككم، ولكن إذا جاءكم من لا تريدون ولا تُحِبُّون تجدونه ثقيلاً عليكم.. وتَوَدّون أن يذهب بسرعة مع أنّه لا يُؤذيكم إيذاءً ظاهرياً. وقد لا يُكلِّفكم شيئاً ولا يأكل طعامكم.. ولكن عندما ينصرف تقولون «الحمد لله.. لقد ذهب، لقد حطَّمَ أعصابنا». إنّ الذين لا ينقطعون عن الــمُتع الدنيويّة سوف تُحطِّمُ هذه الــمُتع أعصابهم في الآخرة. فإنّهم كانوا مُتعلِّقين بهذه الأشياء.. علاقةً كانت تُعذِّبهم دائماً.. وماتوا في حالٍ لم ينقطعوا فيه عن مُتع الدنيا. إننا لا نستطيع أن نتصوَّر جهنَّم تصوُّراً صحيحاً. هناك عواطف وأحاسيس نتصوَّرها في الدنيا، وهذه الاحاسيس سوف تنال وجوداً في الآخرة، وسوف تتعذب الأجسام بهذه الأحاسيس والعواطف في الآخرة.

تقول الآية وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ، وتُحذِّرنا أنّه لا بدَّ أن نُخرجكم من هذه الدنيا.. فعليكم أن تستعدُّوا روحانيّاً لتركها تماماً، حتى لا تتعذَّبوا بسببها. جاء الرسول لإحياء الأموات إحياءً روحياً. إنّه أخرجهم من موتٍ روحانيّ إلى حياةٍ روحانيّة. يقول القرآن

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ..

أي لَبُّوا دعوة الله ودعوة رسوله، إذا دعاكم. إنّه يُناديكم ليُحييكم. هنا لم يقل الله تعالى «أيُّها الناس» وإنّما قال يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ .. فالمخاطبون هم المؤمنون. والمؤمنون قد نالوا الحياة عند إيمانهم.. فلماذا يُدْعَونَ إلى حياةٍ جديدة؟ أرى أنّ هذه الحياة هي حياة التَبَتُّل. لقد وُجِدَ هذا الاستعداد ليتَّجهوا إلى التَبَتُّل بسبب الإيمان. كل إنسان إذا فكَّر في هذا الموضوع يمكن أن يعرف حقيقته. كلنا – نحن الذين نؤمن بحضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود – وجدَّدنا بيعتنا للمصطفى وآمنّا به إيماناً حقيقيّاً عميقاً.. نحن نعرف أننا على أحوالٍ من التَبَتُّل. كثيرٌ منا رغم إيماننا لا يستطيعون أن يُلبُّوا دعوة الحياة الحقيقيّة.. لانّ هذه الحياة تتطلَّبُ منا موتاً. لا يمكن للإنسان أن يخرج من الأموات إلى الأحياء، إلا إذا نفَّذ الموت على حياته. كما ترون أنَّ الحيَّ لا يمكن أن يقبل الموت. عندما يرى الموت يقترب منه يخاف، في هذه المواقف يمكن أن تعرفوا بأيِّ حالٍ يمرُّ هذا الشخص.. ولكن الذين هم أموات روحانيّون إذا يُدعونَ إلى الحياة الروحانيّة فإنّهم يمرُّون بنفس الصعوبة.. ولا يُلبُّون نداء المــُحيي.

تعرفونَ أن الرسول يريد أن يُحييَ هؤلاء المؤمنين الذين قد آمنوا. إنّه يدعوهم إلى طريق الحياة، ويقول الله تعالى إذا دُعيتم بهذه الدعوة فيجب أن تُلبُّوها ولكن عندما نمرُّ بمثل هذه التجارب للدعوة نجد ضَعفاً كثيراً في التقدُّم إلى طريق الحياة.. لأننا مُقيَّدون بحبالٍ كثيرة من العلاقات الدنيوية. كلما نجد هذه الصعوبة، أو عندما لا نُلبّي هذه الدعوة، أو إذا كنا نبذل جهوداً للتوجُّه إلى طريق.. عندئذٍ يمكن أن تختبروا حالتكم الإيمانيّة، وتختبروا حالات التَبَتُّل لديكم. الظُلمة التي تُدعونَ منها إلى النور تعرفون أنّها هي التي قد قيَّدتكم. هذا هو الموضوع المذكور في الآية. إذا كانت أقدامكم مُقيَّدة بهذه العلائق الدنيويّة، فسوف يصعب عليكم تلبيةُ دعوة الله ورسوله.. مع أنّكم تعرفون أنّه يدعوكم إلى الحياة. فكما أنَّ الحيَّ لا يريد أن يموت، كذلك الميّت يصعُبُ عليه أن يحيا.. لأنّ المسألة هي في الانقطاع. الإنسان لا يريد أن يخرج من حالته. وكلما كانت أقدامه مقيَّدة بهذه الحالة من الموت أو الحياة، كلما صَعُب عليه التقدُّم. و الله تعالى يذكر هنا ويُبيّن موضوع التَبَتُّل، ويقول يجب أن تُلبُّوا دعوته وإلا سوف تبقون من الأموات. ثم يقول:

وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ..

فمهما كانت نواياكم، ومهما كانت أعذاركم – ولوسوف تجدونَ أعذاراً كثيرة، اليوم تقولون مثلاً: عندي عذر كذا ولا أستطيع أن آتي.. ولكن الله تعالى يقول: إذا دُعيتم إلى الله ورسوله فيجب ان تعرفوا أنّه – عز وجل – يعرف نواياكم. يقول

أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ..

أي أنّه – تعالى – بين المرء وبين قلبه.. مع أنّ المرء يظنُّ أنّه الأقرب إلى قلبه. الله تعالى يقول: انا أعرفكم وأعرف نواياكم أكثر منكم. مهما قالت لكم قلوبكم وقدَّمت لكم من أعذار.. فيجب أن تعرفوا أنني أُراقب هذه الرسائل التي تنبعث من قلوبكم. هذا المراقب هو الله تعالى.

ويقول تعالى:

إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ

أي من الأرض تخرجون إلى الله تعالى. وهنا يُبيّن تعالى نفس المعنى.. يجب أن تتخلَّصوا من كل عيب قبل أن ترجِعوا إلى الله تعالى، ويجب أن تتنزَّهوا من كل معصية قبل أن تُنادوا إلى ذلك الموقف.

لقد بيَّن سيدنا المهدي هذا الموضوع بطرقٍ عديدة، فقال إنّ الإنسان خُلِقَ لعبادة الله، وعليه أن ينهمك في هذه العبادة. كلّ مُتع الدنيا من أزواج وأولاد وأموال وأملاك.. كلّها لهذه الحياة. وعندما ينقطع الإنسان من هذه الدنيا يُقاطع كل هذه العلاقات الدنيويّة. سيدنا المهدي يُفسِّر هذه الآية التي استهللتُ بها خُطبتي بقوله: إنّ الإنسان محتاجٌ إلى الله تعالى في هذه الدنيا وفي الآخرة، فلا تخرجوا من هذه الدنيا إلى عالمٍ فارغ ليس لكم فيه شيء، لا تقطعون صلتكم بعالمٍ دون أن تُنشِئوا صلةً بعالمٍ آخر.. فهذا دمار. ويقول: لماذا لا تتفكَّرون في أنّ هذه العلاقات الدنيويّة من أزواج وأولاد وأقرباء وأحبَّاء وأموال.. كلُّ هذه فانية وسوف تتركونها وراءكم في الدنيا، ولن تذهب ذرةٌ منها معكم إلى الله. ولكن هناك وجوداً آخر يمكن أن ينفعكم في هذه الدنيا وفي الآخرة.. فإذا أنشاتم صلةً بهذا الوجود، فسوف ينفعكم في الآخرة أيضاً، ولن تشعروا بالعُزلة في الآخرة. وكلما كانت صِلتكم به قوية كلما أعطاكم السَكِينَة في الآخرة، ويُعطيكم من النِّعم التي تُسلِيكم.. النِّعم التي لا يمكن أن نتصوَّرها. وهذا المعنى مذكور في آيةٍ أخرى من القرآن، وهي قوله تعالى: هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ . والمراد أنّكم إذا أنشأتم صِلةً بالله تعالى في هذه الدنيا، فسوف تظهر لكم هذه الصلة مع الله تعالى في صورةِ نِعَمٍ إلهيّة في الآخرة.. حتى تقولوا إننا وجدنا نفس هذه المتع في الدنيا. ولكن الله سوف يقول لكم: لا، لا، هذه مُتعٌ جديدة.. لأنّ هناك فرقاً شاسعاً بين هذه المتع وبين تلك التي نِلتُموها في الدنيا. وكلما ذكر حضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود علاقتنا بالله تعالى ذكر قبلها موضوع التَبَتُّل.. لأنّ الإنسان لا يمكن أن يركب قاربين في وقتٍ واحد. إذا أراد الإنسان أن ينتقل من مكان لآخر فلا بدَّ ان يُغادر مكاناً منهما.. ويجب ان يجذبه المكان الثاني ولا يجد رغبةً في المكان الأول.. وهذا قانونٌ طبيعي. إذا أحببتم أحداً فلا بدَّ أنّكم تَوَدُّونَ وِصَالهُ إلا أن يمنعكم عنه كثيرٌ من الموانع.. ولكن لا بدَّ أن تكرهوا هذه الموانع من أجل الحبيب، مهما نصحكم الناصحون. الإنسان يَقبل نُصحَ من ينصحه.. ولكن لو منعه النَاصح من وِصَال هذا الحبيب فإنّه يرفض ويقول له: لا، لن أقبل نُصحَكَ؛ ويعتبره عَدْوّاً كبيراً لأنّه يَحُولُ بينه وبين حبيبه.

إنّ الذين لا ينقطعون عن الــمُتع الدنيويّة سوف تُحطِّمُ هذه الــمُتع أعصابهم في الآخرة. فإنّهم كانوا مُتعلِّقين بهذه الأشياء.. علاقةً كانت تُعذِّبهم دائماً.. وماتوا في حالٍ لم ينقطعوا فيه عن مُتع الدنيا. إننا لا نستطيع أن نتصوَّر جهنَّم تصوُّراً صحيحاً. هناك عواطف وأحاسيس نتصوَّرها في الدنيا، وهذه الاحاسيس سوف تنال وجوداً في الآخرة، وسوف تتعذب الأجسام بهذه الأحاسيس والعواطف في الآخرة.

فالتَبَتُّل ضروريٌّ جداً للعلاقة مع الله تعالى. وكلما زادت هذه العلاقة زِدتم تَبَتُّلاً وانقطاعاً عن الدنيا، وقويت صِلتكم بالله تعالى. إننا نستطيع أن نختبر تَبَتُّلنا وصِلتنا مع الله تعالى في حياتنا اليوميّة. هناك مرايا كثيرة في نفوسنا يمكن أن نرى فيها صورتنا.. ذلك إذا كان عندنا القليل من العقل.. ونعرف هل نحن على صِلةٍ وقُربٍ مع الله تعالى؟ وقد أشار قوله تعالى فَسُبْحَانَ اللَّهِ إلى أنّ هذا الموضوع سهلٌ جداً. إذا كنتم نافرين من السيئات فلا بدَّ أنكم مُتَبتِّلون، ولكن إذا ازددتم حُبّاً لها فلا بدّ أنّكم تقطعون صِلتكم مع الله. ونستطيع كل يوم أن نعرف كم ارتكبنا من المعاصي والآثام، ونعرف ما فينا من تقصير، وما في نفوسنا من ظُلمات. إذا خرجنا من هذه الظُلمات فلا بدَّ أن نصِل إلى الله تعالى.. لأنّ جلَّ علاه ليس في الظُلمات.. والظُلمة منافية لله تعالى. كلما ابتعدتم عن الظُلمات كلما دخلتم في النور الإلهي. فيجب أن تقيسوا تصرُّفاتكم وأعمالكم بهذا المقياس.

ويجب أن تعرفوا أين النقائص فيكم، هل تُقصِّرون مثلاً في أداء الصلوات؟ لماذا يحدث هذا التقصير؟ هل يحدث لأنّكم لم تنالوا التَبَتُّل؟ لأنّكم تحبُّون أشياء أخرى أكثر من الصلاة؟ ولا تتخلُّون عن هذه الأشياء لأجل الصلاة؟ كان الرسول على العكس من ذلك. وقد جاء في الروايات أنّه عندما كان يؤجِّل الصلاة لأجل أشغالٍ أخرى.. فإنّ قلبه كان يظلُّ معلَّقاً بالصلاة. ولكننا – نحن وغيرنا – مهما كنا من العابدين.. فإننا نُصلّي وتكون قلوبنا في مكانٍ آخر، وأفكارنا قد تذهب بنا إلى ذلك الشيء الذي يشغلُنا. فما لم يكن هناك تَبَتُّل.. فكيف تُقبل الصلاة؟ يجب أن تقطعوا صلتكم بالعوائق الدنيويّة، وعندئذٍ تنالون التَبَتُّل.

هذا مثالٌ بسيط قدّمته لكم.. إذا فكَّرتم فيه وجدتم مثله كثيراً في حياتكم اليوميّة. ويمكن أن تعرفوا نفوسكم وحالتكم جيداً.. ولا تحتاجون إلى مُعلمٍ ومُربٍّ من الخارج. إنَّ قلبكم مرآةٌ يمكن لكم أن تروا فيها صورتكم. وإذا لم تروا هذه الصورة.. فسوف تترسَّخ هذه العيوب في وجوهكم ونفوسكم.. وهذا هو الخطر الذي أُنبِّهكم إليه.

يمكن للإنسان أن يرى صورته في مرآةِ قلبه ويرى العيوب التي في وجهه.. ويحاول أن يُخلِّص نفسه من هذه العيوب. والإنسان الذي يسعى بجهدٍ وإخلاص ويحاول أن يُخلِّص نفسه من هذه العيوب.. حتى وإن لم يستطع التخلُّص منها تماماً – ثم وصل إلى الله.. فإنّه تعالى يغفر له. ولكن هناك إنسان يرى هذه العيوب ولا يُزيلها، يرى في بيته قذارةً ولا يُزيلها.. وإذا استمرَّ في هذا التهاون فسوف يتحوَّل بيته إلى مزبلة. إذا راقب الإنسان عيوبه وحاول إزالة هذه العيوب والتخلُّص من المساوئ.. فذلك هو الإنسان المـُــتَبَتِّل. لو قام المرء بهذا التَبَتُّل فلا بدَّ أن يتحسَّن. إنّ معظم الناس يرون عيوبهم مَدْعاةً للحمد.. ذلك لأنّهم يُحبون هذه المساوئ. لأجل ذلك يمدحون أنفسهم رغم هذه النقائص. إذا رأيتم الآثمين وجدتم أنّهم يمدحون أنفسهم رغم هذه المآثم. فمثلاً مَنْ يتعاطون المخدِّرات يعرفون أنّها مُهلِكة، ورغم ذلك يُحبُّونها. لا يمكن أن ينال الإنسان طعم الحمد الحقيقي إلا إذا عرف المعصية وانقطع عنها وتركها. فاعرفوا هذه المعاصي، وأعدُّوا أنفسكم لتركها. يجب أن تُحاربوها، ابذلوا كل جهدكم في حربكم هذه.

أما كيف تُوَفَّقونَ في هذه المحاربة.. فسوف أُخبركم في الخُطبة القادمة إن شاء الله.. بأمثلةٍ من سيرة الرسول ، وأُخبركم عما يناله الإنسان إذا حصل على التَبَتُّل؟ وإنّي متفائل أنّه بفضلٍ من الله تعالى – عن طريق هذه الخُطب والنصائح – سوف تنال جماعتنا معرفةً بالتعاليم الإسلاميّة. انظروا كيف أنّ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قال: إنّكم لا تستطيعون أن تنالوا التَبَتُّل بدون التوحيد الخالص. فمن الممكن أن تبنوا عليه بناء التَبَتُّل.. ثم تنالونه وتُوَفَّقون إلى حمد الله تعالى. وكلما كنتم أكثر حبّاً لله تعالى فلا بدَّ أن تُكثروا من حمده.. لأنّ الإنسان يذكر حبيبه دائماً. والذي أضناه البُعد عن حبيبه لا بدَّ أن يذكر حبيبه أمام الناس دائماً.. وكذلك الإنسان الذي ينال التَبَتُّل لابدَّ أن يذكر الله تعالى ويحمده.

نفَّعنا الله وإيّاكم بهذه المعارف.. آمين.

[1] رئيس التحرير السابق وهو كاتب من مصر الشقيقة

Share via
تابعونا على الفايس بوك