خطبة الجمعة يوم 17/6/94 بمسجد الفضل - لندن
التاريخ: 1994-06-17

خطبة الجمعة يوم 17/6/94 بمسجد الفضل – لندن

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة يوم 17/6/94 بمسجد الفضل – لندن

بعد الكلمة الافتتاحية قال أمير المؤمنين:

هذا هو شهر المحرم، وقد وردت أهمية هذا الشهر في الأحاديث النبوية وفي التراث الإسلامي، وفي هذه المناسبة سوف أتحدث اليوم عن أهل البيت.. أبناء الرسول . إن صلتهم بالنبي لهي صلة تتعلق بالله تعالى.. ولقد بذلوا أرواحهم من أجله. فمن يحمل ضغينةً لهم كانت ضغينته ضد النبي ، ومسلك المبغض لا يمكن أن يعتبر من التقوى. المفروض أن من يحب شخصا يحب أحبابه، ويكون على خلق طيب معهم. هاتان الصفتان كان يتصف بهما أولاد بنات الرسول ، وكانوا يحبون الرسول ويحبون من يحبه. وقرابة الدم هذه كانت قرابة عظيمة .. فلا يتصور أحد أن يبتعد عن أهل بيت الرسول أو يظن أنه يستطيع أن يقطع صلته بقرابة الرسول .. بل على العكس، هناك حب غير مصطنع يدل على الإيمان الصادق بالرسول . وهذا الحب شهادة دائمة على الحب للرسول لا يمكن نكرانها أو غض النظر عنها.

ومع ذلك لا يجوز أن نحب آل الرسول ولا نحب أولئك المقربين له، الذين لم تكن قرابتهم قرابة دم. ولكنهم قدموا تضحيات جسيمة مع الرسول . وإذا كان الإنسان يبغض صحابة الرسول هؤلاء، فذلك دليل على عدم إيمانه. إن الصراط المستقيم والطريق الوسط هو أن نحب كل من كان له قرابة وعلاقة بالرسول .. سواء كان من أقرباء الدم أو كان من غيرهم. وهذه علامة صادقة على الإيمان بالرسول والحب الصادق له. اليوم يتخبط عالم الإسلام في الظلمات.. وافترق هذان الحُبَّان. فلا يجدان مكانا في بيت واحد. فالشيعة الذين يدعون حب آل البيت الرسول يبغضون أصحابه الفدائيين. ويكرهون هؤلاء الصحابة الكبار، الذين لا تجمعهم قرابة الرسول كقرابة الحسن والحسين. وهكذا نجدهم يمزجون حُبهم هذا بالسُّم. وعلى العكس من هؤلاء.. هناك من المسلمين من يحبون الصحابة، ويرون وجوب التصدي للشيعة وتخريب مجالسهم الدينية ومسيراتهم. وهذا أيضا يدل على نقص إيمان هؤلاء. فهذه العلاقات التي يمكن أن توحد العالم الإسلامي؛ وتؤدي في ذلك دورا كبيرا.. أصبحت تستخدم لتفريق المسلمين.

لا يمكن في أيام شهر محرم هذه القول بأن المسلمين الذين يحبون أهل البيت قد اتحدوا يدًا واحدة، وقدَّموا هذا الحب هدية لروح واحدة. بل نجد عكس ذلك، ونقرأ أخبارا عجيبة في الصحف وفي أجهزة الإعلام؛ تقول: سوق تُراق الدماء، ويُتبادل السباب بين السُّنة والشيعة. ولو كان قد حدث تقارب بين الطائفتين من قبل فسيتفرقان اليوم، وتستمر هذه الذكرى المؤلمة لأيام طويلة، وتقوم الحكومات بحشد الجنود للمحافظة على الأمن.. لأنها تتوقع خطرا كبيرا.

كيف يتوقعون المخاطر من الحب؟ الحب يزيل المخاطر والأخطار. لا شك أنه قد تسرب الفساد والكذب إلى الحب عند كل الطائفتين. ألا يرون الحقيقة؟ من المستحيل أن يدّعوا حُبًا للرسول ويكون هذا الحب سببا للفرقة بين أهل النبي وصحابته.. حتى صار حب كل منهم ترادفًا مع بغضه للطرف الآخر. ولذلك أوجه حديثي للعالم الإسلامي أجمع: اجعلوا هذه الأيام من شهر المحرم ذريعة لجمع القلوب، وللتقارب بين بعضكم البعض. لا يحق لأهل السنة أن يتعرضوا لأهل الشيعة وما يفعلونه في هذه الأيام. ولا يصح أن يعملوا على الإخلال بمسيراتهم ورجمهم بالأحجار. ولا يجوز أن يسبوهم أو يؤذوهم. هذا ليس من الحب. إنه كراهيات تتولد وتتربى في القلوب، وتخرج إلى حيز الأعمال. وإذا لم يكن حب الرسول ذريعة لجمع القلوب في العالم الإسلامي.. فلا يمكن أن تُحل مشاكل هذه الأمة.

كلهم يدعون بحب الرسول، ثم يستخدمون هذا الحب ضد بعضهم البعض. وهذه العملية قد زادت وتفاقمت حتى تفرقت الأمة إلى اثنين وسبعين فرقة وهم لا يشعرون. يجب علينا أن نقدم رسالة إلى المصطفى للأمة كما قُدّمت أول مرة. عندما ذكر القرآن الكريم تأليف القلوب بيّن أن ذلك كان من نِعم الله تعالى، وكان وجود الرسول من أعظم النعم. الحق أن وجوده قد جمع القبائل المتعادية التي كانت تتعطش لدماء بعضها، وأصبحوا بحب الرسول أصدقاء فدائيين. وإذا استبعدنا وجوده ما أمكن أبدًا تَوحُّد هؤلاء المتحاربين المتنافرين، مع أن الرسول لم يفعل ذلك من عند نفسه.. بل إن الله تعالى هو الذي جعل في شخصيته هذه الجاذبية.. فلم بجد الناس مندوحة عن الالتفاف حوله، ولم يكن مركزهم المدينة أو مكة.. وإنما كان مركزهم الرسول .. فأينما ذهب كان مركز المسلمين والإسلام ينتقل معه. عندما كان يجلس.. يجلس مركز الإسلام، وعندما كان يقف.. يقف مركز الإسلام. هذه هي النقطة التي فهمها الصحابة من حبهم للرسول ، وقالوا إن الاتحاد على يد الرسول هو الإسلام. وهذه هي رسالة التوحيد توحِّد العالم.

يجب أن نقدم هذه الرسالة لأمة المصطفى ، ونذكِّرهم بالأيام التي كان فيها النبي موجودا وأولادُه موجودين.. ولكن لم تكن القلوب متفرقة. كان الصحابة عندما يرون الحسن أو الحسين ينظرون إليهم بحب وعشق. انظروا كيف كانوا يذكرونهم بكل الحب، وكيف كانوا يرونهما راكبين على ظهر الرسول وهو يصلي، وكيف كانا يلعبان معه. عندما كانوا يرون هذه الأمور يزداد حبهم لهما كثيرا.

هؤلاء هم أهل البيت، وهؤلاء هم الصحابة.. فماذا أصابكم حتى فرّقتم بينهم، وكنتم سبب في فُرقة الأمة؟ إنهم كانوا بِحارا للحب، ولكنكم جعلتم منهم بحارا للكراهية. هناك حاجة لشرح هذه الأمور للأمة الإسلامية وإلا فإنها لا تستحق أن تسمى أمة محمد.

بعد أيام سوف تسير الشيعة مسيرات المحرم.. في كراتشى ومُلتان ولاهور، وسوف تجدون قوات عسكرية كبيرة للفصل بين أهل السنة والشيعة.. وتضع حدًّا بين هذه البحرين من الثوار.. البحرين اللذين يبغيان. وسوف تفصل الكراهية بينهما أكثر. ما هذه الأعمال التي ترتكبونها في الأيام المقدسة؟

إن المشائخ المتعصبين يتهمون سيدنا المهدي أنه لا يُكرّم أهل البيت ولا الصحابة، ولكن انظروا كيف يُظهر هؤلاء المشائخ حبهم لأهل البيت ولصحابة الرسول ، وكيف يعبِّرون عنه في أعمال العنف والتخريب والتدمير!! ولقد قال سيدنا المهدي قولا كثيرا في حب أهل البيت والصحابة. ولكن الحكومات حظرت نشر أقواله. إنها تسمح بنشر الكراهية فيما بينهم، وصادروا كتب سيدنا المهدي التي تحتوي على كلمات جميلة في حب آل النبي وفي حب صحابته. ولقد اخترت لكم بعض كلمات سيدنا المهدي لأقرأها عليكم.. عسى ان تتحد الأمة مرة أخرى على يد واحدة بحب الرسول ، وتكون هناك مركزية واحدة للإسلام مرة أخرى.

يتحدث سيدنا المهدي عن الحسن والحسين فيقول:

“للأسف أن هؤلاء لا يفهمون أن القرآن لم يعط الحسين مرتبة البُنوة للرسول “. اختطف المشائخ هذه العبارة واستخدموها ضد الإمام المهدي، وقالوا: إن غلام أحمد لا يعتبر الحسين من أبناء الرسول . ولو قرأ هؤلاء المشائخ العبارة كاملة لعرفوا أنه يشير إلى الآية القرآنية التي تقول:

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ .

فليس أحد ممن حول الرسول  إبنًا له من صُلبه. وكل ما يمكن هو أن يكون الجميع.. سواء من أهل البيت أو من الصحابة.. أبناءً روحانيين له . فالقرآن يبين أن بنوة الدم للرسول ليست ذات موضوع، وأن البنوة الروحية هي التي لها شأن. قال تعالى:

مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ..

أي أن قرابة الدم للرسول لا تفيد أحدًا إلا إذا كان ابنا روحيا له. ولكن هؤلاء المشايخ المتعصبين ظلموا سيدنا المهدي وافتروا عليه واتهموه أنه -والعياذ بالله- لم يكن في قلبه حب للصحابة أو لأهل البيت. اسمعوا ما قاله سيدنا مهدي في بيان منزلة الصحابة وأهل البيت:

“إني أعرف مقام عيسى والحسين أكثر من أي إنسان”

لماذا جمع سيدنا المهدي بين عيسى والحسين في هذا القول. يتميز عيسى بين الأنبياء أنه قدَّم حياته وتحمَّل أذى عملية التعليق على الصليب.. ولذلك يربط هذا المعارف بالله -سيدنا المهدي- بين ما جرى للحسين وما جرى لعيسى بن مريم.. “لأن صاحب الجوهر يعرف ما هو الجوهر.. ومهما سجد الآخرون للحسين فلن يعرفوا مقامه؛ ومهما عبد المسيحيون المسيح على أنه ابن الله فلن يقدروه حق قدره. ولا نقول ذلك تحقيرا لهم، ولكنما نذكر الأمر الواقع. فالمرتبة الحقيقة للمسيح وللحسين كما أعرفها لا يمكن أن يعرفها أولئك الذين يسجدون لهما. والسجود نفسه يدل على أنهم لا يعرفون مقامها“. وهكذا قدم الإمام المهدي الدليل على صدق قوله:

إنني بهذا الإعلان أُخبر جماعتي بأننا نؤمن بأن -يزيد- كان دودة نجسة، وكان دنيويا ظالما، ولم يكن مؤمنا بأي معنى الكلمة“.

هذه هو إعلان الحق، ولا يبالي بما يقوله أهل السنة، تعليقا على هذا القول.. مع أن سيدنا المهدي كان من أهل السنة ولم يكن من الشيعة. قال ما قال لأنه جاء حَكَما عدلا يفصل بين الفريقين، فلم يكن يخشى لومة لائم من أهل الدنيا. يقول: كان يزيد سيّء الطبع. كان دودة مادية دنسة، ظالما، ولم يكن مؤمنا بأي صورة. الإيمان ليس سهلا. يقول القرآن المجيد:

قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا .

المؤمنون تكون أعمالهم دليلا على إيمانهم. وهم يؤثرون بالله تعالى ورضاه على كل شيء. ثم يقول عن يزيد:  “لقد أعماه حب الدنيا، ولكن الحسين كان طاهرا مطهرا، وكان من أولئك الأصفياء الذين يطهرهم الله تعالى بيده. ويملؤهم حبا له. وكان بلا شك من سادة أصحاب الجنة

هذا ما قاله سيدنا المهدي عن الحسين عليهما السلام، وكل كلمة منه تدل على أنه صوت قلب طاهر. قال “إنه من سادة أهل الجنة، ومن أبغضه أدنى بَغضٍ ضاع إيمانه. إن تقواه وصبره وزهده وعبادته أسوة طيبة لنا. ونقتدي بهذا المعصوم. تبًا لقلب يبغضه ويعاديه، وطوبىَ لقلب يحبه بالعمل“. لقد رفع سيدنا المهدي بكلمة -العمل- قدر الموضوع. ليس الحب بضرب الصدور كما تفعل الشيعة، وإنما يكون حبُّ الحسين بالعمل هو صادق الإيمان..  أي يقتدى بسنَّة الحسين وليس سنة الشيعة.

“طوبى لقلب يحبه بالعمل، وينقش في قلبه إيمانه وأخلاقه وشجاعته وتقواه وصبره واستقامته.. ويتبعها، ويكون كالمرآة الصافية التي تعكس صورة إنسان جميل. إن هؤلاء مستورون عن عين الدنيا. من يعرف قدرهم إلا الذي هو منهم؟ من يملك مثل قلوبهم، وتطهر في حب الله تعالى واحترق في نار الحب.. يعرف أحوال هؤلاء ومقاهم . أما الأغيار الذين ينظرون إليهم من الخارج فلا يمكن أن يعرفوا أحوالهم. إن عين الدنيا لا تستطيع معرفتهم لأنهم بعيدون كثيرا عن أهل الدنيا. هذا هو سبب في استشهاد الحسين”.

انظروا إلى هذه النكتة العظيمة التي لا تُرى إلا بعين المعرفة. يقول: هذا كان السبب في استشهاد الحسين لأن هؤلاء لم يعرفوه. إن الشيعة لمئات السنين في كفة.. وهذه العبارة وحدها في كفة أخرى ترجحهم جميعا. يقول الإمام المهدي أن الحسين استشهد.. لأنه لم يُعرف. وللأسف أنه لم يعرف أيضا بعد استشهاده.. وإلا كيف يمكن أن يأمر حبُّه ببغض صحابة الرسول وهُم عشاقه؟ من المصيبة أن أهل الله أحيانا لا يُعرفون.. لا في زمنهم، ولا بعد رحيلهم، ولا يعرفهم إلا من كان قلبه مثلَ قلوبهم. ومن وهبوا فطرة مثل فطرتهم، هم الذين يمكن أن يعرفوا هؤلاء.

يقول سيدنا المهدي إنه عدم معرفة الناس بالحسين أدى إلى استشهاد الحسين.. ثم يضيف “من ذا الذي أحبته الدنيا في زمنه حتى نتوقع أن يُحبَّ الحسين في زمنه؟”

لا يعني سيدنا المهدي بذلك أن الحسين لم يكن محبوبا من الناس.. فالعشاق الصادقون كانوا في زمن النبي وزمن عيسى . ولكن الإمام المهدي يتكلم عن غالبية الناس الذين يدَّعون الحب فيما بعد: أما أهل زمنه فمعظمهم لا يعرفونه حقيقة. لذلك قال القرآن عن قوم موسى أنهم آذوا موسى، وأنهم الذين قتلوا الأنبياء.. مع أن اليهود الذين يُوجه إليهم الحديث جاءوا بعد موسى بألفي سنة. فالقرآن يعني أن دأبكم هكذا: في زمن موسى لم تعرفوه، وعاديتموه وحاولتهم قتله.. واليوم تدَّعون حبه. عن مثل هؤلاء الناس يتحدث سيدنا المهدي. فهم في زمن أولئك الأصفياء لم يعرفوهم، وعندما يموتون أو يفارقونهم بزمن طويل.. عندئذ يدعى هؤلاء المنكرون أنهم يحبونهم وينشدون أناشيدهم.

فمن الشقاوة وعدم الإيمان أن يبغض أحدّ الحسين أو غيره من الأئمة الأطهار فيحقرهم أو يتكلم عنهم بسوء. مثل هذا المبغض يضيع إيمانه لأن الله تعالى يعادي من يعادي أحباءه.

يقول سيدنا المهدي: “إنني لا أنتقم ممن يعادونني ويكرهونني ويحقرونني بقولهم، ولا أسيء إلى أحباء الله تعالى الذين ينتمون إليهم، بل أرى ذلك معصية كبيرة. منذا الذي يستطيع أن ينكر أن الإمامين الحسن والحسين كانا من أصفياء الله تعالى ومن أئمة الهدى. وكانا بلا شك من آل الرسول من حيث القرابة العصبية والوراثة الروحانية؟ ولكن الناس يدَّعون لهم بالجانب الأدنى من القرابة. إنهم ورثة أموال رسول الله الروحانية وسادة أهل الجنة.. إن هؤلاء لا يذكرون هذه القرابة الروحانية ويتمسكون بذكر قرابة الدم”

هذا ما يقوله سيدنا المهدي عمن يدعون بحب الحسن والحسين..ويطالبهم أن يصلحوا عقيدتهم هذه. إن مرتبة الحسن والحسين عالية جدا، وقد ذكر الرسول قرابتهم الروحانية أكثر من ذِكر قرابتهم العصبية. وذكر مقامهم العالي بطريقة جميلة. إن الله تعالى هو الذي بوأهم هذه المراتب الروحانية، وسمعنا بها من الرسول فقال إنهما “سيدا شباب الجنة” ولا بد أن الرسول قد سمع ذلك من الله تعالى.. فهو لا يذكر شيئا من عنده. وهو يرى إلى مراتبهم الروحانية، ولم يكن يعني بذلك أنهما كانا سيدا شباب الجنة لأنهما أولاد ابنته.. كلا، إن قوله أنهم سادة شباب الجنة يعني أنهما ورثا الرسول إرثا روحانيا.

يقول سيدنا المهدي: لماذا لا يذكرون هذا المقام الأرفع في مجالسهم حيث يتحدثون عن قرابة الدم فقط. ولو فعلوا كما يقول سيدنا المهدي فلا بد أن ينظروا أيضا الورثة الروحانيين الآخرين من صحابة الرسول ، وهذا العيب والنقص في عقائد هؤلاء. ويجب أن يهتم الشيعة بإصلاح هذا الخطأ.. وهذه نصيحتي لهم. لا بأس أن يذكروا قرابة الدم لهؤلاء الأئمة، ولكن عليهم أيضا أن يذكروا القرابة الروحية لهم بالرسول ، وعندئذ سوف يتجه بهم هذا الذكر نحو صحابة رسول الله: أبي بكر وعمر عثمان أيضا رضوان الله عليهم. ولكنهم يهتمون بجانب قرابة الدم وحدها، وبذلك يفرِّقون بين أهل البيت وكبار الصحابة، ويقولون عنهم أنهم من واد آخر. وبسبب ذلك ترسخت هذه الكراهية في قلوبهم وتأصلت حتى أصبح بغض الصحابة جزءا من إيمانهم. وكان رد فعل ذلك أن نشأت في أهل السنة جماعات تسمى “جنود الصحابة” يعادون الشيعة.

كان الصحابة أهل حماس شديد ضد الكفار. كانوا يحاربون من يكره الرسول .. ولكن اليوم يرى هؤلاء السنيون -الذي أنشأوا هذه الجماعات ضد الشيعة- أن قتل الشيعة يرفع مراتبهم عند الله. بل يقول بعضهم: لو قتلتم أهل الجنة، هذه الأقوال يذكرها بعض المشائخ، وللأسف أن في بلدنا “باكستان” جهل كبير، وهذا الذي يؤدي إلى اتساع الشُّقة بين الشيعة وأهل السنة.

يجب أن تتحدثوا في شهر المحرم عن توحيد الأمة وتقوية هذه الأواصر الروحانية، كما قال سيدنا المهدي عن ضرورة أن نهتم بالروابط الروحانية؟ وإذا فعلنا ذلك قَويت أيضا روابط الدم، ولكن شريطة أن نهتم بالرابطة الروحانية.

وعلى أهل السنة أن يَدَعوا هذا العداء للشيعة، ويتركوا محاربتهم ومحاولة إفساد مسيراتهم وسبَّهم، عليهم بدلا من ذلك أن يذكروا أهل بيت رسول الله ذكرا حسنا، وكذلك يجب أن يذكروا صحابته.. وهم ورثته الروحانيين وأصحاب المقامات العليا في هذه الوراثة. يجب أن يذكروا أهل البيت والصحابة وشهداءهم.. ويعقدوا مجالس كهذه. ويجب أن يتسابق الشيعة في هذا الأمر. وإذا فعلوا ذلك كانت هذه الأيام أيام بركة وحب. وبدلا من استغلال هذه الأيام لزيادة الكراهية بينهم فليستخدموها لزيادة المحبة والمودة. ويجب أن يبينوا للعالم بالعمل أننا نحب الرسول وأهل بيته وأصحابه الكرام أكثر من أي أحد. إذا تغنّى أهل السنة بمديح أهل البيت فسوف يغلبون الشيعة. ويجب أن يعرفوا أن ذكر الحب خيرٌ من ذكر البغض. وهذا هو العلاج الحقيقي والأمن والأمان.. وليست الشرطة والجنود علاجا لهذه الأمراض.

كنتم من قبل تقولون إن القاديانيين هم الذين يثيرون هذه القلائل بين الشيعة والسنة، ثم قلتم إن الهندوس هم الذين يثيرون المتاعب، وقد تردد هذا القول وشاع في زمن بوتو وضياء الحق.. وكانوا يوجهون غضب الناس نحو الأحمدية.. مع أن تاريخ الأحمدية يدحض هذه الافتراءات والأكاذيب. كان كثير من ضباط الشرطة يقولون عنا بأن الحكومة قد أصيبت بلوثة جنون.. كيف تتهم الأحمديين بهذا؟ هل حدث خلال قرن مضى أن أثار الأحمديون أي عنف أو تخريب أو متاعب؟ لا يجدون حادثة واحدة تشير أن جماعتنا نشرت أفكارا للتخريب والتدمير أو التدخل والاشتراك في مثل هذه الأمور. هذا ما قاله بعض ضباط الشرطة والجيش، وقالوا ذلك بناء على تجربتهم الطويلة في وظائفهم. قالوا: بوسعنا الحلف بأن المزاج الأحمدي لا يميل إلى الفساد ولو تلميحا وإشارة. ومع ذلك كانت الحكومة تثير الناس ضد الأحمديين ويلفتون أنظار الناس بعيدا عن الأعداء ويوجهونهم ضد الأصدقاء. كانت الحكومة تثير هذا الشغب بين السنة والشيعة ثم يستغلونه ضد الجماعة الأحمدية. وبالطبع لا تستطيع الحكومة أن تثبت تدخل الأحمديين في هذه الأمور والمتاعب.

أتذكًّر أن حدث في كراتشي تخريب واسع وحرائق كثيرة بين الشيعة والسنة.. فهل ذهب الأحمديون لإثارة هذه المتاعب؟ عندما يصبح الكذب والدجل معبودا للقوم فإنه يرتد عليهم. إن الأحمدية ما خُلقت إلا لإقرار الأمن. ولن تجدوا في الأحمدية أي شيء يشير إلى مثل هذا الفساد. اليوم تقولون إن المؤسسة الهندوسية هي التي تثير هذه المتاعب؛ المتاعب موجودة بينكم منذ ألف سنة على الأقل، أحرق المسلمون بأيديهم بيوت إخوانهم المسلمين ونبشوا قبورهم. هل نسيتم ما حدث في زمن هولاكو؟ لقد تمت أحداث التخريب الذي ارتكبه هولاكو بسبب تحريض شيعي.. ردًا على ما فعله أهل السنّة. إنني لا أؤيد أحدا.. ولكن أريد أن أبيَّن لكم لتبصروا الحقائق المجردة. يجب أن تراقبوا تلك الأماكن حيث تنمو الكراهية، ويمكن للعدو أن يثير المتاعب بسبب هذه الكراهية. وما دامت الكراهية موجودة فلا بد أن تنجح مكائد العدو، ولا يمكن أن تقولوا بعدها أن العدو هو الذي أثارها.. فقد كنتم من قبلها مستعدين لهذه المتاعب.. وكان دور العدو أن وضع في أيديكم السيف لتقتلوا بعضكم بعضا.

يجب أن تزيلوا هذه الكراهية، وتضعوا بدلها حبًّا، ولا علاج بغير ذلك. وهذا العلاج يصفه لكم إمام الوقت. إن سيدنا المهدي الذي جاء حكما عدلا.. هو الذي يعلمكم بأن تمدحوا الصحابة وأهل البيت أيضا، وتصلُّوا على هؤلاء وعلى هؤلاء.. فهذا ما يوحدكم. يقول سيدنا المهدي.. “يقينا إن نبينا خير الورى.. كان متصفا بصفتي الرحمانية والرحيمية، ثم ورث صحابته الحقيقة المحمدية الجلالية”. وكما عرفتم من قبل كان يذكر أهل البيت الصحابة ذكرا يشمل الجميع، ويدخل في هذا المديح أهل البيت والصحابة فيقول: ثم ورث صحابته الحقيقة الجلالية المحمدية. “سُلَّ سيفهم لقتل المشركين، ولهم في هذا المجال قصص عند عابد المخلوق.. فقاموا بأداء حق الصفة المحمدية”. ذكر سيدنا المهدي وجود الصفة المحمدية في الصحابة. كل الصفات الحسنة التي كانت في أهل البيت كانت في الصحابة الآخرين.. ولم تكن هذه المزايا شخصية لهؤلاء.. وإنما كانت من محمد . والذي يعرف هذه الحقيقة لا يمكن أن يفضِّل أحدًا منهما على الآخر.. لأنه لا يحب أحد الصفة المحمدية حقًّا إلا إذا أحب الرسول وأصحابه وأهل بيته أيضا. فترون كيف ذكر سيدنا المهدي أن سيرة الرسول هي التي كانت جارية في أصحابه وفي أهل بيته. فيا عشاق السيرة المحمدية.. هل تعادون هذه السيرة الموجودة في الصحابة والموجودة في أهل البيت. القرآن لا تفرق بين أهل البيت وبين أصحاب النبي وإنما يقول مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ فسيرتهم هي سيرة محمد. وإذا كان في أصحاب النبي ما يستحقون عليه المديح فهو اتِّباعهم لسيرته، وهذا هو السبب في فضيلتهم أيضا. إن الله تعالى قد جعل الجلال مظهرا لاسم محمد، وأظهر هذا الجلال عن طريق الصحابة، ومنحهم الغلبة ونصرهم نصرا متواترا.

ثم يقول سيدنا المهدي في ذكر الصحابة رضوان الله عليهم: “إن الصحابة تدفقت منهم عيون اليقين، وكانوا يرون آيات الله تعالى بعيونهم. وبهذه الآيات كانوا على يقين من آيات الله.. ولذلك تطهرت حياتهم أطيب تطهر”. وهذا هو الجزء الذي ينقص أمة المصطفى عليه الصلاة و السلام في هذه الأيام، وهذا هو ما أدى إلى انتشار الفساد فيهم. إنهم لم يفهموا هذه النقطة ولم يعملوا بها، لذلك حدث الفساد.

يقول سيدنا المهدي أن الصحابة رأوا آيات إلهية في محمد بعيونهم، وهكذا ازداد يقينهم بكلام الله تعالى، فأصبحت حياتهم طاهرة تماما. فالذين يرون آيات إلهية لا بد أن تكون حياتهم طاهرة، ولا يمكن أن توجد في الحياة الطاهرة مثلُ هذه النماذج السيئة التي ترونها تحدث في شهر المحرم. محال أن يكون الأطهار مبغضين لسواهم من الأطهار. الطاهر يكون طاهرًا لا عفونة فيه. فعندما يذكر الشيعة في مجالسهم أحد الصحابة بلسان سيء.. فهذه في الحقيقة عفونة تخرج من قلوب هؤلاء المتعفن.. فتفسد المجتمع كله. وأهل السنة أيضا، لو كانوا قد رأوا بعيونهم آيات الله تعالى في رسوله لطهروا قلوبهم من الرد على الكراهية بالكراهية. بل يدعون ويستغفرون لهم ويرحمونهم، ويعملون على إصلاحهم،  ويعيدونهم إلى عالَم الحجة والبرهان.. بدلا من أن يجرُّوهم إلى ساحة القتال بالسيف.

هذه النماذج الجميلة غير موجودة لا في هؤلاء ولا في هؤلاء. والأمر الواقع أنه في هذا الزمن.. إذا أراد أحد أن ينشيء علاقة صادقة بالرسول فلا يمكن ذلك إلا عن طريق ذلك الإمام الذي جاء بحسب أنباء الرسول والتي أخبر بها بإعلامٍ من الله جل جلاله. هذه العلاقة التي قطعتموها منذ 1300 سنة.. جاء الوقت لإعادتها مرة أخرى. فقد ألقي إليكم هذه الحبل من السماء.. يجب أن تعتصموا به. هذا هو السبيل الوحيد أن تعتصموا بهذا الحبل مرة أخرى بقوة. ثم تمسّكوا به وتعالوا إلى حضن الرسول . هذا هو الملاذ الوحيد لكم في هذا العالم. ولن تجدوا هذا الملاذ أبدا برفض إمام الوقت.. وإنما تنالونه بتصديقه وتحبونه حبًا. لأن باقة الحب هذه سوف توصلكم إلى الله تعالى عن طريق الرسول ، وتولد في قلوبكم حبا صادقا للمصطفى، وتعلمكم كيف تحبون الصحابة حبا صادقا، وكيف تحبون أهل البيت حبا خالصا. وهذا الحب يكون دليلا على المعرفة والعمل الصالح. هذا الحب سوف يطهر القلوب. والقلوب الطاهرة لا يكره بعضها بعضا، ولا تتفرق وإنما تجتمع قلبا واحدا.

فلجمع الأمة الإسلامية يدًا واحدة أرسل الله تعالى هذا الإمام. وهذا الإمام هو الضامن لربط هذه العلاقات الروحانية وهو الذي أرسل مناديا من الله تعالى لوصل هذه الروابط. عليكم أن تسمعوا قوله. تعالوا إليه طائعين، وأميلوا قلوبكم إليه وإلى دعوته.

إني أقسم بالله تعالى أنه يدعو قلوبكم إلى طريق المصطفى وليس صراط غيره. هذا هو الصراط المستقيم الذي يحقق وحدة دينية، وتنخرطون في سلك هذه الوحدة. لبوا دعوة سيدنا المهدي. وإذا رأيتم أنكم لا تستطيعون ذلك.. فاعملوا على الأقل بنصحه، أو أرونا تعليما أفضل منه.

إننا نؤمن بأن سيدنا المهدي قد جاء حكما عدلا ليحكم بينكم بالقسط، وقد أخبركم بقراراته، فهل عندكم قرارات أفضل منها؟ إيتونا بها وأخبرونا ما هي التعاليم التي يمكن أن توحد قلوب المسلمين المتفرقة وتجمعها على يد واحدة مرة أخرى؟ لا خيار لكم إلا أن تؤمنوا بسيدنا المهدي. والأمر الواقع أن رفض ما يعظكم به الإمام الصادق هو بمثابة الانتحار. وإذا أصررتم على الرفض.. فاقبلوا نصحه على الأقل واعملوا به.. لأنه كلام الله تعالى الذي نزل على قلب سيدنا المهدي من طريق بركات الرسول . ليست هناك طرق لتوحيد المسلمين إلا هذه التي بينها سيدنا المهدي في هذا العصر.

فتعالوا إلى هذا الطريق طوعا أو كرها. إذا لم تبايعوا سيدنا المهدي فلا بد أن تقبلوا تعاليمه وإلا ظللتم هكذا متفرقين.. وتزداد هذه الكراهية فيما بينكم ضد بعضكم البعض. ولن يجمعكم مرور السنين بل تزدادون فرقة، ويباعد بينكم شهر المحرم كل عام ويفرق قلوبكم أكثر وأكثر.

هداكم الله وألهمكم العقل.. حتى تروا هذه الأمور الواضحة. الصدق يتحدث بنفسه.. ويكون واضحا في جبين المؤمن. الصدق كالمسك يتحدث عن نفسه بعطره. إن أقوال سيدنا المهدي يتجلى صدقها كالمسك. تقبَّلوا قوله بالصدق وبالقلب.. لأن هذا هو الطريق لتوحيد الأمة.. ولا سبيل غيره. وفقكم الله لذلك.. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك