معنى خاتم النبيين في ضوء التعاليم القرآنية

من مجالس الخليفة

أسئلة وأجوبة

(جمع وإعداد: عبادة بربوش)

يعتقد الكثير من المسلمين أن عبارة ” خاتم النبيين” تحمل بين طياتها معنىً واحداً وهو عدم مجيء أي نبي بعد الرسول الكريم وهو استنتاج بديهي إن وقف المرء أمام المعنى المتوارث لهذه العبارة دون الخوض فيما يكمن وراءها من دلالات قد فسرها القرآن الكريم بصورة مدهشة.

وقد طُرح تساؤل يخص هذا الموضوع في أحد مجالس الخليفة حضرة مرزا طاهر أحمد “أيده الله بنصره العزيز” بمدينة مونيخ بألمانيا بتاريخ 13 سبتمبر 1995 حضره العديد من الإخوة البوسنيين والألبانيين. وقد وجدت أنه من المفيد تقديم صورة حية للقارئ العربي لجواب حضرة إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية الحالي حتى يدرك أبعاد هذا الموضوع وانعكاساته الهامة على ما يحمله هذا القارئ من مفاهيم مُشوهة تحتاج إلى وقفة تأمل..

في بداية هذا المجلس رحب أمير المؤمنين حضرة ميرزا طاهر أحمد (أيده الله) الخليفة الرابع لحضرة الإمام المهدي والمسيح الموعود (عليه السلام) بالحاضرين ثم طُرح السؤال التالي: أرجو التعليق على هذه الأحاديث النبوية الشريفة الثلاثة:

  1. حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ‏إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ فَأَنَا اللَّبِنَةُ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ‏‏. (صحيح البخاري، كتاب المناقب)
  2. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قال: سمعتُ أَبا حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُون‏.‏ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ:‏ فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ، فَالأَوَّلِ وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ. (البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء).
  3. “..وأنا خاتم النبيين” (مسلم، كتاب الفضائل)

الجواب

أود أن أذكركم بقاعدة أساسية بالنسبة للأحاديث النبوية الشريفة وهي أنه يجب أن يكون لأي حديث مؤيدات من النص القرآني، لأنه يحتوي على الشريعة الكاملة. في الحقيقة إن الأحاديث النبوية هي بمثابة تفسير روحي وعقلي لآيات القرآن الكريم. لذا يجب أن ندرسها تحت المنظار القرآني ولا نقبل منها ما يناقض نصوص كتاب الله ذي الصبغة الكاملة.

الآن أتناول الحديث النبوي الأول وأود أن ألفت انتباهكم أن هذا الحديث بالذات ذُكر مغزاه في القرآن الكريم، وإنني أتعجب من حال العلماء الذين يولون الأحاديث النبوية الشريفة اهتماماً مبالغاً فيه، ولا يبالون بآيات القرآن الكريم الذي هو القاعدة الأساسية للتعاليم الإسلامية. وسأتلو على مسامعكم آيات من القرآن الكريم تبين كمال التعاليم الإسلامية، وتثبت أنه فعلاً بنيان كامل لا يحتاج إلى أي إضافات أو ترميم.. وإذا تساءلنا ما هو البناء؟ سنجد الجواب عند القرآن.. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم.. بسم الله الرحمن الرحيم (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).. والمعنى اليوم أوصلت عقيدتكم وإيمانكم إلى مرتبة الكمال.. وهذا فيه دلالة إلى أنه قبل بعثة سيدنا محمد المصطفى لم يبلغ الدين مرتبة الكمال. فالقرآن الكريم يخبرنا علناً أنه ببعثة محمد المصطفى بلغ الدين مرتبة الكمال. وهناك معنىً آخر أن الإنسانية لن تحتاج بعده إلى دين جديد أو حتى إلى إضافة تعاليم جديدة إليه. فالكمال منزه عن العيب والنقصان وهذا هو فعلاً مصير كلام رب العزة القرآن.

ثم يعلن الله سبحانه وتعالى: (وأتممت عليكم نعمتي) أي أن نعمة محمد المصطفى أيضاً بلغت مرتبة الكمال، والنعمة هنا تعنى النبوة. وفي هذا دلالة إلى أن نبوة سيدنا محمد قد وصلت حسب هذا التصريح القرآني العظيم إلى مرتبة الكمال هي الأخرى.

ثم يقول سبحانه: (ورضيت لكم الإسلام ديناً) أي سيكون الإسلام الدين الأخير للنوع البشري إلى يوم يبعثون.. مما يعني أنه لا حاجة لدين جديد بعد الدين الإسلامي.

بعد ذكر معنى هذه الآية يتضح لنا أن الحديث الذي ذكره سيدنا محمد المصطفى هو في واقع الأمر توضيح مجازي لهذه الآية القرآنية الكريمة. فالحديث لا يذكر بنياناً مادياً وإنما يشير إلى الدين.. العقيدة.. فقبل بعثة الرسول لم يبلغ أي دين مرتبة الكمال. ولكن بعد بعثته أعلن الله في القرآن الكريم أن الدين (أي الإسلام) قد بلغ ببعثة محمد مرتبة الكمال. وهكذا لا يستطيع أحد أن يدّعي أنه بإمكانه أن يضيف لبنةً إلى ذلك البناء الكامل (الدين الإسلامي)، هذا هو معنى الحديث الأول.

إذاً كلمة (بعد) هنا لا تعني البعدية الزمنية ولكن تعني أي شيء مخالف لتعاليم الله. فالمعنى الصحيح الذي بينه القرآن الكريم هو بأي شيء يؤمنون غير الله وآياته، أي أن الله هو الشاهد الأمين فإذا لم تؤمنوا به ليس بإمكانكم أن تؤمنوا بأي قوة أخرى.

الآن أتطرق إلى الحديثين الآخرين وسألقي عليهما إن شاء الله بعض الأضواء. أود أن أذكر ثلاثة أحاديث نبوية شريفة أخرى تغطي نفس الموضوع، وفي ضوء مجموعة هذه الأحاديث سيتبين لنا المعنى الحقيقي الذي أشار إليه أشرف المرسلين سيدنا محمد المصطفى . وأود أن ألفت انتباهكم إلى أنه ليس هناك أي تناقض بين أحاديث الرسول .. لأن الإنسان الكامل الذي بلغت مداركه العقلية والروحية مرتبة الكمال لن يصرح بأي كلام متناقض. وانطلاقاً من هذه القاعدة لا بد أن تقرأوا كل الأحاديث التي قيلت حول هذا الموضوع ثم تخلصوا إلى خلاصة، وليس من الحكمة في شيء أن تقرأوا حديثين وتستخرجوا منهما وحدهما تلك الخلاصة. وسأقرأ الآن على مسامعكم أحاديث أخرى كي نستكمل الموضوع، حيث ذُكر في صحيح مسلم أن المسيح عندما يُبعث مرة أخرى سيكون نبياً لله، وفي نفس الحديث نجد أنه لما ذكر الرسول أن المسيح سيقوم بهذه المهمة أو تلك لَقَّبه أربع مرات بنبي الله. وهكذا وكما يعتقد بعض العلماء أنه لن يبعث الله نبياً بعد محمد المصطفى ، سيتخيل البعض أن هنالك تناقضاً في أحاديث سيدنا محمد الذي أعلن على الملأ أن الله سيبعث نبياً في آخر الزمان ولقبه بالمسيح ابن مريم. (صحيح مسلم، كتاب الفتن)

وأما بالنسبة للحديث “..لا نبي بعدي”.. فيبدو مبدئياً أنه مقرون بتساؤل: كيف نحدد هذا الفارق الزمني الذي ليس فيه نبي؟.. هل نحدده للأبد أم لمدة معينة.. لقد أوضح هذا الإشكال في حديث آخر حيث يقول متحدثاً عن نزول المسيح: “ليس بيني وبينه نبي” وهكذا نفهم معنى “بعدي” وهي دلالة على الفترة الزمنية ما بين بعثته وبعثة المسيح ابن مريم في الآخَرين.

ذُكر في الروايات أنه عند وفاة ابن الرسول إبراهيم وكان ذلك بعد نزول آية (خاتمَ النبيين). وخلال مراسم الدفن كان الرسول يبكي متأثراً بفقدان ابنه، وهو يضعه في مثواه الأخير قال : “لو عاش لكان صديقاً نبياً” أي إذا عاش ابني إبراهيم لجعله الله صديقاً نبياً. وهنالك أيضاً حادثة أخرى مدونة في كتب التاريخ الإسلامي، حيث ذكر أنه ذات مرة سمعت السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أحد المسلمين يهتف في الشوارع “لا نبي بعده.. لا نبي بعده” أي لن يبعث الله نبياً بعد الرسول .. فنادت السيدة عائشة على هذا الشخص ونصحته: “قولوا أنه خاتم النبيين ولا تقولوا أنه لا نبي بعده”. وهكذا أيقنت السيدة عائشة أن كلمة (بعدي) يمكن أن يُساء فهمها وسيضل كثير من المسلمين عن المعنى الحقيقي للكلمة. وفي واقع الأمر نجد أن القرآن الكريم قد ذكر معنى خاتم النبيين، ولا بد أن نفهم كل الأحاديث المتعلقة بمعنى خاتم النبيين في ضوء هذه الآية القرآنية.. وإذا طالعتم أي حديث حول موضوع خاتم النبيين يتناقض مع معنى هذه الآية يجب أن لا تذكروا ذلك الحديث أو تولوه أي اهتمام، وهذا موضوع ذو شعب كثيرة يتطلب بحثه منا وقتاً طويلاً.

إذا تُرجمت كلمة (بعدي) بالبعدية الزمنية، ولم تحدد المدة الزمنية المحددة لها، يمكن أن تكون مباشرة بعد وفاة الرسول ، أو بعد فترة زمنية محددة أو إلى نهاية الكون. ولكن هنالك معنى آخر لكلمة (بعدي) ولذلك السيدة عائشة قالت: لا تقولوا: “لا نبي بعده” لأنه ربما يضل كثير من المسلمين إساءة لفهم كلمة بعد. إن المعنى الآخر لكلمة (بعد) هو الضد وقد استعمل القرآن الكريم هذا المعنى في الآية القرآنية القائلة: (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون)، أي بأي شيء يؤمن هؤلاء بعد الله وآياته.. هل هنالك شيء بعد الله؟ هل يمكن أن ينتهي الله سبحانه وتعالى؟.. إذاً كلمة (بعد) هنا لا تعني البعدية الزمنية ولكن تعني أي شيء مخالف لتعاليم الله. فالمعنى الصحيح الذي بينه القرآن الكريم هو بأي شيء يؤمنون غير الله وآياته، أي أن الله هو الشاهد الأمين فإذا لم تؤمنوا به ليس بإمكانكم أن تؤمنوا بأي قوة أخرى. وقد شرح علماء المسلمين الحديث النبوي حول ابن النبي إبراهيم القائل: “لو عاش لكان صديقاً نبياً” في ضوء مفهوم كلمة (بعدي) الذي ذكرته لكم. فالأجدر بكم أن تفهموا هذه النقطة الهامة ولا تخوضوا في نقاشات سطحية لا جدوى منها. فالإنسان العاقل بعد أن يفهم المعنى الحقيقي لأمر ما لا يهدر وقته في القيل والقال. إن علماء وصلحاء الأمة القدامى الذين كانت فيهم خشية الله ولا مثيل لهم اليوم بين علماء عصرنا، درسوا إمكانية حصول ابن الرسول إبراهيم على مرتبة نبي هبةً من الله، وقال بعضهم إن الله توفى إبراهيم ابن الرسول لأنه لو عاش لوهبه الله مقام نبي الله. وقد رفض فريق آخر من العلماء إمكانية ذلك بناءً على فهمهم السطحي المجرد للحديث القائل “لا نبي بعدي”، وظنوا أنه حتى إذا عاش ابن النبي إبراهيم ألف سنة لن يهبه الله مقام النبوة، وكأنهم عُينوا لأخذ القرارات نيابة عن رب العزة!! الحقيقة أنه منذ أن خلق الله السماوات والأرض لم يهب إنسان للإنسان آخر هذا المنصب الروحي (نبي الله)، فمعظم العاقلين والعلماء الصالحين قبلوا هذا المعنى، وقالوا أن هذا الحديث يجب أن لا يُساء فهمه، فهو لا يشير إلى أن الله لن يبعث أي نبي بعد الرسول .. وقالوا إن آية (خاتم النبيين) كانت قد نزلت قبل هذا الحديث، وقد قال الرسول هذه المقولة عن ابنه إبراهيم بعد نزول آية خاتم النبيين؟ فهل أساء سيدنا المصطفى فهم معنى خاتم النبيين، فإذا كان الله قد أخبره أنه لن يبعث أي نبي بعده فكيف يقول الرسول عن ابنه أنه لو عاش لكان صديقاً نبياً.

نزلت آية خاتم النبيين قبل وفاة إبراهيم ابن الرسول ، وقد فهم فحواها خير خلق الله، فهل نسي معنى آية خاتم النبيين ونسب لابنه لقباً نسخه القرآن الكريم؟ حاشا لله. هذا العمل لا يصدر ممن وصفه الله عز وجل: (وما ينطق عن الهوى)، إن مداركه العقلية الطاهرة تحول دون ذلك، إن من عرف محمداً ذلك الإنسان الكامل سيد ولد آدم لا يمكن أن يسيء الظن بهذه الطريقة المشينة. وفي واقع الأمر إن ما قصده الرسول هو استحالة مجيء نبي جديد بشريعة جديدة أو نبي جديد يناقض تعاليم الإسلام. ولكن إذا كان هذا النبي تابعاً لمحمد وخادماً كاملاً لشريعة القرآن، فلا مانع من أن يُبعث في الأمة كنبي بعد الرسول . ففي هذا السياق كلمة بعدي تُرجمت بالضد أي لا يمكن أن يأتي نبي بتعاليم مخالفة ومضادة لتعاليم الإسلام.

الآن ألفت انتباهكم إلى كُتب عديدة ألفها علماء من بقاع مختلفة من العالم، وبالخصوص الكتاب الذي يحمله السائل. إن معظمهم.. بل جميعهم يعتقدون أن كلا من الإمام المهدي والمسيح الموعود سيبعثان في الأمة الإسلامية. ومن لم يُصدق بهما سيطرد من دائرة الإسلام. إن شريعة القرآن شريعة كاملة وليس فيها مكان فارغ لأي لَبِنة، إذاً لماذا سيبعث الله مرة أخرى المسيح؟ وماذا سيفعل الإمام المهدي؟.. هذا هو السؤال الأساسي لهذا الموضوع.. وإذا ألقيت هذا السؤال على هؤلاء العلماء، لا يستطيعون الرد عليه بشكل منطقي ولكن يقولون بأن المسيح عند بعثته الثانية سيكون نبياً، غير أنه سيقبل الإسلام ويكون تابعاً للرسول . أنتم تعتقدون أنه لا مانع أن يأتي نبي قديم بُعث قبل الرسول ؟ ثم نفس النبي يُبعث في آخر الزمن.. ولكننا نعتقد أن هذا غير ممكن.. وعلى خلاف ذلك يمكن لفرد من أفراد الأمة الإسلامية أي أحد خدام المصطفى أن يُبعث كنبي تحت شريعة الإسلام، أي نبي غير مشرع، إذ أن البشر ليسوا في حاجة لشريعة جديدة بعد شريعة الإسلام الكاملة. إذ هذا النوع من النبوة أي النبوة التشريعية قد اكتمل وانتهى ببعثته . وهكذا يتبين لكم أن نقطة الخلاف بيننا ليست حول بعثة نبي بعد الرسول إذ أنتم تعتقدون أن ذلك ممكن وذلك ببعثة عيسى ابن مريم ونحن من جانبنا نعتقد أن ذلك أيضاً ممكن ولكن ببعثة خادم لشريعة محمد يُوهب لقب نبي. إذاً هنالك نقطتي اختلاف بيننا:

1.أنتم تعتقدون أن المسيح الموعود لم يُبعث بعد ولا زلتم تنتظرون بعثته ونحن نعتقد أنه بُعث.

2.من هي السلطة التي ستُعين الإمام المهدي؟ هل ستعينه حكومة البوسنة أو ألبانيا أو كوسوفو أو المملكة العربية السعودية أو باكستان!! وكيف ستؤمنون بمهدي تعينه حكومة؟! الإمام المهدي يعينه الله سبحانه وتعالى ولا دخل لأي حكومة في تعيينه.. فالإمام المهدي إذن نبي، والسؤال هنا ما هو الفرق بين نبي والإمام المهدي؟ الفرق الوحيد هو أن الإمام المهدي يكون نبياً خادماً لشريعة محمد وفرداً من أفراد أمة محمد ، وهذا ما أعلنه حضرة ميرزا غلام أحمد.. ففي واقع الأمر ليس هناك أي فرق بيننا وبين سائر العلماء، هم يعتقدون في مجيء المسيح ومجيء الإمام المهدي ويعتقدون أنهما لم يُبعثا بعد، ونحن نعتقد أن حضرة ميرزا غلام أحمد قد بعثه الله عز وجل إماماً مهدياً ومسيحاً موعوداً في أمة محمد المصطفى .

ثم علّق أحد الحاضرين على إجابة حضرة أمير المؤمنين وقال: ليس بإمكان أي شخص أن يعطي تفسيراً للقرآن الكريم ما عدا محمد هو أفضل مفسر لكل معاني القرآن الكريم.. والأحاديث التي ذُكرت في هذا المجلس هي من محمد ونحن نؤمن بصلاحيتها.

وردّ حضرته على هذا التعليق قائلاً: إذاً أين نقطة الخلاف بيننا؟ لقد ذكرتَ بعض الأحاديث، وأنا بدوري ذكرت أحاديث أخرى تُبقي أضواء مكثفة على موضوع بحثنا. فما رأيك أيها الأخ السائل في شخص يؤمن بالقرآن الكريم وفي نفس الوقت يؤمن بأحاديث تتناقض مع النص القرآني؟ لقد أجمع العلماء أنه هناك مئات بل آلاف الأحاديث افتراها الناس ولم يقلها الرسول . لذلك نجد أن الإمام البخاري رحمة الله عليه اختار أربعة آلاف حديث من مجموع أربع مائة ألف!! لماذا لا تُوجه السؤال التالي للإمام البخاري: ألا تؤمن بالأحاديث وتعتقد في صحتها؟ ولماذا انتخبت منها القليل فقط؟ إنك بفعلتك هذه تصرح أنك لا تؤمن بالقرآن بناءً على ما صرحت به في تعليقك من تناقض.. فالموضوع هنا يتعلق بالأحاديث التي تفسر أحاديث أخرى وآيات من القرآن تفسر آيات أخرى منه، هذا ما أردت أن أبينه لك منذ بداية إجابتي وكنت قد مهدت لذلك. فخلاصة إجابتي هي ألا تعتقد في أي حديث يناقض حديثاً آخر. قد يكون المعنى صحيحاً إذا كان كلا الحديثين متوافقين في المعنى والمحتوى. لذلك ذكرت أحاديث مختلفة ومتوافقة، فإذا رفضت هذه الأحاديث التي ذكرتها فهل يصح أن نقول أنك لا تؤمن بالقرآن؟

إن عقيدتي تتلخص فيما يلي: النص القرآني يفسر بعضه بعضا، ولا يحتاج إلى سند من الحديث ليفسر نفسه، لذلك نجد آيات من القرآن الكريم تتحدث عن وقائع ذُكرت في مواضع مختلفة، وعندئذ يصبح المعنى واضحاً، وإذا كان أي حديث يؤيد النص القرآني فيجب علينا أن نقبله وإذا وجدتم أي تناقض بين حديث ما والنص القرآني الصريح، فكيف يمكن أن تقبلوا هذا الحديث الذي نُقل لكم من مصادر غير موثوق بها وتعطوها مكانة أعلى من النص القرآني!! هذه هي النقاط التي يجب عليك أن تفهمها ولا تجادل مثل أولئك العلماء المتعصبين. سأفسر الآن معنى خاتم النبيين في ضوء التعاليم القرآنية، ثم سأذكرك بالأحاديث التي ذكرتها آنفاً وسأبرهن لك أنها لا تحتوي على أي تناقض بين طياتها.

سأتلو على مسامعكم آية من سورة النساء ذكرت مفهوم خاتم النبيين لفظاً ومعناً: قال تعالى: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)..

استمعوا بانتباه: تقول الآية أن من يتبع تعاليم القرآن وتعاليم الرسول ويُظهر طاعة وخضوع سيدخلون في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أي سيحصلون على مراتب النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، أي أن هذه هي أحسن صحبة يحصل عليها المرء. فالصحبة هنا ليست مجرد المرافقة فحسب، بل المشاركة في المرتبة الروحية أيضاً. فالسؤال هنا هل نسي الله معنى خاتم النبيين؟ هل فهم علماؤكم معنى خاتم النبيين في ضوء ما بينه القرآن الكريم وبالصورة التي أرادها الله عز وجل أن تصل إلى عقول وقلوب عامة الناس؟ إن لهذه الآية الكريمة دلالة واضحة فهي تشير بوضوح إلى خاتم النبيين سيدنا محمد المصطفى وتؤكد أن الله تعالى يمكن أن يوصل فرداً من أمة الإسلام إلى مرتبة نبي إذا اتبعه ذلك الفرد اتباعاً تاماً وكاملاً وعمل وتمسك بتعاليم الإسلام وسُنّة محمد ، واستسلم كلية لحكم القرآن وذاب كيانه ووجوده وذاته في سيده محمد المصطفى . فالآية تشير بوضوح إلى أن المراتب الروحية التالية: النبيين والصديقين والشهداء والصالحين لا زالت في متناول أتباع محمد المصطفى . وهكذا نضع حداً للجدال بيننا. أما بالنسبة للحديث النبوي الشريف الذي استفسرت عنه في بداية هذا المجلس المتعلق بالبنيان.. واللبنة. فلسوء الحظ فهمه كثير من العلماء بصفة سطحية. وكأن الأنبياء أصبحوا مادة من مواد البناء المعروفة لدينا من إسمنت وآجُرّ وغيرها.. إن هذه التفاسير السطحية الساذجة لا يقبلها العقل. ويزيدون في الطين بلة ويُعكرون مناخ المعتقدات الإسلامية أكثر باعتقادهم أن عيسى ابن مريم الذي أعلن الله في شأنه أنه مات وانتهى أمره وذلك في مواضع مختلفة من القرآن الكريم، أنه سيعود مرة أخرى إلى هذه الحياة الدنيا. لماذا لا تسألون هؤلاء؟ من المفروض أنه ببعثة عيسى ابن مريم مرة ثانية بجسده الفاني يكون الله سبحانه وتعالى قد انتزع لبنةً أي سيدنا عيسى من ذلك البناء وتتسبب هذه العملية في وجود خلل في ذلك البناء بإمكانه أن يغير مصيره إلى الأبد؟ لبنة قديمة ستُنزع وهذا سيُخل بكمال هذا البناء.. وتلك اللبنة “سيدنا عيسى” ستسبب من منظور معتقداتهم طبعاً في تشويه هذا البناء. إن في اعتقادهم هذا تناقضاً خطيراً إذ يؤمنون أنه لا يجوز قطعاً بعثة أي مبعوث سماوي بعد محمد . أي لا مكان لسيدنا عيسى في أمة المصطفى، وإذا أرجعتموه لبناية الأنبياء معنى ذلك أنه أي سيدنا عيسى سيرتد عن الإسلام بادعائه النبوة بعد بعثته الثانية (حسب اعتقادهم).. أنصحكم أن تفهموا الأحاديث بحكمة لا بصفة سطحية ساذجة مجردة من الروحانية كما يفعل العلماء المتعصبون.

ملاحظة من أحد الحاضرين: أقرّ كثير من العلماء أن عيسى ابن مريم لما سيُبعث في أمة الإسلام سوف يكون فرداً عادياً من الأمة ولا كنبي لله.

أمير المؤمنين: هذا غير صحيح.. لأنه حسب عقيدة من يزعم ما ذكرت إذا كنت تعتقد بهذا فأنت بالنسبة لهم كافر.. إذا قُلتَ هذا الكلام للعلماء فسوف يخرجونك من دائرة الإسلام. ثم إن اعتقادك هذا ينفي صحة الحديث النبوي الشريف المذكور في صحيح مسلم الذي قال فيه سيد الخلق محمد المصطفى أن عيسى ابن مريم لما يبعث في أمته سوف يكون نبياً لله وأكد على مرتبته الروحية هذه “نبي الله” أربع مرات في نفس الحديث (صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة).. من أنت كي تقول أنه ليس نبي. إن الأجدر بك أن تنشئ فرقة جديدة في الإسلام.

بالنسبة للحديث النبوي الشريف الذي استفسرت عنه في بداية هذا المجلس المتعلق بالبنيان.. واللبنة. فلسوء الحظ فهمه كثير من العلماء بصفة سطحية. وكأن الأنبياء أصبحوا مادة من مواد البناء المعروفة لدينا من إسمنت وآجُرّ وغيرها..

سؤال: نرى على الساحة الإسلامية كثيراً من الفرق الإسلامية وتدّعي كل واحدة منها أنها على الصراط المستقيم.. فكيف يمكننا أن نتعرف على الفرقة الصادقة؟

الجواب: قال الرسول أن أمته ستنقسم إلى ثلاث وسبعين فرقة مثلما انقسمت أمة سيدنا موسى إلى اثنين وسبعين فرقة وكان ذلك قبل بعثة سيدنا عيسى فيهم. ثم قال أن الفرقة الثالثة والسبعين من أمته سوف تكون الجماعة أي جماعة ربانية على الصراط المستقيم. ونحن نعتقد أن الجماعة الإسلامية الأحمدية هي الجماعة المشار إليها في هذا الحديث. لأنك إذا درست حال اليهود لما انقسموا إلى اثنتي وسبعين فرقة ستجد أن عيسى بن مريم قد أسس بأمر من الله الفرقة الثالثة والسبعين في الأمة الموسوية. وبنفس الصورة في الأمة المحمدية أنشأ الله سبحانه وتعالى الجماعة الإسلامية الأحمدية بعد أن تمت المشابهة التامة بين الأمة الموسوية والأمة المحمدية.

إن الدليل اليقيني على أننا فعلاً الجماعة (الثالثة والسبعين) هي أن الفرق الإسلامية الإثنين وسبعين جميعها أخرجونا من دائرة فرقهم واعتبرونا كافرين مرتدين، إنهم هم من طردونا. ونقول الحمد لله على ذلك إذ أنهم طردونا من دائرة الفرق الاثنين وسبعين، ولا مجال للشك أننا لا ننتمي إلى فرقهم وبالتالي أصبحنا الفرقة رقم ثلاثة وسبعون المشار إليها في الحديث بوصف الجماعة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك