معجزة فلكية

معجزة فـلكية

 نبوءة عظمى لسيدنا محمد المصطفى

تحققت عام 1894

إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله العظمى سخرهما الله تعالى للإنسان ليكونا سببًا في قوام حياته وتنظيم أمور معيشته، فبدون الشمس تستحيل الحياة على الأرض، وبدون القمر لم يكن الإنسان ليستطيع أن يُقدّر حساب الشهور والسنين. يقول تعالى:

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (الإسراء: 13)

وقد جعل لكل من الشمس والقمر مسارًا خاصًا لا يتغير ولا يتبدل لكيلا يسبق الليل النهار، ولا يجتمع القمر مع الشمس في الظهور نهارا دون الليل، فيختل النظام وتضيع الحكمة من وجود كل منهما واختصاص أحدهما بالنهار والآخر بالليل.

يقول تعالى:

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس: 41)،

ولإثبات صحة هذه الآية القرآنية، نرى أن الأرض تدور في فلك يرتبط ارتباط دقيقا بفلك كل من الشمس والقمر، وبسبب ذلك يحدث أن يقع الثلاثة في مستوى واحد على استقامة واحدة كأن خطًا مستقيما قد امتد ليمر بثلاثتها. وفي هذه الحالة تحدث الظاهرة المعروفة بالكسوف والخسوف. فأثناء دوران القمر حول الأرض، يحدث أن تقع الأرض بين القمر والشمس، فيسقط ظل الأرض على القمر يحجب نور الشمس عن القمر، وتحدث ظاهرة كسوف القمر. وهذا لا يحدث إلا حينما يكون القمر بدرًا متكاملاً، أي أن كسوف القمر يقع حول منتصف الشهر القمري أو العربي.. أي في الليلة الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة. وإذا توسط القمر ما بين الأرض والشمس فإنه يمنع نور الشمس عن الوصول إلى الأرض، فتحدث ظاهرة كسوف الشمس. ولا تحدث هذه الظاهرة إلا في أواخر الشهر العربي أي في اليوم السابع والعشرين أو الثامن والعشرين أو التاسع والعشرين.

وعلى ذلك فإن كسوف الشمس والقمر يحدث نتيجة للقوانين الطبيعية التي خلقها الله تعالى، وهي بلا شك تفصح عن عظمة الخالق وقدرته التي لاحد لها، غير أنها لا تتعدى كونها ظواهر طبيعية تقع من حين لآخر لتلفت نظر الإنسان إلى قدرة الخالق الذي خلق هذه الأجرام وسخرها لتكون سببًا في استمرار حياة الإنسان.

وقد جاء ذكر وقوع كسوف الشمس والقمر في كثير من الأديان كعلامة مصاحبة لظهور مصلح عظيم في آخر الزمان. وفيما يلي سوف نتناول بالبحث ما جاء ذكره في الديانتين النصرانية والإسلامية.

كسوف الشمس والقمر في الكتاب المقدس

جاء في الكتاب المقدس في معرض الحديث عن آخر الزمان أن كسوف الشمس والقمر سوف يحدث كعلامة من علامات مجيء المسيح. فقد جاء:

“سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 13: 22-25)

وكذلك جاء:

“وَلِلْوَقْتِ بَعْدَ ضِيقِ تِلْكَ الأَيَّامِ تُظْلِمُ الشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَالنُّجُومُ تَسْقُطُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقُوَّاتُ السَّمَاوَاتِ تَتَزَعْزَعُ. وَحِينَئِذٍ تَظْهَرُ عَلاَمَةُ ابْنِ الإِنْسَانِ” (إِنْجِيلُ مَتَّى 24: 29-30).

وينبغي ألا تؤخذ الكلمات التي جاءت في وصف إظلام الشمس والقمر بحرفيتها.. لأن حدوث هذا يؤدي إلى انتهاء الحياة على الأرض. فهي إذن تشير إلى وقوع كسوف للشمس والقمر، وأن تلك هي “علامة ابن الإنسان في السماء” أي أنها العلامة التي تدل على ظهور المسيح المشار إليه بلفظ “ابن الإنسان”.

ولن يستطع المسيح أن يحدد اليوم أو الساعة التي تقع فيها تلك الآيات إذ قال:

“وَأَمَّا ذلِكَ الْيَوْمُ وَتِلْكَ السَّاعَةُ فَلاَ يَعْلَمُ بِهِمَا أَحَدٌ، وَلاَ مَلاَئِكَةُ السَّمَاوَاتِ، إِلاَّ أَبِي وَحْدَه” (إِنْجِيلُ مَتَّى 24: 36)

ولكن بعده بعدة قرون ظهر سيد البشر وخاتم النبيين ، فأوحى الله إليه وأخبره عن اليوم الذي تقع فيه تلك الآية كما سنبينه فيما بعد إن شاء الله.

كسوف الشمس والقمر حسب القرآن الكريم

ذكر الله تعالى في كتابه العزيز بعض علامات آخر الزمان.. وإحياء الإسلام وقيامه إلى دور القيادة مرة أخرى.. وذكر من بينها كسوف الشمس والقمر، قال تعالى:

يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ * فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ * وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (القيامة: 7-11) .

ويشير قوله تعالى: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ إلى اجتماع خسوف الشمس والقمر. وقد أوضح رسول الله اجتماع الشمس والقمر في نبوءة عظمى حدد فيها اليوم الذي يقع فيه كسوف كل من الشمس والقمر.

خسوف الشمس والقمر حسب الحديث الشريف

تحدث رسول الله فذكر أن إماما عظيما باسم الإمام المهدي سوف يظهر في آخر الزمان، وذكر عنه أنه سوف

“يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا”.

ويُفهم من أقوال الرسول التي جاءت في أحاديث متفرقة أن هذا الإمام يشابه المسيح عيسى بن مريم حتى أنه قد سُمي باسمه في بعض الأحاديث وذلك لشدة التطابق بين الشخصيتين، فصار الإمام المهدي معروفًا أيضا باسم المسيح الموعود.

ففي سنن الدارقطني، أحد كتب الحديث المعروفة، لصاحبه العالم الحافظ المشهور.. علي بن عمر البغدادي الدارقطني، الذي ولد وعاش في القرن الرابع الهجري، جاء الحديث التالي رواية عن الإمام الباقر محمد بن علي . وفي هذا الحديث يحدد رسول الله النبوءة العظمى التي تتعلق بظهور الإمام المهدي في آخر الزمان، ويعيّن بدقة الموعد الذي تقع فيه تلك المعجزة الفلكية، فيقول:

“إنَّ لمـَهدِينَا آيتين لم تكونا منذ خلق السماوات والأرض، ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس في النصف منه”. (سنن الدارقطني، باب صفة صلاة الخسوف والكسوف وهيئتها)

فالحديث يذكر وقوع كسوف للشمس وآخر للقمر في شهر معين هو شهر رمضان. والمعروف -كما بيَّنا آنفا- أن كسوف القمر يقع عند منتصف الشهر القمري أي في إحدى الليالي 13، 14، 15. وبحسب الحديث المذكور، يقع كسوف القمر في أول ليلة من ليالي كسوف القمر من شهر رمضان أي ليلة 13. كذلك فإن الشمس لا تنكسف إلا عند نهاية الشهر العربي، والأيام التي يمكن أن تقع فيها كسوف الشمس هي 29،28،27. وطبقا للحديث الشريف فإن كسوف الشمس سوف يقع في منتصف أيام كسوف الشمس أي يوم 28 من شهر رمضان.

ولا يخفى بالطبع أن اجتماع كسوف الشمس والقمر في شهر رمضان وفي الأيام المحددة لكل منهما لن يحدث إلا كعلامة وآية لتصديق الإمام المهدي.. الذي لا بد أن يكون قد ظهر أولاً وأعلن عن نفسه أنه الإمام المهدي المنتظر وأنه المسيح الموعود.. ثم تقع تلك الآية تصديقًا له، فتكون بمثابة شهادة سماوية له من خالق السماوات والأرض.

وهناك ملاحظة جديرة بالاهتمام في الحديث النبوي المذكور، إذ يشير قوله: “إن لمهدينا آيتين” إلى أن الإمام المهدي سوف يظهر في زمن يكثر فيه المتنبئون الذين يدّعي كل واحد منهم أنه ذلك الإمام المهدي المنتظر، ولكن هاتين الآيتين لن تظهرا لأي واحد من أولئك المدعين الكذبة.. بل سوف تظهران كعلامتين لتصديق الإمام المهدي الحق الذي قصده رسول الله ونسبه إلى نفسه بقوله: “إن لمهدينا آيتين”، ولم يقل: (إن للمهدي آيتين). فلو كان اكتفى بقوله (إن للمهدي آيتين) لما فهم من كلامه أنه سيكون هناك مدّعون كذبة يزعم كل منهم أنه ذلك المهدي المنتظر. وعلى هذا فإن من شروط صدق الإمام المهدي الحق أنه الإمام المنتظر. ونجد في الإنجيل إشارة إلى هذا الأمر أيضًا فيما يختص بكسوف الشمس والقمر، فيقول إنجيل مرقس:

“سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ، وَنُجُومُ السَّمَاءِ تَتَسَاقَطُ” (إِنْجِيلُ مَرْقُسَ 13: 22-25)

وما أبلغ عبارة رسول الله التي عبّر بها عن ظهور المهديين الكذبة في زمن الإمام المهدي الحق بقوله : (إن لمهدينا آيتين). فأشار إلى أن توقيت هذه الآية الفلكية لن يوافق زمن هؤلاء الكذبة رغم تزامن ظهورهم مع الإمام المهدي الحق، بل إنها ستقع فقط كعلامة وآية لتصديق الإمام المهدي الذي اختاره وأقامه الله تعالى.

ماذا تقول الأديان الأخرى؟

ينبيء كثير من الأديان عن ظهور مصلح عظيم في الزمان الأخير ليصلح حال الدين في العالم، وتتغير الدنيا في زمانه، ويكون ظهوره في عصر يعم فيه الرخاء والسلام في العالم، ويتوحد فيه سكان الأرض تحت راية واحدة. فاليهود ينتظرون ظهور المسيح الذي سوف يقيم لهم مملكة عظيمة في الأرض، والنصارى ينتظرون عودة المسيح ليقيم مملكة الله على الأرض، والمسلمون ينتظرون الإمام المهدي والمسيح الموعود الذي يهلك الله في زمنه الملل كلها ويظهر الإسلام على الدين كله تحقيقا لوعده تعالى

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ،

والهندوس ينتظرون ظهور كرشنا ليحقق المجد للهندوس، والزرادشتيون ينتظرون عودة ميسيو مرة أخرى، وهكذا..

وقد حاول بعض علماء النصرانية أن يتتبعوا النبوءات التي جاءت في الكتاب المقدس عن ظهور المسيح.. ووجدوا أنها سوف تتحقق في القرن التاسع عشر.

وليس من المعقول أن يظهر مسيح لليهود ومسيح آخر للنصارى وإمام مهدي للمسلمين وكرشنا للهندوس وميسيو للزرادشتيين، ويعمل كل من هؤلاء في نفس الوقت لنشر دينه وتحقيق ظهوره على الأديان كلها. إن بعث كل هؤلاء في نفس الوقت سوف يؤدي إلى تفريق الناس بدلا من توحيدهم.. اللهم إلا إذا كانت كل تلك النبوءات تشير إلى مجيء إمام عظيم ومصلح كبير في دين واحد من الأديان هو الدين الحق، ويجمع هذا الإمام في نفسه صفات كل هؤلاء المبشر بظهورهم في آخر الزمان.

مرزا غلام أحمد – الإمام المنتظر (1836- 1908)

في منتصف العقد الثامن من القرن التاسع عشر أعلن حضرة مرزا غلام أحمد القادياني أن الله تعالى قد اختاره مجددًا للدين الإسلامي، ثم أخبره تعالى بأنه الإمام المهدي الذي أنبأ عنه رسول الله ، ثم أخبره تعالى بأنه المسيح الموعود للأمة الإسلامية، وأخبره كذلك أنه هو المقصود من نبوءات الهندوس عن ظهور كرشنا، كما أنه أيضًا بوذا للبوذيين، وميسيو للزرادشتيين.

أي أن كل تلك النبوءات المختلفة التي جاءت متفرقة في أديان الأرض جميعًا قد تحققت في فرد واحد من بين المسلمين. وعلى ذلك، فإن الدين الذي سوف يظهره الله على الأديان كلها هو الإسلام، وأن المملكة التي سوف يقيمها الله على الأرض هي مملكة الإسلام، وأن وعد توحيد بني الإنسان تحت راية واحدة سوف يتم تحت راية “لا إله إلا الله – محمد رسول الله”.وحيث أنه قد أعلن للناس كافة أنه الإمام المهدي المنتظر، فقد كان لا بد أن تتحقق النبوءة الفلكية التي ذكرها رسول الله تأييدًا لظهور المهدي. وعلى ذلك، فقد تحقق النبأ العظيم، وصدق رسول الله ، ووقعت المعجزة الفلكية التي أشار إليها، واجتمع الشمس والقمر كما -ذكر القرآن المجيد- في كسوف وقع في نفس الأيام التي حددها رسول الله من شهر رمضان المبارك، وذلك في عام 1311 الهجري، الموافق عام 1894 الميلادي، وقد سجلته المراصد في ذلك العام ونشرت أخباره مجلة (ميليتري جازيت) الهندية، ( MILITARY GAZETTE ).

وطبع الإمام المهدي كتابا تحدث فيه عن هذه الآية الفلكية قال فيه: “إن أيام الله قد قربت، وكلمات الله تجلّت وبدت، وظهرت الآيتان المتظاهرتان، وانخسف النيّران في رمضان، وجاء الماء لإطفاء النيران، فطوبى لكم يا معشر المسلمين، وبشرى لكم يا طوائف المؤمنين… وأما تفصيل الكلام في هذا المقام، فاعلموا يا أهل الإسلام وأتباع خير الأنام، إن الآية التي كنتم توعدون في كتاب الله العلاّم، وتبشّرون من سيد الرسل نور الله مزيل الظلام، أعني خسوف النّيرين في شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن، قد ظهر في بلادنا بفضل الله المنّان، وقد انخسف القمر والشمس وظهرت الآيتان، فاشكروا الله وخرّوا له ساجدين.” (نور الحق، ج2 ص1 و 7)

وجدير بالذكر أن قول رسول الله : (إن لمهدينا آيتين) الذي يشير إلى ظهور مدّعين كذبة يدّعون أنهم المهدي المنتظر في زمن المهدي الحقاني الذي يقيمه الله تعالى قد تحقق أيضًا قبل ظهور تلك الآية الفلكية التي وقعت تصديقًا للإمام المهدي مرزا غلام أحمد. ففي عام 1844م قام رجل في إيران اسمه علي محمد وادعى أنه المهدي المنتظر، وأنه “الباب” الذي يدخل منه السالك إلى حضرة الله تعالى، وكان هذا أول الكاذبين الذين أشار إليهم رسول الله ، وذكرهم المسيح عيسى بن مريم في جملته المذكورة في إنجيل مرقس والمشار إليها آنفًا. وقد قُتل ذلك المهدي الكذاب في عام 1850م. وتبعه مهدي آخر عرف باسم محمد أحمد المهدي ظهر في السودان، وادعى أنه المهدي المنتظر في عام 1879، وقد هلك عام 1885، قيل بالمرض وقيل متأثرا بجراحه في القتال. ثم كان هناك بهاء الله، وكان من أتباع مهدي إيران (الباب)، ثم ادعى أنه مظهر الله في الأرض، ومع أنه لم يدع النبوة ولم يقل أنه المهدي المنتظر إلا أنه قضى حياته سجينًا في عكا بفلسطين حتى مات أخيرًا عام 1892م. ثم كان هناك سيدنا مرزا غلام أحمد الذي أعلن منذ منتصف العقد الثامن أنه مجدد القرن الرابع عشر الهجري، ثم أعلن أنه الإمام المهدي المنتظر، ثم أعلن أن الله أخبره أنه مثيل عيسى بن مريم، وأنه في شخصه تتحقق كل النبوءات الخاصة بنزول المسيح عيسى بن مريم في آخر الزمان، أي النبوءات المذكورة في الإنجيل. ثم ذكر أنه ميسيو للزرادشتيين. وأنه كرشنا للهندوس. ونظر كثير من الناس إلى مرزا غلام أحمد على أنه مُدّعٍ آخر مثل أولئك الذين ادعوا أنهم ذلك الإمام المرتقب والمهدي المنتظر، ولكن بعد بضع سنوات من إعلانه عن نفسه، وبعد أن سبقه في حياته ثلاثة آخرون.. غادروا جميعًا مسرح الحياة حين خلت الدنيا من كل أولئك الذين ادعوا بأنهم ذلك المهدي المنتظر، ولم يبق في الميدان سوى مرزا غلام أحمد فقط، وقعت تلك المعجزة الفلكية وتحققت النبوءة التي ذكرها رسول الله عن كسوف الشمس وخسوف القمر وأنهما الآيتان اللتان تميزان المهدي الصادق حيث قال: (إن لمهدينا آيتين). وتحققت كذلك كلمات المسيح :

“سَيَقُومُ مُسَحَاءُ كَذَبَةٌ وَأَنْبِيَاءُ كَذَبَةٌ، وَيُعْطُونَ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ، لِكَيْ يُضِلُّوا لَوْ أَمْكَنَ الْمُخْتَارِينَ أَيْضًا. 23فَانْظُرُوا أَنْتُمْ. هَا أَنَا قَدْ سَبَقْتُ وَأَخْبَرْتُكُمْ بِكُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ (أي في أيام حياة المسيح الصادق) بَعْدَ ذلِكَ الضِّيقِ (أي بعد فتنة المدعين الكذبة)، فَالشَّمْسُ تُظْلِمُ، وَالْقَمَرُ لاَ يُعْطِي ضَوْءَهُ (أي يجتمع كسوف الشمس والقمر كما فصله حديث رسول الله

ولا تقتصر هذه المعجزة الفلكية على كسوف الشمس والقمر في رمضان فحسب، أو على اجتماع كسوف الشمس والقمر علامةً على صدق الإمام المهدي الذي أقامه الله تعالى وتمييزًا له عن كل من سبقه من المدعين الكذبة بالمهدوية.. بل امتدت هذه المعجزة أيضا إلى التوقيت الذي يقع فيه كل من كسوف الشمس والقمر. فحديث رسول الله ينص على أن كسوف القمر سوف يقع (لأول ليلة). وهذا يدل على أنه يقع في أول ليلة من ليالي خسوف القمر، ليس ذلك فحسب، بل ويقع في أول الليلة وليس في منتصفها أو في آخرها. وتحقيقًا لهذا فقد وقع كسوف القمر في نفس الليلة التي حددها رسول الله .. وفي الجزء الأول منها بين الساعة السابعة والتاسعة والنصف مساءً.

كذلك فإن حديث رسول الله ينص على أن كسوف الشمس سوف يقع (في النصف منه)، وهذا يدل على أنه يقع في منتصف أيام كسوف الشمس قريبا من منتصف النهار. وهذا ما حدث بالفعل.. إذ كُسفت الشمس فيما بين الساعة التاسعة والحادية عشرة قرب منتصف اليوم الثامن والعشرين من رمضان وهو منتصف أيام كسوف الشمس.

ولا تنتهي المعجزة الفلكية عند هذا الحد، بل يمتد أثرها حتى بعد وقوع الكسوف والخسوف. فإن الكسوف والخسوف آيتان مخوفتان يخوف الله بهما عباده إذا أراد أن ينذرهم بقرب نزول عذاب منه. ولذلك فقد حض رسول الله أن يفزع الناس عند الخسوف أو الكسوف إلى الصلاة وذكر الله ودعائه وطلب المغفرة منه.

“عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: خَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّه فَصَلَّى بِالنَّاسِ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ قَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ انْجَلَتْ الشَّمْسُ فَخَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا” (صحيح البخاري، كتاب الجمعة)

وفي ذلك يقول الإمام المهدي مرزا غلام أحمد :

“ثم اعلم أن الله نفث في روعي أن هذا الخسوف والكسوف في رمضان آيتان مخوفتان لقوم اتبعوا الشيطان وآثروا الظلم والطغيان، وهيجوا الفتن وأحبوا الافتتان وما كانوا منتهين. فخوفهم الله بهما وكل من تبع هواه وخان، وترك الصدق ومان، وعصى الله الرحمن، فيأذن الله لئن استغفروا ليغفرن لهم ويُري المنّ والإحسان، ولئن أبوا فإن العذاب قد حان” (نور الحق الجزء الثاني، ص 35).

وهكذا تتضح أهمية هذه المعجزة الفلكية في أنها ستكون بمثابة الإنذار من الله تعالى لمن ينكر ظهور الإمام المهدي ويصر على تكذيبه، ويعصي رسول الله الذي حض المسلمين على مبايعته:

“فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ” (سنن ابن ماجه،كتاب الفتن).

فليست المعجزة الفلكية في مجرد اجتماع كسوف الشمس وخسوف القمر في شهر من الشهور فحسب، بل إن اجتماع الكسوف والخسوف بالذات سيكون إنذارًا من الله تعالى للناس بأن (العذاب قد حان) كما أخبر بذلك الإمام المهدي، وكما سبق وأشار إليه رسول الله ودعائه واستغفاره.

فماذا حدث بعد وقوع تلك المعجزة الفلكية واجتماع كسوف الشمس وخسوف القمر في شهر رمضان سنة 1344 الهجرية الموافق 1894 الميلادية؟

لقد حذر الإمام المهدي الناس أن العذاب قد حان، وأخبرهم عن طبيعة هذا العذاب وكيفيته، فذكر أنه سيأتي في صورة أمراض وأوبئة، وحروب وزلازل شديدة، ودمار يتعرض له العالم كله بشكل لم يشهد له مثيلا من قبل. ولم تمض سنتان بعد معجزة كسوف الشمس والقمر حتى انتشر في الهند وباء الطاعون الذي أخذ يحصد الناس بالآلاف. وطالبت الحكومة جميع المواطنين أن يتحصنوا بالمصل الواقي من الطاعون، فطلب الإمام المهدي إعفاءه هو وأتباعه من تناول هذا المصل الواقي من الطاعون حيث أن هذا المرض ليس سوى عذاب من الله يصيب المكفرين والمخالفين، وقد وعده الله أنه سيحفظه هو وكل من في داره من ذلك العذاب المهين.

وذاع نبأ ذلك الطاعون الذي انتشر في الهند ووصلت أخباره إلى مصر، فكتب مصطفى كامل باشا في جريدة (اللواء) التي كان يصدرها، ينتقد موقف الإمام المهدي سيدنا مرزا غلام أحمد لطلبه الإعفاء له ولأتباعه من التطعيم بالمصل الواقي من الطاعون. فرد عليه الإمام المهدي بكتاب سماه (اللواء وآية من السماء) أو (مواهب الرحمن) ، شرح فيه لصاحب جريدة “اللواء” المصرية أن السبب في طلبه الإعفاء من التطعيم هو وعد الله له فيما يختص بهذا الوباء بالذات حتى يكون في هذا آية أخرى ومعجزة تبين صدقه وتدل على أنه هو الإمام المرتقب والمهدي المنتظر والمسيح الموعود.

ولكن.. ما كان الشيطان ليستسلم بسهولة ويترك قبضته التي يضل بها الناس. ولذلك فإن العذاب استمر ووقع بشكل لم تشهده البشرية من قبل في تاريخها الطويل. ففي سالف الأيام.. كان عذاب الله يقع على أقوام الأنبياء حين يصرون على تكذيبهم ورفضهم اتباع مبعوثي السماء، ولم يكن هؤلاء الأقوام في أغلب الأحيان أكثر من سكان قرية بعث فيها النبي، أو قبيلة أرسل الله إليها رسولا، فكان ضحايا العذاب في أكثر تلك الوقائع لا يتعدون بضعة آلاف من الناس، فلم يكن في تلك الأزمنة مدن واسعة يسكنها أعداد كبيرة من الناس، ولم يكن الأنبياء يبعثون إلى العالم أجمع، بل كانوا يأتون إلى قرية أو قبيلة أو مدينة صغيرة. وأما في عصرنا الحديث.. زمن الإمام المهدي الذي هو في الحقيقة امتداد لزمن المصطفى .. فقد تحول الزمان وتغيرت الظروف وصار البشر جميعا يعيشون على كوكب الأرض كأنهم في مدينة واحدة، وتضاعف عدد سكان العالم بشكل لم يحدث من قبل في تاريخ البشرية. ولذلك بعد أن تجلت المعجزة الفلكية في حياة الإمام المهدي عام 1894، كان العذاب في انتشاره واتساع آثاره بشكل لم تر البشرية له مثيلا من قبل.

نعم.. طالما عانت البشرية من الحروب الطوال، ولكن الحروب التي وقعت بعد معجزة كسوف الشمس والقمر فاقت في شدتها وآثارها كل حروب البشرية في تاريخها الطويل.. سواء أكان ذلك في أنواع أسلحة الدمار التي استخدمت فيها، أو في عدد الضحايا من القتلى والجرحى والمشردين، أو في عدد المساكن والمباني والمعدات التي هدمت ودمرت وخُرّبت.

كذلك كانت البشرية تتعرض من حين لآخر لوباء هنا أو مرض هناك، ولكن الأوبئة والأمراض التي وقعت في العالم بعد وقوع الكسوف والخسوف قد زادت ضحاياها واتسع انتشارها عن كل تلك الأوبئة التي وقعت في تاريخ البشرية بأكمله، سواء بالنسبة لعدد الضحايا الذين ماتوا بسبب تلك الأوبئة، أو عدد الضحايا الذين وقعوا فريسة لتلك الأمراض، أو في حجم المناطق التي انتشرت فيها هذه الأوبئة، أو في نوعية وتعدد أنواع الأمراض التي لم تكن معروفة في العالم من قبل.

لقد حصد وباء الطاعون في حياة الإمام المهدي مئات الألوف من البشر. ثم تلاه وباء الإنفلونزا الذي قضى على عشرين مليونا من الضحايا في عام واحد. ثم تلا ذلك أوبئة وأمراض أخرى مثل شلل الأطفال والكوليرا والملاريا والجدري والسرطان وأمراض القلب والأمراض الجنسية والأمراض النفسية وأمراض إدمان المسكرات والمخدرات وغيرها، وأمراض أخرى لم يكن يعرفها الإنسان من قبل مثل مرض العصر الحديث وهو الإيدز الذي يقدر عدد ضحاياه في نهاية هذا القرن بما لا يقل عن مائة مليون من البشر في جميع أنحاء العالم.

وبالإضافة إلى كل ذلك.. يأتي الخراب والدمار وضحايا الزلازل والبراكين والعواصف المدمرة والفيضانات والمجاعات والانهيارات الاقتصادية التي عمت العالم في هذا القرن الأخير بشكل لم يحدث له مثيل من قبل.

وهكذا تحققت النبوءة التي ذكرها رسول الله . ولم يكن الأمر إذن مجرد كسوف للشمس أو للقمر، وإنما تميزت تلك النبوءة بالذات بأن اجتمعت فيها كل العوامل الآتيه:

أولا: أن عددا من الناس سوف يدّعي بأنه الإمام المهدي، ولكن كسوف الشمس والقمر لن يحدث إلا بعد أن يرحل كل المدعين الكذبة عن مسرح الحياة، ثم تقع المعجرة الفلكية في حياة الإمام المهدي الصادق تأييدًا له.

ثانيا: أن الإمام المهدي الذي أقامه الله تعالى وأنبأ عنه رسول الله سوف يعلن أولا عن نفسه، ويدعو الناس إلى الإسلام الصحيح، ويقوم بتجديد الدين وتطهيره من العقائد الفاسدة الدخيلة عليه والإسرائيليات التي تسربت إلى أفهام أتباعه، وبعد أن يكذبه عامة الناس تقع المعجزة الفلكية تصديقًا له وتحقيقًا لوعد رسول الله .

ثالثا: أن القمر سوف ينكسف في أول ليلة من ليالي كسوف القمر، أي الليلة الثالثة عشرة من الشهر العربي.

رابعا: أن كسوف القمر سوف يتم في الشطر الأول من الليلة التي يقع فيها ذلك الكسوف.

خامسا: أن الشمس سوف تنكسف في اليوم الأوسط بين أيام كسوف الشمس وهو اليوم الثامن والعشرين من الشهر العربي.

سادسا: أن كسوف الشمس سوف يتم في الجزء الأوسط من النهار الذي يقع فيه ذلك الكسوف.

سابعا: أن كلاًّ من كسوف الشمس والقمر سوف يقع في شهر رمضان المبارك.

ثامنا: أن اجتماع الكسوف والخسوف في شهر رمضان يجب أن يحدث في نفس العام وليس في رمضانين متفرقين وذلك حتى يتم النبأ القرآني الخاص باجتماع الشمس والقمر.

تاسعا: أن اجتماع هذا الكسوف والخسوف في الأوقات المحددة وفي الأيام المحددة وفي الشهر المحدد يجب أن يحدث في المنطقة التي ظهر فيها الإمام المهدي. وقد تم هذا في الهند عام 1894 الموافق عام 1311 الهجري.

عاشرا: ولما كان شهر رمضان -مثل سائر الشهور العربية- قد تختلف بدايته من بلد إلى بلد.. لزم أن تكون المنطقة التي ظهر فيها الإمام المهدي هي النقطة المركزية التي يتحدد فيها ابتداء الشهر وبالتالي تتحدد أيام الكسوف والخسوف حسب نبوءة رسول الله عن الإمام المهدي هي نبوءة للعالم كله، لأن الإمام المهدي مبعوث للعالم أجمع، ومهمته في نشر الإسلام وإعلاء رايته في العالم كله، لذلك وجب أن تتحقق النبوءة في الغرب كما تحققت في الشرق. وقد تم هذا في العام التالي مباشرة أي في عام 1895م الموافق1312 الهجري في شهر رمضان وفي نفس الأيام المحددة باعتبار أن النقطة المركزية هي البلد الذي ظهر فيه الإمام المهدي وهو الهند.

ثاني عشر: أن الظروف الجوية السائدة وقت الخسوف والكسوف لن تحول دون رؤيتهما بوضوح.

ثالث عشر: أن هذه المعجزة الفلكية ستكون بمثابة إنذار وتحذير من الله تعالى للناس، ودعوة لهم كي يتوجهوا إليه بالدعاء والاستغفار.. وإلا فسوف يعم العالم أجمع عذاب بشكل لم تشهد البشرية نظيره من قبل في تاريخها الطويل.

نعم .. إن كسوف الشمس والقمر ظاهرة طبيعية تحدث من حين لآخر، ولكن الله تعالى يستخدم تلك الظواهر الطبيبعة ويجعل منها معجزات خارقة للعادة. إن من طبيعة العنكبوت أن تبني لها بيتًا في أي مكان، ومن طبيعة الحمام أن تضع بيضها في عشها الذي تبنيه حيث تشاء. فهذه كلها ظواهر طبيعية وأمور عادية، ولكن الله تعالى يجعل من تلك الظواهر العادية معجزات خارقة للعادة عندما يشاء سبحانه أن تقع تلك الأمور العادية في ظروف غير عادية. وهذا ما وقع مثلا عندما دخل رسول الله الغار مع صاحبه أبي بكر أثناء هجرتهما من مكة إلى المدينة، فلحق بهما الكفار حتى وصلوا إلى باب الغار. ولكن لما رأى الكفار أن العنكبوت قد نسجت بيتها على باب الغار، وأن الحمامة قد باضت هي الأخرى على الباب، انصرف ذهنهم عن النظر داخل الغار وغادروا المكان. وهكذا جعل الله -جلّت قدرته- من تلك الأمور العادية، أي بيتِ العنكبوت وبيض الحمامة معجزة خالدة لنجاة رسوله الحبيب .

كذلك الحال مع الكسوف والخسوف.. فكل منهما ظاهرة فلكية .. تقع من حين لآخر في هذا المكان أو ذاك، إلا أن اجتماعهما بهذا الشكل، في تلك الظروف، في الأيام المحددة، وفي الأوقات المعينة، وفي الشهر المبارك، وبعد أن قام وادعى عدد من الناس أنهم المهدي المنتظر ثم خرجوا جميعا من الميدان إلا واحدا فقط.. حذر قومه من عذاب الله الذي أخبره عنه وقوع العذاب فعلا بعد تحذيره.. كل هذا يجعل من الظاهرة الفلكية الطبيعية معجزة خارقة تدل على صدق الإمام المهدي والمسيح الموعود.. سيدنا مرزا غلام أحمد . إن الله تعالى يؤيد أنبياءه وأولياءه بآيات وعلامات ليس في وسع البشر أن يأتوا بمثلها، وحين أعلن سيدنا أحمد أنه الإمام المهدي المرتقب ظهوره على رأس القرن الرابع عشر الهجري.. أيده الله تعالى بالمئات من الآيات والعلامات التي تدل على صدقه وصدق دعواه، وكان من بينها هذه المعجزة الفلكية. وترجع أهمية هذه المعجزة إلى أن رسول الله هو الذي أنبأ بها وأخبر عنها، ولذلك فإن تحققها بهذا الشكل بعد وفاة رسول الله بما يقرب من ألف وثلاثمائة عام ليضفي بلا ريب دليلا عمليا ناصعا على صدق الرسول .

ولكن.. الأسف كل الأسف.. أن بعض الناس يحلو لهم الاعتراض والتشكيك.. ويزعمون أن نبوءة الرسول لم تتحقق حتى الآن، وهم لا يزالون في انتظار الإمام المهدي تماما كاليهود الذين لا يزالون ينتظرون المسيح الذي سبق أن ظهر فيهم منذ ألفي عام. وهؤلاء المتشككون يسوقون اعتراضاتهم على هذه هذه المعجزة كما يلي:

الاعتراض الأول:

يقولون أن النبوءة تنص على كسوف القمر (لأول ليلة من رمضان)، وليس في أول ليلة من ليالي كسوف القمر. كذلك فإن الشمس يجب أن تنكسف في اليوم المنصِّف لرمضان وليس في اليوم المنصِّف لأيام كسوف الشمس. ولإزالة الالتباس من أذهان أولئك المعترضين نكرر القول بأن كسوف الشمس والقمر يتبع سُنَّةً كونية خلقها الله تعالى وأرادها بمشيئته أن تكون كذلك.

يحدث كسوف القمر حينما تتوسط الأرض على الأرض على القمر فينكسف. وهذا لا يمكن أن يحدث فلكيا إلا في الأيام الثلاثة التي تتوسط الشهر القمري. ولو شاء الله تعالى أن يغير نظام كونة ويبدل سنَّته التي حددها بنفسه لفعل، فإنه سبحانه قادر على كل شيء وهو فعال لما يريد، ولكنة تبارك وتعالى لا يقول شيئا ويفعل شيئا آخر مخالفا لقوله فإن هذا مما يتعارض مع حكمته، لذلك فهو يقول:

فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (فاطر: 44).

والسنة الفلكية التي حددها الله تعالى للشمس والقمر هي أنه جعل لكل منهما مدارا وفلكا يسبَح فيه، فقال:

لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس: 41).

لذلك فمن المستحيل أن يخرج القمر من فلكه أو تحيد الشمس عن فلكها، ومن ثم لا يمكن أن يحدث كسوف القمر في أول ليلة من ليالي رمضان أو تنكسف الشمس في منتصف أيام الشهر، لا لأنه تعالى غير قادر على أن يفعل ذلك لو أراد .. وإنما لأنه قدّر أن تكون هذه سنَّته منذ الأزل.

ويمكن أن نكتفي بهذا القدر للرد على المعترضين. ولكن.. إضافة إلى ما سبق نقول إن النبوءة تنص على أن (ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان)، وصاحب هذه النبوءة رسول الله الذي يُعَد كلامه أبلغ الحديث بعد القرآن الكريم. ورسول الله عربي، وكل عربي يعلم أن القمر لا يسمى قمرا إلا بعد مرور الأيام الثلاثة الأولى من الشهر العربي، أما في أيام الشهر الثلاثة الأولى فإنه يسمى هلالا، وهناك عشرات الأحاديث التي ذكرها رسول الله عن ذلك الجرم السماوي الذي يظهر في السماء في أول كل شهر عربي وتتحدد عند رؤيته بداية الشهر، وفي كل الأحاديث الكثيرة لم ينس رسول الله مرة واحدة في تسميته، بل كان دائما وأبدا يسميه هلال. فما دام الأمر كذلك، وما دام رسول الله يذكر أن القمر -وليس الهلال- هو الذي ينكسف، فإن هذا يدل على أن المقصود من (أول ليلة من رمضان) هو أول ليلة من ليالي كسوف القمر في رمضان.

الاعتراض الثاني:

يسوق بعض الناس حديث رسول الله الذي يذكر فيه أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وأنهما لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، وبذلك يستدلون على أنه لا ينبغي اعتبار كسوف الشمس والقمر دليلا على ظهور المهدي.

إن هؤلاء المعترضين ينسون أن كسوف الشمس والقمر حسب ما جاء في نبوءة رسول الله ليس دليلا على حياة المهدي أو على موته، وإنما هو آية على صدق دعواه. فإن الإمام المهدي لم يولد في تلك السنة وإنما أعلن دعواه لعدة سنوات قبل وقوع المعجزة الفلكية، ثم صار كسوف الشمس وكسوف القمر آيتين تؤيدانه وتصدقانه. فهما لم ينكسفا لحياته ولا لموته وإنما انكسفا تدليلا من الله تعالى وإثباتا لصدق الإمام الذي اختاره وأقامه .

الاعتراض الثالث:

حينما تفشل كل حيلة ولا يكون مهرب فإن السبيل الوحيد أمام المنكرين والمعترضين هو أن ينكروا الحديث بأكمله ويقولوا: هذا الحديث ضعيف أو غريب أو حديث آحاد أو موضوع أو مكذوب، وبالاختصار.. لا تصح نسبته إلى رسول الله .

وردا على هذا الاعتراض نقول إن علم الغيب يختص به الله تعالى وحده، وهو يكشف بعض غيبه لأنبيائه ورسله حسب قوله:

عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ (الجن: 27-28)،

فإذا كان هناك نبأ منسوب إلى رسول الله ، وكان هناك ثلاثة عشر شرطا لابد من توافرها جميعا حتى يتحقق ذلك النبأ، وأنه لا يمكن لبشر أن يتدخل في تدبير تلك الشروط ليتحقق النبأ، ورغم كل ذلك فإن النبأ قد تحقق بكل شروطه، فهل بعد هذا يمكن أن يقال أن هذا النبأ ليس من قول رسول الله ؟ وهل يكشف الله تعالى عن غيبه لأحد بهذه الصورة إلا لنبيه ورسوله؟

إن النبأ في حقيقة الأمر ليس من رسول بل هو من الله تعالى وهو سبحانه الذي أنبأ به رسوله، وقد رواه الإمام الباقر وأثبته الإمام الدار قطني في مسنده من أكثر من ألف عام. إن الأمر ليس مجرد وقوع كسوف أو خسوف، وإنما هو نبأ عظيم يتضمن العديد من الأمور التي لا يمكن أن تجتمع كلها وتتحقق بفعل بشر، لذلك فإن تحقق النبأ بهذا الشكل المعجز لهو أعظم دليل على أن الله تعالى هو الذي أوحاه إلى عبده. ومن يرفض قبول نبأ قد تحقق بالفعل، ويصر على أن رسول الله ليس بقائله  فإننا نقول له: إن مصدر النبأ الذي تحقق هو الله تعالى، وسواء قبل المعترض نسبته إلى رسول الله أم لم يقبل فإن هذا لا يغير من حقيقة النبأ، ولا من أهميته، ولا من أحقيته.. حيث أنه من وحي الله.

الاعتراض الرابع:

بعد أن تحقق الحديث وثبتت صحته.. يلجأ بعض الناس إلى حيلة أخرى، فيسوقون أحاديث تتضمن نبوءات لم تتحقق بعد وتتعلق بزمن ظهور الإمام المهدي. فمثلا يقولون: عند ظهور الإمام المهدي سوف يُهلك الله الملل كلها إلا الإسلام، وسوف ينتشر السلام ويعم الرخاء ويفيض المال وينتصر الإسلام على الأديان كلها. والآن بعد مرور مائة عام على وقوع الكسوف والخسوف لا يبدو أن شيئا من ذلك قد تحقق، وعلى هذا فلا يمكن ان يكون الإمام المهدي قد ظهر بعد.

وللرد على هذا نقول: إن الاعتراض المذكور لم ينف وقوع الكسوف والخسوف بالشروط التي أنبأ عنها رسول الله ، وهذا يعني أن المعجزة الفلكية التي ذكرها رسول الله علامة على ظهور الإمام المهدي قد وقعت. فإذا هناك نبوءات أخرى لم تتحقق بعد، فلا ينبغي أن نفهم النبأ الذي تحقق في ضوء النبوءات التي لم تتحقق، بل العكس هو الصحيح، أي يجب أن نفهم النبوءات التي لم تتحقق في ضوء النبأ الذي وقع وتحقق بالفعل.

لا شك أن رسول الله قد أشار إلى أن زمن الإمام المهدي سيكون زمان سلام وأمن ورخاء، وأن الإسلام سوف ينتصر الأديان كلها، وأن الله سيهلك في زمنه الملل كلها إلا الإسلام، ولكن يجب أن نفهم أن فترة زمن الإمام المهدي تختلف عن فترة حياته. وعلى وجه العموم فإن حياة المبعوث من عند الله تعالى تختلف دائما عن زمن ذلك المبعوث. فحياة المبعوث تنحصر في الأيام التي يقضيها ويعيشها منذ ولادته إلى أن يتوفاه الله، ولكن زمنه يبدأ من بعثته وتكليفه إلى أن يأتي بعده نبي آخر من عند الله بدين جديد وشريعة جديدة.. فيبدأ زمن جديد. وعلى ذلك تكون حياة موسى هي تلك الفترة التي عاشها في هذه الدنيا، أما زمنه فيبدأ من ساعة بعثته وينتهي عندما بعث رسول الله . كذلك فإن حياة عيسى هي الفترة التي عاشها في هذه الدنيا، أما زمنه فهو يبدأ منذ بعثته وينتهي عند بعثة رسول الله . ونفس الأمر ينطبق أيضا على رسول الله ، فحياته لم تتجاوز ثلاثة وستين عاما، وأما زمنه فيبدأ منذ تكليفه بالرساله حينما كان في سن الأربعين ولا ينتهي زمنه أبدا، بل يستمر إلى يوم القيامة.. لأنه النبي الخاتم لكل الرسالات السابقة، ودينه هو الدين الكامل الذي ارتضاه الله تعالى لعباده إلى يوم القيامة.

كذلك فإن حياة الإمام المهدي تنحصر في تلك الأيام التي قضاها في هذه الدنيا، ولكن زمنه يختلف عن ذلك. فحيث أنه من أمه محمد رسول الله ومن خدامه، فإن زمنه هو في الحقيقة زمن سيده رسول الله ، ويمتد كذلك إلى يوم القيامة. وعلى هذا فحين يقول رسول الله أن الله سيهلك في زمنه الملل كلها إلا الإسلام، وأن السلام والرخاء سيعم في أيامه فمن الخطأ أن نحصر تحقيق تلك الأنباء في فترة حياة الإمام المهدي.

ولا شك أن كل مسلم يتساءل عن الزمن الذي تتحقق فيه نبوءات رسول الله ويتحقق فيه انتصار الإسلام وانتشار السلام في الأرض. ولكي نفهم هذا يجب أن ندرس حياة الأنبياء الذين بعثهم الله إلى الأمم السابقة وكيف تحققت أنباء الله ووعوده بالنسبة لهم. فموسى جاء إلى قومه من عند الله تعالى ينبئهم بوعد الله لهم بأنه إذا اتبعوه ودخلوا الأرض المقدسة فإن الله سيجعلهم ملوكا ويمكّنهم من إنشاء  مملكة عظيمة في الأرض المقدسة. فمتى تحقق هذا النبأ؟ لم يتحقق في حياة موسى ، بل إنه مات قبل أن يضع قدمه في الأرض المقدسة، وصلت أوج مجدها في حياة داود وسليمان عليهما السلام. وهكذا تحقق الوعد الإلهي في زمن موسى وليس في حياته.كذلك الأمر بالنسبة لعيسى .. فقد وعده الله تعالى بأنه سيجعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. فمتى تم تحقيق هذا النبأ؟ لقد أنشأ عيسى جماعة من المؤمنين، ولكن القرن الأول بعد بعثته انقضى وأتباعه يعانون اضطهاد الكفرة من اليهود والرومان. ثم انقضى القرن الثاني وهم ما زالوا يعانون من الاضطهاد. واستمر هذا الاضطهاد إلى أن انقضى القرن الثالث ثم تحقق الوعد الإلهي، وظهر صدق النبأ في 325 الميلادي حينما دخل الإمبراطور قسطنطين في النصرانية وأمر بوقف اضطهاد النصارى. وهكذا تحقق النبأ في زمن عيسى الذي استمر ولم ينته إلا ببعثة رسول الله .

ولم يختلف الأمر مع سيد البشر وخاتم النبيين .. فقد بعثه الله رحمة للعالمين وبشيرا ونذيرا وأمره أن يبلغ رسالته للناس كافة، ووعده بأنه سيجعل لدينه الغلبة والانتصار على الأديان كلها، وأكد له أن الحق سوف يظهر وأن الباطل سوف يزهق. فهل تحققت تلك الوعود والأنباء في العالم أجمع وبالنسبة للناس كافة؟ هل تم انتصار الإسلام على اليهودية والنصرانية والهندوسية والبوذية وغيرها من أديان العالم؟ هل ظهر الحق وعلا وزهق الباطل واندثر من الدنيا؟ لقد مات رسول الله ولم يخرج دين الإسلام من نطاق شبه الجزيرة العربية. نعم… حقق رسول الله انتصارا عظيما على أعدائه في مكة والطائف، ولكنه لم يكن رسولا إلى مكة والطائف فحسب، بل كان رسولا إلى الإمبراطورية الرومانية والإمبراطورية الفارسية، وإلى الهند والصين واليابان، وإلى الهنود الحمر من سكان أمريكا الشمالية والجنوبية وإلى سكان أستراليا، وهذه القارات الثلاث لم تكن قد اكتُشفت في ذلك الحين. ولا يجرؤ أي عاقل أن يتخذ من عدم تحقق تلك النبوءات دليلا لإنكار بعثة رسول الله .. مثلما يحاول بعض الناس اليوم أن يتخذوا من عدم تحقق بعض النبوءات دليلا لإنكار بعثة الإمام المهدي. وحقيقة الأمر أن زمن رسول ، كما أشرنا سابقا، يمتد إلى يوم القيامة، وكل وعد من الله، وكل نبأ له سوف يتحقق في زمنه، إن شاء الله. وكذلك فإن كل النبوءات التي ذكرها رسول الله بشأن الإمام المهدي سوف تتحقق في زمنه الذي يمتد هو أيضا إلى يوم القيامة.

ولتحقيق ذلك فقد أنشأ الإمام المهدي بتوجيه من الله تعالى جماعة من المؤمنين تتولى العمل والسعي والجهاد في سبيل تحقيق تلك النبوءات. لذلك فقد أكد الإمام المهدي أن تحقيق انتصار الإسلام وظهوره على الدين كله يتم قبل أن ينقضي القرن الثالث من بعثته، فقال:

“اسمعوا أيها الناس جميعا! إن هذا النبأ من الله الذي خلق السماوات والأرض. إنه سوف ينشر هذه الجماعة في أقطار العالم كله، ويعطيها الغلبة على الجميع بالحجة والبرهان. إن الأيام الآتيه.. بل إنها لقريبة .. حين لا يُذكر بالعزة في الدنيا إلا هذا الدين. إن الله سوف يبارك هذا الدين وهذه الجماعة بشكل خارق للعادة ولأقصى غاية، وكل من يسعى لاستئصالها سوف يخيبه الله، وتدوم هذه الغلبه إلى يوم القيامة. …ولن ينقضي القرن الثالث بدءا من هذا اليوم حتى لا يكون في العالم سوى دين واحد وإمام واحد. لقد جئت لأبذر البذر، وقد زرعت ذلك البذر بيدي، ولسوف ينمو الآن ويزدهر، ولن يستطيع أحد أن يعرقل نموه”. (معرب من كتاب تذكرة الشهادتين ص 67)

الجماعة الإسلامية الأحمدية

إن سيدنا مرزا غلام أحمد (1835-1908) الإمام المهدي والمسيح الموعود قد أسس الجماعة الإسلامية الأحمدية بأمر من الله تعالى عام 1889م .. لكي تتولى نشر الإسلام وإعلاء كلمته في العالم أجمع. في ذلك الوقت كان وحده في الميدان، لا معين له ولا حول له ولا قوة .. اللهم إلا يد الله القديرة التي تتحرك من وراء الغيب، والتي حركت حفنة من القلوب المخلصة استمعت لندائه قائلة:

رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ * رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (آل عمران: 194-195)

وفي مواجهة قوى الشر والطغيان، والتفكير والاضطهاد، تلقّى من الله وعدًا يبشره: “إني سأجعل رسالتك تصل إلى أركان الأرض”. واليوم تضم هذه الجماعة المباركة حوالي عشرة ملايين من البشر، وتنتشر في أكثر من مائة وثلاثين دولة من دول العالم، وعلى رأسها الخليفة الرابع للإمام المهدي.. حضرة مرزا طاهر أحمد، أيده الله تعالى بنصره العزيز، وهي تعمل جاهدة، وتبذل كل غال ورخيص، وتقدم أي تضحية مهما عظمت، لكي ينتشر الإسلام في أرجاء العالم، وتعلو رايته خفاقة، ويجتمع شمل الأسرة الإنسانية كلها تحت لواء “لا إله إلا الله محمد رسول الله” وبذلك يتحقق نصر الإسلام وغلبته وظهوره على كل دين، فيصدق وعد الله تعالى:

هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ (الصف: 10).

وفي ذلك يقول الإمام المهدي :

“لقد أنبأني الله مرارا أنه سيكرمني إكراما عظيما، ويُلقي محبتي في القلوب، وينشر جماعتي في العالم كله، وأنه سيجعل جماعتي ظاهرة على الفرق كلها، وأن أفراد الجماعة سوف يحوزون الكمال في العالم والعرفان إلى حد أنهم يزمون ألسنة الجميع ويختمون على أفواههم بنور صدقهم وحججهم وآياتهم، وكل قوم سيشرب من هذا الينبوع. إن هذه الجماعة سوف تنمو بكل قوة، ولسوف تزدهر حتى تحيط بالأرض كلها.. إن موانع كثيرة سوف تحدث، وابتلاءات عديدة سوف تأتي، ولكن الله تعالى سوف يزيلها جميعًا وليوفين َّوعده”. (معرب من كتاب تجليات إلهية)

أيها القارئ العزيز.. إن الجماعة الأسلامية الأحمدية تدعوك اليوم لتستمع إلى منادي السماء.. استمع إلى رسول الله وهو يدعوك أن تبايع الإمام المهدي ولو حبْوًا على جبال الثلج. استمع إلى كتاب الله وهو يدعوك: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ . استمع إلى قوله تعالى يدعوك لتكون من جماعة المؤمنين:

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ (الكهف: 29).

إنها الجماعة المباركة التي أنشأها الإمام في العالم أجمع. استمع إلى صوت العقل الذي يدعوك لتأخذ جانب الحق، فإن الباطل زاهق لا محال، والحق أحق أن يُتبع، واتِّباع الباطل لن يؤدي إلا إلى المزيد من العذاب والخراب والدمار والهلاك. تذكَّر قول رسول الله حين حذَّر وأنذر أمته عند رؤية آية الكسوف والخسوف فقال:

“فَإِذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَافْزَعُوا إِلَى ذِكْرِهِ وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِه”.

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تحتفل هذا العام (1994م) بمرور مائة عام على ظهور هذه المعجزة الفلكية.. التي كان في تحققها دليلٌ آخر على صدق رسول الله ، فهو الذي أخبرنا عن وقوعها تصديقا للإمام المهدي. والآن، بعد مرور مائة عام، استمع إلى ما قاله الإمام المهدي وحذر به البشرية جمعاء:

( تَذَكَّروا.. إن الله قد أخبرني عن وقوع زلازل عديدة، فكونوا على يقن أنه كما هزت الزلازل أمريكا وأوربا فإنها كذلك سوف تهز آسيا وسيكون بعضها مشابها ليوم القيامة. وسوف يهلك العديد من الناس حتى تفيض أنهار من الدماء، بل إن طيور السماء وحيوانات الأرض لن تنجو من الموت القادم. إن دمارا شديدا سوف يعم ظهر هذه الأرض، وسيكون أشد ما وقع عليها منذ خلق الإنسان. إن أحياء بأكلملها سوف تدمر وتغدو كأن لم يسكنها أحد من قبل. وسيكون هذه كله مصحوبا بكوارث مرعبة تأتي من الأرض ومن السماء حتى أن كل الكتابات العلمية والفلسفية لن تعطي وصفًا ولو قريبا لتلك الكوارث المقبلة. إن الإنسانية سوف تكون في حالة شديدة من الغم والعجب.. لا تدري ماذا يمكن أن يحدث. سينجو الكثير.. ولكن الكثيرين أيضا سوف يهلكون. إن الأيام قريبة، بل إني أراها بالوصيد، حينما يرى العالم مشهدا مريعا.. ليس من الزلازل فقط.. ولكن من مصائب فظيعة سوف تحل بالإنسان. يقع بعضها من السماء وبعضها من الأرض.

كل هذا سوف يحدث لأن الناس تغافلوا عن عبادة الإله الحق وانغمسوا في أمور الدنيا بكل قلوبهم وكل جهدهم وكل مآربهم. ان لم أكن قد أتيت لكان من الممكن أن يتأخر وقوع تلك المصائب بعض الوقت، لكن بعد مجيئي فإن التدابير الخفية التي يكشف عنها غضب الله تعالى سوف تتضح بجلاء. يقول الله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا . إن الذين يتوبون إلى الله تعالى سوف يجدون الأمان، وأولئك الذين يخشون الله قبل أن تعصف بهم الكارثة ستشملهم رحمة الله تعالى. هل تظنون أنكم في مأمن من هذه الوارث؟ أم هل تظنون أنكم تستطيعون إنقاذ أنفسكم بتدابير مصطنعة ؟ كلا، إن التدابير البشرية سوف تفشل كلها في ذلك اليوم. فلا تظنوا أن الزلازل قد أصابت أمريكا وبعض القارات الأخرى فتكون بلادكم بمأمن منها. حقا إن مصيبة أكبر سوف تحل بكم .

أيا أوروبا أنت لست في مأمن، وأنت يا آسيا أيضا لست بناجية منها، وأنتم يا سكان الجزر لن تغيثكم الآلهة الباطلة، إنني أرى مدن وأحياء تتحول خرابا ودمارا فقد ظل ذلك الإله الواحد الأحد صامتا لزمن طويل وارتكبت المعاصي والرذائل بين يديه ولم يقل شيئا لكنه الآن سوف يكشف عن وجهه الجلالي بقوة فمن كانت له أذنان للسمع فليسمع إن ذلك الوقت ليس ببعيد لقد بذلت أقصى جهدي لأجمع الجميع تحت رحمة الله تعالى ولكن يبدو أن القدر المكتوب لا بد أن يتحقق الحق والحق أقول… إن دور هذه البلاد أيضا يقترب بسرعة، فإن زمن نوح سوف يظهر أمام أعينكم وسوف تشاهدون بأعينكم الكوارث التي حلت بمدن لوط، ولكن الله بطيء في إظهار سخطه فتوبوا حتى تدرككم رحمة الله فإن من لا يخشى الله ليس من الأحياء بل هو يقينا من الأموات” (معرب عن الترجمة الإنجليزية- حقيقة الوحي: ص 256 – 257)

أيها القارئ الكريم هل رأيت تحقيق هذه الكلمات في خلال المائة عام المنصرمة في حربين عالميتين راح ضحيتهما أكثر من مائة مليون إنسان ما بين قتيل وجريح ومشرد؟ هل أنت في مأمن من حرب ثالثة لا ينجو منها الأخضر واليابس؟ استجب لداعي الله … فعسى أن تنالك رحمة الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

Share via
تابعونا على الفايس بوك