مزيد من البهتان!

مزيد من البهتان!

مصطفى ثابت

تحت سلسلة السيرة المطهرة يتناول الكاتب سيرة حضرة ميرزا غلام أحمد الإمام المهدي والمسيح الموعود مُبرزًا الوقائع والأحداث الهامة من حياة حضرته المطهرة.

لا يمكن لكتاب يتناول وقائع حياة سيدنا أحمد .. أن يغفل ذكر بعض الأحداث الهامة التي وقعت.. والتي يحلو لمعارضي الأحمدية أن يذكروها في كل مجال، ويزعموا أنها تقدم الدليل على عدم تحقق النبوءات التي أعلن سيدنا أحمد أنه تلقاها من الله .

ومن تلك النبوءات نبَآنِ يختصّ أحدُهما بأقاربه وعشيرته، والآخرُ يختصّ بالشيخ ثناء الله الأمرتسري العدو اللدود للجماعة الإسلامية الأحمدية ومؤسسها.

ويشيع المعارضون أن النبوءة التي تتعلق بأقاربه وعشيرته هي تلك التي ذكر فيها أن الله تعالى أخبره بأن ابن عمه ميرزا “أحمد بيك” سوف يموت إذا لم يزوّجه ابنتَه البِكْرَ، وأنه إذا زوّجها رجلا آخر فسوف يموت زوجُها أيضا خلال سنوات ثلاث، ثم تُردّ الابنة لتكون زوجة لسيدنا أحمد ، غير أن الابنة تزوجت من رجل آخر وعاشت معه عمرًا طويلا، وبالتالي فهم يزعمون أن النبوءة لم تتحقق.

الخلفيــّــة

ولكي نبيّن حقيقة هذا الأمر، يحسن أن نكتب باختصار خلفية هذه الوقائع، حتى يتبين لكل ذي عينين وبصيرة، أن نبوءة مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية قد تحققت بحذافيرها، ولكن معارضي الأحمدية الذين أعماهم التعصب المقيت لا يستطيعون أن يروا النور، ولا أن يدركوا الحق.

كانت “محمدي بيغم” ابنة أحد أقرباء سيدنا أحمد الأبعدين من ناحية والده، يُدعى ميرزا أحمد بيك. كان هذا الرجل قد أعلنَ ارتداده عن الإسلام. ليس ذلك فحسب، بل شارك أيضا مع بعض الأقارب الآخرين في سبّ نبي الإسلام سيدنا محمد ، والتشكيك في صدق القرآن الكريم، وإنكار وجود الله تعالى. قَلِقَ سيدنا أحمد بالطبع من هذا الموقف الجريء الذي يقفه هؤلاء الأقارب الذين طالما نصحهم أن يكُفّوا عن إنكار وجود الله تعالى، وشتمِ النبي الأكرم ، والطعنِ في القرآن الكريم كلمة الله المقدسة. ولكنهم أعاروا نصحه آذانًا صمّاء، بل كانت استجابتهم الوحيدة الإمعان في العدوان، واحتقار ما يبذله لهم سيدنا أحمد من نصح. وصاروا أشد جرأة في شجب كل مقدسات الإسلام. لقد ذكر حضرته هذا الأمر في أحد مصنفاته قائلا:

“وكذلك سَدَروا في غَلَواتهم، وجمَحوا في جَهَلاتهم، وسدَلوا ثوبَ الخُيَلاءِ يومًا فيومًا حتى بَدا لهم أن يُشيعوا خُزَعْبلاتِهم، ويَصطادوا السفهاءَ بتلبيساتهم، فكتَبوا كتابًا كان فيه سَبُّ رسولِ الله وسَبُّ كلامِ الله تعالى، وإنكارُ وُجودِ البارئِ عزَّ اسمُه.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج ٥ ص ٥٦٨)

واعلَمْ أن الهند في تلك المرحلة كانت تحت حكم الإنجليز، وكان المسلمون في حالة يُرثى لها من التمزق والتشتت والضياع، فقد كان الإسلام هدفا لمطاعن الهندوس، وكان المسلمون لقمة سائغة في أفواه المبشرين المسيحيين، الذين شنوا حملات شعواء على جميع العقائد الإسلامية، ولم يتركوا بابًا لهدم الإسلام إلا ولجوه، ولا طريقا لنَزع الإسلام من قلوب الناس إلا سلكوه. ولم يستطع الكثير من المولويين والمشائخ أن يواجهوا سهام النقد ونبال الهدم التي انهالت على رؤوسهم، وانتهى الأمر بالكثير منهم أن اعتنقوا المسيحية أو الهندوسية، وتبعهم في ذلك أعداد غفيرة من عامة المسلمين الجهلاء. أما الذين نالوا قسطا من التعليم والثقافة من بين المسلمين، فقد خلب لبَّ الكثير منهم حضارةُ الإنجليز والثقافاتُ الغربية، فصاروا من الملحدين. وكان أولاد عمومة سيدنا أحمد من هذه الفئة من الناس، فكانوا يُكذّبون القرآن المجيد، ويسبّون سيدنا محمدا ، وكانوا بذلك عونا لأعداء الإسلام والهندوس، حتى إنهم نشروا افتراءات كثيرة على الإسلام، في كتاب نشرته صحيفة “جشمة” على أقساط في أغسطس ١٨٨٥. وعن ذلك يقول سيدنا أحمد :

“فلما بلَغني كتابُهم الذي كان قد صنَّفه كبيرُهم في الخُبث والعمر، ورأيتُ فيه سَبَّ رسولِ الله سبًّا يَنشقُّ منه قلبُ المؤمنين، وتتقطَّع أكبادُ المسلمين، ورأيتُ فيه كلماتِ الأراذلِ والسفهاءِ، وتوهينَ الشريعةِ الغرّاءِ، وهَجْوَ كلامِ الله الكريم، فغضِبتُ أسَفًا، ونظَرتُ فإذا الكلماتُ كلماتٌ تكادُ السماواتُ يتفطَّرن منها.فتحدَّرتْ عَبَراتٌ مِن مّذارفِ مَآقي، وتصعَّدتْ زفراتي إلى التراقي، وغلَب عليّ بكاءٌ وأنينٌ. فغلَّقتُ الأبوابَ، ودعَوتُ الربَّ الوهّابَ،….. وقلتُ: يا رب.. يا ربِّ انْصُرْ عبدَك واخذُلْ أعداءَك. اِسْتَجِبْني يا ربِّ اسْتَجِبْني. إلامَ يُستهزّأُ بك وبرسولك؟ وحَتّامَ يُكذِّبون كتابَك ويسُبّون نبيِّك؟ برحمتك أستغيثُ يا حيُّ يا قيّومُ يا مُعينُ.” (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج ٥ ص ٥٦٩)

يتضح -بلا أدنى ريب- من هذا الدعاء أنه لم يكن هناك أي دافع شخصي للخلاف بين سيدنا أحمد وأسرة محمدي بيغم كما يزعم خصوم الأحمدية. بل بالعكس، لقد ابتهل إلى الله جل وعلا أن يسمع دعاءه ويخزي أعداء الإسلام الذين أنكروا وجود الله وسبّوا نبيه محمدًا المصطفى ، وعابوا كتابه القرآن الكريم. فرَحِمَ ربُّه تضرعاتِه وزفراتِه وعبراتِه وناداه حيث قال حضرته:

“فرحِمَ ربّي على تضرّعاتي وزفراتي وعبراتي، وناداني وقال: إني رأيتُ عصيانَهم وطغيانهم، فسوف أضربهم بأنواع الآفات. أُبيدُهم من تحت السماوات. وستنظُر ما أفعَل بهم، وكنا على كل شيء قادرين. إني أجعَل نساءَهم أراملَ، وأبناءَهم يتامى، وبيوتَهم خَرِبةً، ليذُوقوا طعمَ ما قالوا وما كسَبوا، ولكن لا أُهلِكُهم دفعةً وَاحدةً، بل قليلاً قليلاً لعلهم يرجِعون، ويكُونون من التوّابين.

إن لعنتي نازلةٌ عليهم وعلى جدرانِ بيوتِهم وعلى صغيرهم وكبيرهم ونسائِهم ورجالِهم ونزِيلهم الذي دخَل أبوابَهم، وكلُّهم كانوا ملعونين. إلا الذين آمَنوا وعمِلوا الصالحاتِ، وقطَعوا تعلُّقَهم منهم، وبعُدوا من مَجالِسِهم، فأولئك من المرحومين.” (المرجع السابق ص ٥٦٩- 570)

فعل الله ذلك استجابةً لابتهالات سيدنا أحمد التي تضرع فيها أن يصون اللهُ تعالى، ليس كرامة سيدنا أحمد ، وإنما كرامة الله جل وعلا، وكرامة نبيه محمد المصطفى ، وكرامة كتابه القرآن المجيد.

كان هذا هو الوعيد الذي تلقاه سيدنا أحمد في شأن هؤلاء الناس، وهو وعيد بنُزول غضب الله عليهم، ولكنه وعيد مشروط.. إذ يلاحظ القارئ في المقطع السابق جملةً تقول:

“ولكن لا أهلكهم دفعة واحدة بل قليلا قليلا، لعلهم يرجعون ويكونون من التوابين”.

وكذلك ورد الاستثناء أيضًا من لعنة الله في ذلك المقطع:

“إلّا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقطعوا تعلقهم منهم وبعدوا عن مجالسهم، فأولئك من المرحومين”.

وليس هذا بمستغرب من أرحم الراحمين، فإن الله تعالى لا يعذب الناس من أجل العذاب، ولكن من أجل تخويفهم حتى يرجعوا عن غيهم ويتوبوا إليه فيكونوا من المؤمنين الذين يعملون الصالحات.

يقول تعالى:

مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا (النساء: ١٤٨)،

وكذلك يقول:

وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الأّدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (السجدة: ٢٢)،

ومن ثم فإن الاحتجاج ضد هذه النبوءة -وهو ما يفعله خصوم سيدنا أحمد – يعادل القولَ بأن هذه العائلة التي ألحد كثير من أعضائها.. قد نجحت -معاذ الله- في إحباط مشيئة الله جل وعلا. والدليل على ذلك هو أن الوثيقة التي نشرها بعضُ كبار أسرة محمدي بيغم في جريدة “جشمه نور” أمرتسار ١٣/٨/١٨٨٥، والغرضَ الذي ابتهل سيدنا أحمد من أجله إلى الله تعالى.. يتعلقان أساسًا بوجود الله تعالى، وبصدق سيدنا محمد المصطفى وصدق القرآن الكريم.

في تلكَ الفترة كانت العلاقة بين سيدنا أحمد وبين أبناء عمومته على جانب كبير من التوتر، حتى كانت شبه منقطعة. ولكن الله أراد أن يحرك الأحداث حتى يُظهر آيته، ويحقق وعيده، ويظهر تأييده لعبده المسيح الموعود . فقد حدث أن أراد ميرزا أحمد بيك أن يُحوِّل على اسمه عقارات وأملاك أخته التي كان زوجها مفقود الخبر من سنين. وأخت مرزا أحمد بيك هي الأخرى كانت تريد أن تمنّ على أخيها وتهبه هذه العقارات التي هي مِلكٌ لزوجها المفقود الخبر، ولكي يتم هذا التسجيل قانونيا كان لا بد من الحصول على موافقة سيدنا أحمد ، لأن مفقود الخبر هذا كان من أقارب سيدنا أحمد ، ولم يكن له ولد فكان سيدنا أحمد من ضمن الورثة الشرعيين، وكان لا بد له من التنازل عن حقه في الميراث حتى يستطيع ميرزا أحمد بيك أن ينقل الإرث باسمه. وعلى ذلك كان ميرزا أحمد بيك ملزما لتحقيق رغبته بالذهاب إلى سيدنا أحمد ومقابلته طالبا منه الموافقة على هذا التسجيل.

كان ميرزا أحمد بيك.. رغم الجفاء الشديد بين عائلته وبين سيدنا أحمد .. يعلم أنه رجل لا يطمع في أملاك هذه الدنيا، ولا يهتم بعقار أو ثراء، فكان على يقين أن سيدنا أحمد لن يرفض طلبه. فأرسل زوجته لتطلب من سيدنا أحمد أن يتنازل عن حقه في الميراث. يذكر سيدنا أحمد هذه الأحداث فيقول:

“فجاءت امْرَأةُ أحمد بيك تطرَح بين يديّ لأترُكَ حقي، وأرضَى بهذه الهِبة، ولا أكونَ من المنازِعين. فكدْتُ أرحَم عليها وأَهَبُ الأرضَ لها تأليفًا لقلوبهم لعلهم يتُوبون ويكونون من المهتدين. ثم خشِيتُ شّرَّ الاستعجالِ، في مالِ الغائبِ الذي هو مفقودُ الخبر والحالِ، فخوَّفني تَبِعةُ أثمارِه وما فيه من الوبال. فاستحسَنتُ استفتاءَ العليمِ الحكيمِ، وتَرقُّبَ إعلامِ الربِّ الرحيمِ، لأكونَ بريًّا من غَصْبِ حقَّ غائبٍ…. فقلتُ لامرأة أحمد بيك: ما كنتُ قاطعًا أمرًا حتى أُؤامِرَ اللهَ تعالى فيه، فارجِعي إلى خِدْرِك، وبلِّغي ما سمعتِ أبا عُذْرِك، وستَجدينَني -إن شاء الله- من المخلصين. فذهَبتْ، وأتَى بعلُها يسعَى، فألَحَّ عليّ كالمضطرّين…. فقلتُ له: واللهِ ما زاغَ قلبي وما مالَ، وما أنا من الذين يحبّون المالَ، بل من الذين يتذكّرون المآلَ والآجال…. ولكن أَيْمُ اللهِ، لقد عاهَدتُ اللهَ على أنني لا أَميلُ إلى أمرٍ فيه شُبهةٌ، ولا أَضَعُ قَدَمًا في موضِع فيه زَلَّةٌ، ولا أتلُو المتشابهات حتى أؤامِرَ ربي فيها، فالآن أفعَل كذلك وأرجو من الله خيرًا، فلا تكونَنّ من القانطين. وإني أرى أن المؤامَرةَ أقرَبُ للتقوى، لأن الوارثَ مفقود، وما نتيقّن أنه ماتَ أو هو حيٌّ موجود، فلا يجوز أن يُستَعجَلَ في ماله كمال الميِّتين. فالأَوْلى أن تقصُرَ عن القيل والقال، حتى أُؤامِرَ ربّي عالِمَ الغيبِ ذا الجلالِ. (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج٥ ص ٥٧٠- ٥٧٢)

وهكذا توجه سيدنا أحمد إلى الله بالدعاء في هذه المسألة وطلب منه تعالى أن يرشده في هذا الأمر، فتلقى من الله تعالى وحيا يرشده إلى أن يطلب من ميرزا أحمد بيك أن يزوّجه ابنتَه، وأخبره سبحانه بأنه إذا تم هذا الزواج فسيكون مصدر بركة من الله تعالى لهم جميعا، وأمّا إذا رفض ميرزا أحمد بيك تزويجها لسيدنا أحمد وزوّجها لشخص آخر، فسوف يموت أبوها وزوجها خلال ثلاث سنوات من يوم النكاح، ثم إذا مات كلاهما يتم زواج سيدنا أحمد من تلك الفتاة. مع الأخذ في الاعتبار أن الإهلاك بالموت هو عقاب لمن لا يرجع عن غيه ولا يكون من التوابين، أما إذا نجا ميرزا أحمد بيك من الموت أو إذا نجا الزوج من الموت، فسوف تكون هذه النجاة دليلا على قبول توبتهم من الله تعالى، وبالتالي فسوف يعصمهم ذلك من استمرار نزول العقاب عليهم. وقد ذكر سيدنا أحمد هذا الأمر فقال:

١-“يموت بعلها وأبوها إلى ثلاث سنوات من يوم النكاح، ثم نردها إليك بعد موتهما، ولا يكون أحدهما من العاصمين.” (كرامات الصادقين، الخزائن الروحانية ج ٧ ص ١٦٢)

٢- ” كذبوا بآياتنا وكانوا بها يستهزئون، فسيكفيكهم الله ويردها إليك، لا تبديل لكلمات الله إن ربك فعّال لما يريد.” (مجموعة الإعلانات ج١ ص ١٥٨ الإعلان في ١٠ يوليو ١٨٨٨ م)

٣- “لا أهلكهم دفعة واحدة بل قليلا قليلا لعلهم يرجعون ويكونون من التوابين”. (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج٥ ص ٥٦٩) ولقد حذرهم مرةً سيدنا أحمد من أن الله تعالى قال:

“كل فرع من أبناء عمومتك سوف يُقطَع وينتهي بلا ذرية. إذا لم يتوبوا فإن الله سوف يرسل عليهم البلاء بعد البلاء حتى يهلكهم. سوف تمتلئ بيوتهم بالأرامل، وسوف ينزل غضبه على جدرانهم.” (جريدة “رياض الهند”، بتاريخ ٢٠/٢/١٨٨٦م)

وفي مناسبة أخرى حذر سيدنا أحمد أحد أعمام محمدي بيغم -ميرزا إمام الدين- أن الله تعالى قدّر معاقبته إذا لم يتب، ومع ذلك صرح سيدنا أحمد بأن الله تعالى أخبره بما تعريبه: “إذا تاب، حسنتْ خاتمته، ورغم التحذير يفوز بالراحة”. (سرمه جشم آريا “كحل عيون الآريا” الخزائن الروحانية ج٢ ص ١٩١) وكتب سيدُنا أحمد في مناسبة أخرى فقال ما نصه: “فأُلهمت من الرحمن أنه معذبهم لو لم يكونوا تائبين. وقال لي ربي: إن لم يتوبوا ولم يرجعوا فننزل عليهم رجسًا من السماوات، ونجعل دارهم مملوءة من الأرامل والثيبات، ونتوافهم أباتِرَ مخذولين. وإن تابوا وأصلحوا فنتوب عليهم بالرحمة، ونغيّر ما أردنا من العقوبة، فيظفرون بما يبتغون فَرحين”. (أنجام آتهم، الخزائن الروحانية ج ١١ ص ٢١٢)

لقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يُظهر آية لهؤلاء الناس الذين طغوا وأنكروا وجوده وسبُّوا نبيه، وكانوا يطالبون سيدنا أحمد أن يُظهر لهم آية في أنفسهم، فحرك سبحانه المقادير حتى إنه أتى أحمد بيك إلى دار سيدنا أحمد ملتمسا منه قضاء حاجة له. فأمر الله تعالى عبده المسيح الموعود أن يطلب منه زواج ابنته، حتى إذا تمت الموافقة على هذا الزواج يكون هذا دليلاً على تغير مسلكهم تجاه الإسلام ومؤسسه  والقرآن الكريم، فيكون لهم حظ انصلاح أمورهم، وتحوّلهم إلى جانب الله تعالى. وأمّا إذا رفضوا هذا الزواج، وزوّج ميرزا أحمد بيك ابنته من رجل آخر، فإن هذا يعني أنهم ما زالوا يصرون على إفكهم وتعاليهم وجبروتهم، وفي تلك الحالة كان لا بد من نزول العقاب، حتى يفيقوا من غلوائهم ويعودوا إلى الله تعالى. ولكن العقاب لن يحل عليهم مرة واحدة، بل قليلا قليلا.. حتى إذا تابوا وأصلحوا فإن الله يرحمهم ويتوب عليهم. وذكر أن الذي يعصمهم من نزول العذاب هو أن لا يموت ميرزا أحمد بيك أو لا يموت زوج ابنته.. بمعنى أنه إذا تاب أحدهما وأصلح، فإنه سيكون عاصما للآخرين من استمرار وقوع العذاب عليهم، وذلك كما تبينه الكلمات المذكورة آنفا: “ولا يكون أحدهما من العاصمين”. أما إذا مات ميرزا أحمد بيك، ومات أيضا زوج الابنة، فإن الله سوف يستمر في إنزال عقابه عليهم إلى أن يردها إلى سيدنا أحمد .

في ذلك الوقت كان سيدنا أحمد في الثالثة والخمسين من عمره، متزوجًا من سيدة تقية تنتمي إلى أرومة نبيلة: السيدة نصرت جهان بيغم، من ذرية “خواجه مير درد” أحد أولياء الله المعروفين من دلهي، الهند. وكانت حياة سيدنا أحمد قبل زواجه من هذه السيدة عام ١٨٨٤ تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أنه كان رجلا لا يبالي بالمتع الدنيوية. ويتضح ذلك من واقع أن حضرته عند انفصاله عن زوجته الأولى: السيدة حُرمت بي بي .. لم يكن قد بلغ ٢١ عاما بعد.. فمكث ٢٨ عاما بعدها دون أن يتزوج مرة ثانية، بل عاش أعزَبَ مكرِّسًا شبابه في خدمة الإسلام، وبقي مكتفيا بجهوده ومساعيه الدينية. ومن ثَم لا يسع أحدًا يتمتع بحاسة الإنصاف والعدل أن ينسب إلى سيدنا أحمد أيَّ رغبات دنيوية في تلك الحقبة من حياته. وبغض النظر عن مزاعم خصومه.. فإنه كان راغبًا عن الزواج من محمدي بيغم، وأعلن بوضوح غير مشروط أنه لا حاجه له في هذا الزواج لأن الله تعالى كفاه بكل احتياجاته (راجع مجموعة الإعلانات ج١ ص ١٦١- ١٦٢، الإعلان في ١٥/٧/١٨٨٨م).

وكان هذا الحادث مثلما حدث مع رسول الله حين تزوج أم حبيبة بنت أبي سفيان وسودة بنت زمعة، وبذلك صار زواج كل منهما سببا لتغيير عداوة أسرتيهما وتجاه رسول الله حتى انتهى الأمر بدخولهما في الإسلام.

فإذا كان خصوم سيدنا أحمد بعقولهم الفاجرة وخيالهم المريض يصرّون -رغم هذه الحقائق الثابتة- على إهانة هذا العبد التقي النقي من عباد الله تعالى، ويُسقطون شخصياتهم الفاسقة على دوافع مقاصده العفيفة الطاهرة التقية.. فلا يسع المرء إلا التعزي بأن أعظم الطاهرين المطهرين.. سيدنا محمد خاتم النبيين أيضًا لم يَسْلَم من مثل هذا النقد الداعر. أوَلا يدرون بأن الفَجَرَة من أمثال “فرويد” في الغرب ما برحوا لقرون طويلة يسخرون ويتهكمون على نبينا الحبيب بسبب زواجه من السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها.. مطلَّقة متبناه سيدنا زيد ؟ أليس من مقتضيات الحكمة والضرورة البالغة عند من يخشون الله تعالى أن يتحرَّوا الحرص والحذر فيما يتعلق بحياة هذه الشخصيات المقدسة.. الذين تخلو حياتهم من أي شائبة؟ أم يفضّل هؤلاء العائبون على رسل الله تعالى أن يُدخلوا أنفسهم فيمن قيل عنهم: الحمقى يندفعون في طريق تخشى دخوله الملائكة.

على أية حال، كان سيدنا أحمد قد رأى رؤيا فكتب عنها يقول:

“… رأيت هذه المرأة وأثر البكاء على وجهها فقلت أيتها المرأة توبي توبي.. فإن البلاء على عقبك، والمصيبة نازلة عليك. يموت .. ويبقى منه كلاب متعددة.” (مجموعة الإعلانات ج١ ص ١٦٢، الإعلان في ١٥ يوليو ١٨٨٨م)

والمرأة المشار إليها في هذه الرؤيا هي كبيرة العائلة.. جدة محمدي بيغم لأمها.. وقد ظهر على وجهها أثر البكاء، فنصحها سيدنا أحمد أن تتوب إلى الله، وأنذرها بأن البلاء سوف يحل على عقبها أي على نسلها، وأن شخصا ما سوف يموت ولكن تبقى بعد موته كلاب كثيرة. وكانت هذه الرؤيا تشير بوضوح أن ميرزا أحمد بيك سوف يموت، ومعنى هذا أنه لن يتوب إلى الله، وأنه سوف يرفض تزويج ابنته له، وسوف يزوّجها لشخص آخر، ومن ثم سوف يحل عليه العقاب، ويموت كما جاء في الوعيد الذي تلقاه عنه سيدنا أحمد .

وبالفعل.. لما تلقى ميرزا أحمد بيك طلب زواج سيدنا أحمد من ابنته غضب وثار، واستنكرت العائلة كلها أن يتطاول سيدنا أحمد إلى حد يطلب زواجه من ابنتهم، ولم يدركوا الحكمة وراء هذا الزواج، وأنه سيكون بركة عليهم وسببا لهدايتهم إلى الحق. وامتنع الأب عن تزويج ابنته لأحد خمس سنوات، ثم مع مرور السنين، حسبوا أن النبأ ليس سوى خيالات واهية، افتراها سيدنا أحمد ليخيفهم بها. ولذلك فقد عقد ميرزا أحمد بيك العزم على تزويج ابنته، وزوّجها بالفعل من سلطان محمد في ٧ أبريل ١٨٩٢م.

وإزاء هذا التحدي.. بدأ الأعداء والأصدقاء على السواء يرقبون ما تأتي به الأيام. أمّا الأصدقاء فلم يساورهم أي شك في صدق سيدنا أحمد ، ولكن الأعداء راحوا يتهكّمون ويتطاولون عليه، ويتحدّونه بأن مدة السنوات الثلاث سوف تنقضي ولن يحدث شيء لميرزا أحمد بيك، فهو في صحة جيدة، وهو في مقتبل عمره، وأمامه الكثير من السنين يعيشها رغم أنف النبوءات التي أعلنها سيدنا أحمد .

ومرت الأيام والشهور، وبمرور كل يوم.. ازدادت أفراح الأعداء وسخريتهم وتهكّماتهم، بأن سيدنا أحمد وهو الذي قارب الستين من العمر، كان يريد بتنبؤاته زواج صبية صغيرة. ولكن أفراحهم لم تدم وسعادتهم لم تطل.. إذ بعد زواج محمدي بيغم بأيام ماتت جدتها وتبعها موت اثنتين من شقيقات ميرزا أحمد بيك والد محمدي بيغم، ولم تنقض الشهور الستة الأولى بعد زواج محمدي بيغم من سلطان محمد، حتى مات فجأة ميرزا أحمد بيك في ٣٠ سبتمبر ١٨٩٢. كانت وفاة ميرزا أحمد بيك المفاجئة صدمة شديدة لجميع العائلة، ورأوا بأعينهم أن الوعيد قد تحقق، وأنه كان بالفعل من وحي الله تعالى، وليس مجرد هذيان رجل خرف يريد الزواج من صبية صغيرة كما كانوا يظنون.

وكتب سيدنا أحمد عن هذه المرحلة فقال:

“.. ولما بلغ نساءَهم نعيُ موت أحمد، وكُنَّ من قبل كرجلٍ أكفَرَ وأكنَدَ، عَطَطْن جيوبَهن وأَسَلْنَ غُروبَهن، وصَكَكْن خدودهن، وتذكّرن عُنودهن، وهاجت البلابل، وانقض عليهن من المصائب الوابلُ، واهتزت الأرض تحت أقدامهن. ثم تمثَّلَ موتُ الختن في أوهامهن، وطفقن يقلن، والدموعُ تجري من العيون، هذا ما وَعَدَ الرحمنُ وصدَقَ المرسلون.” (أنجام آتهم، الخزائن الروحانية ج ١١ ص ٢١٩)

وهكذا تسجل الوقائع التاريخية أن موت والد محمدي بيغم بعد زواجها بفترة قصيرة قد دمّر الأسرة كلها، وكان له وقع عنيف على معنوياتهم بحيث اعترف أعضاء الأسرة علنًا بأن نبوءة سيدنا أحمد قد تحقق. ومما سجلته وقائع التاريخ أيضًا أن أسرة ميرزا أحمد بيك توقفت بعد ذلك عن أسلوب البذاءة نحو الله تعالى ورسوله الكريم محمد المصطفى وكتابه المجيد القرآن الكريم. والواقع أنه من توالي الأحداث.. أخذتْ هذه الأسرة تتحول نحو الإسلام طلبا للعزاء، وسعى أعضاؤها إلى طلب العفو والمغفرة عن سوء أفعالهم، بل توسلوا إلى سيدنا أحمد أن يدعو الله جل وعلا، كي يرفع عنهم برحمته الواسعة ما قدّر لهم من عذاب وشيك، ويزيل عنهم اللعنة التي كتبت عليهم، وهي حقيقة اعترف بها حتى الشيخ ثناء الله الأمرتساري.. الذي لم يكن أقلَّ عداء نحو سيدنا أحمد . (راجع كتاب “إلهامات الميرزا” للشيخ ثناء الله الأمرتساري ص ٦٩)

وهكذا .. بموت ميرزا أحمد بيك فتح الله تعالى باب العذاب أمام هذه العائلة، ولكنه سبحانه أحكم الحاكمين وهو أيضا أرحم الراحمين، وكما يفتح بابا للعذاب فإنه كذلك يفتح أبوابا للرحمة. واغتنم ميرزا سلطان محمد زوجُ محمدي بيغم الفرصة، وأعلن توبته وبراءته من كل أمر يُنافي الإسلام، وخاف الباقون بطش الله تعالى، فرجعوا إليه تعالى وندموا على ما فعلوا، وأصلحوا من أعمالهم، فاستنْزلوا رحمة الله عليهم، وبذلك فقد عصمهم ميرزا سلطان محمد من استمرار نزول العذاب عليهم. وتحقق بذلك النبأ الذي قال الله تعالى فيه:

“لا أهلكهم دفعة واحدة بل قليلا قليلا لعلهم يرجعون ويكونون من التوابين.”

إن النبأ الذي أعلنه سيدنا أحمد كان ينص على أنه إذا مات الأب، ومات الزوج في خلال ثلاث سنوات من الزواج، ولم يتب أحد منهم ليكون سببا في عصمة الباقين من العقاب، فإن العقاب سوف يستمر نزوله إلى أن يتم زواجها من سيدنا أحمد . أما إذا تاب أحدهما ورحمه الله تعالى فلم يهلكه، فهو يكون بذلك عاصما من استمرار نزول العقاب. فلما تاب الختن.. ميرزا سلطان محمد زوجُ محمدي بيغم، وتاب الباقون أيضا، وأصلحوا من أعمالهم، ورجعوا إلى الله واستغفروه، رفع الله عقابه المشروط عن زوج محمدي بيغم، فلم يمت كما كان ينص الوعيد، وصار بذلك عاصما من استمرار نزول العذاب. فهل يدّعي خصوم سيدنا أحمد بأنهم يعرفون عن تحقق هذه النبوءة أكثر ممن كانوا من هذه الأسرة نفسها، وشهدوا كل مراحل تحققها؟ لقد قدم ميرزا سلطان محمد زوجُ محمدي بيغم دليلا حسنًا على موقفه تجاه سيدنا أحمد القادياني في رسالته وترجمتها كالآتي:

” لقد كنتُ ولا زلت أعتقد بأن السيد ميرزا كان شخصًا صالحًا ومبجَّلا وخادمًا للإسلام، وكان ذا نفس شريفة، وكان في ذكر دائم لله تعالى. إني لا أضمر أي معارضة لأتباعه، ويؤسفني أني -لأسباب معينة- لم أنل شرف لقائه في حياته.” (جريدة “الفضل” ٢٦/٢/١٩٢٣م)

وقد نُشر في صحيفة “الفضل” بتاريخ ٩ يونيو ١٩٢١ حديث كان ميرزا سلطان قد أدلى به وكان مما ذكر فيه:

“… والحق أن والد زوجتي ميرزا أحمد بيك مات حسب النبأ، ولكن الله سبحانه وتعالى غفور رحيم، يسمع أدعية عباده ويرحمهم. لم يكن لدي أي شك في تحقيق هذا النبأ. وأُعلنُ غير حانثٍ أني أؤمن بسيدنا ميرزا المحترم إيمانا قد لا تستطيعون أن تدّعوه وأنتم أتباعُه… عندما أعلن هذا النبأ طَلَبَ مني الآريون (الهندوس) بسبب موت ليكهرام الهندوسي، وكذلك المسيحيون بسبب النبأ عن القس عبد الله آتهم، أن أرفع قضية ضد حضرة ميرزا المحترم، وقدّموا لي مائة ألف روبية، ولكنني رفضت طلبهم. ولو أخذتُ ذلك المبلغ لصرت من الأغنياء والأثرياء، ولكن إيماني بميرزا المحترم، واعتقادي به أجبرني أن أتجنب هذا العمل.”

هذه شهادة الرجل الذي كان قد تزوج محمدي بيغم، والذي كان من حقه أن يغضب ويثور ويحنق على سيدنا أحمد ، إذا كان يظن أن ما أعلنه بخصوص زوجته أمر من خياله وأوهامه وليس من وحي الله تعالى. ولكنه يذكر بنفسه أنه قد آمن به، واعتقد يقينا أن ما قاله هو من الله تعالى، ولذلك لم يرضخ لمؤامرات أعداء سيدنا أحمد ، ولم يستجب لإغراء المال الوفير الذي وعدوه به. لقد قدموا له مائة ألف روبية، ولم يطلبوا منه سوى أن يرفع ضده قضية، ولكنه امتنع رغم بريق المال المعدود والثراء الموعود. ولكي نتصور ضخامة المبلغ الذي عرضوه عليه في تلك الأيام، يكفي أن نذكر أن كل ثروة سيدنا أحمد التي ورثها عن أبيه، وهو الذي كان يعتبر من الأغنياء ويملك قرية قاديان بأكملها.. كانت عشرة آلاف روبية، أي عُشر هذا المبلغ. إن أقرب تصوير لقيمة هذا المبلغ في ذلك الوقت، حسب قوته الشرائية، هو أنه يساوي ما قيمته عشرة ملايين دولار اليوم، وهو بلا شك مبلغ ضخم مهول بالمقاييس الحالية المعاصرة.

إن النبأ الذي أعلنه سيدنا أحمد كان ينص على أنه إذا مات الأب، ومات الزوج في خلال ثلاث سنوات من الزواج، ولم يتب أحد منهم ليكون سببا في عصمة الباقين من العقاب، فإن العقاب سوف يستمر نزوله إلى أن يتم زواجها من سيدنا أحمد . أما إذا تاب أحدهما ورحمه الله تعالى فلم يهلكه، فهو يكون بذلك عاصما من استمرار نزول العقاب.

ولعل القارئ قد لاحظ من خلال الشهادة التي شهد بها ميرزا سلطان محمد، أساليبَ التآمر الخبيثة التي كان يلجأ إليها الهندوس والقساوسة المسيحيون، فإنهم كانوا يحثونه على أن يرفع قضية على سيدنا أحمد ، ووعدوه بالأموال الطائلة، لأنهم انهزموا أمام سيدنا أحمد في ساحة العقل والمنطق، وخسروا معركة الأدلة والبراهين، فلم يبق لديهم سوى التآمر الحقير، ولم يجدوا في جعبتهم سوى أساليب الدس والوقيعة والإغراء بالأموال، وهي نفس الأساليب التي تُستعمل اليوم لمحاربة الجماعة الإسلامية الأحمدية، ولكن بكل الأسف.. إن الكثير من المسلمين لا يفطنون إلى أساليبهم، بل يقعون ضحية تلك المؤامرات الوضيعة.

لقد أثمر زواج ميرزا سلطان محمد ومحمدي بيغم ابنًا بارك الله فيه وآتاه علما وحكمة، وكان اسمه ميرزا إسحاق بيك، وقد آمن هو الآخر بدعوة سيدنا أحمد ، ونُشرت مقالته في نفس العدد المذكور من صحيفة “الفضل” الذي نُشرت فيه مقالة أبيه، وقد ذكر فيه:

“لقد مات والد أمي ميرزا أحمد بيك حسب النبأ، وبعد موته خاف ووجل أفراد عائلته، وأسرعوا إلى إصلاح أنفسهم، وعلى ذلك فإن أغلبهم قد انضم إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية، وبدّل الله قهره إلى رحمة.” (المرجع السابق)

وقال ميرزا محمد إسحاق حفيد ميرزا أحمد بيك بكل وضوح: “أقسم بالله بأنه (سيدنا أحمد ) هو ذلك المسيح الموعود الذي تنبأ عنه سيدنا محمد المصطفى .” (صحيفة الفضل بتاريخ ٢٦ فبراير ١٩٢٣ ص ٩)

وفيما يلي بعض الأسماء من بين أسرة ميرزا أحمد بيك الذين انضموا إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية:

(١) أرملة ميرزا أحمد بيك (٢) محمد اسحاق ابن محمدي بيغم (٣) محمودة بيغم أخت محمدي بيغم (٤) عنايت بيغم الأخت الثانية لمحمدي بيغم (٥) ميرزا أحمد حسن زوج ابنة ميرزا أحمد بيك (٦) ميرزا محمد بيك ابن ميرزا أحمد بيك وغيرهم الكثير.

ومن العجيب أن الأسرة التي تأثرت بالنبوءة اعترفت بتحققها وعادت إلى سيدنا أحمد .. ومع ذلك لا يزال الخصوم يجادلون إلى اليوم بعكس ذلك.. على أساس أن محمدي بيغم لم تتزوج من سيدنا أحمد . يتشبثون بهذا القول على الرغم من أن النبوءة لم تستبعد زواجَها من رجل آخر في أي مرحلة كانت، ولم يكن زواجُها من سيدنا أحمد هو الغرض الأساسي من النبوءة.. بل على العكس، كانت النبوءة وسيلةً مقترحة لتحقيق الغرض النهائي كما بينته النبوءة، ألا وهو رجعة الجاحد الضال إلى الهداية.. وهذا ما ثبت ثبوتًا كافيًا من نصوص النبوءات ضد الأسرة المنشقة. (مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج ٥ ص ٥٦٦ و ٥٧٤)

وما أن تحقق الغرض النهائي بتوبة الأسرة ودخولها الفوري في الإسلام بعد موت ميرزا أحمد بيك.. كان مقتضى العدل الإلهي أن يتحقق أيضا الشطر الثاني من النبوءة – أي الغفران الذي كان معلَّقًا بشرط أن تتوب الأسرة المشاكسة.. فيتوب الله عليهم بالرحمة والغفران. فمغفرة الله تعالى لميرزا سلطان محمد ومحمدي بيغم.. هو في الواقع دليل إضافي على تحقق النبوءة في مجموعها، ولا يتضمن أي تكذيب لها.

وعلى أي حال، فإن ميرزا سلطان محمد لم يكن الوحيد الذي اعتقد بأن نبوءة سيدنا أحمد بصدد أسرة محمدي بيغم قد تحققت بالروح التي قدرها الله تعالى، فهناك المولوي محمد حسين البطالوي.. شيخُ جماعة أهل الحديث بالهند.. الذي يحترمه معظم أعداء الأحمدية، والذي كان خصمًا لدودًا لسيدنا ميرزا غلام أحمد .. شَهِدَ بنفسه موضوع الخلاف بين سيدنا أحمد وأسرةِ محمدي بيغم، وكان يعلم جيدًا بموضوع النبوءة التي تمت ضد هذه الأسرة. ورغم أنه كان يعتبر تشويه سمعة سيدنا أحمد مهمتَه التي نذر نفسه لها.. لكنه شَهِدَ الميتةَ الزرية لميرزا أحمد بك وصرح قائلا: “ومع أن النبوءة قد تحققت.. إلا أن ذلك كان راجعًا لعلم التنجيم” !! (مجلة “إشاعة السنة” المجلد الخامس)

كان من الممكن أن تُطوى صفحات هذه الوقائع عند هذا الحد، ولكن المعارضين من هندوس وقساوسة ومولويين راحوا يشككون الناس ويضللونهم، ويقولون إن النبأ لم يتحقق لأنه كان يتضمن أن يتزوج سيدنا أحمد من محمدي بيغم، فلم يتحقق هذا الجزء.

إن أولئك المعارضين لا ينظرون إلى ما تحقق من النبأ بكل وضوح، ولا يرون كيف ماتت جدة محمدي بيغم وكيف مات والد محمدي بيغم ميرزا أحمد بيك، وكيف ماتت شقيقتاه، ولا يدركون كيف تاب الباقون وأصلحوا. ولا يسمعون قول الله تعالى في كتابه العزيز أنه يستثني من العذاب أولئك الذين يتوبون كما يقول تعالى:

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة: ١٦١)

ولا ينظرون حتى إلى أصل الوعيد الذي كان ينص بكل وضوح وكل جلاء على أن زواج محمدي بيغم من سيدنا أحمد ما كان ليتم إلا بعد موت كل من والدها وزوجها، أما إذا تاب أحدهما فإنه سيكون بتوبته عاصما من نزول العقاب، وبالتالي فلن يتم هذا الزواج، إذ يقول النبأ:

“ثم نردها إليك بعد موتهما”. إن الهدف من هذه الآية الجليلة أن يتوب أبناء عمومة سيدنا أحمد ويصلحوا من شأنهم ويستغفروا ربهم، وكان زواج سيدنا أحمد من محمدي بيغم وسيلة من الوسائل لتحقيق هذه التوبة، فإذا تحققت التوبة والإصلاح بغير الزواج.. لم يعد للزواج نفسه أية قيمة ولا أهمية.

غير أن المعارضين لا يريدون أن يروا الحق، وغشيت أبصارهم العماية، فلا يستطيعون أن يشاهدوا تحقق الآية، ويعلو صياحهم ونباحهم في الظلام كما يعلو نباح الكلاب الضالة، وهم بذلك يحققون أيضا طرفا آخر من النبأ الذي ذكر الله تعالى فيه: “يموت ويبقى منه كلاب متعددة.”

وها قد مات ميرزا أحمد بيك، وها هي الكلاب تعوي من بعده، وسوف تظل تعوي، وسوف تظل قافلة سيدنا أحمد في سيرها وتقدمها على بركة الله. إن القرآن الكريم يؤكد بكل وضوح على أن النبوءات الإنذارية.. أي تلك التي تحتوي على وعيد من الله تعالى، يمكن أن تزول بالتوبة والدعاء والاستغفار. ويحكي لنا كتاب الله العزيز العديد من الأمثلة في هذا الشأن، فيقول إن أعداء موسى لما نزل عليهم العقاب من الله تعالى، طلبوا منه أن يدعو الله ليكشف عنهم السوء، ووعدوا بالإصلاح، فكشف عنهم الله الرجز كما يقول تعالى:

وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ (الأعراف: ١٣٥ – ١٣٦)

وتوضح هذه الآية الكريمة أن الله تعالى قد كشف الرجز عن فرعون وقومه لمجرد وعد منهم بأنهم سوف يؤمنون ويرسلون معه بني إسرائيل، ومع ذلك.. وعلى الرغم من علم الله تعالى أنهم سوف ينكثون بوعدهم، فقد كشف عنهم الرجز. فماذا عن أبناء عمومة سيدنا أحمد الذين أعلنوا توبتهم، وندموا على هفوتهم، وأصلحوا من أمرهم.. هل كان يليق بأرحم الراحمين أن ينزِّل عقابه على ميرزا سلطان محمد.. الزوج الذي أعلن توبته وإيمانه، ويستمر في إنزال عقابه على كل أولئك الذين تابوا وأصلحوا، إلى أن يتم زواج سيدنا أحمد من محمدي بيغم.. حتى يرضى معارضو الأحمدية؟ وما كانوا ليرضوا.. وإلّا فإن وفاة ميرزا أحمد بيك والد محمدي بيغم، ووفاة كل من شقيقته، ووفاة جدة محمدي بيغم، كان كافيا لقوم يبصرون.

كذلك يقول الله تعالى عن قوم يونس :

فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ (يونس: ٩٩)

وقد ورد في التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي:

“رُوي أن يونس بُعث إلى نينوى من أرض الموصل، فكذبوه، فذهب عنهم مغاضبا. فلما فقدوه خافوا نزول العقاب، فلبسوا المـُسوح وعَجُّوا أربعين ليلة، وكان يونس قال لهم: إن أجلكم أربعون ليلة. فقالوا: إن رأينا أسباب الهلاك آمنَّا بك، فلما مضت خمس وثلاثون ليلة ظهر في السماء غيم أسود شجيج السواد، فظهر منه دخان شديد وهبط ذلك الدخان حتى وقع في المدينة وسوّد سطوحهم. فخرجوا إلى الصحراء، وفرقوا بين النساء والصبيان وبين الدواب وأولادها، فحنّ بعضها إلى بعض، فعلت الأصوات، وكثرت التضرعات، وأظهروا الإيمان والتوبة، وتضرعوا إلى الله تعالى فرحمهم وكشف عنهم.” (التفسير الكبير للإمام الرازي ج١٧ ص ١٦٥)

ويتضح من ذلك أن قوم يونس لما سمعوا الإنذار بوقوع العذاب أسرعوا إلى التوبة والاستغفار، ولذلك فقد كشف الله تعالى عنهم العذاب ولم يقع بهم. فهل يستطيع أحد أن يقول إن وعيد يونس لم يتحقق، وإن عدم تحققه دليل كذبه وافترائه والعياذ بالله؟ وهل يتوقع معارضو الأحمدية أن يكشف أرحم الراحمين العذاب عن قوم يونس لما تابوا وآمنوا، ولا يرفعه عن ميرزا سلطان محمد زوج محمدي بيغم وأبناء عمومة سيدنا أحمد لما تابوا وآمنوا؟ ما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا!

إن معارضي الأحمدية.. بانتقاداتهم هذه وادعاءاتهم أن الوعيد الذي أعلنه سيدنا أحمد لم يتحقق.. إنما يُثبتون جهلهم الفاضح بسُنة الله تعالى وكيفية تنفيذ وعده ووعيده. ولعل للمعارضين من الهندوس والمبشرين المسيحيين بعض العذر لهذا الجهل ولكن ما عذر جهل المشائخ الذين يدّعون بأنهم هم علماء الإسلام؟ إن الله تعالى قد يعد وعدًا بحسن الجزاء، ولكن إن لم يسلك الإنسان المسلك الذي يُرضي الله تعالى فإن هذا الوعد لا يتحقق، أو قد يتأخر وقوعه إلى أن يغير الإنسان مسلكه. وإذا أنزل الله وعيدا بالعقاب فإنه حتما لا يتحقق إذا غيّر الإنسان مسلكه وتاب إلى الله وأصلح، وقد سبق الإشارة إلى الاستثناء من العذاب الذي بيّنه قوله تعالى:

إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَٰئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة: ١٦١)

فما كان الله تعالى ليغير سُنته فيما يختص بالنبأ عن ميرزا أحمد بيك وميرزا سلطان محمد ومحمدي بيغم، فإن إصرار ميرزا أحمد بيك على تزويج ابنته قد أدى إلى تحقيق الوعيد بالنسبة له، وتوبة ميرزا سلطان محمد وأبناء عمومة سيدنا أحمد قد أدى إلى كشف العذاب بالنسبة لهم. هذه هي سُنة الله تعالى، ولن يغير الله سُنته حتى ولو ظل معارضو الأحمدية يعترضون إلى يوم القيامة.

ونختتم حديثنا باقتباس من كلام سيدنا أحمد تعريبا من اللغة الأردية حيث يقول:

“إن أكبر اعتراضهم هو أن …. ميرزا أحمد بيك وإن كان مات في الموعد المحدد حسب النبوءة، ولكن ختنه الذي كان داخلا في هذا النبأ لم يمت. هذا مبلغهم من التقوى! إنهم لا يذكرون مطلقا ألوف الآيات الثابتة المتحققة، أما نبأٌ أو نبآنِ لم يستطيعوا أن يفهموهما، فيذكرونهما مرارا وتكرارا ويصخبون في كل ناد! إن كان لهم حظ من خشية الله لانتفعوا من الآيات الثابتة والأنباء المتحققة. ألا ليس ذلك دأب الصادقين أن يعرضوا عن المعجزات الواضحة الجلية، وإذا كان الأمر غامضا اعترضوا عليه.” (محاضرة سيالكوت المسمى ب”الإسلام”، الخزائن الروحانية ج ٢٠ص ٢٤٤)

[1] – كاتب من مصر

Share via
تابعونا على الفايس بوك