معالم في التربية الأصيلة..!!

معالم في التربية الأصيلة..!!

التحرير

  • التربية بين العلم والدين
  • المؤثرات الخارجية على الشخصية والعلاج الإسلامي
  • الناس بين حب الذرية وإهمال التربية

__

اهتم كثير من علماء النفس وعلماء الاجتماع بشؤون التربية ومجالاتها المختلفة وفق أسس ومناهج متعددة، فأُلفت في ذلك بحوث وأُنجِزَتْ دراسات واستخلصت نظريات تمزج بين التحليل النفسي والسيكولوجي لعالم الطفل في محاولة لاستكشاف عالمه وكشف الغطاء على العوامل التي تؤثر في بناء شخصيته وتطورها سلبا وإيجابا. وفي غمرة هذه التحليلات والنظريات المختلفة ينفرد الدين الحنيف بوضعه معالم وآليات التربية حيث يخبرنا أن شخصية كل إنسان نُسجت طبقا لفطرة الله التي هي أساس التركيبة النفسية لكل مولود ثم جعلها تتأثر بعوامل المحيط.

ولا يخفى على المهتمين بأصول التربية أن المؤثرات الخارجية التي تكتنف حياة الطفل خلال نشأته هي التي تحدد معالم شخصيته بشكل كبير تحت التأثير الذي يبدأ من الأسرة كونها الدائرة الأولى ذات التأثير المباشر ثم المجتمع كدائرة ثانية. وبالتالي فإن نقطة التحول في شخصية المرء تبرز معالمها تحت مظلة هذين المؤثرين. ومما لا شك فيه أن حالات فساد كثير من الأبناء التي يشهدها العالم والتي يعجز اللسان عن وصفها قد حدثت بسبب الخلل التربوي الفادح على صعيد الأسرة والمجتمع على حد سواء الأمر الذي انعكست سلبياته على السلوك والمعاملات الاجتماعية.

لقد عالج الإسلام موضوع التربية وأحاط بمختلف جوانبه فبين لنا مجموعة قواعد وآليات  السلوك التربوي التي تتصل اتصالا وثيقا بالجانب الروحي الذي هو ركيزة الإصلاح والتأثير، وفي السيرة النبوية لرسولنا الأكرم أروع الأمثلة في معالم التربية والتوجيه إذ عرف عنه حبه للأولاد ورحمته بهم والعطف عليهم واحترامه لهم كان من دأبه وأنه كان يسمي الأطفال بأسماء حسنة ذات دلالة طيبة.. هذا إلى جانب توصياته للآباء بأن يكرموا أولادهم أي أن يعاملوهم باحترام ويحرصوا على تربيتهم على أساس تقوى الله. فقد كانت السيدة فاطمة رضي الله عنها كلما دخلت على النبي قام إليها فأخذ بيدها وقبّلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده الشريفة وقبّلته وأجلسته في مجلسها. كما روي عنه أنه قبّل حضرة الحسن مرة  وكان الأقرع ابن حابس التميمي موجودا في مجلسه، فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبّلتُ منهم أحدا! فنظر إليه رسول الله ثم قال: من لا يرحم لا يُرحم..كما لم يكن من سنته مؤاخذة الصغار عندما يصدر منهم أي تقصير ولا يعنفهم ولا يزجرهم. فعن رافع بن عمرو الغفاري قال: كنتُ، وأنا غلامٌ، أرمي نخلا للأنصار فأتى النبي فقيل: إن ههنا غلاما يرمي نخلنا، فأتي بي إلى النبي ، فقال: يا غلام! لِمَ ترمي النخل؟ قال، قلت: آكل. قال: فلا ترمِ النخل، وكل ما يسقط في أسافلها! ثم مسح على رأسي وقال: اللهم أشبع بطنه!. فلم يغضب عليه رسول الله إنما دعا له وفي هذه الحادثة دلالة عظيمة على منهج تربوي نبوي أصيل في تقويم سلوكيات الصغار التي تتسم بالسلبية وكيفية التعامل مع حالات كهذه بحكمة وصبر.. وكان سيدنا أحمد عليه السلام بدوره يعارض بشدة أسلوب تعنيف الأطفال في التربية وعرف عنه أنه كان يقول عن صغار السن بأنهم لم يكلّفوا بعدُ من الله فكيف أصبحوا مكلفين لديكم؟ أي إنهم لم يبلغوا السن الذي يجعلهم راشدين مسئولين أمام الله وبالتالي فلا تجوز القسوة عليهم قبل سن البلوغ. لقد كان من عادة المسيح الموعود أنه يجلس مع الأولاد في بيته على السرير وهم يقصون عليه قصصهم لفترة طويلة وحضرته يستمع إليهم متمَعِّنًا. كما عرف عنه أنه كان يعارض ضرب الأطفال وتوبيخهم، فما كان يضرب الأطفال ولا يصدر عنه ما يُظهر سخطه عليهم ولو أزعجوه بأسئلة لا محل لها وأصروا للحصول على شيء لا يكاد يوجد أصلا، فمن المبكيات المحزنات أن نرى كثيرا من نماذج التربية الخاطئة تعتمد على الزجر والتعنيف البدني كوسيلة تقويم سلوك الصغار مع العلم أن المختصين في مجال التربية أثبتوا الآثار السلبية التي تنعكس على الأبناء نفسيا وسلوكيا من جراء ذلك..كما أن كثيرا من الآباء يتعاملون مع الصغار وأسئلتهم باستخفاف واستصغار وكثيرا ما لا تؤخذ استفساراتهم تلك بجدية وموضوعية ولا يجاب عليها بما يحترم عقل الطفل وبساطة تفكيره، فالطفل في بحث مستمر عمن يجيب على تساؤلاته. والصدق في القول يجعل الطفل يعتاد الصراحة ويستحسنها، كما أن شعوره بأنه موضوع ثقة آبائه سيجعله يخجل وينفر من كل ما من شأنه هتك هذه الثقة، ومن طرق تحصين شخصية الطفل عدم إغداق كثير من الدلال عليه بحب زائد مفرط كما يلجأ إليه البعض..

إن الناس عادة ما يرغبون في الأولاد فيرزقهم الله إياهم ولكنهم لا يبذلون أي جهد في تربيتهم ليكونوا صالحين ولا يعيرون لروحانيتهم أدنى اهتمام، وقد نبه القرآن إلى هذا الأمر بجلاء في قوله تعالى:

  يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وَقُودُها النَّاسُ والحجارة عليها ملائكة غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ الله ما أمرهُم ويفعلون ما يؤمَرون (التحريم: 7)

 وقد نبّه سيدنا أحمد إلى هذا بقوة ووجه نصحا إلى الآباء الذين يبتغون ذرية طيبة أن عليهم أن يحدثوا في أنفسهم تغيرا صالحا كما عدّ عليه السلام من المعصية والإثم أن يتمنى الإنسان أولادا إذا لم تكن النية أن يكونوا متدينين ومتقين وخدّام الدين، مطيعين لله، وإلا من الممكن أن يُسَمّى هؤلاء الباقيات السيئات بدل الباقيات الصالحات! واعتبر عليه السلام كل من يدعي بلسانه أنه يبغي أولادا صالحين أتقياء وهو يقضي حياته في الفسق والفجور أنه شخص كاذب في دعواه ما لم يصلح نفسه ويجعل حياته حياة التقاة. إذ عندها تأتي أمنيته بنتيجة مرضية ويكون الأولاد جديرين بأن يوصفوا “بالباقيات الصالحات”.

..نسأل الله أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرّة أعين ويجعلنا للمتقين إماما وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك