كلمة أمير المؤمنين يوم الحفل السنوي عن الحجاب

كلمة أمير المؤمنين يوم الحفل السنوي

في سيدات الجماعة

عن الحجاب

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا * إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا * وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (الأحزاب: 57-60)

  هذه الآية من بين الآيات التي تتناول موضوع الحجاب. ومع مرور الوقت أرى أهمية أن نزيد الأمر وضوحًا في أذهان الناس.. لأن الأحمدية اليوم أصبحت في مرحلة دخول الناس فيها من مختلف الأمم، وهناك قيم مختلفة يمكن أن تؤثر على قِيمنا.. في حين أن واجب الأحمدية أن تسيطر على القيم الأجنبية الخارجية. عندما يلتقي النهران.. لا يبقى الحال على ما هو عليه، فبعض القيم والتقاليد يحسن نبذها. ونتيجة لهذا الاختلاط تنشأ مواقف جديدة.

وأريد أن أتحدث معكن بخصوص الحجاب.. لأنه أُثيرت تساؤلات كثيرة بسبب أمور وقعت في بلادٍ متعددة. ويسألني المسلمون وغيرُ المسلمين. ومن الأحمديين في باكستان والهند من يذكرني أن أتحدث في هذا الموضوع. ولكن قبل أن أستطرد في هذا الموضوع على أساس من القرآن وأحاديث النبي .. أُريد أن أُخبِركن بأن قافلة الأحمدية قد استطالت جدًّا. والمتقدمون فيها لهم موقفٌ مختلف عن اللاحقين الذين ينضمون للركب في وقتٍ متأخر.. وفيما بين هؤلاء وهؤلاء هناك مواقف أخرى مختلفة. فمن اللازم ذكر هذه الفروق لتعرفوا موقف السيدات الأحمديات بصدد الحجاب، وكيف أن هناك أشكالا عديدة موجودة الآن. فالسيدات في مقدمة القافلة يستخدمن البرقع في الحجاب، وأحيانًا يكُنَّ مُغالياتٍ فيه.

لقد شاهدت بعض التسجيلات التي أُعدّت في باكستان لتُذاع في قناتنا الفضائيّة، وتردَّدتُ في إذاعتها لأن المشاهدات سوف يحسبن أن هذا هو الحجاب الإسلامي. وبدلاً أن يُساعد ذلك في بيان مفهوم الحجاب فإنه يسبب بعض الصعوبات.. وستكون ردود الفعل بحيث لا تُعين الإسلام بل تُؤذيه. إنْ وُضِعَ الحجاب بهذا القدر فلا تظهر منه إلا العينان.. ثم تُغطّى العينان أيضا بمنظار داكن اللون.. لم يكن هناك حجابٌ كهذا أو مِنظارٌ داكنٌ على عهد النبي .

لقد تحدَّث القرآن عن الحجاب بالتفصيل، ولن تفهمنَ حقيقة الحجاب ما لم تضعنَ ما ذكره القرآن في أذهانكنَّ، وإلى أي مدى تتساهلنَ فيه، وإلى أي مدى تحذَرن. وبدلاً من تمثيل نمطٍ معين لديكن أقول لكُنَّ: ستريْنَ نساءً يحسبنَ أنَّ كشف اليد خروجٌ على قواعد الحجاب ويقُلنَ: هكذا يجب على المرأة المسلمة أن تُراعي الحجاب عند الخروج. ولكن هناك أيضا من النساء من يتَّبِعنَ طريق الوسط، ويرينَ أنّ كشف الوجه ليس خطيئة.. وبين هؤلاء وهؤلاء من يتشدَّدنَ ومن يتوسطن. فعندما يكُنَّ بين جماعة الأحمديين يكُنَّ أكثر تشدُدًا، وعندما يخرُجن بعيدا ينزلق الحجاب إلى ما وراء الحدود المعقولة. والمتوازنات هنَّ اللاتي يتخذنَ شكلاً متوازنًا في كل مكان.. فحجابهنَّ بين الأحمديين هو نفسه بين غيرهم؛ ويرتدينَ نفس الحجاب في الوطن أو في أي بلدٍ آخر.

عندما كانت زوجتي “آصفة بيجم” على قيد الحياة.. لم أطلب منها قط أن تتشدَّد كثيرًا، ولم أرَ من المناسب أن أُحدد لها مثالاً ونمطًا آخر للحجاب.. لأنَّ الطريقة التي نشأت عليها، وكيفيّة تعلُّمها الحجاب كانت كما تفعل زوجة سيدنا الخليفة الثالث. ولكن المناخ الذي تطلّب هذا النوع من الحجاب يختلف قليلاً. ولا داعي للدخول في مناظرة: لماذا كان الحجاب المطلوب أكثر تشدُّدًا.. ولكني قلت لزوجتي “آصفة بيجم” أن تتّخذ حجابا مناسبا ومعقولاً ولا يُتيح للأُخريات الظن بأنهنَّ اليوم على راحتهنَّ في هذه المسألة.

أفهمُ أنَّ الإسلام لم يطلب أن تُغطى النساء بطريقةٍ متشدِّدة غير عادية.. ولكن هناك منافسة بين مختلف الفئات. فمن الناس من تخلصنَ تمامًا من الحجاب، وأُخريات بالغنَ فيه حتى جعلنَه شديدًا للغاية. وفي هذا الزمن أوجدت الأحمديّة للناس طريقا وسطا. وقد أعطانا القرآن الكريم الخطوط الرئيسية، وتحدَّثت عن كل حال، وشرح معنى الحجاب. ومن الخطوط الإرشاديّة القرآنيّة تستطيعين أن تستنتجي لنفسك ما هو الأسلوب المطلوب للحجاب.

وفي القافلة الأحمدية الماضية في طريقها.. هناك مَنْ يتحرَّجن من الحجاب، وليس لهنَّ أن يهجُرنَ الحجاب لأنّ هناك حاجة إليه. يشعرن بالحرج من اتِّباع تعاليم القرآن ولزوم الحجاب.. ولا يتحرَّجن من السفور وكشف أنفسهنَّ؟.. وهناك عائلات في الأحمدية يخلصون في الأمور كلها.. ولكن نساءهم تركنَ الحجاب وقلن: إن تقاليدنا لا تسمح لنا باتِّخاذ الحجاب، فهو للأجيال القديمة وأسلوب التفكير العتيق وللطبقات الدنيا.

وهناك أُسرٌ أخرى.. كتلك التي يعمل رجالها في سلك الجيش والشرطة والمناصب الحكوميّة العليا.. يحسبون أنّهم من مستوى أرفع كثيرا.. ويرون النساء اللاتي يُراعينَ الحجاب هنَّ من مستوى متدنٍّ.. إذا خرجت نساؤنا محجَّبات فهذا يعوق مستقبلنا وتقدُّمنا، ولذلك لابد لنا أن تتصرَّف نساؤنا في المجتمع مثل غير الأحمديات ويختلطن بالرجال. فهؤلاء يصنعون جُزُرًا خاصة بهم رغم مُقامهم في محيط الأحمديين. وما دامت هذه الجُزر باقية هكذا منعزلة فلا يحدث ضرر كبيرا. وربما لا يشعر بهم أحد. ولكن إذا اختلط هؤلاء الناس مع الأحمديين الآخرين فإنَّ أجراس الخطر تدق، ونشعر أنه من الضروري تنبيهَهم إلى ما يفعلون. إنَّ التقدُّم الذي تعملون له.. والوظائف العالية التي تكسبونها لا وزن لها بالنسبة للمجتمع الإسلامي الذي نريد إنشاءه وإرساءه، ويجب علينا حمايته، ونمضي به إلى المستقبل. إذا كنا نقلِّد الآخرين، وتشعرون بالحرج من المحافظة على المستوى السامي الذي أقامه الإسلام، وتخجلون من الأعمال الصالحة وتتفاخرون بالآثام؛ وإذا كنا الناس الذين يحتاجون إلى شجاعةٍ كبيرة لفعل الصواب.. فهذا هو الوقت الذي يتحدَّد فيه قدَرُ هذه الجماعات.. ويهبطون إلى هاويةٍ لا يستطيعون الخروج منها.

الحجاب خُلْقٌ يجب أن نصونه ونحميه. لا تدخُلنَ في مناقشة الحدّ الذي يجب أن تصِلوا إليه في التشدُّد. بل تفَهَّمن روح الحجاب. يجب أن تُلحظ هذه الروح بدرجةٍ بيِّنة في كل امرأة أحمدية. وسأوضحها لكن بناءً على تعاليم القرآن الكريم فتفهمنَها، ثم تعمل كل واحدة منكنَّ بحسب هذه الخطوط الإرشادية.

لقد ذكرتُ لكُنَّ من قبل أنه إذا كان الحجاب في تقديركنَّ صارمًا بأكثر مما ورد في القرآن، وورِثتُنَّهُ هكذا من أُسَركن.. فإنّ التخفُّف منه فجأةً ليس عملاً محترما، وتكَون عاقبته أن تتلقّى منكنَّ الأجيال الناشئة رسالة التخلِّي عن الحجاب، وتشعر الشابّات بالتحرُّر ويفعلنَ كما يحلو لهنَّ، ويركُلنَ القيم السامية، أو يُلقينَ بها خلف الظهور ويتجاهلنها. هذا هو المبدأ الذي تحدَّث عنه القرآن الكريم في صورٍ متعدِّدة.. وبيّن أنه لتأسيس الجنة لا بد أن نحمي ونصون الأخلاقيّات التي تتعلّق بالحجاب.

هناك حواء التي قيل إنّها سبب إخراج آدم من الجنة.. فيا أيتها الأمهات والبنات الأحمديات، أُريد أن أرى فيكنَّ حواء التي تُدخل الناس في الجنة، فنأكل من ثمراتها بحيث لا يمكن للشيطان أن يجد فرصة لإخراج أحدٍ منها. هذه هي الجنة التي تلقّاها سيدنا محمد المصطفى من الله تعالى، وجاءته في هيئة شريعة الإسلام. وعندما نتحدَّث عن الشجرة المباركة فإننا لا نقصد شجرة دنيوية. إنّ تعاليم القرآن التي تمنحنا الحياة الروحية ضرب الله مثلها بأنها شجرةٌ مباركةٌ طيبة، تضرب جذورها في الأرض ومع ذلك ترتفع فروعها وأغصانها إلى السماء، وبأمر الله تعالى تؤتي ثمارًا وتزدهر ولا تتعطل في أي فصل ولا تتضرّر بالأجواء، وإنما تُعطي ثمارًا لا تنقطع أبدًا. إنّ رحمة الله مُنحت للعالم فضلاً من الله وبركة. ومن الحقائق الثابتة أنّ الأمة إذا مضت في طريقها محافظةً بصفة عامة على التخلُّق بما يجعلها تتلقى بركات الله تعالى، ويظلُ هذا الموضوع دائما في ذهنها.. فإنَّ الطريق الصحيح المبارك هو الذي يتلقَّون فيه الثمرات. والغرض من الدين هو أن يجعل الإنسان أقرب إلى الله.

وفيما يتعلَّق بالحجاب دعوني أقول لكُنَّ: لا تقعنَ في فخ الجدل حول الحجاب. فكل سيدةٍ تستطيع أن تقرِّر لنفسها ما إذا كان نوع الحجاب الذي اتخذتُه، والذي أُريد غرسه في بناتي.. هل هو حجابٌ يُقرِّبني من الله تعالى.. أم أنه يُبعدني عنه؟ إذا كانت الأخيرة فطريقك يؤدي بك إلى خارج الجنة.. وهو الطريق الذي ساقت فيه حواء آدم خارج الجنة كما تقول الأسطورة؛ وهؤلاء هم القوم الذين قال الله لهم اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا .

الجنة ذات صلة وثيقة بالمرأة لا شك. لقد قدَّم القرآن المرأة على أنها مصدر سكينة؛ وإذا أُخرجت المرأة من هذه الحياة لأصبحت الحياة مللاً فظيعا، ولا يرغب أحدٌ في فعل شيء.. لا يريد الطعام أو الشراب أو اللباس. مفهوم المجتمع يقوم بالمرأة.. لأن بها تكون بهجة الحياة.. فلا يجد المجتمع مسرّة بدون المرأة. ضعوا في أذهانكنَّ وفكِّرنَ في توطيد الجنة فيكُنَّ. وإذا لم تُخلق هذه الجنة بالطريقة الصحيحة فسيقع القلق والاضطراب والإثارة السلبية، ولسوف يزداد الظمأ وليس ثمة نبعٌ للارتواء والاكتفاء. لسوف يلتفت المرء في كل اتجاه بحثا عن الارتواء .. ولكنه سيرى سرابًا يجري وراءه كالعطشان في الصحراء.. وكلما اقترب ولم يجد شيئا يُرويه.. ولا يجد جزاءً على جريه وسعيه وراء السراب بحثا عن الماء.

فكِّرنَ في هذه الأمور. يجب أن توفر المرأةُ هذه الجنةَ للعالَم. إنَّ فتيات محمد .. هنَّ المنوطُ بِهنَّ خلقُ هذه الجنة. وخلقُ هذه الجنة مرتبط في أعماقه بالمرأة. إذا استطعتُنَّ خَلق هذه الجنة امتلأت بيوتُكنَّ بالرضا والرِّي والسلام.. وسوف تُحدِثنَ أثرًا في الدنيا يهيؤها لإنشاء جنةٍ جديدة، ويضع الأساس لها على الأرض. وهذا هو الهدف السامي الذي من أجله أتحدَّث إليكُنَّ مرةً بعد أخرى. ولتحقيق هذا الغرض أودُّ أن يعمل الأحمديون جميعا لتحقيقه.. سواءً كانوا الأحمديين الإنجليز، أو الأحمديين الأمريكان، أو الأحمديين الأفارقة، أو من الصين أو في اليابان أو من الباكستان والهند وبنجلاديش. الكل واحد. فتذكرنَّ أن روح الحجاب واحدة في كل هذه البلاد. ليس من الصواب الظن بأنّ أندونيسيا مثلا لها حجاب مختلف عن حجاب الهند، أو أنّ أمريكا لها حجاب يختلف عن حجاب أفريقيا. وإذا كان هناك اختلاف مسموحٌ به فلا يصل إلى حد تغيير الروح وتقديم روح جديدة. إنْ تجلّى الحجاب في صور أرواحٍ متعدِّدة كان حجابا خاطئا. إذا كانت هناك فروق فلتكن بسيطةً ناشئةً فقط عن اختلاف الحياة. ولكن فيما يتصل بروح الحجاب فلا بد وأن يشعَّ منها وحدانية الله.. وعندئذٍ لا تسبّب هذه الاختلافات الطفيفة أي فارق.

ثم هناك الأشكال الظاهرية المختلفة للحجاب التي تكون بسبب طبيعة عمل المرأة، أو بسبب عمرها، أو طبيعة حياتها. فلو كانت الفتاة منذ حداثة سنّها تتمتع بفطرةٍ لا تجعلها تلتفت حولها، سعيدةً راضية في نفسها، وتتبيّن فيها هذه السجيّة من بدايتها – ولقد رأيت مثل هؤلاء الفتيات في سنٍّ مبكرة.. يصفهنَّ القرآن الكريم بأنهنَّ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ .. أي النساء اللاتي لا يهتمُّنَّ بما يدور حولهنَّ – يستوي الأمر بالنسبة لهؤلاء.. سواء كان الحجاب صارمًا أو متخفِّفًا.. فهنَّ لا يُمثلنَ أي خطر على أحد. ويقول القرآن أنَّ من يلوم مثل هاته السيدات يرتكب خطيئةً فظيعة..

إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

هذا وصفٌ للمرأة التي تعيش في دنياها داخل نفسها.

وهناك فتياتٌ في عمرٍ غضٍّ يرغبنَ في اجتذاب الأنظار واقتناص الانتباه إليهنَّ، ومع أنهُنَّ في هذه السنِّ المبكرة إلا أنَّ الطريقة التي يتزينَّ بها تُعلن أنهنَّ راغباتٌ في جذب الانتباه. وهنَّ في العمر الصغير يعرِضنَ جمالهُنَّ بعناية، وعندما يُشذّبنَ شعرهُنَّ ويُصفّفنَه يتبيّن السبب وراء ذلك، ويُعرف من مظهرِهنَّ ماذا يفعلن.. ربما ليست المسألة هل قلمُ أحمر الشفاه مسموحٌ به أم لا.. ولكن اليد التي تمسكه وترسم به هي التي تُحدِّد هل هو مباح أم لا. طبعا.. أحمر الشفاه مسموحٌ به للسيدات.. ولكن كيف تستخدمه المرأة هو ما يخبر عن الحال. الطبيعة البشرية تتطلب أن يُخفي الإنسانُ عيوبَه ونقائصه، فإذا غطّت المرأة بشرَتها بطلاءٍ جميل فلا ضرر في ذلك؛ ولا عيب في أن تلوِّن شفتها بلونٍ خفيف. أما إذا فعلته بغرض أن تدعو الآخرين وتجذب انتباههم صار تعبيرا عن الخطيئة. وهذا ما تحدَّث القرآن الكريم عنه في قوله: فَلا يُؤْذَيْنَ . احفظنَ شرَفكُنَّ كي لا تسطو عليكنَّ العيون الغريبة، ولا تكُنَّ لعبةً وأداة في يد الفاجر الداعر. فشرف المرأة وكرامتها وثيق الصلة بتقدُّم الإسلام؛ إذا تغاضيتم عنه جاءتكم ثمار الشر.

ليس الأمر أن يخرُج كل فرد من الجنة ثم تبدأ ثمار الشر في الظهور؛ فالقرآن يقول إنّ شجرة ثمار الشرّ كانت داخل الجنة. إذا كانت هذه هي نفس الجنة التي ينالها الأبرار في الحياة الآخرة.. فماذا كانت تفعل شجرة الشرِّ هذه فيها؟ كيف سمح الله تعالى لهذه الثمار أن تنمو في هذه الجنة الطاهرة؟ إنَّ الجنة الدنيويّة تعني في الحقيقة المجتمع الذي يخلقه النبي. وفي هذا المجتمع نجد كل صنوف الناس. منهم من مثله كمثل الشجرة الخبيثة، ومنهم من مثله كالشجرة الطيبة. والوصية هنا أن تجعلوا صلتكم بالشجر الطيب؛ واقطعوا أواصركم بالشجر الخبيث.. وإلا يتغلَّب عليكم الشرّ وتتلوَّث جنتكم.. ثم يقال لكم في نهاية المطاف: اخرجوا منها.

حاولوا أن تفهموا الجنة. هذا ليس تعليما قاسيا مزعجا.. بل هي نصيحة طاهرة صالحة. حاولوا أن تفهموها.. وإذا أرسيتم روحَها فهذا لصالحكم أنفسكم، ولصالح الإسلام، ولصالح الأحمدية. إنّ النساء اللاتي يحملنَ راية هذه الروح هنَّ حاملات راية الجنة، ونأمل أن تكون هذه جنة أبدية. ولكن التحدِّي الذي تُقابلنه الآن.. الخللَ الذي تريْنَهُ يتطلب بالضرورة أن تتفهمن الموضوع كله، حتى يتسنَّى لكُنَّ التصدّي له ومقاتلته. هذه الآيات التي تُليت عليكنَّ تحدَّثت عن موضوعاتٍ متعدِّدة. ولو تناولتها كلها بالتفصيل الآن لم أجد وقتا لإنهاء الموضوع. ولكن سوف ألقي عليكنَّ الضوء الذي ألقته عليَّ هذه الآيات.. وسأُقدِّم آياتٍ أخرى حول نفس الموضوع.

يقول الله تعالى

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ ..

والنساء اللاتي قعدنَ عن الرغبة في الزواج، أو لا يأملنَ فيه.. فلا لومَ عليهنَّ إذا وضعنَ عنهنَّ العباءة أو الثوب الخارجي، شريطة ألا يتبرَّجنَ بالزينة. أي الأفضل ألا ينغمسنَ في التجمُّل الزائد.. لأنّ في المجتمع رجالٌ ينظرون حولهم بعين الشهوة لكل امرأة.. ولذلك يجب أن يعملنَ على حماية أنفسهنَّ. ويقرِّر القرآن ألا لوم عليهنَّ إذا لم يستعملنَ العباءة أو الملاءة أو المعطف.

أما عن (أمّاجان).. أم المؤمنين السيدة نصرة جيهان بيجم.. زوج المسيح الموعود .. فإنّها كانت في عين كل أحمدي أمًّا كريمة.. في قاديان أو ربوة على السواء، ولم يكن أحد يرفع نظره إليها بسبب هيبتها. وبعد أن تقدَّم بها العمر لم يكن بوسعها أن تسحب بُرقُعَها على وجهها.. فكانت تحمل مظلتها، فإذا رأت شخصا يقترب خفضتها لتستر وجهها ثم ترفعها عندما تبتعد. وكانت تخرج للنزهة في الخلاء. ولكن السيدة التي ليست لها مثل هذه الحرمة فإنَّ الله تعالى يسمح لها أن تتخفَّف بعض الشيء، شريطة أن تُعطي انطباعا بالحشمة، وأنها لا تدعو أحدًا للنظر إليها، وأنها لا أرَب لها في الرجال.

ثم هناك نسوةٌ متقدِّماتٌ في السنّ يتزيَّنَ ويُرِدنَ أن يظهرنَ جميلات. عندما يخرجن إلى السوق يضعنَ مساحيق التجميل ويهتمُّنَ كثيرا بمظهرِهنَّ. تستخدم إحداهنَّ أحمر الشفاه وتقول: كيف لا أتجمل.. ماذا يقول الناس عني إذا لم أتجمَّل؟ هذه طبيعة المرأة، ولذلك فإنّ القرآن -وهي كلمة الله الحكيم الذي يعلم طبيعة النساء حتى وإن كُنَّ في سنٍّ متقدِّمة؛ ويظنُّ الناس أنهنَّ فاتهُنَّ سنُّ الزواج ولا داعي للتشدُّد في الحجاب- يقول لهنَّ: إنها طبيعتُكنَّ، فإذا خرجتُنَّ بين الناس فلا تتجملنَّ كالجاهلات.

والآن فإنّ النسوة المتعلِّقات بالاتجاهات الحديثة يرون أنّ الاحترام يقتضي اتِّباع التقاليد الاجتماعيّة المعاصرة. لا أضعُهنَّ في مقدمة قافلة الأحمدية.. بل وضعتُهنَّ في مؤخّرة الركب. فإنّهنَّ يَسِرنَ وراء القافلة لأنّ مظهَرهُنَّ مختلف. يشعُرنَ أنّ كرامتهُنَّ تعتمد على هجر الحجاب، ويحسبنَ الحجاب للعصور القديمة. لماذا يتجمّلن؟ لماذا لا يخرجن بوجوهٍ طبيعيّة وملابس بسيطة؟ إذا أردتُنَّ الاستفادة من التخفيف.. فتذكرنَ أنه لا يُسمح لكُنَّ بوضع أقدامكنَّ في قاربين مختلفين في وقتٍ واحد. إذا أردتنَّ التجمُّل فتجمّلنَ للبيت.. داخل بيوتكنَّ.. وحافظن على الحجاب. ولكن إذا أردتنَّ الزاوية الأخرى فالتزمنَ البساطة واخرجنَ بدون تجمُّل.

ورغبتي أنّ هؤلاء النسوة اللاتي يُهملنَ الحجاب ويتساهلن في أمره.. يجب أن يتصرّفنَ بطريقةٍ مختلفة داخل المجتمع الأحمدي. وإذا خرجن فليُزلنَ مساحيق التجميل ومظاهر التزيُّن ويأخذنَ بالبساطة.

تجدون النساء عكس ذلك تماما في كل مكان. هذه هي طبيعة كل النساء من كل نوع.. يكون مظهرُهنَّ في البيت على أي صورة.. سواءً كان شعرُهنَّ غير مرتّب في الصباح، أو زالت منه مساحيق الزينة.. ولكنهنَّ عند الخروج يتجمَّلنَ. هذه الطبيعة العامة للنساء. ولذلك تحدَّث القرآن هنا وأخبرهنَّ: إذا تقدمتُنَّ في السنِّ فلا تُجمِّلنَ أنفسكنَّ. بوسعكنَّ الخروج متخفِّفاتٍ نوعا ما؛ ولكن لا تتجمَّلنَ بوسائل صناعيّة حتى لا تكنَّ مخالفاتٍ للفطرة الإسلامية.

ينبغي أن يكون المجتمع الإسلامي بحيث يتيح للنساء اللاتي لا بد لهنَّ الخروج لأسبابٍ جادّة.. كالطبيبات والمحاميات أو العاملات في المخازن والمحلات أن يخرجن. وهذه ضرورةٌ في المجتمعات الغربية؛ ولكنهنَّ في المجتمع الشرقي يعملنَ عادةً في البيت.. وإن كان في الشرق الأقصى تكثر الحالات التي تعمل فيها النساء خارج البيت. وفي أفريقيا مثلا تعمل النساء أكثر من الرجال، ويحملن أطفالهن على ظهورهنَّ ويخرجنَ للعمل في الحقول والمزارع، ويذهبنَ إلى السوق. فليس من الإنسانية أن يقال لهؤلاء أن الإسلام يتطلب منكنَّ تغطية وجوهكنَّ هكذا، وتضعنَ أيضا نظارات داكنة، وتلبسن القفازات لستر أيديكنَّ. هل المراد أن تموت هذه الأمة جوعًا؟ الإسلام لا يقول بذلك. تذكرنَ أن ما يريده ويقوله الإسلام لا يقرِّر ما يُقرِّر لحرمانكنَّ من حقوقكنَّ الأساسية. ومهما اتُّبِع الحجاب فلا يُراد منه أن تُحرَم المرأة من حقوقها الحياتية، بل إنّ الإسلام قد أقرَّ لها بهذه الحقوق الأساسية. ولكن الله قد وهبها رقّة في تكوينها وأعطاها جمالاً ملحوظا.. سواءً كانت وسيمةً أم لا.. ففي طبيعتها الأنثوية جاذبية، وتتطلَّع إليها العيون بسبب هذه الجاذبية. فالحماية المقرَّرة لها ليست لحرمانها من حقوقها. وإذا كانت هذه الحماية تحرم أحدا من شيء.. فإنها تحرم أولئك الرجال ذوي العيون الفاجرة. والحبس هو للذين يرغبون في أن يتخلَّى النساء عن الحجاب كي يُشبعون شهوة النظر ومُتعة الحملقة فيهنَّ.

يحسب الناس خطأً أن الإسلام وضع القيود ليحرم المرأة.. ولكنه في الواقع حظّر على الرجال. يقول الإسلام أن للمرأة أن تتجمَّل كما تشاء.. ولكن لا يسمح للرجال أن يستمتعوا بهذا التجمُّل. ولما كانت فطرة الرجل تدفعه للنظر وتتجه نحو النساء.. لذلك طالب الإسلام النساء ألا يخرجن على الرجال متجمِّلات مُظهِراتٍ جمالهنَّ، حتى لا يُشبعنَ شهوات الفسقَة من الرجال بالنظر إليهنَّ. يجب أن تفهمنَ هذا وإلا لن تستطعن الوفاء بمتطلّبات الحجاب، ولن تفهمن روح الحجاب. هذه التعاليم ليست حرمانا للمرأة من أي حقٍّ لها، ولم يَرِد ذلك في أي موضع ورد فيه ذكر الحجاب بالنسبة للمرأة في القرآن أو الحديث. إنّها في الحقيقة تحمي النساء.. تحمي شرفهُنَّ، تحمي متعتهُنَّ وجنّتهُنَّ التي لا يمكن غرسها بدون النساء. إذا أبعدتم المرأة من الجنة فلا بد وأن يتبعها الرجل إلى خارجها. وإذا عملت المرأة على أن تجرَّ الرجل وراءها خارج الجنة فهذا شيء.. أما إذا أُخرِجت المرأة من الجنة فلا بد أن يخرج الرجل على أثرها. لا يمكن لآدم أن يعيش بدون حواء. فأنتنَّ اللاتي تخلقنَ جنةً تعشنَ فيها مع الرجل داخل البيت.. ويكون المجتمع خارج البيت مريحًا جميلاً، ولا تُحرم المرأة من حقوقها. قلت لكم أنّ المرأة لها أعمال خارج البيت.. كما في أفريقيا حيث تعمل المرأة.. ولا تراها متجمِّلة لتجذب أنظار الناس إليها بلا ضرورة.. لأن مظهرهنَّ وعملهنَّ الجاد لا يجذب الأنظار إليهنَّ. ليس النسوة المسلمات فقط.. بل أيضا من أتباع الأديان الأخرى ومن لا دين لهنَّ. إنهنَّ عندما يخرجنَ للعمل لا يذكِّرن أحدًا بالفسق والفجور.. لأنّ انتباههنَّ قد اتجه كليةً نحو العمل وكسب العيش للحياة ولا يلتفتنَ إلى أحد. هذا الصنف من النساء لو طالبتهنَّ بالبرقع لكان في ذلك مشكلة وصعوبةً لهم.. ولهلك أولادهنَّ جوعًا.

يجب أن يكون الحكم في كل موقف بحسب الظروف، وعزْل الموقف عن ظروفه حماقة. منذ أسابيع قليلة كانت صيحة في أوروبا أن الأطفال يتعرَّضون للإساءة في الهند وباكستان ويُستخدمون كعمال.. ولذلك يُطالبون بمقاطعة التجارة مع البلدين. وكان معظم الغضب موجها نحو باكستان. والواقع أنّ تجارة باكستان كسدت بسبب ذلك. ولم يكن السبب هو جهل هؤلاء الأوربيين بما يجري من قبل، ولكن عندما أبلغ صبيٌ مسيحي المؤسسة العالمية أن هذا ما يحدث.. وقام جماعة من الأشرار بقتله.. كان هذا هو رد فعل الحادثة ليس حفاظا على الصغار وتعاطفا معهم. هذه مسألةٌ واضحة، والجميع يعرفون ما يحدث هناك. والسؤال هو عن المجتمع الذي نتحدَّث عنه.. الهند وباكستان وبنغلادش وسيلان وغيرها.. هذه البلاد الفقيرة، لو لم يسمح للأولاد بالعمل فإنّ البديل هو أن يجلسوا في البيوت وتتعرَّض الأسرة كلها للموت جوعًا.. لأن الظروف الاقتصادية في هذه البلاد الفقيرة لا تسمح لشخصٍ واحدٍ أن يعول الأسرة كلها ويوفر لها العيش. والمشكلة أن الأسرة في البلاد الفقيرة بحاجة إلى أن يزداد عددها بسرعة كبيرة حتى تصل إلى العدد الذي يُمكِّنهم معًا من إعالة الأسرة. ولذلك كان من الضروري أن يعمل الصغار على نحوٍ ما.

المهم هو أن يُنظر إلى سنِّهم بعين الاعتبار، ولا يُعاملون معاملةً جافةً قاسية، كما لا يخفى أنهم سوف يُلاقون بعض الصعاب في حياتهم.. ويكون بناؤهم الجسدي والنفسي مختلفا، وتكوينهم ليس كسائر الصغار. إنّ هؤلاء الصغار الذين مرّوا من شدائد الحياة يكتسبون صلابة، ترى من مظهرهم أنّهم في حياةٍ شاقة.. ولكن الرحمة لا تعني بالنسبة لهم أن تحرمهم من فرصة العمل. بل إنّ ذلك عندهم جريمة وجناية على قومهم وأمتهم. أنتم تجلسون هنا في دعةً ورغدٍ من العيش، وتحسبون أنكم تتخذون القرارات لصالح الأطفال هناك. هل نسوا أنّ انجلترا نفسها وغيرَها من بلاد أوربا قد مرّوا في تاريخهم بظروفٍ مماثلة، وكان من الضروري أن يعمل الأطفال مع الكبار؟ وإذا كانوا يرون أنّ الصغار هناك يُعاملون بخشونة فإنّهم هنا كانوا يعاملونه بخشونة وقسوة أشد.. ربما لم تصل إليها بعض هذه البلاد الفقيرة. فليس صوابًا الظن أن الجميع يعملون هنا بنفس المستوى ما داموا يعيشون في قرنٍ واحد. هناك أقوامٌ يعيشون عند مستوى ألف عام مضت أو مائة عامٍ خلت في بلاد أخرى. فإذا اتخذتم قرارًا بشأنهم.. فليكن ذلك بالنظر إلى ظروفهم ومجتمعهم.

والحجاب أيضا يدخل ضمن هذه الأمور. ففي المجتمعات التي يتحتم على المرأة أن تعمل فيها أعمالاً محترمة ينبغي القيام بها.. فلا يصلح أن يُجبرنَ على ارتداء البرقع؛ والإسلام لا يريده منهنَّ. الحجاب الذي وصفتُه لكم أساسي لهنَّ، ويحفظنَ أنفسهنَّ بمسلكهنَّ؛ وعندما يخرجنَ يسترنَ جمالهُنَّ ولا يعرِضنَه بحيث تتطلَّع إليهنَّ العيون الغريبة بعينٍ فاجرة، ولا تستقبل من نظراتها رسالة خاطئة. لقد تحدَّث المسيح الموعود عن هذا عندما تحدّث عن الحجاب وآية سورة النور التي تتناول «القواعد من النساء».

يقول الله تعالى

وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا .

هذه الآية تتحدّث عن حجابٍ أشدَّ صرامة يتعلّق بزوجات النبي ونساء أُسرته.. ذلك لأنّ بعض الأسر -بسبب صلتهم الخاصة- يكونون هدفًا للنقد، وأيضا يقلّدهم الآخرون في عملهم.. فإذا خطو خطوةً واحدة في اتجاهٍ ما.. تبعهم الناس وساروا عشر خطوات في هذا الاتجاه. ومن ثم تقع عليهم مسئوليات مختلفة.

ثم هناك عيون الغرباء التي تتطلّع إلى النسوة بشهوة، ويتحيَّنون الفرصة للهجوم على أعراضهنَّ وتلويث أهلهنَّ. فهذا التعليم الخاص بأمّهات المؤمنين وأسرة النبي ورد بألفاظٍ أشدَّ صرامة، ومع ذلك لم يذكر هذا البرقع الذي يغلب استعماله في قومنا. لا أقول أنَّ استعماله خطأ.. ولكنني أقول إنّه تقليدٌ اتُّبع. ولا يصحُّ القول بأنّه النموذج الوحيد الذي يمثِّل الحجاب الإسلامي. إذا قلتم ذلك فإنّ المسلمات في صدر الإسلام اللاتي تربّينَ على يد رسول الله لم يضعنَ هذا البرقع.. فهل يعني ذلك أنهنَّ لم يعرفنَ التعليم الصحيح، وعرفه الناس فيما بعد في باكستان والهند وفهِموه واستخدموه.

ربما لن أتناول كل ناحيةٍ في الموضوع.. فلا تقفزنَ إلى استنتاجاتٍ خاطئة.. ولكني أُصرُّ على أنَّ اللاتي ورِثنَ هذا النوع من الحجاب (البرقع) لو أهملنَه ورفعنَه عنهنَّ بحجة أنه لم يكن معروفا في أيام الإسلام الأولى.. فإنهنَّ بذلك يعرِّضنَ أنفسهنَّ والأجيال القادمة أيضا للدمار، وسوف تفقد بناتهنَّ الصلة بالحجاب نهائيا. فالمرء يقرّر الطريق إلى الهدى بالنظر إلى الموقف الذي يجد نفسه فيه.. فهو رحلةٌ طويلة، وفي نهاية المطاف سوف يأتي الوقت الذي تكون فيه الجماعة الإسلامية الأحمدية قادرة على أن تقدّم نوعًا موحدًا من الحجاب. وتكون له الأهمية الأساسية.

ولكن عندما أتحدَّث عن الأنواع المتعدّدة من الحجاب فلا تفهمنَ من ذلك أن تتذرَّعن بقولي أن البرقع لم يكن موجودا في أول الإسلام لتتخلَّصنَ منه. أنا لا أقول بذلك، ولا أجده مناسبًا للسيدات أن يفعلن ذلك.. وبصفة خاصة في العائلات ذات المستوى المالي المرتفع، فإنّ ذلك يسبّب فيها دمارًا كبيرا. فليكن العمل تدريجيًّا، يتخفّف الحجاب شيئا فشيئا من عناصر التزمُّت والصرامة.. مع المحافظة الدائمة على «روح الحجاب» فالقرآن يُطالِبُ النساء عندما يخرجنَ أن يكون مظهرُهنَّ صادًّا للعيون التي تتطلّع بشهوة، ويكون سلوكهنَّ بحيث أنّه يُخيِّب ظنَّ الفُجّار فلا يجدون شيئا يشجِّعهم.. ويتبيَّنوا أنّ هذا صنفٌ من النساء ليس لهم فيه نصيب ولا سبيلٌ للوصول إليهنَّ. إذا كانت هذه «الروح» عندكنَّ فلا خطر أو ضرر حتى لو تخفَّفتُنَّ من صرامة الحجاب. بل في الواقع سيكون له تأثيرٌ أفضل على سائر العالم، وتَتَقوَّى روح الحجاب.

هذه مسائلٌ من الحكمة يجب أن تفهمنَها. وأُصرُّ مرارا وتكرارا على أن تتفهَّموا روح الحجاب. والطريقة المـُثلى لحماية هذه الروح هي أن تكُنَّ واثقاتٍ متأكِّداتٍ من أنَّ تصرُفَكنَّ -مهما كان- لا يُبعدكنَّ عن الله تعالى، ولكنه يُقرِّبكُنَّ منه . هذه هي الملامح والقواعد الهادية التي يمكن بها خلق الجنة وتوطيدها مرةً أخرى. هذه هي الوسيلة التي تتقوَّى وتزدهر بها شجرة الفردوس المباركة.

يقول القرآن أنَّ هذه الشجرة المقدَّسة لا تنفصل ولا تُقتلع من الأرض.. ولكن فروعها تمتدُّ وتعلو لتصل إلى السماء؛ وعندئذٍ لا تستمدُّ عصارتها من الأرض، بل تجدُ قُوتَها ونضارتها من السماء. هذا هو القانون الأساسي الذي من أجل ترسيخه وتمكينه جاءت نصيحة الحجاب. ونتيجةً لها تتوطّد الجنة على الأرض. وقد بيّنتُ لكم روحها، وبيَّنتُ بأي معنى يريد الإسلام إقرارَها، وكيف تستطيعون ترسيخها.

تذكَّرْن أنه مهما كان نوع الحجاب الذي تتَّخذنَه، وتَعلمنَ أنّه تعليمٌ مفروض لكلّ زمان، ثم تستشعرنَ الحرج منه.. فهذا يعني أنَّ خطواتكنَّ تتجه بعيدًا عن الاتجاه الصحيح. إنكنَّ لا ترفعنَ بذلك مكانتكنّ بل تخفضنها. وتكُنَّ بذلك ضحايا لمرَكَّب النقص والشعور بالدُّونِيّة. وسواء كان الحجاب الذي تتخذنَه إسلاميًّا أو غير ذلك.. فإنَّ قلوبكن تصبح غيرَ إسلامية، فمخالفة تعليم إسلامي بعد معرفة هذه الحقيقة.. والإعراض عنه والشعور بالحرج من اتِّباعه.. لهي الخطورة الأولى نحو الفشل والهزيمة.

لقد ذكرت لكم هذا المثال آنفًا.. ليس على سبيل التفاخر، ولكنه نداءٌ صادقٌ مخلصٌ من قلبي. عندما ذهبتُ ذات مرة إلى أمريكا في رحلة، ولم أكن في منصب الخلافة.. ولكن كعضو من الجماعة -طبعًا لا زلتُ عضوًا منها مع مسئولية إضافية- في ذلك الوقت سألتُ زوجتي وبناتي أن يضعنَ حجابهُنَّ المعتاد وبحسب ما ألِفنَه، وأن يمارسنَ حياتهنَّ كالغافلات اللاتي لا يحفَلنَ بسائر الناس.. ودون جذب الانتباه.. ولا يتشدّدنَ فيه أكثر مما كُنَّ يفعلنَ في باكستان.. وبذلك تصل الرسالة إلى الأُخريات بأنّ الحجاب الإسلامي ليس مسألةً محلية، وإنّما هو التزامٌ عالمي. يجب على المرأة أن تتخذ الحجاب الإسلامي دون أن تتأثر بتغيُّر البلد أو المكان أو المجتمع.. علوًّا أو انخفاضًا؛ فذلك لا يغيّر من الأمر شيئا.

وكانت هناك حادثة ذات مغزى في هذه الجولة.. عندما أعدنا السيارة المستأجرة إلى مركزها، كانت معي ابنتي “شوقي”.. فسألتني الموظفة: ما هذا الرداء الذي ترتديه؟ قلت لها اسأليها.. هل هي تضعه مكرهة أم بإرادتها الحرة؟ فقالت لها ابنتي: إنني سعيدةٌ للغاية بوضعه، وهذه عادتنا في باكستان، ويسعدني ارتداؤه هنا أيضًا. وهكذا جعلها الله تعالى مصدرًا للهداية. وفجأةً ظهرت سيدةٌ باكستانية غير محجبة.. بل كانت أكثر “تقدمًا”، وقالت للموظفة: خذي مفتاح السيارة لأنّي متعجّلة. وأصرَّت على أن تُلبّي حاجتها قبلنا. فسألَتْها ما مقدار الوقود في خزان السيارة؟ سألَتْها لتتأكّد من أنه مملوء بالوقود كما تسلَّمتْه. قالت السيدة: إنه مملوءٌ تمامًا. فسألتني الموظفة: وخزّانك؟ قلت: مملوء. قالت إنّي أُصدِّقك ولا أستطيع تصديقها. قالت ذلك أمام السيدة: وأوضحت قائلة: هي مسلمة وأنت مسلم، فلماذا لا تلتزم مثلكم بالحجاب؟ فأجابت السيدة: إني أرتديه في باكستان، ولكن المجتمع هنا مختلف. قالت لها الموظفة: الآن فهمت، إسلامُكِ محلّي وإسلامهما عالمي، وبسبب ذلك لا أستطيع الاعتماد على كلمتك، ولا بد من فحص الخزان. وذهبَت فوجدت أنه مملوء إلى نصفه فقط!.

هكذا أعطاها الله تعالى الانطباع بأنّ الذين يصحبون معهم أخلاقيات الإسلام حيث يذهبون جديرون بالتصديق والاعتماد على صدقهم، وبدلاً من أن يقلَّ احترامها لنا.. ارتفع قدرُنا واحترامنا في عينها. هذه تجربتي في كل مكان. فحافظنَ على الحجاب ولا تبالُنَّ بما يقوله الناس، وفكِّرنَ في الله عندما تَضَعنَهُ، ولتكن نيَّاتُكنَّ طاهرة وهدفكنَّ شريفًا، وترتدينَ الحجاب من أجل الله تعالى.. وإن كان فيه شيءٌ من التخفُّف، ولا تُغيّرنَ معاييركنَّ.. فترتدينه عند المجيء إلى المسجد بشكل، وترتدينه في الخارج بشكلٍ آخر.. فهذه أمورٌ خطيرة.. مع أني أنظر بشيء من التقدير إلى هذا الحياء الذي تُراعيه السيدة عند حضورها إلى المسجد فتحافظ على الحجاب جيدًا.

ويسألني البعض: لماذا تسمح لهنَّ بالحضور إلى المسجد واللقاءات متخفّفات؟ وأحيانا أهُمُّ برفض اشتراك السيدات غير المتحجبات في اللقاءات.. ولكني أفكّر أنهنَّ سوف يُحرمنَ من التأثيرات الطيّبة التي تتحقق في اللقاءات.

ولاحظت أنّ الشابات يحضرنَ بالحجاب المناسب مثل الكبيرات. وهناك حالاتٌ كانت فيها الأمهات لا تضع الحجاب في حين جاءت الشابات ملتزمات بالحجاب، وأخبرنَ أُمهاتهنَّ بأنهنَّ يفضلن الحجاب وسوف يرتدينه. لقد رأيت الحاجة الآن إلى ضرورة أن نصحب الناس معنا برفق.

ولكن في المجتمع عمومًا، وفي العلاقات اليومية.. لو تجاوز هؤلاء كل الحدود ولم يكتفين بإهمال الحجاب، بل شرعنَ يتصرَّفنَ بلا حياء، وحضرنَ اللقاءات الاجتماعيّة.. فهناك خطرٌ من أن يكون مسلكهُنَّ هدَّامًا لأُسرنا. فالـــ”ملاقاة” أمرٌ يختلف، ولذلك أسمح باستقبالِهنَّ. ولكن اختلاطهُنَّ بالأسر الأحمديّة ليس أمرًا مناسبًا. وعليكنَّ أن تحذرن. ينبغي أن تخلقنَ نوعًا من التمييز بينهنَّ وبينكنَّ؛ وأخبروهنَّ؛ مرحبًا بكنَّ في زيارتنا، ولكن لا تأتوننا بمثل هذه الثياب، فإنّها تؤثِّر سلبيًّا على أُسرنا. وأرى أنّ مثل هذا الضغط الاجتماعي يمكن أن يفعل فعله، ولكن الاعتماد أساسًا يكون على الدعاء.

وفيما يتعلَّق بالحجاب وروحه الإسلاميّة فمن الممكن توطيده ظاهريًّا.. ولكن المطلوب هو توطيده في القلب.. وهذا شيءٌ مختلف. وما لم تترسَّخ هذه الروح في القلب فلا قيمة للمظهر.

ثم إنّ السيدة التي لا تراعي الحجاب تعيِّر من تستخدمه وتقول: أعرف ما يجري وراء هذا الحجاب. هذا أيضًا من غرورهنَّ. وهذه الاستهانة في الحقيقة ليست بمن يستخدمنَ الحجاب، ولكنها استهانةٌ بالإسلام. ما دخلك أنتِ بما يجري وراء الحجاب؟ إنَّ المظهر الخارجي يراه الناس. وهناك أمورٌ وراء ذلك.. ولا حقَّ لكِ أن تقولي أنّ وراء الحجاب كذا وكذا. هذا التعبير مرفوض، وهو مولِّدٌ للكراهية، ولا أشجّعه مطلقًا من أجل الطهر وسلامة القلب وروح الحجاب.

ما تفعلنَه افعلنَه لوجه الله تعالى. فإذا فعلتُنَّه لله فعلتُنّه بكرامة.. لأن ما يُفعل منسوبًا إلى الله وطلبًا لمرضاته يكون فاعله مُكتسبًا للكرامة، ولا تأخذ نصيحته لون السخرية والتعيير، بل يكون هناك التعاطف في النصيحة.. وعندئذٍ يكون لديكنَّ المقدرة على إحداث تغيير صالحٍ في الناس.. وإلا فإنّ الغرور والكِبْر القائم على اعتبارات الأسرة والمركز الاجتماعي يدفعكنَّ إلى تعيير الغير والتعالي عليهنَّ. هذا ليس مصدر للخير ولكنه تخريبٌ لروح الحجاب.

سأتلو عليكنَّ آياتٍ أخرى من القرآن الكريم. يقول الله تعالى وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ أي امكُثنَ في بيوتكنَّ أطول فترة ممكنة. وهذا لا يعني لا تخرجنَ للعمل.. لأنّ هذا المعنى مذكورٌ في موضعٍ آخر باعتباره عقابًا، وهو غير منطبق هنا. هنا يقول: لا تعتدنَ التجوال بلا ضرورة خارج البيت.. فهناك في البيت كثيرٌ من الأمور التي يمكن للمرأة إنجازها: تجميل البيت وحسن ترتيبه ونظافته، والمكث مع الأولاد، والعمل على أن يكون حضورهم ووجودهم في البيت متعةٌ لهم. لا تُضيّعنَ الوقت في الخروج، بل استخدمنَهُ فيما ينفع.

ثم يقول القرآن الكريم:

وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ..

لا تتخذنَ أسلوب التجميل الذي يتّبعه الجاهلات.. فإنّهنَّ يتزيّنَّ بهدف جذب أنظار الناس، وليس لحماية السلام والاستقرار في البيت.

وبدلاً من ذلك ينصح القرآن بقوله

وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

ينبغي أن تجدنَ راحة قلوبكنَّ وعقولكنَّ في الصلاة والمشاركة في الخدمة الاجتماعية للفقراء ورعايتهم، وفي طاعة توجيهات وتعاليم الله تعالى ورسوله . الانتقال هنا من ذكر الحجاب إلى الصلاة.. لأنّ النساء اللاتي يتجوّلن خارج البيت بلا ضرورة لا يجدنَ فرصة للمحافظة على الصلوات، ولا لتعليم أولادهنَّ أداءَها في موعدها. تجدون أمثالهُنَّ يمينًا ويسارًا، من طبيعتهنَّ أن لا يطيقنَ البقاء في البيت، ويفضِّلنَ التجوال في الخارج بدون ضرورة. التسوّق شيء مفهوم ومطلوب طبعًا.. إذا كان هو الهدف وليس مجرّد التواجد في الخارج. إنّ النسوة من غير الأحمديات يذهبنَ الأندية وما إلى ذلك.. وتكون حياتهنَّ خارج البيت، ويقُلنَ نحن عضواتٌ في هذا المجتمع؛ ولا يكون لديهنَّ وقتٌ لأولادِهنَّ. وفي النهاية تبدو بيوتهنَّ مهجورة خاوية بسبب ذلك، ويفقدون اهتمامهنَّ بالبيوت.. ومن العوامل التي تقوّي العلاقة بين المرأة وبيتها إقامة الصلاة.

إذا ثبت الجيل الصاعد على إقامة الصلاة فسيكون ذلك مصدر جنّة للأم وللجيل القادم. أمّا بالنسبة للسيدات المتجوِّلات دائما خارج البيت فلا يكون لديهنَّ اهتمامٌ بالصلاة. هذه خبرتي الواسعة الطويلة. دون ذكر أسماء – فإنّ هؤلاء السيدات عندما يؤدِّين الصلاة يقمنَ بها على هيئة قفزاتٍ من ركعة إلى أخرى، لأنّهنَّ لا يجدنَ وقتًا للتركيز والخشوع، فيُسرعنَ في الصلاة حتى يخرُجنَ على الفور. إنَّ تعويد الأطفال على الصلاة خمس مرات في اليوم يتطلَّب من الأم أن تقرَّ في بيتها كالملكة التي تُشرف على كل أمور بيتها وتُسيطر عليها. فتوقظ الأطفال لصلاة الصبح وتُصلّي معهم. هذه من الثمرات التي تنالها المرأة بالحياة في بيتها. إذا كانت تجد لذّة كبرى في الخروج والبقاء هناك حتى وقتٍ متأخِّر في الليل.. فلن يكون في وسعها القيام لصلاة الصبح. وإذا لم يكن لديها عمل فإنَّ يومها يبدأ من الحادية عشر فتفطر وتتعجَّل إعداد الطعام لتخرج بعد ذلك لارتباطها في المساء وحفلاتها في الليل. هذه دائرةٌ شريرة من داخلها لا يجد سلامًا وطمأنينة.

قد تبدو هذه الحياة في ظاهرها جذَّابة لهم، ولكن لو تأمّلناها ودرسناها لوجدنا أنّهنَّ يَعشنَ بلا استقرار، والحياة مشكلة لهنَّ. الإسلام يهدف إلى خلق السلام في البيوت، ولا يريد الإسلام الإثارة بلا ضرورة. إنَّ المرأة تجري في هذه الدائرة وتنهمك في الحفلات والمناسبات.. وآخر المطاف تجد المشاكل والمصاعب. ليست النساء جميعا على مستوى اقتصادي واحد فهناك الثريَّات اللاتي يرتدينَ ملابس باهظة الثمن، ويتزيَّنَّ بزينةٍ غالية، والاختلاط بهنَّ يخلق المشاكل. تبدأ المرأة في المقارنة وتقول: كان رداء فلانة ثمينًا، هل رأيت زينتها؟ لقد اشترتها من فرنسا! هل رأيت ثوبها وخيوطه؟ كان من كراتشي وصنعه أغلى خيّاط.. وهكذا تدور أحاديثهم حول هذه الأمور.. فأين يجدنَ وقتًا للحديث عن الصلاة. إنَّ ذكر الله تعالى لا يناسب هذه الأجواء ولا يَرِد في هذه الأقوال.

يريد القرآن إقامة مجتمع يتيسَّر فيه المحافظة على الصلاة. إنّك تجد راحة البال وسلام النفس في النسوة اللاتي يُقمنَ الصلاة. إنّهنَّ مختلفاتٌ تماما. إننا نراهنَّ جنّاتٍ تسير على الأرض في ربوة. إنّهنَّ راضياتٍ عن أنفسِهنَّ، ولا يرينَ شيئا ينقصُهنَّ. ومن تجلس إليهنَّ تستفيد منهنَّ في هذا الشعور بالرضا. إنّهنَّ يَعشنَ على الأرض ولكنهنَّ أهل الفردوس. هؤلاء هنَّ النسوة اللاتي يملكنَ القدرة على خلق الجنة على الأرض؛ وهنَّ دائما مائلاتٌ إلى الخير، ويستمتعنَ بعمل الطيِّبات.

هناك أمورٌ بسيطة ليست خطايا.. ولا أقول أنّ السيدات اللاتي يخرجن يفعلنَ ذلك طلبًا للمعاصي. هناك سيداتٌ صالحات يخرُجنَ لمصلحةٍ معينة، ولكن وقت المؤمنة يضيع، ويكون الاتجاه النفسي هو الذي يحدد ماذا يفعلن. وهناك تأثيرٌ سيء على الأُسر.. وبالتدريج يصبح محيط البيت غيرَ مناسب لذكر الله. والذِّكر هو الشجرة الطيبة التي نوَّه عنها الله تعالى والتي تصنع الجنة. إذا كان هناك في البيت حديثٌ عن حبّ الله، وهو منبع الرضا.. فإنّ الحال يختلف عندئذٍ. فالحاجة إلى المرأة موجودة، وتحدَّث الله عنها. بوسعِهنَّ أن يتجمَّلنَ ويُجمِّلنَّ بيوتهنَّ، ولكن في توازن، ويَسِرنَ في الوسط.. فلا يمكن أن يكون خروجهنَّ للتسوّق خطيئة، ولا تكون مساهماتهنَّ في اهتماماتٍ أخرى خطيئةٍ. أما إذا انغمسنَ في هذه الأمور بحيث يكون ميلهّنَّ تامًّا نحو الدنيا.. فإنّهنَّ يلتصقنَ بها ويتعذَّر عليهم العودة إلى حياة البيت، ولا يقدِّمنَّ للعالم الذريّة الصالحة، لذلك يقول الله تعالى

قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ

ثم وَآتِينَ الزَّكَاةَ . أنفقنَ من نِعم الله عليكنَّ. أعرف بينكنَّ نساءٌ يتعاطفنَ مع الفقير وإنفاقُهنَّ على الفقير طبيعةٌ ثانيةٌ لهنَّ، ويعرفن أنّ الوفاء بحاجةِ الفقير يخلع على الإنسان شعور الرضا بأكثر مما يتلقى الإنسان هديةً من غيره. عندما تكون مصدرَ إشباعٍ لحاجة فقيرة، كأن تلاحظين أُمًّا ملبسها باليًا.. فتزوِّدينها بما عندك، وتجدين سعادةً ومتعةً في ذلك.. هذه المتعة تختلف كثيرا عن متعة تلقّي هديةٍ غالية.. تأخذينها وتقولين شكرا. وينتهي الأمر. ولكن السعادة الدائمة الباقية عندما تفينَ بحاجة محتاج.. فإنّ احترامك يزداد، ليس في نظر الناس وإنّما في نظر نفسك وفي نظر الله أيضا، وفي هذه البهجة والإثارة هناك متعةٌ وسلام.

لا شكَّ أنَّ هناك متعةً في الأخذ ولكن الله يتحدَّث عن متعة العطاء ويقول

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ..

يا أمّة النبيّ الكريم أنتم أفضل الأمم منذ بدء الخليقة حتى اليوم.. لأنّكم خُلقتم لنفع الناس. أنتم مصدر خير ونفع لبني البشر. إنّ نفعكم لَيَفيضُ على الآخرين. إنّكم لا تبسطون أيديكم تسألون الناس، ولكنكم تبسطون أيديكم بالخير. وهذه حقيقة.. فإنّ الذين يكونون مصدر نفعٍ للآخرين، يتمتَّعون بسلام القلب والعقل لا تجدون مثيله في الدنيا كلها. إنّهم يخفضون مستوى إنفاقهم، ويقطعون جانبا من حاجاتهم، وينفقون على الآخرين. هنا نوعٌ من الثمالة، ليس له عواقب سيئة، وليس بعده طعنات في الضمير. هي تلك الثمالة والبهجة التي تُصبح جزءًا من حياته. يقول القرآن: إذا أردتم المتعة فانظروا إلى منابع المتعة التي أعطيناكم إيّاها. اخدموا بني البشر وانفقوا في سبيل الله على المحتاجين وسوف تتبيَّنُ لكم المتعة والسعادة المترتِّبة على ذلك.

فالإسلام لا يهدف إلى حرمان المرأة، ولكنه يريد توطيد شرفها وكرامتها، ويمنحها السلام الذي يحميها من أن تكون أُلعوبةً للفَجَرة. يريدها أن تكون منبع السلام الدائم لعالمٍ خالٍ من الخطيئة، يحمل الحياة الأبدية. ذلك السلام الذي يمكن أن ينتقل من جيلٍ إلى آخر. هذه هي الروح التي يجب أن تُحافظوا عليها. إنّه موضوعٌ عميق، وقد تحدَّث القرآن الكريم عنه في مواضع عديدة، وترون كيف عبَّر عنه بطرقٍ متنوعة. أودُّ أن أُقدِّم لكم في الدقائق الباقية بعض الأحاديث النبويّة.. كي تتفهَّموا وتستجيبوا لنُصح النبي .

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.. أنّ رسول الله قال: «الدنيا متاع، وخيرُ مَتَاعِها المرأةُ الصالِحة». هذه حقيقة، فإنّ السُعداء الذين فازوا بزوجةٍ صالحة صارت بيوتهم جنّة. ولا أرى سعادةً وسلامًا أكثر من ذلك.. لأنّه لا يُمنح أحدٌ هذه السعادة والمتعة، ولا يكون علاجًا لبلائهم وقلقهم كالمرأة المؤمنة الصالحة، التي تساعد زوجها في الخير. ومهما كان شكل المرأة جميلاً في مظهره ولكن طباعها وعاداتها سيئة.. فإنّ المرء يُبغضها بعد زمنٍ قصير، ويجعلها طبعها السيء دميمة المنظر لا يحب المرء التطلُّع إليه. أما إذا كانت أعمالهنَّ صالحة.. فستجد أنها خيرٌ أعطاه الله لك. المرأة العاطلة من الوسامة إذا كانت ذات فطرةٍ صالحة.. لا بدّ أن تُفسح لنفسها مكانًا في قلب زوجها. وسيكون إعجاب زوجها وتقديره لها أمرًا باقيًا ثابتًا. أما المرأة التي لا تملك إلا مظهرًا جميلاً ولكن عاداتها وطباعها سيئة.. فإنّ الحبّ سرعان ما يخبو، إنّك عندما تجاور شخصًا أو تعمل معه وتجده ذا طبيعةٍ حسنة وترى أعماله الطيبة العطوفة.. فلا بدّ أن يتولّد فيك تقديرًا له، وتعلو مكانته في عينك. فالذي يتحدَّث الله عنه شيءٌ له متعةٌ سامية. إذا أردتم متعةً كبيرة فانظروا إلى الأعمال الصالحة. لقد وضَّح النبيّ بأنّ الدنيا حافلة بأنواع المتع، ولكن أفضل أنواع هذا المتاع الدنيويّ هو الزوجة الصالحة ولا شيء أفضل منه.

وفضلاً عن ذلك فإنّ النبيّ جعل له صلةً بالمرأة مع الصلاة.. فقال أنَّ الناس يجدون في قلوبهم ميلاً إلى هذا الأمر أو غيره.. ولكن بهجتي في الذكر والنساء والطيب.. والجمع بين الثلاثة يستبعد الشهوات.. لأنّ العبادة والعطر لا شهوة فيهما. والنوعيّة السامية للعبادة تشبه العلاقة مع الزوجة الصالحة.. وهذا أساسي لترسيخ جنة المستقبل. وينبغي أن تفهمنَ الموضوع من هذه الزاوية، ولا تحسبنَهُ إكراهًا أو إجبارًا. ولتُدرِكنَ أنّه توجيهٌ سامٍ. إنّه يمنحكنَّ الحرية من رجالٍ يريدونكم أن تتخلُّونَ عن حجابكنَّ، ويجعلوا منكنَّ متنفَّسًا لِفسقِهم.

إنَّ صناعة أدوات التجميل للنساء من أضخم الصناعات، تستثمر فيها وتدرُّ البلايين من الدولارات. ولذلك يريد الرجال أن تزداد المرأة اعتمادًا على أدوات التجميل الصناعيّة.. وبذلك تذهب ثروات العالم لتتجمّع في أيدٍ معيّنة.. في دنيا يريدون للمرأة أن تكون فيها لعبة بأيدي الرجال. يريد القرآن تكريمكُنَّ. ويريد النبيُّ تشريفكُنَّ وتتبوَّأنَ منزلة الشرف. وهذه هي الكيفيّة التي عامل بها النبي النساء. انظرنَ بأنفُسكُنَّ.. أي الأنبياء هو القائل إنَّ الجنة تحت أقدام الأُمّهات؟ انظرنَ في تاريخ العالم كله.. لن تجدوا أحدًا وضع المرأة في هذه المكانة السامية سوى المصطفى . كل تعاليم الإسلام تهدف لأن ينال المرء جنّته.. ويقول النبي أنَّ الجنة التي تُريدونها موجودةٌ تحت قدم أُمّهاتكم. يا له من موضوعٍ عظيم!. لقد تحدَّثتُ فيه من قبل. إذا كانت المرأة هكذا صنعت الجنة.. وخرجت من تحت قدمها جنةٌ.. تنتقل من جيلٍ إلى جيل.

أما إذا لم تكن الأم من هذا النوع الصانع للجنة.. فسوف تنبثق من تحت قدمها جهنَّم وسعيرُها. فحاولوا أن تفهموا الطريقة التي يُبيّن بها النبيّ مكانة المرأة، ومن هذا المنطلق افهموا أحاديث النبي ، إنّه يقول لنا: جنَّتكم تحت أقدام أُمّهاتِكم. إنّ مفهوم طاعة الأولاد أيضًا يتفرَّع من هنا. فكلما زاد صلاح الأم زادَ التصاقُ أولادها بها وطاعتهم لها.. مما يُقرّبهم إلى الجنة. كما أنّ المرأة قادرةٌ على أن تعلو إلى مقامٍ رفيع. لم يقُل إنَّ الجنّة تحت أقدام الآباء.. ولكن المرأة هي التي نالت هذا المقام.

ثم قيل عن الأم أيضا أنها ظلٌّ وارف.. فمهما كان سنّها لا يتوقف اهتمامها بأولادها.. ولو بلغت من العمر عتيًّا فإنّها تظلُّ تهتم بأولادها الذين تقدَّم بهم العمر أيضًا. إنّ ظلَّ المرأة الظليل ليس له مثيل في أي علاقةٍ دنيوية. انظروا كيف رفع الله مكانة المرأة.. فكيف يمكن أن يعلِّم تعليمًا يحرم المرأة من مكانتها وحقوقها؟ في كل خطوة كانت نصائحه لتوطيد حقوق المرأة. لم يولد إنسانٌ في هذه الدنيا رعى حقوق النساء مثلما فعل النبي . حدث ذات مرة أنّ جملاً أسرع براكباته من النساء.. فهتف النبي : رفقًا بالقوارير.. رفقًا بالقوارير. شبَّه النساء بالزجاج الذي ينبغي الترفُّق به والمحافظة عليه. لقد كان رؤوفًا مهتمًّا بالنساء حتى أنّه كان يساعد زوجته، ويساهم أكثر منها في أعمال البيت. هذا هو التعاون في عمل الخيرات التي توطّد الجنة على الأرض.

هناك كثيرٌ من الأحاديث، وهناك نصيحة سيدنا الإمام المهدي .. ولكن حان وقت الصلاة.. فلا بدّ أن أختتم كلامي.

لا تضيّعنَّ وقتكُنَّ في النقاش عن أي الحجاب أفضل.. وأيُّه متحرِّر، وأيُّ الحجاب ضروري وأيّه لا أهمية له. لو أنكنَّ تمسكتنَّ بروح الحجاب، وأعطيتُنَّ لها مكانًا في قلوبكنَّ حتى خفقت بها.. فسواء كان حجابكم من نوعٍ أو من آخر.. فستبقى لكنَّ حرمتُكنَّ وقداستكُنَّ. ولا ريب أنَّ روح الحجاب ستبقى في الدنيا بكُنَّ.. عسى الله تعالى أن يمكّن لنا ذلك. وتذكّرنَّ أنّ السيدات الأحمديات لو أسقطنَ الراية -لا سمح الله- فليس في العالم من يحملها. وعندئذٍ تقع راية الإسلام على الأرض وتدوسها الأقدام. أنتُنَّ اللاتي وُلِدتُنَّ لحمل هذه الراية. كان الله معكنَّ، ومنحكنَّ القدرة على النهوض بهذه المهمة. آمين! هيا ندعو سويًّا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك