كلام الإمام

أما بعد فاعلموا أيها الطالبون المنصفون والعاقلون المتدبرون أني عبد من عباد الرحمن الذين يجيئون من الحضرة، وينزلون بأمر رب العزة عند اشتداد الحاجة، وعند شيوع الجهلات والبدعات وقلة التقوى والمعرفة، ليجددوا ما أخلق ويجمعوا ما تفرق ويتفقدوا ما افتقد وينجزوا ويوفوا ما وعد من رب العالمين. وكذلك جئت، وأنا أول المؤمنين. وإني بعثت على رأس هذه المائة المباركة الربانية، لأجمع شمل الأمة الإسلامية، وأدفع ما صيل على كتاب الله وخير البرية، وأكسر عصا من عصى وأقيم جدران الشريعة. وقد بينت مرارًا وأظهرت للناس إظهارًا أني أنا المسيح الموعود والمهدي المعهود، وكذلك أمرت، وما كان لي أن أعصي أمر ربي وألحق بالمجرمين. فلا تعجلوا علي، وتدبروا أمري حق التدبر إن كنتم متقين. وعسى أن تكذبوا أمرئ وهو من عند الله، وعسى أن تفسقوا رجلاً وهو من الصالحين. وإن الله أرسلني لأصلح مفاسد هذا الزمن، وأفرق بين روض القدس وخضراء الدمن، وأري سبيل الحق قومًا ضالين. وما كان دعواي في غير زمانه بل جئت كالربيع الذي يمطر في إبانه. وعندي شهادات من ربي لقوم مستقرين، وآيات بينات للمبصرين، ووجه كوجه الصادقين للمتفرسين. وقد جاءت أيام الله وفتحت أبواب الرحمة للطالبين. فلا تكونوا أول كافر بها، وقد كنتم منتظرين. أين الخفاء، فافتحوا العين أيها العقلاء. شهدت لي الأرض والسماء، وأتاني العلماء والأمناء، وعرفني قلوب العارفين، وجرى ايقين في عروق قلوبهم كأقرية تجري في البساتين. بيد أن بعض علماء هذه الديار ما قبلوني من البخل والاستكبار، فما ظلمونا ولكن ظلموا أنفسهم حسدًا واستعلاء. ورضوا بظلمات الجهل وتركوا علمًا وضياء، فتراكم الظلام في قولهم وفعلهم وأعيانهم. حتى اتخذ الخفافيش وكرًا لجنانهم، وقعد قارية على أغصانهم، وكانوا من قبل يتوقعون المسيح على رأس هذه المائة، ويترقبونه كترقب أهلّة الأعياد أو أطائب المأدبة. فلما حم ما توقعوه، وأعطى ما طلبوه حسبوا كلام الله افتراء الإنسان، وقالوا مفتر يضل الناس كالشيطان، وطفقوا يشكون في شأنه، بل في إيمانه، وكذبوه وفسقوه وكفروه مع مريديه وأعوانه وأنزل الله كثيرًا من الآي فما قبلوا.

وقالوا كاذب وما تفكروا في مآل الكاذبين. وقالوا مختلق وما تذكروا من درج من المختلقين. والأسف كل الأسف أنهم يقولون ولا يسمعون، ويعترضون ولا يصغون، ويلمزون ولا يحققون، وحصحص الحق فلا يبصرون. وإذا رموا البري بأفيكة فضحكوا وما يبكون. مالهم لا يخافون. أم لهم براءة في الزبر فهم لا يسئلون. وما أرى خوف الله في قلوبهم. بل هم يؤذون الصادقين ولا يبالون. ما أرى فناء صدورهم رحبًا، وكمثلهم اختاروا صحبًا. ويهمزون ويغتابون وهم يعلمون. ولا يتكلمون إلا كطائر يحذق، أو كمسلول يبصق. لا يبطنون أمرنا، ولا يعرفون سرنا، ثم يكفرون ويسبون ويهذرون من غير فهم الكتاب، ولا كهرير الكلاب. وما بقي فيهم فهم يهديهم إلى صراط مستقيم، ولا خوف يجذبهم إلى سبل مرضات الله الرحيم. ومنهم مقتصدون يكذبون ولا يعلمون، وبعضهم يكفون الألسنة ولا يسبون. وتجد أكثرهم مفحشين علينا ومكفرين سابين غير خائفين. فليبك الباكون على مصيبة الإسلام، وعلى فتن هذه الأيام، وأي أكبر من فتن هؤلاء العلماء، فإنهم تركوا الدين غريبًا كشهداء الكربلاء. وإنها نار أذابت قلوبنا، وجنبت جنوبنا، وثقلت علينا خطوبنا، ورمت كتاب الله بأحجار من جهلات الجاهلين، ونرى كثيرًا منهم يخفون الحق ولا يجتنبون الزور كالصلحاء. وتكذب ألسنتهم عند الإفتاء. غشوا طبائعهم بغواشي الظلمات، وقدموا حب الصِّلات على حب الصلاة. نبذوا القرآن وراء ظهورهم للدنيا الدنية، وأمالوا طبائعهم إلى المقنيات المادية، واشتد حرصهم ونهمتهم وشغفهم باللذات الفانية، وجاوز الحد شحهم في الأماني النفسانية. ما بقي فيهم علم كتاب الله الفرقان، ولا تقوى القلوب وحلاوة الإيمان، وتباعدوا من أعمال البر وأفعال الرشد والصلاح، وانتقلوا من سبل الفلاح إلى طرق الطلاح. وعاد جمرهم رمادًا، وصلاحهم فسادًا. بعدوا من الخير والخير بعد منهم كالأضداد. وصاروا لإبليس كالمقرنين في الأصفاد، وانجذبوا إلى الباطل كأنهم يقادون في الإقياد. يخونون في فتاواهم ولا يتقون، ويكذبون ولا يبالون، ويقربون حرمات الله ولا يبعدون، ولا يسمعون قول الحق بل، يريدون أن يسفكوا قائله ويغتالون. ولما جاءهم إمام بما لا تهوى أنفسهم أرادوا أن يقتلوه وهم يعلمون. وما كان لبشر أن يموت إلا بإذن الله فكيف المرسلون. إنه يعصم عباده من عنده ولو مكر الماكرون.

يقولون نحن خدام الإسلام وقد صاروا أعوانًا للنصارى في أكثر عقائدهم، وجعلوا أنفسهم كحبالة لصائدهم. يقولون سمعنا الأحاديث بالأسانيد، ولا يعلمون شيئًا من معنى التوحيد. ويقولون نحن أعلم بالأحكام الشرعية، وما وطئت أقدامهم سكك الأدلة الدينية. يطيرون في الهوى كالحمام، ولا يفكرون في ساعة الحمام. يسعون لحطام بأنواع قلق، ويخرجون كأهل النفاق رؤوسهم من كل نفق، يقعون من الشح على كل غضارة، ولو كان فيه لحم فارة. إلا الذين عصمهم الله بأيدي الفضل والكرامة فأولئك مبرؤون مما قيل، وليس عليهم شيء من الغرامة.

دموعي تفيض بذكر فتن أنظر                        وإني أرى فتنًا كقطر يمطر

تهب رياح عاصفات مُبيدة                               وقل صلاح الناس والغي يكثر

وقد ضاقت الدنيا على عشاقها                       ويبغونها عشقًا وحبًّا فتدبر

على فسقهم لما اطلعت وكسلهم                      بكيت ولم أصبر ولا أتصبر

أكبوا على الدنيا ومالو إلى الهوى                     وقد حل بيت الدين ذئب مدمر

فانقض ظهري ضعفهم ووبالهم                      ومن دون ربي من يداوي وينصر

فيا رب أصلح حالة أمة سيدي                        وعندك هين عندنا متعسر

Share via
تابعونا على الفايس بوك