المماثلةُ بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية
  • مماثلة  الأمة الموسوية والأمة المحمدية.
  • تشابه الاعتراضات على ولادة المسيح الناصري مع اعتراضات الحالة الروحانية لمسيح آخر الزمان.
  • مثل مسيح آخر الزمان في المحكمة متهمًا كما مثل سابقًا المسيح الناصري.

__

“إن كان كثير من الأخيار والأبرار قد نالوا حظًّا من مماثلة أنبياء بني إسرائيل بشكل خفي، ولكن مسيح هذه الأمة قد بُعِث مقابل المسيح الإسرائيلي علنًا بأمر من الله وإذنه، لتُفهم المماثلةُ بين السلسلة الموسوية والسلسلة المحمدية. ومن أجل ذلك شُبِّه هذا المسيح بابن مريم من كل الوجوه لدرجة أن ابن مريم هذا قد تعرض لما تعرض له ابن مريم الإسرائيلي من ابتلاءات. فأولا كما وُلد عيسى ابن مريم بمحض نفخ الله، كذلك وُلد هذا المسيح أيضًا بمحض نفخ الله من داخل مريم حسب وعْد سورة التحريم. وكما أثيرت ضجة كبيرة عند ولادة عيسى ابن مريم وقال الأعداء العميان لمريم

لقد جئتِ شيئًا فَرِيًّا ،

كذلك قيل هنا -في شأني- أيضًا وأثيرت ضجة القيامة، وكما أن الله قد أجاب المخالفين في عيسى عند وضع مريم الإسرائيلية له بقوله

ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرًا مقضيّا ،

ردّ الله تعالى المخالفين بالنسبة إليّ حين الوضع الروحاني الذي كان من قبيل الاستعارة، وقال: إنكم لا تقدرون على إفنائه بمكائدكم، سأجعله للناس آية الرحمة وكان ذلك مقدرًا منذ الأزل. ثم كما أفتى مشايخ اليهود بتكفير عيسى ، وأعدّ هذا الاستفتاء يهوديٌ كبير شرير وأفتى به الآخرون الكبار حتى صادَق على تكفير عيسى مئات من كبار العلماء من بيت المقدس الذين كان معظمهم من أهل الحديث، فهذا تمامًا ما جرى معي. وكما كان حضرته –بعد ذلك التكفير الذي صدر ضده- قد أوذي إيذاءً شديدًا، وسُبّ سبابًا غليظاً، وأُلِّفَتْ في هجائه وشتمه مؤلَّفات، فهكذا تمامًا حصل معي؛ فكأن المسيح نفسه وُلِد ثانيًا، وكأنّ أولئك اليهود أنفسهم وُلِدوا من جديد بعد ألف وثمانمئة عام. ولا ريب أن هذا هو المعنى المراد من نبوءة “غير المغضوب عليهم” الذي كشفه الله سبحانه وتعالى عليَّ من قبلُ. ولكن هؤلاء الناس تركوا ذيل الصبر حتى صاروا المغضوبَ عليهم كاليهود. ولقد وضع الله بيده حجرًا من هذه المماثلة إذ بعثني مسيحًا للإسلام على رأس القرن الرابع عشر تمامًا كما كان المسيح ابن مريم بُعِث على رأس القرن الرابع عشر من بعد موسى، ذلك ليُريكم من أجلي آياته القاهرة ولا يقدر على مقاومتها أحد مخالفيَّ من المسلمين أو اليهود أو النصارى أو غيرهم، فأَنّى لإنسانٍ عاجز حقير أن يجابه الله؟ إن هذا لهو الحجر الأساس الذي هو من عند الله. فكل من توخّى تحطيمه لن يستطيعه، ولكن من سقط عليه هذا الحجر فسوف يحطّمه تحطيمًا لأنّ الحجرَ حجرُ الله واليدَ يدُ الله. وأما الحجر الثاني فصنعه أعدائي ووضعوه قُبالتي إذ قاموا بتصرفات ضدي مثلما قام به اليهود في ذاك الزمن من تصرفات، حتى نُسجت لهلاكي قضية دمٍ أيضًا كان الله قد نبّأني بها من قبل. وإن القضية التي أُقيمت ضدّي كانت أشدّ من قضية حضرة عيسى ابن مريم، وذلك لأن القضية التي رفعت ضد حضرة عيسى كانت مبنية على اختلاف ديني بحت، ولم يكن ذلك أمرًا ذا بالٍ في نظر الحاكم، ولكن القضية التي أُقيمت ضدّي كانت ادّعاء لمحاولة القتل. وكما أن مشايخ اليهود قد أدلوا بشهادة في قضية المسيح ضده، كان لا بدّ أن يشهد في هذه القضية أيضًا بعض من المشايخ ضدي، فاختار الله لهذا العمل المولوي محمد حسين البطالوي، فجاءَ مرتديًا جبة فضفاضة لإدلاء الشهادة، وحضر المحكمةَ كما حضرها رئيسُ الكهَنة كشاهد متوخّيًا صَلب المسيح. ولم يكن الفرق إلا أنّ رئيس الكهنة كان قد أُعطي كرسيًا في محكمة بيلاطس لأن أفاضل اليهود كانوا يُعطَون الكرسيَّ في عهد الدولة الرومانية وكان بعضُهم قضاةَ شرفٍ أيضًا. فلذلك نال رئيسُ الكهنة ذلك كرسيًا طبقًا لقواعد المحكمة ووقَف المسيح هنالك ماثلاً بين يدي مجلس الحكم كمجرم. وأما قضيتي فكان أمرها على عكس ذلك تمامًا، أي أن القبطان دوغلاس –الذي كان في منصة المحكمة مكانَ بيلاطس- أعطاني كرسيًا على عكس آمال الأعداء، وإن بيلاطس هذا قد ظهر خلوقًا أكثر من بيلاطس في زمن المسيح ابن مريم. لأنه بقي –طوالَ المحاكمة- مراعيًا للعدل في أمر المحكمة بكل شجاعة واستقامة وما أَبِهَ مطلقًا للشفاعات الواردة من الجهات العليا حتى لم تُحدِث فيه النـزعة القومية والدينية أي تغيير، بل على عكس ذلك قد قدم بتمسكه بمقتضيات العدل أسوةً رائعة لدرجة لو عُدَّ شخصُه فخرًا للقوم وقدوة للحكام فلا مبالغة فيه. إن القيام بقضاء عادل لأمر بالغ الصعوبة، ولا يستطيع الإنسان أن يؤدي واجبه حق التأدية ما لم يجلس على كرسي المحكمة منقطعًا عن جميع العلائق”. (سفينة نوح، الخزائن الروحانية مجلد 19 ص 52- 55)

Share via
تابعونا على الفايس بوك