في عالم التفسير

من تفسير القرآن المجيد الذي نشرته الجماعة الإسلامية الأحمدية باللغة الانجليزية تحت إشراف الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام ، حضرة أمير المؤمنين المصلح الموعود مرزا بشير الدين محمود أحمد رضي الله عنه .

( التقوى )

سورة الكهف ( مكية وآياتها 111 )

المفردات :

الباء حرف جار يعطي باتصالها مع ( اسم ) عدة معان أكثرها ملائمة هنا هو ( المصاحبة ) لذا يكون معنى كلمة ( بسم ) هو ( مع اسم ) و الباء في البسلمة تتعلق بمحذوف تقديره ( أقرأ ) ، نقرأ أو أتلو ، نتلو ) لقوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  (، و لأن الذي يتلو التسمية مقروء كما أن المسافر إذا حل أو ارتحل فقال : بسم الله و البركات ، كان المعنى : بسم الله احلَّ و بسم الله ارتحل ، وكذلك الذابح و كل فاعل يبدأ فعله ببسم الله كان مضمرا ما جعل التسمية مبدأ له . ونظيره في حذف متعلق الجار قوله تعالى : ( في تسع آيات إلى فرعون و قومه ) ، أي اذهب في تسع آيات إلى فرعون و قومه . والأنسب أن يكون المحذوف المقدر ( أقرأ نقرأ أو أتلو نتلو ) متأخرا لكي لا يفوت الغرض من التبرك بسم الله تعالى أول نطقنا والاستعانة منه . لأن التقديم يفيد الاختصاص كقوله تعالى (بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ ) وقُدِّم الفعل ( اقرأ ) في قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ  (لأنها أول سورة نزلت ، فكان الأمر بالقراءة أهم وأخص اسم : مشتقة أما من وسم أو سمو ، ومعناها اسم أو صفة ( أقرب الموارد ) وقد جاءت هنا لتفيد المعنيين ، إذ انها تشير أولا إلى ( الله ) الذي هو الاسم الذاتي للخالق ، ثم تشير إلى الرحمان الرحيم وهما صفتان لله تعالى . الله : اسم للذات العلية ، وهو الحي القيوم المالك الخالق ورب العباد الحائز على جميع الصفات الكاملة والمنزه عن كل عيب هو اسم ذاتي ، وليس صفاتي ، ولا تستعمل هذه الكلمة في اللغة العربية لأي ذات أخرى غير الله ولا يوجد اسم خاص لذات الله في أي لغة غير العربية ، إذ إن جميع التسميات الموجودة في لغات أخرى ما هي إلا صفات ومميزات ، وتستعمل على العموم بصيغة الجمع أما كلمة ( الله ) فهي اسم جامد غير مشتق من أي لفظ ، وليست صيغة جمع ، ولا تأتي البتة كصفة أو نعت ويؤيد هذا الرأي إعلام ثقات في اللغة العربية يقول لين ( الله حسب أصح الآراء هو اسم علم المنسوب إلى الذات القائم بنفسه والحائز على جميع الصفات الكاملة بدون أن تفصل عنها الألف واللام ) وقال البعض إن كلمة الله مشتقة من لاه يليه ، ومعناه تستر وارتفع ( أقرب الموارد ) لكن هذا خطأ ويقول البعض الآخر إنها مشتقة من لاه يلوه ومعناه برق ولمع ، ويقولون لاه الله الخلق أي خلق الخلق ، ولكن هذا المعنى غير معروف ( لسان العرب ) ، فهو إذا خطأ كلية .

إن قول البعض باشتقاق كلمة ( الله ) خطأ ، وائمة النحو يرفضون ذلك رفضا كما قال سيبوية وخليل : إن ( الله ) علم و ليس بمشتق ( التفسير الكبير ) و الأدلة التي أتى بها العلماء بهذا الصدد متعددة ، وقالوا إن العرب ما استعملوا هذه الكلمة لغير الله ، فإن يكن مشتقا من أل وأله ، أو أل ولاَهَ كان استعماله عند العرب عاما مثل سائر المشتقات إن صفات الله عز وجل يوصف بها غير الله ، لكنها لا تقع وصفا لغيره ، وهذا من خواص العلم .

وقيل إنه وصف في ( العزيز الحميد الله … الآية ) ( سورة إبراهيم ) ، لكن هذا القول ليس بصحيح ، لأن الله ما ورد هنا وصفا ، بل إنه لعطف البيان كما يقال إزالة للاشتباه : هذا البيت ملك للعالم الفاضل زيد ، ومعنى الآية اننا أردنا بالعزيز الحميد الله لا غيره وأيضا أنه ( هو الله في السموات والأرض ) تدل على وصفيته فالجواب عنه إن العلم إذا يعرف بصفات جاز استعماله وصفا كما نقول للجواد هو حاتم وللشجاع هو رستم ، مع انهما علمان ، لأنهما معروفان بالجود والشجاعة .

كذلك كلمة ( الله ) إذا اختصت بصفات الله عز وجل وكثر استعماله بها جاز أن نقول : هو الله في السموات والأرض .

وكذلك زعم البعض إن ( الله ) على وزن فعَّال فيجب تنوينه ، وإذا لم يصح عليه التنوين فتعين إن ال فيه فيه ليس من الحروف الأصلية ، بل هو للتعريف ، فإذن يصير مركبا ً فالجواب إن لكل قانون استثناء ، ولأجل ذلك حلُوه من التنوين استثناء أيضا ، ويدل على ذلك امتناع اتصال ( ايها ) به ، لأنه بؤتى به عند ما يدخل حرف النداء على المعرف بأل فلو كان معرفا لدخل عليها ( ايها ) عند النداء مثلا نقول أيها الله ، فثبت أن ال هنا اصلي وليس للتعريف .

وقال البعض إن الهمزة في الله للوصل ، وليست بأصلية ، بل هي زائدة تسقط عندما نقول لله فالجواب إن سقوط الهمزة ليس دليلا على الزائدة كما في ( اسم وابن ) وهاتان الهمزتان تسقطان مع أنهما ليستا بزائدتين ، بل تقوم مقام حرف مستقل كما سقطت الأولى منهما في ( بسم الله ) فكون الهمزة وصلية أو ساقطة لا يدل على زيادتها .

فاستعمال كلمة ( الله ) في الإسلام وقبله يدل على كونه علماً وغير مشتق ، والشواهد التي تتعلق ببعض خواصها واستدل بها على اشتقاقها ليست بصحيحة ، إذ ترد عليها الأمثلة الأخرى .

ويقول البعض إن الكلمة ( الله ) دخيلة من السريانية من لفظ لاها وهذا القول أيضا لا أساس له ، وإن دل على شيء فإنما يدل على جهلهم بالسريانية .

ولقد كتب المستشرق الألماني ( نوديكه ) إن كلمة إله بالعربية وال بالعبرية تستعملان جنبا إلى جنب ، وكان هذا اللفظ يستعمل في اللغات السامية قبل انفصال العبرية من العربية ( موسوعة الكتاب المقدس مجلد 3 تحت عنوان اسماء )

الرحمان الرحيم كلاهما مشتقان من رحم ومعناه أظهر الرحمة ، كان رحيما ومحسنا ومسامحا وتشتمل كلمة الرحمة فكرة الرقة واللطف ( المفردات ) الرحمان على وزن فعلان والرحيم على وزن فعيل ، وحسب أصول اللغة العربية بقدر ما تكون زيادة الأحرف في الوزن يكون المعنى اعم وأوسع ( الكشاف ) فوزن فعلان يعطي فكرة الكمال والسعة ، بينما يعطي وزن فعيل معنى التكرار والجزاء بسخاء ( المحيط ) فهكذا تعني كلمة الرحمان الرحمة التي تعم العالم بأسره ، بينما تعني كلمة الرحيم الرحمة المحدودة النطاق لكنها متكررة الحدوث , وعليه فيكون معنى الرحمان ذلك الذي يعطي الرحمة بسخاء وعلى نطاق واسع لجميع المخلوقات بدون اعتبار أعمالهم أو مساعيهم والرحيم هو الذي يعطي الرحمة استجابة أو نتيجة لعمل يقوم به الإنسان ، لكنه يعطي بتكرار وسخاء فالصفة الأولى الرحمان تنطبق على الله وحده ، بينما تنطبق الصفة الثانية الرحيم على الإنسان أيضا يقول أبو علي الفارسي الرحمان اسم عام في جميع أنواع الرحمة يختص به الله تعالى ، والرحيم إنما هو في جهة المؤمنين لقوله تعالى ( وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ) ( فتح البيان ) ثم إن أثر الصفة الأولى لا يقتصر على المؤمنين أو غير المؤمنين ، بل يشمل جميع المخلوقات ، بينما الصفة الثانية الرحيم تنطبق غالبا على المؤمنين ويروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قلل : ( الرحمان رحمان الدنيا ، والرحيم رحيم الآخرة ) ( المحيط )

معنى ذلك إن كلمة رحمان تأتي بالنتائج في الحياة الأخرى ، لأن هذه الدنيا هي على الغالب دنيا الأعمال ، والآخرة دار الجزاء على هذه الأعمال إن وجود كل ما نتمتع به في هذه الدنيا والذي هو من نعم الله حقا قد هُيئ لنا قبل أن نقوم من ناحيتنا بأي عمل أو سعي نحو ذلك ، بل هو مهيئ لنا حتى قبل أن نولد بينما النعم التي تنتظرنا في الحياة الأخرى فإنها تعطي لنا جزاء على أعمالنا ومساعينا وهذا يبين أن الرحمان هو واهب كل نعمة قبل ولادتنا ، بينما الرحيم هو الذي يهب النعمة جزاء لما نعمل .

التفسير : ( بسم الله الرحمن الرحيم ) هي الآية الأولى من كل سورة في القرآن الكريم عدا سورة ( براءة ) التي ليست سورة مستقلة ، بل هي تتمة لسورة ( الأنفال ) يروى عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : ( كلما نزلت سورة كانت البسملة أول آية فيها ، وبدون البسملة لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليعرف بداية سورة جديدة ( أبو داود ) فهذا الحديث يبرهن لنا : أولا أن البسملة جزء و آية من القرآن ، وليست تكملة لعدد آياته ، ثانيا أن سورة ( براءة ) ليست سورة مستقلة كذلك ينفي هذا الحديث الاعتقاد الشائع عند البعض بأن البسملة هي جزء من سورة الفاتحة فقط ، وليست من باقي سور القرآن كما أن أحاديثنا أخرى تنفي مثل هذا الاعتقاد ، إذ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال بوضوح أن آية البسملة هي جزء من كل سورة من سور القرآن الكريم ( البخاري ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :إذا قرأتم الحمد لله فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم أنها أم القرآن و أم الكتاب والسبع المثاني ، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها .

لقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم أهمية كبرى للبسملة حيث يروى عنه أنه قال : كل أمر ذي بال لم يبدأ بسم الله فهو أبتر ) ولذا يلاحظ أنه من الأمور الشائعة الاستعمال بين المسلمين قراءة البسملة عند البدء بأي عمل .

إن ورود البسملة في أول كل سورة له الأهمية الآتية :

1_ القرآن الكريم كنز العلوم الربانية لا يوصل إليها بغير فضل من الله يقول الله تعالى (لا يمسه إلا المطهرون في القرآن و الإفادة منه لا يكفي أن يتقدم القارئ بنية صافية، بل ان من واجبه دائما ان يستعين بالله، ويسلك مسلك المتقين.

  1. لقد جاء في العهد القديم في تثنية 18:18، 19: ((أقيم لهم (يعني بني إسرائيل) نبيا من وسط اخوتهم مثلك (يعني قوم موسى)، واجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما اوصيه به، ويكون الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي انا اطالبه)).

وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء مثيلا لموسى عليه السلام لقوله تعالى ((انا ارسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا)) (سورة المزمل). فتحقيقا لهذا النبأ الوارد في التوراة قدر الله أن تبدأ كل سورة من سور القرآن بـ ((بسم الله)) عند نزولها. و هذا يعني أن كل أمر جديد يعلن بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم يجب ان يبدأ بهذه الآية (البسملة)، كي يتحقق النبأ الذي جاء به موسى عليه السلام من جهة، ومن جهة أخرى يتكرر بذلك انذار الله لليهود والنصارى بأنهم إن لم يصغوا لكلام هذا النبي الجديد الذي يتكلم باسم الله سيكونون مسئولين أمام الله تعالى.

  1. كذلك نقرأ في العهد القديم في تثنية 18 – 20 : (( و أما النبي الذي يطغى فيتكلم باسمى كلاما لم اوصه أن يتكلم به، أو الذي يتكلم باسم آلهة أخرى فيموت ذلك النبي)).

لذا وضعت البسملة في أول كل سورة من القرآن كي تتبين الحقيقة لليهود والنصارى بصورة خاصة ولغيرهم بصورة عامة. ان النجاح الذي حالف النبي صلى الله عله وسلم كان برهانا على أن كل ما جاء به كان من عند الله، ولو كان غير ذلك لهلك منذ البداية كما جاء في الاصحاح المذكور. لذا فإن البسملة هي تحدِ قائم لليهود والنصارى. هذه الحجة على صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. ولو وضعت البسملة في أول القرآن فقط لما كان ممكنا الوصول إلى هذه النتيجة.

  1. إن وجود البسملة في أول كل سورة من القرآن يفي بغرض هام آخر، فالبسملة هي مفتاح لكل سورة، لأن جميع المسائل الأخلاقية و الروحية لها صلة بشكل أو بآخر بصفتي الله الأساسيتين الواردتين في البسملة وهما الرحمانية و الرحيمية ، وأيضا لزوال الخطأ بوجهين الاجمال أو بالتفصيل، بحيث إذا فكر الإنسان في معاني السورة ، فإن وجد رأيه موافقا للرحمانية و الرحيمية فهو صحيح ، و إن وجد مخالفا لهما فليعلم أن رأيه هو الخاطئ. و على هذا المنهج تكون كل واحدة من البسملة والسورة، تفسر احداهما الآخر، فاجتماعهما في الموضوع يساعد الإنسان في فهم القرآن فهما صحيحا. لذا فيمكن اعتبار كل سورة في الواقع شرحا و تفصيلا لنواح معينة من هاتين الصفتين – الرحمٰن و الرحيم – المذكورين في البسملة.

يعترض بعض الكتاب المسيحيين أن البسملة قد استعيرت من كتب مقدسة قديمة و يستشهدون بذلك على أنها لا يمكن أن تكون إذاً من وحي الله على محمد صلى الله عليه وسلم. وقد عرض ((ويري)) في تفسيره بأنها استعيرت من كتاب (زندافستا) حيث وردت بألفاظ ((بنام ايزد بخشائنده و بخشائش كَر )) ومعناه باسم الله الغفور الرحيم، كذلك أثار السيد ((سيل))  اعتراضا مماثلا. اما ((رادول)) يظن بأن القرآن استعار البسملة من اليهود حيث كانت شائعة الاستعمال، وعنهم اخذه العرب قبل الإسلام، و أول من أجرى هذا الاستعمال من العرب أمير الطائف (ترجمة القرآن لرادول).

إن هذا الادعاء لا يوجد له أي أصل في التاريخ، بل العرب كانوا ينفرون من تسمية الله ((الرحمٰن)). أما ما قيل عن عادة اليهود بهذا الاستعمال فإن أريد به استعمالهم في زمن متصل بعهد النبي صلى الله عليه وسلم أو في نفس العهد النبوي، أو يشهد به استعمال سليمان عليه السلام الذي ورد في القرآن فهذا اعتداء عظيم على القرآن بأن يُطعن فيه بما لا نجد له أي أساس سوى القرآن، ثم نحول نسبته إلى الآخرين. وخاصة إذا كان القرآن بنفسه يذكر أن سليمان عليه السلام اختار هذا الأسلوب عندما كتب إلى سبأ ((إنه بسم الله الرحمٰن الرحيم)) (سورة النمل)، فإذن كيف يصح القول بأن المسلمين ينفون أي نظير لهذه الآية في كتب الأولين. و الإسلام لا يقول أن مفهوم هذه الآية جديد، لأن اجزاءها كانت مستعملة قبل القرآن أيضا، بل الإسلام يتحدى بأن الأسلوب الذي اختاره باستعمال هذه الكلمات لن يسبق له مثيل ، لأنه لا يوجد أي كتاب يدعي بأن كل كلمة من كلماته وحي الله تعالى، فليس سوى القرآن كتاب يمكن أن نضع هذه الآية قبل كل فصل منه، لأنها وضعت في القرآن بوحي الله. إن القرآن المجيد أول كتاب سماوي يستعمل البسملة بالطريقة التي استعملها.  وهذا ما لم يستطع و لن يستطع أحد دحضه أبدا. كذلك لو كانت هذه البسملة التي تمجد الله فعلا معروفة قبل الإسلام فإن في ذلك تأييدا لتعاليم القرآن، لأن الله قد أرسل الرسل في كل الأقوام والشعوب لقوله تعالى (( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير )) (سورة فاطر 25).  وما القرآن الكريم إلا مستودع لجميع الحقائق الثابتة التي وردت في الكتب السماوية السابقة لقوله تعالى ((فيها كتب قيمة)) (سورة البينة 4). إلا انه أضاف الكثير إلى هذه الحقائق، كما أصلح الكثير منها، إما في الشكل أو الاستعمال أو كليهما. وطبقا لهذا الأصل لا نستنكر أية كلمة جامعة في الكتب الزردشية. عن زردشت نبي من أنبياء الله، وهذا من جهة نظر الإسلام، ولأجل ذلك هو عندنا جدير بالاحترام، لأن منبع وحيه نفس منبع القرآن، فإن وافق على أمر فلا مجال للاستغراب، ولكن بين المعنيين العربي والفارسي بونا شاسعا، ولا يمكن أن يقارنهما إلا الذي يجهل اللغة العربية جهلا، و ((بخشائش كَر و دادار)) كما يظهر من تفسيرها مفصلا.

هناك سؤال عن سبب ورود كلمة اسم قبل الله في البسملة. وجواب ذلك كالتالي:

  1. الحرف ((الباء)) في اللغة العربية يستعمل للقسم أيضا بجانب أنه يفيد العلاقة والاستعانة. لذا لو اسقطت كلمة اسم فقد يصبح معنى بالله ((اقسم بالله))، لكن تقديم كلمة اسم يزيل هذا الابهام.
  2. لما كان الله هو مصدر كل خير وبركة فإن ذكر اسمه يفيد البركة. يقول القرآن ((تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام)) (الرحمٰن). لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفي الناس أحيانا بذكره بعض أسماء الله تعالى. لذا فكلمة اسم اضيف هنا لتذكر المؤمنين أنه بتذكرهم أسماء الله يجلبون لأنفسهم الخير والبركة.
  3. يدل استعمال كلمة اسم على أن الله خفي عنا، و يعرف فقط بواسطة اسمائه وصفاته، فبترتيل البسملة يستعين المؤمن بالله بواسطة صفتيه الرحمانية والرحيمية.
  4. كذلك فإن معاني القرآن الخفية هي كنز محفوظ لا يقدر أحد على الوصول إليه إلا إذا أُوتي اذنا وسلطانا وقوة. فالذي يبدأ القرآن بالبسملة فكأنه يعلم الملائكة الذين يحرسون القرآن هذا الكنز الروحي أنني أتوجه إلى القرآن الكريم باسم الله تعالى، لذا فافتحوا لي كنوز معانيه الخفية. ولا شك أن من يتجه إلى القرآن بهذه الروح تفتح أمامه كنوزه. ثم إن الآية ((لا يمسه إلا المطهرون)) تبين كذلك أن طاهري الأرواح فقط هم الذين يقدرون على الوصول إلى أسرار القرآن الكريم الباطنة.
  5. و هناك سبب آخر للإتيان بكلمة اسم قبل الله في البسملة وهو التنبيه إلى النبأ الذي جاء به النبي موسى عليه السلام الوارد في التوراة ( تثنية 81-20). والذي أشرنا إليه آنفا بأن الرسول المعهود بهذين النبأين سوف يلقي على الناس كلام الله تعالى باسمه، فللفت النظر إلى النبأين كان لا بد من زيادة ((اسم)).

الرحمٰن الرحيم: انظروا معناهما في البداية، إن صفة رب العالمين تدل على أن الله عز وجل يربي شيئا فشيئا إلى درجة الكمال، وإن ربوبيته تظهر دوما بالرحمانية والرحيمية.

الرحمان الذي خلق لكل شيء وسائل تساعد على الارتقاء، وبالأسباب اللطيفة جدا بث في الإنسان وغيره من أنواع الحيوان والجماد قوى خفية، وهذه الأشياء كلها تتأثر.

مما حولها وتستمد لبقائها واكتمالها من العوامل المختلفة.

الرحيم، إذا قام أحد من المخلوق بواجبه حق القيام قدر الله هذا العمل حق قدره، ويتفضل على صاحبه برحمة منه، ويزوده بميل عظيم إلى الارتقاء، وكذا هذا التسلسل يستمر إلى لا نهاية ولا ينقطع أبدا.

الرحمٰن، هذه الصفة لا تطلق على غير الله عز وجل إلا بإضافة، كما كان مسيلمة الكذاب يلقب نفسه برحمان اليمامة، ومعناه كما ذكرت الذات الذي يرحم بلا عوض ويعطي بلا عمل. وهذا المفهوم يبطل زعم الكفارة عند المسيحيين، لأن أساسها على أن الله لا يقدر على أن يرحم بلا عوض، وقد بلغت بهم شدة الشعور بهذا الاعتقاد إلى أن نصارى العرب منهم عندما يكتبون تأليفهم أو كتاباتهم بسم الله، يذكرون معه الصفات الأخرى، و لا يذكرون لأجل تعصبهم الرحمٰن ، بل بعضهم يكتبون بسم الله الرحيم الكريم، لأن قلوبهم تشهد بأن الله عز وجل إذا كان الرحمٰن أيضا فلا يصعب عليه أن يغفر الناس ذنوبهم بلا كفارة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام.

الرحيم، في هذه الصفة إبطال للتناسخ لأن أساس هذا الاعتقاد على ترتب جزاء غير منقطع على عمل منقطع، وهذه الصفة تدل على أن العمل المحدود لا يترتب عليه الجزاء الأبدي فحسب، بل من طبيعة العمل الصالح أن يتكرر فيتكرر الجزاء معه. وصيغة الرحيم تدل على تكرار هذه الصفة وتوالي الرحمة، ولا تقتضي أن يكون جزاء العمل الصالح يندفع إلى إعادة هذا العمل، أو على الأقل يظهر الرغبة في الإعادة. فالإنسان يجزى على كل عمل صالح، فتزدهر فيه قوة العمل، ويشتد ميلا إلى الحسنات، ويستحق الرحمة وتقوى أمنيته للأعمال الصالحة، ولأجل ذلك تتكرر له رحمة لله عز وجل. وكأنها لا تكون مجرد جزاء لأعمال العبد، بل تفعل فعل البذرة في مزرعة الأعمال.

إن وجود هذا الاعتقاد في الهندوس يرجع إلى ظنهم أن الجنة محل الجمود والبطالة، وحق لهم ذلك، لأن النجاة عندهم هي في انتهاء جميع الآمال والأعمال في هذه الدنيا، فلا بد أن يكون جزاء هذه الأعمال محدودا عندهم كذلك. لكن الإسلام يؤكد بتتابع العمل وتعاقب الجزاء، ويقدم لهم الجنة كمجال للعمل المستمر. لأنه إذا كان الله رب العالمين والجنة عالم من جملة العالمين، فلا بد أن تكون الأعمال مؤدية إلى الارتقاء، وإلا لم يكن الله ربا للعالمين. وهذا الارتقاء يدعو إلى تجديد رحمة الله، وإذا كان هذا التلازم من العمل والرحمة غير منقطع، فكيف يمكن إذن أن نحدد زمن النجاة التي هي ثمرة الرحمة. والفرق بين العمل في الدنيا وبين ما نعمل في الآخرة هو أن الأول محل للارتقاء ومعرض للهبوط، والثاني يهدف إلى السمو والارتقاء دون النزول والهبوط، والارتقاء الروحي الذي هو غاية الأعمال في الآخرة لا نهاية له. فإذن ليس لنا أن نفكر في تحديد العمل في الدنيا تقييد جزاءه في الآخرة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك