من دلالات هؤلاء بناتي هن أطهر لكم
  • النبوة المستقلة والنبوة الأمتية
  • من هم ضيوف إبراهيم؟
  • خبرية اقتراب هلاك القوم
  • أدب الضيافة
  • من هو الذبيح والتعجب من قدرة الله؟
  • الزوجة من أهل البيت
  • قلق لوط على الرسل المنذرين
  • تفسير آية “هؤلاء بناتي”
__
وَلَقَدْ جَـاءَتْ رُسـُلُنَا إِبْرَاهِيـمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَـلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْـلٍ حَنِيذٍ (هود: 70)

شرح الكلمـات:

ما لَبثَ: يقال: ما لبث أن فعل كذا: ما أبطأ في فعله أو ما تأخر عنه (الأقرب).

عِجل: العِجل: ولدُ البقرة، وقيل: أول سنة (أي ما كانت سنه دون عام) (الأقرب).

حنيذ: الحنيذ: المشويُّ. وفسّره أبو زيد بالنضيج؛ وآخرُ بالذي يقطر ماؤه بعد الشَيّ (أي الشواء). ونقل الأزهري عن الفرّاء: الحنيذ ما  حفرتَ له في الأرض ثم غممته، وهو من فعل أهل البادية، إلى أن قال: والشواء والمحنوذ الذي قد ألقيتَ فوقه الحجارة المرضوضة بالنار حتى ينشوي الشواء شديدًا فيتهرّى تحتها (الأقرب).

التفسـير:

لقد ذكرتُ من قبل أن هذه السورة تتحدث عن إبراهيم حديثًا ضمنيًا كمدخل في الموضوع الأساسي وهو الحديث عن لوط عليهما السلام، الذي دُمّر قومه بالعذاب، لأن موضوع السورة يدور حول ذكر الأمم التي تعرضت للعذاب. وذُكر إبراهيم قبل لوط لأن الأخير كان من المؤمنين به، ونبيًا تابعًا له، مثلما كان إسماعيل وإسحاق نبيَّين تابعين له أيضاً، أو كما كان هارون لموسى، ولكنهم لم يكونوا أنبياء أُمَّتِيّين، لأن النبوة كانت توهب عندئذ مباشرة، لا بفضل اتباع أحد للنبي المتبوع، أما النبوة الأمتيّة فلا توجد إلا في أمة المصطفى حيث يكون النبي التابع له نبيًا من ناحية وأمتيا من ناحية أخرى.

وباختصار كان لوط نبيًا تابعًا لإبراهيم عليهما السلام، مؤمنًا به قبل تشرفه بالنبوة، وهاجر معه إلى الشام، ولذلك قرّر الله أن يُخبر إبراهيم أولاً بهلاك قوم لوط. لذلك نجد القرآن هنا يقدّم على ذكر لوط ذكرَ النبأ الذي تلقاه إبراهيم عن هلاك قوم لوط.

ولكن لاحظوا رحمة الله الواسعة بإبراهيم، فحيث إن النبأ المؤلم لم يكن يمتُّ إليه بصلة مباشرة، وإنما فقط لكونه نبيًا متبوعًا من قِبل لوط، لذلك خفّف الله عن إبراهيم وطأة خبر هلاك الأشرار مبشِّرًا إياه بخروج جيل صالح من نسله.

مَن هم هؤلاء الرسل الذين أخبروا إبراهيم بهلاك قوم لوط عليهما السلام؟ يرى بعض المفسرين أنهم أناس، بينما هم ملائكة عند الآخرين (ابن كثير، وبيان القرآن). وأرى أنهم بشرٌ سُمّوا ملائكة لصلاحهم، كما وُصف سيدنا يوسف ملكًا في القرآن إنْ هذا إلا مَلك كريم (يوسف: 32).

وهناك آية تعارض كونهم ملائكةً وهي قوله تعالى قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنـزّلنا عليهم من السماء مَلَكًا رسولاً (الإسراء: 96). تخبرنا الآية بأمرين؛ الأول: أن الملائكة يأتون كرسل إلى الصلحاء لا إلى الأشرار. إذن فالآية تعارض الزعم أنهم ملائكة تمثّلوا في صور إنسانية لأهل القرية الأشرار عندما ذهبوا إلى لوط.

والثاني: أن الإنسان الصالح أيضًا يسمّى مَلَكًا، لأن الآية استخدمت كلمة الملائكة بمعنى الناس، إذ لو كان أهل الأرض ملائكة حقيقيين لما كان هناك حاجة لبعث الرسول إليهم، لأن الملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

ولو قيل: لماذا لم يزفّ الله البشرى لإبراهيم مباشرةً دون واسطة هؤلاء الرسل؟ فالجواب أنه قد جرت سُنّة الله فيما يتعلّق بالأنباء “أن المرء  يَرى ويُرى له” (ابن ماجه، تعبير الرؤيا).. بمعنى أنه تعالى يخبر المؤمن بمشيئته بطريق مباشر وأيضًا بواسطة الآخرين. وبما أن هؤلاء الرسل كانوا متجهين إلى لوط بهدف خاص، وكان عليهم أن يمروا على إبراهيم أيضاً ليخبروه بالعذاب، فلذا زفّ الله بواسطتهم البشرى لإبراهيم حتى تخفّ صدمته بخبر العذاب.

أما الهدف الخاص الذي من أجله أُرسل هؤلاء إلى لوط بنبأ هلاك قومه، فلا نجد إليه أية إشارة يقينية في كلام الله تعالى، إلا أنني أرى لذلك سببًا، وهو أن إبراهيم ولوطاً عليهما السلام كانا غريبين في المنطقة، إذ كانا قد هاجرا إليها من بلاد أخرى، فمن الممكن تماماً أن يكون الله تعالى قد أوحى إلى بعض صلحاء تلك البلاد يخبرهم بهلاك القوم، لكي يأخذوا لوطاً إلى مكان محفوظ قبل حلول العذاب.

ولو قيل: هل هناك نظير لمثل هذا الموقف حيث لا يُخبَر النبيُّ بهلاك قومه إلا بواسطة الآخرين، ويفاجئ العذاب القوم دون أن يؤتوا فرصة للتوبة؟ فالجواب: لا. إن هذا لم يحدث قط، ولم يحدث لقوم لوط أيضاً. لأنني لا أقصد من قولي هذا أنه تعالى أخبره بهلاك القوم بواسطة هؤلاء الرسل فقط، وإنما أقصد أنه أخبره عن طريقهم باقتراب موعد العذاب فقط.كان لوط قد تلقى من الله تعالى نبأ هلاك القوم من قبل وكان قد أنذرهم منه، وذلك بدليل قوله تعالى كذّبتْ قبلهم قوم نوح وأصحابُ الرسّ وثمود * وعاد وفرعون وإخوان لوط* وأصحاب الأيكة وقومُ تُبَّعٍ. كلٌّ كذّب الرسل فحقَّ وعيدِ (ق:13-15). وهذا يؤكد أن هذه الأمم قد تلقّت الوعيد من رُسلها كذلك تلقى إخوان لوط الإنذار بالعذاب منه. وأما هؤلاء الرسل فأخبر الله لوطاً عن طريقهم بموعد اقتراب العذاب، وذلك تخفيفاً عنه ولكي يصطحبوه إلى مكان محفوظ من العذاب.

ومما يدلّ أيضاً على أنهم كانوا قد أُنذروا من قبل هذا قولُ الرسل للوط: بل جئناك بما كانوا فيه يمترون (الحِجر: 64).. أي جئناك لنخبرك بموعد العذاب الذي كنت تُنذرهم به بينما هم كانوا يمارون.

أما قوله تعالى: (قالوا: سلاماً، قال: سلام) فهناك محذوف قبل (سلاما) والتقدير: نسلّم عليك سلاماً. وأما قول إبراهيم لهم: (سلام) فهو إما مبتدأ خبره محذوف أي: سلام عليكم، أو هو خبرٌ لمبتدأ محذوف، أي: جوابي سلام.

ما أروع ما حرص عليه إبراهيم من آداب التحية والسلام مما يعلّمنا القرآن بقوله وإذا حُيّيتم بتحية فحيُّوا بأحسنَ منها أو رُدّوها (النساء: 87).. فالرسل دعوا له بقولهم (سلاماً)، وهي جملة فعلية كما شرحت آنفاً، فيرد عليهم إبراهيم بأفضل مما دعوا له حيث قال (سلام)، وهي جملة اسمية، والجملة الاسمية أقوى وأشد معنىً وتأكيداً من الجملة الفعلية لأنها تدل على الدوام والاستمرار.

كما تتضمن الآية درسًا آخر في موضوع الضيافة. فما أن وصل الضيوف بيت إبراهيم حتى قام لتوِّه فذبح عجلاً وقدمه إليهم شواءً طيباً، دون أن يسألهم ما إذا كانوا قد تناولوا الطعام، أو ما إذا سيأكلون الآن أم بعد قليل؟.

إن الضيافة من الآداب الإسلامية الأساسية، ولكن الواقع المؤسف هو أن المسلمين أخذوا يتهاونون فيها بتأثير الأمم الأخرى، مع أن سنة النبي في هذا الصدد لا تزال أسوة حسنة لنا. لقد كان المصطفى متحليًا بجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحسنة بشكل عام، ولكن إكرام الضيف كان من صفاته البارزة بحيث لمسته زوجته الأولى السيدة خديجة رضي الله عنها بوجه خاص. فعندما نزل عليه الوحي أول مرة ورجع إلى البيت فَزِعاً، وعبّر لزوجته عن قلقه مما حدث، طَمأَنته بقولها: “كلا، والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتَصِلُ الرَحِمَ، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.’’(البخاري، بدء الوحي).

لقد رمى بعض الجهال سيدنا إبراهيم بالإسراف والتبذير لكونه ذَبَحَ عجلاً كاملاً ليقري ثلاثة أشخاص فقط! ولكن الحق أن هذا ليس من الإسراف في شيء، لأنه كان يعيش في البادية حيث لم يكن هناك أي جزّار أو محلٌّ للحاجيات اليومية كي يشتري منه ما يلزم ليعدّ لهم طعاماً مناسباً. لقد كان بنفسه يعيش على تربية الماشية، فما كان بوسعه – إن أراد إكرام ضيوفه – إلا أن يذبح ما يتيسر له من شاة أو عجل ويجهزه ويقريهم به.

فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (هود: 71)

شرح الكلمـات:

نَكِرَهم: نَكِرَ الأمرَ ينكَر نَكْرًا ونُكرًا ونكورًا ونكيرًا: جَهله. نكر الرجلَ: لم يعرفه (الأقرب)

أوجَسَ: الرجلُ إيجاسًا: أَحَسَّ وأضمَرَ (الأقرب)

خيفةً: خاف يخاف خوفًا وخيفةً: فزع. الخيفة: الفزعُ؛ الحذرُ؛ ضدُّ الأمن (الأقرب)

التفسـير:

قوله تعالى وأوجس منهم خيفةً لا يعني أن إبراهيم أُصيب بالذعر والهلع منهم، بل المراد أنه قلق في نفسه أن يكون قد قصّر في إكرام ضيوفه مما كرّه إليهم أكل طعامه. ولكنه لم يُبدِ قلقه لهم بلسانه، إذ ليس من اللباقة أن يقول أحد لضيفه: هل قصّرت في ضيافتك، لأن هذا قول محرج.

قوله تعالى (نَكِرَهم) يعني أن إبراهيم ظنهم من المسافرين العاديين، ولكنه عندما وجدهم لا يأكلون أدرك على الفور أن وراءهم هدفاً لم ينتبه إليه، لأنهم لو كانوا مسافرين عاديين لقبلوا ضيافته، فإن المسافر في مثل هذه البرية لا يستطيع العيش بدون الاستجابة لمثل هذه الدعوة.

ولكن هؤلاء أيضا لاحظوا قلق إبراهيم وحيرته من أمارات وجهه، فهدّأوا من روعه قائلين: لا تقلق، فإننا لم نترك الطعام لتقصير منك في ضيافتنا، وإنما جئناك حاملين خبر العذاب لقوم لوط لذلك لا نرى من اللائق أن نأكل بهذه المناسبة.

وهذه الآية أيضا تؤكد أنهم ما كانوا ملائكة، بل بشراً، وإلا لما قدّموا هذا العذر، بل قالوا: نحن ملائكة ولا نأكل.

وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (هود: 72)

شرح الكلمـات:

ضحكت: ضحِك يضحك ضَحكا وضِحكا وضَحِكًا: ضدُّ بكى. وضحك الرجل ضَحَكًا: عَجِبَ أو فَزِعَ. (الأقرب) وَضحِكَ: فزِع، وبه فَسّر الفرّاء الآية. (تاج العروس). ويُستعمل الضحك في السرور المجرد نحو: (مُسفِرة ضاحكة)، واستُعمل للتعجب المجرد تارة (المفردات).

التفسـير:

كانت زوجة إبراهيم تسمع الحوار الجاري بين إبراهيم وضيوفه، فلما سمعت خبر العذاب لقوم لوط فزعت وتألّمت لهلاكهم. ففرح الله تعالى بفعلها هذا، وبشّرها بحفيد اسمه يعقوب من ابنها إسحاق الذي سبق أن تلّقت نبأ ولادته قبل قليل بواسطة الضيوف. لقد أشفقتْ على خلق الله جل شأنه، فبشّرها الله بذرية سوف ترتقي في سلم الخيرات والبركات.

ما أوسعَ رحمة الله تعالى، حيث إن الإنسان إذا أبدى عطفًا صادقًا على خلقه، ولو كانوا ممن يتعرضون للعذاب، فإنه تعالى يقدر عمله هذا وينظر إليه بحب وإعجاب.

كما أن الآية تحل مسألة هامة أخرى. يقول المسلمون إن إسماعيل هو الذبيح أي الابن الذي أراد إبراهيم ذبحه، ويرى النصارى أنه إسحاق عليهم السلام (التكوين 22)، ويمكن أن ندحض زعمهم هذا بالشواهد التاريخية، إلا أن هناك من المسلمين من يوافقون المسيحيين في الرأي خطأً (انظر تفسير الرازي، سورة الصافّات)، ولكن الواقع أن هذه الآية وحدها تكفي لإصلاح خطئهم، لأنها صريحة في أن الله تعالى كان قد أخبر إبراهيم حتى قبل ولادة ابنه إسحاق أنه سوف يُرزَق أولاداً ويكون يعقوب من بينهم من المقربين إلى الله تعالى. فكيف يُعقل أن يأمر الله إبراهيم بذبح ابنه، الذي سبق أن أُنبئ عنه أنه سيكبر ويعيش طويلاً حتى ينجب ابنًا بارّاً مقربًا لدى الله؟ ثم كيف يُعقل أن يكون إبراهيم أيضًا قد نسي كل هذه البشارات والوعود الإلهية ويستعد لذبحه؟ فإذا كان يرى أن رؤيا الذبح تتعلق بإسحاق فلِمَ لم يتوسل إلى ربه قائلا: يا رب، لقد سبق أن بشّرتني في ابني هذا أنه سيعيش طويلاً حتى يُرزق ابنًا مقربًا لديك، فكيف تأمرني الآن بذبحه؟ فما هو المراد الحقيقي من أمرك هذا يا إلهي؟‍‍‍‍‍‍!

فالآية تؤكد بكل وضوح أن إسماعيل هو الابن الذبيح، فلا داعي لنا لاعتبار إسحاق ذبيحًا، متأثرين مما ورد في كتب اليهود المحرفة وكأن ما جاء فيها هو الصحيح.

فلو كانوا فرحين بمقدمهم وهم يُضمرون الفاحشة بهم لكانوا قد ألحوا عليه بإحضار المسافرين إلى القرية بكثرة، ولكنهم على النقيض من ذلك يقولون له في غضب: ألم نمنعك من إحضار الغرباء.

قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (هود: 73)

شرح الكلمات:

يويلتى: هي كلمتان (يا) و (ويلتى). وويلتى أصلها: ويلتي. والويلة: الفضيحة؛ البلية. (الأقرب)

عجوز: العجوز: المرأة المسنة لعجزها عن أكثر الأمور وهو وصفٌ خاص بها (الأقرب)

بعلي: البعل: ربُّ الشيء، يقولون: مَن بعلُ هذه الناقة؟ أي: ربُّها. الزوجُ والمرأة بعلٌ وبعلةٌ (الأقرب)

التفسـير:

ليس المراد من الآية أن زوجة إبراهيم تعجبت من الخبر تكذيبًا له.كلا، إذ لا يُتوقع حتى من امرأة مؤمنة عادية أن تتعجب من شيء باعتباره مستحيلاً على القدرة الإلهية، فكيف يُتوقع من زوجة نبي أن تُنكر قدرة الله تعالى، رغم رؤية آيات الله الكثيرة من قبل. الواقع أنها تعجبت إكبارًا لنعمة الله عليها، لا إنكارًا لقدرته عز وجل. وقد ذُكر مثل هذا العجب من إبراهيم أيضا في موضع آخر من القرآن الكريم، ولكنه بنفسه فسَّر عجَبه مبينًا بأنني أتعجب إكبارًا للنعمة الإلهية لا إنكارًا لها أو قنوطا منها حيث قال للرسل المبشرين له بالابن: أبَشَّرتموني على أن مسَّني الكِبَر فبِمَ تبشرون* قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين* قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون (الحِجر: 55 – 57).

قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (هود: 74)

التفسـير:

الشيعة لا يعتبرون زوجات النبي من أهل بيته (تفسير القمي، الأحزاب، قوله تعالى: ليُذهب عنكم الرجسَ أهلَ البيت).

ولكن القرآن الكريم قد أطلق هنا “أهل البيت” على زوجة إبراهيم وحدها، التي لم تكن قد وَلَدت بعد أي ولد. فالحق أن القرآن الكريم كلما استخدم هذه الكلمة قصد بها الزوجة أيضا.

فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (هود: 75)

شرح الكلمات:

الروع: الفزع – راعَ: فزِعَ (الأقرب)

التفسـير:

لم يكن خوف سيدنا إبراهيم على نفسه، وإنما على قوم لوط ، ومثل هذا الخوف لا يقدح في شأن النبي، بل هو دليل على عظيم تقواه وسموّ أخلاقه. فأول ما سمع إبراهيم نبأ هلاك القوم أصابه الفزع وتحير في أمره، ولكنه لما تلقى البشارة من الله بأنه سوف يعوّضه بأمة أفضل من الأشرار الهالكين خفّ همه وهدأ باله برؤية هذه المحبة الإلهية، فتشجع وبدأ يتوسل إليه عز وجل مسترحِـمًا لقوم لوط.

إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (هود: 76 – 77)

شرح الكلمات:

أوّاه: الأوّاه: الكثير التأوُّه إِشفاقًا. (الأقرب)

منيب: أناب إليه: رجع إليه مرة بعد مرة. (الأقرب)

التفسـير:

ما أكثَرَ ما كان إبراهيم حظوةً لدى الله، فإنه تعالى لم يقل له: اسكتْ فإنني لن أسمع لدعائك، بل قال له في لطف: دعك يا إبراهيم من هذا السؤال، فقد حان الآن ميعاد ربِّك وقد جف القلم، ولا رادَّ لقضاء الله.

فكيف يُعقل أن يأمر الله إبراهيم بذبح ابنه، الذي سبق أن أُنبئ عنه أنه سيكبر ويعيش طويلاً حتى ينجب ابنًا بارّاً مقربًا لدى الله؟

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ   (هود: 78)

شرح الكلمات:

سِيءَ: ساءَه: فَعلَ به ما يكرهه، أو أحزنه (الأقرب) وسِيءَ: فُعل به المكروه.

ضاق بهم ذَرْعًا: ضاقَ به ذَرْعًا: ضعُفت طاقته ولم يجد من المكروه فيه مَخلصًا. وأصل الذَرْع بسط اليد، فكأنك تريد: مددتُ يدي إليه فلم تَنَله. وأراد بالذراع في قوله: (ولكن كان أرحَبَهم ذراعا) النَفَسَ. (الأقرب)

يوم عصيب: شديد الحر، أو شديد (الأقرب).

التفسـير:

أي أن الرسل عندما وصلوا إلى لوط عانى منهم المشقة، ولم يجد من إصرارهم مَخْلصًا، أو تضايق من معاملتهم حيث لم يفلح فيما أراد منهم.

يقول بعض المفسرين بأن الرسل لما نزلوا ضيوفاً على لوط حاول التخلص منهم، ولكنهم تطفلوا عليه بإلحاح شديد فتضايق من ذلك (ابن كثير)، ولكن هذا الزعم باطل تماما. وأرى أن ما تذكره التوراة في هذا الصدد هو الصحيح (الخروج 19)، وإليه تشير الآية. الواقع أن الرسل حينما وصلوا إلى قرية لوط دعاهم إلى بيته، ولكنهم لم يقبلوا دعوته، كيلا يشقوا عليه ويسببوا له الحرج. ولكنه ألحّ عليهم فأصروا على الإنكار، فاستاء من ذلك وتضايق، وهذا ما يذكره الله هنا،  ليكشف لنا ما كان يتحلى به نبيه من خُلُـق إكرام الضيـف، وليس في ذلك-كما ظن البعـض- أدنى إشـارة إلى بخله وسـوء خلقـه.

وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (هود: 79)

شرح الكلمات:

يُهرَعون: أُهرِعَ الرجل (مجهولا): أُرعِدَ من غضب أو ضعف أو خوف أو برد؛ أُعجِلَ على الإسراع، فهو مُهرَع. وفي اللسان: الهَرَع والهراع والإهراع: شدة السَوْق. وقال أبو عبيد: أُهرع الرجلُ: إذا أتاك وهو يرعد من البرد. أقبَلَ الشيخ يُهرَع أي أقبلَ يُسرع مضطربًا (الأقرب)

التفسـير:

يبدو من الآية أن لوطا خاف على الرسل أن يتعرض لهم قومه بمكروه، لأنهم كانوا أشرارا بالعموم. ولا نعني بالشرّ هنا شرّاً جنسيًا كما زعم بعض المفسرين، إذ قالوا بأن الرسل كانوا ملائكة تمثّلوا للقوم  على صور فتيانٍ مُرْدٍ ذوي جمال وبهاء، وعندما رآهم قوم لوط أعربوا عن سرورهم وجاءوا مسرعين لفعل الفاحشة بهم (البحر المحيط وابن كثير). لكن هذا الظن باطل كليةً، لأن الله تعالى قد وضح الأمر في موضع آخر من القرآن الكريم حيث يحكي قولهم للوط أولم نَنْهَك عن العالمين (الحِجر: 71).. أي ألم نمنعك من اصطحاب الأجانب إلى قريتنا. فلو كانوا فرحين بمقدمهم وهم يُضمرون الفاحشة بهم لكانوا قد ألحوا عليه بإحضار المسافرين إلى القرية بكثرة، ولكنهم على النقيض من ذلك يقولون له في غضب: ألم نمنعك من إحضار الغرباء.

ولو قيل: لقد ورد في مكان آخر من القرآن الكريم وجاء أهل المدينة يستبشرون (الحِجر: 68).. أي جاءه قومه فرحين بقدوم الأجانب لأن الفرصة قد سنحت لفعل الفاحشة بهم، فالجواب: إنهم لم يفرحوا بنية الفاحشة بهؤلاء الضيوف، وإنما فرحوا لأنهم وجدوا في ذلك حجة يبررون بها معاقبة لوط، حيث قالوا: اليوم قد وقع هذا في قبضتنا وسوف نسوّي معه الحساب.

والواقع أنه في قديم الزمان كانت لكل مدينة أو لمجموعة من القرى حكومة مستقلة خاصة، ذات طابع جمهوري، فأحيانًا كان يحكمها ملك أو جماعة من علية القوم. وهكذا كان الحال بالنسبة لقريتي سدوم وعموراء اللتين بُعث إليهما سيدنا لوط (التكوين: 14). وقد ورد في التلمود – وهو كتاب يضم الروايات التاريخية اليهودية- أن أهل القريتين كانوا يقطعون على الناس طرقهم وينهبون أموالهم (الموسوعة اليهودية، Sadom). والبديهي أن الأمة التي لا يأمن جيرانُها بوائقَها وإيذاءَها لا بد أن تعيش في خوف دائم من جانبهم.

وتذكر التوراة أنهم كانوا على حرب مع الجيران (التكوين: 14)، ومن أجل ذلك كانوا لا يسمحون للغرباء بدخول القرية، مخافة أن يفتحوا أبوابها بالليل، فيفاجئهم العدو وهم نائمون.

وكان سيدنا لوط يُكرم الضيوف عملاً بسنة الأنبياء عليهم السلام، فكان يستضيف المسافرين في بيته خَشيةَ أن يسلبهم القوم إذا باتوا في الخارج. وكان قومه ينهونه عن ذلك كما يدل على ذلك قولهم له أولم نَنْهَك عن العلمين (الحِجر: 71). فعندما جاء بالرسل هذه المرة استشاطوا غضبًا لمخالفة أوامرهم، وفرحوا واستبشروا أنهم وجدوا فرصة لمعاقبته ولحلّ القضية نهائيًا. ولما كان لوط يعرف سوء معاملتهم للضيوف الأجانب خاف أن يسيئوا إليهم، فقال لقومه مهدّئًا ثورتهم: إن بناتي هؤلاء اللاّتي يَعِشْن بين ظهرانيكم هن أطهر شهادةً على براءة ساحتي.. أي لا تتعرضوا للضيوف لأنكم إذا طردتموهم هكذا مهانين فسوف تجلبون عليكم الفضيحة والعار أمام الآخرين. وأما خوفكم من أنني أتآمر عليكم مع الأعداء فلا داعي لذلك، لأن بناتي هؤلاء يشكِّلن ضمانًا يجب أن يُطمئنكم – مع العلم أنه كانت للوط بنتان متزوجتان بين القوم – إذ تستطيعون بكل سهولة أن تنتقموا مني بمعاقبتهما، دون أن تُفتضحوا أمام العالم.

ما دام عيالي وأولادي يعيشون بينكم وتحت حكمكم فكيف ساغ لكم أن تسيئوا بي الظن وتعتبروني عدوًا لكم يريد التآمر مع الأعداء.

وقد هرَأَ بعض المفسرين وقالوا بأن سيدنا لوطاً  كان قد قدّم للقوم بنتين له ليُشبعوا بهما رغبتهم الجنسية ولا يتعرضوا للضيوف (تفسير فتح البيان)، وقد كتبوا هذا متأثرين بما ورد في التوراة. ولكن هذا المعنى باطل تمامًا ولا يليق حتى بشخص رذيلٍ دَعْكَ أن يصدرعن نبي من أنبياء الله الكرام، وهم أكثر الناس غيرة وحمية. الواقع أنه لا يقترح مثل هذا الاقتراح حتى من يرتكبون الفواحش عموماً. فلا ريب أن هؤلاء المفسرين قد وقعوا في الخطأ بسبب تأثرهم بالتوراة. لأن القرآن الكريم لا يقول أبداً بأنه قدّم بناته لهم من أجل أن يفعلوا بهن الفاحشة، وإنما حاول بذلك تهدئة أهل قريته قائلا: ما دام عيالي وأولادي يعيشون بينكم وتحت حكمكم فكيف ساغ لكم أن تسيئوا بي الظن وتعتبروني عدوًا لكم يريد التآمر مع الأعداء. فافهموا قصدي واعملوا بنُصحي، فهذا خير لكم، ولا تفضحوا أنفسكم بإهانة الضيوف.

وقد قال بعض المفسرين إنه عرض على القوم بناته للزواج لا للفاحشة‍! (فتح البيان). ولكن هذا الرأي أيضا لا يبدو سليماً لأن بناته كُنَّ متزوجات بين القوم من قبل بحسب بيان التوراة (التكوين: 19).

ولو سلّمنا جدلاً أنه كانت له بنات عذارى إلى جانب المتزوجات فلا تنحل المشكلة أيضا، إذ ليس من المعقول أن يأتيه أهل المدينة طامعين في ضيوفه الرجال للفاحشة، فيقول لهم لوط: حسنًا، فليتزوج بعضكم ببناتي هؤلاء‍‍‍‍‍‍‍‍!

ولما كان سيدنا لوط شيخًا كبيرًا فقد يكون قوله هذا مجازًا، حيث اعتبر زوجات المعارضين كبناته فقال: إن بناتي هؤلاء – أي زوجاتكم – خير لكم وأطهر، فلماذا تعرضون عن الطريق السليم وتقعون في الفاحشة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك