الأضحى.. الاستسلام لله وذبح الأمّارة

الأضحى.. الاستسلام لله وذبح الأمّارة

التحرير

  • العيد والتضحية
  • طاعة إبراهيم وتضحية إسماعيل
  • من هو الذبح العظيم؟
  • التلبية والتضحية
  • فلسفة الأضحية وحقيقة النسك

__

لا شك أن عيد الأضحى يجدد في قلوبنا وقع تلك العزيمة الإيمانية العظيمة والمنقطعة النظير التي أبداها سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام استسلاما لأوامر الله تعالى، الأمر الذي يشد العزائم ويمتـن علاقة المرء بخالقه.

لا شك أن كثيرًا من الناس يضحون  في سبيل أهداف شتى ولكن ليست كل تضحية تنال رضى الله أو تكون في سبل مرضاته. ومن يمعن النظر يجد أن جميع الناس يقدّرون معاني التضحية وما تحمله من وهج في النفس.. رغم أن هناك بونا شاسعا بين هذه التضحيات والتضحية الإبراهيمية المباركة..

ولا يخفى على اللبيب أن في هذا الأمر إشارة غيبية خفية لأعظم عطية من الدوحة الإسماعيلية سيدنا محمد المصطفى الذي كان ذبحا عظيما على عتبة ربه في سبل مرضاته والمستسلم الكامل له عز وجل.

إن من الآباء من يضحي بنفسه في سبيل إسعاد أبنائه لوجه الله تعالى، وهناك من يضحي بناء على دافع غريزي عاطفي. وهناك من يضحي في سبيل مبادئ شتى.. لكن تضحية إبراهيم تبقى متميزة عن كل هذه التضحيات التي اعتاد الناس عليها.. لقد أمر الله عز  وجل عبده إبراهيم بتضحية أعظم وأعز شيء يتعلق بوجدانه.. إذ أمره بأن يضحي بالشيء الذي يضحي الناس كلهم من أجله.. بأنفسهم! ولم يتردد طرفة عين أو يعترض على ما أمره الله به بل بادر بالامتثال لأمره عز وجل.. نعم لقد تناسى تلك العاطفة الأبوية الجياشة، وتناسى تلك العاطفة الزوجية التي تربطه بالسيدة هاجر، وتناسى عواطف النسل والذرية التي كانت متجسدة في ابنه الوحيد.. مع أنه كان قد بلغ من الكبر عتيا، ولم يكن لينتظر منه أن ينجب نسلا آخر بعد ذلك الغلام الذي كان قرة عينه. ولكن هذه العواطف لم تزحزح سيدنا إبراهيم ولم تغير شيئا من عزمه وإيمانه، مع أنه كان رقيق القلب كما قال تعالى:

  إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (هود: 76) –

بل نهض بعزيمة إيمانية صادقة ممتثلا لأمر الذي ناداه في الرؤيا. ثم فلننظر إلى ذلك الابن  البار الذي لم يتردد قط في تسليم رقبته تلبية وفداء وطاعة لأبيه إبراهيم وإله إبراهيم:

  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات: 103)

ومن هنا تتجلى لنا تلك الروح الفدائية الطاهرة المباركة التي تمتَّع بها هذا الابن كأبيه حيث أظهر الله بهذا الابتلاء جوهرة فطرتهما التي  كانت مشتركة في الطاعة  والاستسلام لأوامره عز وجل

  ..يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين *… وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (الصافات: 104 إلى 108)

ولا يخفى على اللبيب أن في هذا الأمر إشارة غيبية خفية لأعظم عطية من الدوحة الإسماعيلية، سيدنا محمد المصطفى الذي كان ذبحا عظيما على عتبة ربه في سبل مرضاته والمستسلم الكامل له عز وجل. وقد أشار إلى ذلك القرآن الكريم بجلاء في قوله تعالى:

  قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لله رَبِّ الْعَالَمِينَ (الأنعام: 163)

إن حجاج بيت الله الحرام الذين يؤدون مناسك الحج يتذكرون جانبا آخر من تضحيات إبراهيم حينما استجاب لأمر الله تعالى تاركا ابنه البكر وزوجته في تلك البقعة التي لا زرع فيها ولا ماء ولا أنيس، مضحيا بزوجته وفلذة كبده

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم: 38)

إن نداءات التلبية التي تهتف بها جموع الحجاج تستعيد في نفوس المؤمنين تلك الذكرى المجيدة لأبيهم إبراهيم عندما قدم أعظم ضحية لله العلي الأجلّ وكأن لسان حالهم يقول: يا رب، إننا مستعدون لأن نضحي بأنفسنا وما نملكه من غال ورخيص في سبيلك، كما قدم إبراهيم تضحياته..

ويظهر من فلسفة الأضحية في الإسلام معاني الاستسلام لله كلية وذبح النفس الأمارة. ومن هذا المنطلق فإن في تكبيراتنا (الله أكبر) يوم العيد إيحاء.. وكأننا نذبح نفسنا الأمارة ونضحي بها في سبيل الحصول على مرضاة الله.  وفي هذا الأمر إقرار ضمني بأننا رأينا في تضحية إبراهيم عظمة رب العزة وجلاله وكبرياءه..

وإنه لمن دواعي شكر الله تعالى وحمده أن أوضح لنا سيدنا أحمد فلسفة الأضحية وحقيقة النسك والضحايا في الإسلام في خطبة مباركة جليلة من فيض الإلهام الإلهي تجلت فيها حكمة الأضحى ومقاصده في ذبح النفس الأمارة والانقياد التام  لله عز وجل. جعلنا الله وإياكم من الذين انسلخت عنهم هواجس النفس الأمارة بالاستسلام لله والانقياد لأوامره سبحانه وكل عام وأنتم بألف خير وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك