تأسوا بأسوة الذبح العظيم
التاريخ: 2006-01-06

تأسوا بأسوة الذبح العظيم

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)

بعد التشهّد والتعوّذ وتلاوة سورة الفاتحة تلا أمير المؤمنين حضرة مِرزا مسرور أحمد قول الله تعالى:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (الصافات: 103-109)

اليوم هو عيد الأضحى المبارك ويقال عنه أيضا العيد الكبير. والذين لديهم قدرة مادية واستطاعة جسمية ولا يحول حائل دون وصولهم؛ فإنهم يؤدون فريضة الحج في “مكة” المكرمة. ولكن في “باكستان” وبعض البلاد الإسلامية الأخرى؛ فإن الأحمديين رغم المقدرة المادية لا يستطيعون أداء هذه الفريضة بسبب الحظر الذي تفرضه هذه الحكومات.

إن هذه الفريضة تؤدى في أيام الحج إحياءً لذكرى تضحية سيدنا “إبراهيم” وابنِه “إسماعيل” عليهما السلام وزوجتِه السيدة “هاجر”.. تلك التضحيات التي أحيا الله تعالى  ذكرها في القرآن الكريم. والآيات التي تلوتها آنفًا تبين تلك التضحيات التي قامت بها هذه الأسرة.

يقول الله تعالى:

  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ* فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِين* وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ* وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ ..

فانظروا كيف استعدَّ الأب أن يضحي بابنه البكر والوحيد يومها بسبب رؤياه.. انظروا  أسوة هذا النبي العالية.  وتفكروا في اشتراك هذا الابن أيضًا في التضحية لكي ينال ثواب الامتثال لأمر الله تعالى.

لقد قال الأب لابنه إنني قد رأيت الرؤيا ملمح أنه أمرٌ إلهي.. فقل لي ما رأيك أنت؟  فأجابه الابنُ جوابا حقق معايير بالغة الرفعة في التضحية والعبودية. فقال:

  يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ..

إنني من ذريتك وتربيت على يدك.. وسوف أضرب مثلا في التضحية.. لا رَفْضَ من ناحيتي.. فخذ السكين وضعه على عنقي ولسوف ترى أنني سوف أحذو حذو الصابرين حقا.. وسوف أقدم تلك الأُسوة التي ستبقى حيةً إلى يوم القيامة.

إن الله تعالى يوقع الناس في الابتلاء والاختبار حتى يقدموا التضحيات، ومن ثم  يقدم الله تعالى هذه التضحيات أُسوة للعالمين. وهذه التضحيات وتلك الابتلاءات تقرب هؤلاء الناس منه عز وجل أكثر فأكثر.. وكذلك يقع عليهم نظره عز وجل بالحب أكثر من ذي قبل.

فهنا: وعندما رأى الله تعالى أن عبديه قد استعدا لما أمرهما.. قال الله تعالى مخاطبًا إبراهيم : قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا .

إنهما لم يصدقا الرؤيا فحسب؛ وإنما حققا في الماضي أيضا معايير عليا في التضحية.

وكان معنى كلام الله:

إن هذه تضحية لمرة واحدة، ويمكن أن تذبحا بدلاً من ذلك كبشًا.. ولكن هناك تضحيةً عظيمةً قد قدمتماها.. وهي قبول العيش في مكان لا ماء فيه ولا زرع ولا أي شيء آخر ذا نفع، بل لا توجد فيه إلا المخاطر، وقد صرتم بها من المقربين..

إن أي إنسان يمكنه أن يبقى لفترة معينة في مثل تلك الظروف، أما أن يذبح مشاعر نفسه كل حينٍ وآن ويعيش دائمًا محاطًا بالمخاطر.. فهذا في غاية الصعوبة. إن هذه التضحية قد قدمها سيدنا إبراهيم وإسماعيل والسيدة هاجر عليهم السلام.. وقدموا أسوة عظيمة بحيث أننا في البلد الحرام نؤدي مناسك الحج متعمقين ومتدبرين في ذكرى هذه التضحيات.. وكذلك يقدم المسلمون الأضاحي. ولكن تذكروا أن الأضحية الظاهرية ليست هي التي تجعل المرء مُقربًا من الله تعالى.

هذه التضحية العظيمة قد حدثت قبل 2700 أو 2800 سنة قبل النبي ؛ إلاَّ أن القرآن الكريم قد أنبأنا القول الحق عن حدوث تلك التضحية العظيمة التي قدمتها هذه الأسرة وبصورة واضحة. وإننا نذهب للحج ونحتفل بذكرى هذه التضحيات في يوم العيد.. ولكننا لا نستطيع أن نوفيها حق قدرها. وعلينا أن نتحلى بتلك التقوى التي كانوا يتحلون بها.

لقد كانت السيدة “هاجر” تتحلى بـحليّ التقوى.. عندما قالت متوكلةً على الله تعالى: فإنه تعالى لن يضيّعنا لما قال لها سيدنا “إبراهيم” أنه يتركها بأمرٍ من الله تعالى في هذه الفلاة. ويجب أن ننشئ مثل هذه التقوى في قلوبنا نحن أيضًا.

لقد رأيتم ورأى العالم كله ورأينا نحن أيضا أن الله تعالى لم يضيعهم أبدًا.. وبعث من ذريتهم نبيًّا عظيمًا هو خاتم الأنبياء.. ولا أحد يمكن أن يصل حتى إلى ارتفاع قدميه. وهذا النبي أيضًا قد حقق معايير في التضحيات أكثر من الجميع.. وواصل تقديمها إلى آخر لحظة من حياته الطاهرة وأوصانا أيضًا بذلك. هذا هو النبي العظيم وهو الذبح العظيم الذي ولد بعد ذلك من نسل إسماعيل، والذي من بركة أسوته القدسية   قد وفق الله تعالى الصحابة أن يتأسوا به ويقدموا تلك التضحيات العظيمة المعروفة.

هذا هو النبي العظيم وهو الذبح العظيم الذي ولد بعد ذلك من نسل إسماعيل، والذي من فيضان أسوته القدسية   قد وفق الله تعالى الصحابة أن يتأسوا به ويقدموا تلك التضحيات العظيمة المعروفة.

نحن ندَّعي اليوم أننا ننتمي إلى ذلك النبي العظيم الذي كان خاتم الأنبياء وسيد المرسلين.. فينبغي أن نتفكر في أنفسنا: هل نحتفل بالعيد لمجرد الاحتفال؟ هل نذبح فقط لكي نأكل؟ وهل نشتري الذبائح السمينة لكي نُري الناس أننا أثرياء؟ إننا يجب أن نحتفل بذلك العيد ونبحث عن تلك الأضحية التي تُذَكِّرُنا بتلك التضحية العظيمة، ومن ثَمَّ تجعلنا مُقربين إلى الله تعالى. فإذا كانت  التضحيات  تبعدنا عن التقوى؛ فإن الله تعالى لا يكترث بها، إن الله سبحانه لا يهمه صور الأضاحي السمينة والجميلة. ولكنه تعالى يريد رؤية حرارة الحماس الذي دفع هذا الشخص للتضحية وعمق المشاعر الكامنة وراء تلك التضحية.. وإلى أي مدى سعى هذا الشخص لنيل رضا الله تعالى.

لذا فعلى كل أحمدي أن يختبر نفسه بهذا المعيار.. فالله تعالى قال عن هذه الأضحيات:

  لَنْ يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ ..

هذا ما يليق بكل أحمدي أن يسعى لنواله.. وهو التقوى.. وكما ذكرت آنفًا.. فهذه التقوى هي التي دفعت سيدنا “إبراهيم” وسيدنا “إسماعيـل” والسيدة “هاجر” أن يقدموا التضحيات المتواصلة. فلـيحفظ كل واحدٍ منَّا هذا الدرس: وهو أن الروح الكامنة وراء كل عملٍ هي التي تقرب إلى الله تعالى.

ينبغي أن تُصفوا نياتنا عند كل عملٍ.. ولذا فقد قال النبي : “إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ”. (البخاري-كتاب بدء الوحي).. فهذا العيد والأضحيات التي تُذبح فيه فرصة لتنبهنا إلى الله تعالى وأن يكون هدف سعينا نيل رضا الله تعالى وأن نحيا خاضعين له عز وجل. إن الله تعالى يريد منَّا أن نقدم ما نحبه.. ويريد منَّا أن نكون مستعدين لتقديم تضحية أنفسنا وأموالنا ومشاعرنا وكل ما عندنا  حبا في الله تعالى.

إننا لا نستطيع أن نواصل تقديم مثل هذه التضحيات إلاَّ بالتقوى.. وبها نستطيع إحياء ذكرى تلك التضحيات التي قدمها سيدنا رسول الله ، مستمدين من نفس قوته القدسية  التي دفعت الصحابة فقاموا بتقديم مثل هذه التضحيات..كما ذكرت من قبل.

لم تكن هذه التضحيات قليلةً ولا صغيرةً.. فلو قرأنا عما تعرضوا له من شدة التعذيب والمعاناة لاقشعرت منه أبداننا. لقد قدموا – رضوان الله عليهم – التضحيات  ولم يلوثوا إيمانهم بأي شيء آخر. وهذه التضحيات هي المطلوبة منَّا اليوم.. ولقد طلب منَّا المسيح الموعود أن نقدم مثل هذه التضحيات،  بحيث نؤدي حقوق الله تعالى وحقوق العباد أيضًا.

إذا كنَّا متكاسلين في الصلوات، وإذا لم نحقق الهدف من تلك الأضحيات.. فإن فرحتنا بالعيد سوف تكون فرحة مادية فقط. وإذا لم نؤد حقوق العباد وحقوق المجتمع أيضًا..فإن احتفال العيد يكون بلا فائدة.

إذا لم يحترم الأولاد والديهم.. وإذا كان الأخ بعيدًا عن أخيه؛ فإن كل هذا يبعد عن التقوى. وفي هذا الوضع لا تكون الصلوات لله تعالى.. ولا الأعمال الأخرى التي يقوم بها؛ إنما هي رياء للناس.. لأن التقوى هي أن يسعى الإنسان للعمل بحسب جميع أوامر الله تعالى. فكل أحمدي يدّعي بأنه ينتسب إلى جماعة المسيح الموعود لن يستطيع أن يستفيد من هذه التضحيات ما لم يؤد كل عملٍ مراعيًا مقتضيات التقوى.

عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ الله يَا رَسُولَ الله مَا هَذِهِ الأَضَاحِيُّ قَالَ: “سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ”. قَالُوا فَمَا لَنَا فِيهَا يَا رَسُولَ الله قَالَ: “بِكُلِّ شَعَرَةٍ حَسَنَةٌ”. قَالُوا فَالصُّوفُ يَا رَسُولَ الله قَالَ: “بِكُلِّ شَعَرَةٍ مِنَ الصُّوفِ حَسَنَةٌ”. (ابن ماجة -كتاب الأضاحي)
وَعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ: “مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى الله مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ الله بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا”.(الترمذي-كتـاب الأضاحي)..

أي هذه الأضحيات يجب أن تقدموها اقتداء بسنة النبي وأصحابه. وهم لم يقدموا هذه الأضحيات رياء بل قدموها بدافعٍ من النفس التي طابت بتقوى الله.

إن معظم الناس في العالم لا يعملون بأوامر الله تعالى مع أنهم يقدمون التضحيات بإنفاق أموال كثيرة.. ولكن الرسول   يحثنا في الحديث السابق على أن نقوم بذبح الأضحية مراعين مقتضيات التقوى ومتذكرين أُسوة سيدنا “إبراهيم”.. فــتُقبل هذه الأضحيات وتُثابون على كل شعرة منها وحتى على الـدم أيضًا. ففي هذا الحديث بشارة وكذلك هناك مسئولية كبرى كامنة فيـه وهي أنه ينبغي أن نقوم بكل عملٍ  مراعين مقتضيات التقوى.

يقول المسيح الموعود : إن هذه الأضحيات قد جعلها الله تعالى رمزًا لتضحيات النفس.. حيث قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ .. أي احذروا الله تعالى كأنكم تذبحون..فكما أنكم تذبحون أضحياتكم بأيديكم؛ فاعتبروا كأنكم تذبحون أنفسكم أيضًا.. فإذا كانت معايير التقوى أقل من هذا الحد فينبغي أن تراجعوا أنفسكم في ذلك.

لذا يجب أن نتدبر ونتفكر في أنفسنا.. هل نحن مستعدون أن نُذبح في سبيل الله تعالى كما قال المسيح الموعود ؟ فإذا كنا جاهزين لذلك.. عندها يمكننا أن نقول أننا قد حققنا هذا الهدف.

وهناك أمرٌ آخر متعلق بالواقفين الجدد،  وبـالوالدين الذين ينذرون لله حياة أولادهم قبل أن يولدوا.. فعلى الوالدين أن يشكرا الله تعالى أنه وفقهما لنذر أولادهم لخدمة دينه الحنيف. وبعد تقديم هذه التضحية يجب أن يدعوا دائمًا: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (الصافات: 101).. وهذا كان دعاء سيدنا “إبراهيم” . إنني آمل وأرجو من الذين نذروا أولادهم في مشروع “الوقف الجديد” أن يدعو لأولادهم بهذا الدعاء. والذين سوف يقدمون أولادهم في هذا المشروع الآن أو في المستقبل عليهم أن يدعوا لأولادهم بذات الدعاء أيضًا.. فيرزقهم الله بفضله ذرية تفهم هذه التضحية. وعلى جميع هؤلاء الآباء والأمهات أن يدعوا لأولادهم أن يوفقهم الله تعالى لتقديم التضحيات كما يرضى تعالى ويريد، وأن يجعلهم قُرَّة أعين لهم وأن يوفقهم للقيام بجميع مقتضيات هذا الوقف وأن يكونوا من الذرية الطيبة. فيجيبوا بنفس الجواب الذي أجاب به سيدنا “إسماعيل” الذى كان قد بلغ من العمر اثنتي عشر أو ثلاثة عشر سنة حين قال:

  يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ .

فالأولاد المشتركون في مشروع الوقف الجديد يجب أن يكونوا مدركين هذه الحقيقة عندما يبلغون هذه السن المذكورة، وعارفين  أنهم قد نذروا أنفسهم. كذلك ينبغي على الوالدين أيضًا أن تكون مستويات تقواهم عالية. فإذا كانت مستويات التقوى على هذا القدر الكبير فإن أولادهم أيضًا سوف تكون مستويات تقواهم عالية.

إن هذه المسئولية ليست مسئولية الجماعة وحدها؛ إنما هي مسئولية الآباء. وكذلك الأولاد عندما يكبرون يجب أن يكونوا أهلاً لخدمة الدين. إن مِنْ تقوى الآباء ما ينفث في أولادهم. فإذا كان الآباء من الأبرار.. فإن الأولاد أيضًا يكونون من الأبرار.. وحتى من الأجيال القادمة أيضًا من سوف يكونون من المتقين الأبرار. لذا يجب أن يفهم الوالدان هذه المسئولية.. أن سيدنا “إسماعيل” لم يكن وحده الذي قدم هذه التضحية؛ إنما سيدنا “إبراهيم” والسيدة “هاجر” أيضًا كانا سابقين عليه مشتركين معه. ومن هذه الناحية فالمسئولية على الوالدين كبيرة.

إن هذا المشروع الذي كان قد قدمه سيدنا الخليفة الرابع-رحمه الله تعالى- وبإلهامٍ من الله تعالى يقتضي من الوالدين والابن أن يتفهموا شرف هذه المسئولية وقيمة هذه التضحية.. وأن يظلوا ثابتين عليها إلى أن يصبح ابنهم فردًا مفيدًا للجماعة وللمجتمع.

كذلك يجب أن يرِّسخ الوالدان في أذهان أولادهم:  أنكم قد وقفتم حياتكم ونذرتموها لخدمة الدين.. لذا يجب أن تتفقهوا في الدين،  فإنكم سوف تصبحون مبلغين ومبشرين بالإسلام غدًا.

وعلى الأبناء أن يشحذوا أذهانهم وهمم أنفسهم. إن الجماعة في مجال التربية والتعليم والتبليغ بحاجةٍ إلى عددٍ كبير من المبشرين والمهنيين بما فيهم الأساتذة والأطباء وغيرهم.. وإننا بحاجة أيضًا إلى عددٍ كبيرٍ من الواقفين الذين يدخلون الجامعة الإسلامية الأحمدية.  وعلى الأمهات أن يرسخن في أذهان أولادهن منذ البداية أنكم قد نذرتم حياتكم لخدمة الدين.. وعليهن أن يساعدن أولادهن بالأدعية.

كذلك على الأولاد الذين دخلوا في الوقف الجديد عندما يبلغوا سن الرشد أن يقدموا أنفسهم بأنفسهم.. وعندما يفهمون هذه التضحية وروحها.. فإن هذا سوف يكون مدعاةً لسعادة الوالدين..وعندما يوفون بتلك التضحيات فإنهم سوف يحققون مقتضيات ذلك الابتلاء الذي قدمه سيدنا “إسماعيل” .

لذا عليكم أن تتعلموا الدين.. ولكن إذا كان أحد من هؤلاء الأولاد لا يستطيع أن يوفي متطلبات هذا المشروع؛ فعليه أن يستشير الجماعة   فيما عسى أن يقوم به في المستقبل، فلا يستطيع الجميع  دخول الجامعة (معهد تأهيل الدعاة “المترجم”).. ولكن يمكن أن يدخلوا في مجالات أخرى.

إن الأولاد يجب أن يختاروا وأن يخططوا للمستقبل من الآن. فهناك الكثير من الأولاد والطلاب النشطاء وهم في الحقيقة يفهمون روح هذه التضحية.. وهم من السعداء. ولهم أن يختاروا طريق سعادتهم. ولا شك أنكم أيها الأبناء إذا فعلتم ذلك سوف تنالون أدعية والديكم وكل الجماعة لأنكم قد عاهدتم الله تعالى أنكم سوف تبذلون حياتكم في سبيل خدمة دينه.

ندعو الله تعالى أن يوفق جميع الواقفين وآباءهم وجميع المربين الذين يتعهدون بتربيتهم أن يفهموا روح هذه التضحية وأن يحققوا مستويات عليا فيها.. تلك المستويات التي يريدها الله تعالى منَّا.

لذا يجب أن يفهم الوالدان هذه المسئولية.. أن سيدنا «إسماعيل» لم يكن وحده الذي قدم هذه التضحية؛ إنما سيدنا “إبراهيم» والسيدة «هاجر» أيضًا كانا سابقين عليه مشتركين معه. ومن هذه الناحية فالمسئولية على الوالدين كبيرة.

والآن أرجوكم أن تدعوا للأسرى الكثيرين الذين قد أُسِروا في سبيل الله تعالى في باكستان ليس لهم ذنب إلاَّ أنهم قالوا ربنا الله وآمنوا بالمسيح الموعود . أرجو أن تدعو للشهداء أيضًا ولعائلاتهم وأولادهم أن يحفظهم الله تعالى وأن يعطي أجيالهم القادمة أجورًا كثيرة. وأن تدعو أيضًا لواقفي الحياة الذين نذروا حياتهم لخدمة الدين. وأقول لأهل قاديان أنه يجب أن تتذكروا أن أكثركم من أبناء المتقين الأوائل وأن آباءكم قد قدموا التضحيات المستمرة.. لذا عليكم أن تُحيوا هذه التضحيات، وذلك برفع مستويات تقواكم. يجب أن تستعينوا بالله تعالى وأن تحاسبوا أنفسكم وتطهروا أعمالكم.. إن جميع الأحمديين في كل أنحاء العالم يجب أن يتذكروا أولاد هؤلاء المتقين الأوائل في دعواتهم،  هؤلاء المتقون الذين لا زالوا يضربون مثلا عليا في التضحية.. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. رفع الله درجات من توفوا منهم.. والذين هم على قيد الحياة ندعو الله تعالى أن يمد في حياتهم وينزل بركاته على أولادهم.

كذلك يجب أن تدعو للأحمديين في باكستان: ادعوا لهم  أن يخرجهم الله تعالى من المحن والابتلاءات التي هم فيها منذ فترة طويلة..وأن يزيدهم تُقىً وورعًا وأن يتقبل تضحياتهم. كثيرٌ منهم يقولون لي أنك قد جئت بالقرب منَّا ولكن الظروف لم تسمح لنا بـلقائكم. فأقول للمسلمين الأحمديين في باكستان :

إن قلوبكم مليئة بالحزن والشجون وعواطفكم مليئة أيضًا بالحزن والألم.. ولكن يجب أن تحولوا هذه الأحزان والعواطف إلى دموعٍ  تجري  من العيون وأن تقدموها في حضرة الله تعالى.

كذلك يجب أن تدعو للإخوة في بنجلاديش وإندونيسيا فهناك بعض مشاكل يتعرض لها الأحمديون هناك. ندعو الله تعالى أن يرفع معاناتهم ومشاكلهم وأن يثبت أقدامهم على التقوى والإيمان..ويرينا تلك الأيام بأسرع ما يمكن.. تلك الأيـام التي نرفـع فيها راية الأحمدية.. أي راية الإسلام الصحيـح.. في جميع أنحاء العالم بفضل الله تعالى وعونـه. آمين

Share via
تابعونا على الفايس بوك