في رحاب العربية (3)
  • اللغة العربية شخصية الأمة
  • تصويب لبعض الاستخدامات الخاطئة لبعض التراكب اللغوية

__

إنا توكلنا على خلّاقنامعطي الجزيل وواهب النعماءِ

مَن كان للرحمن كان مكرماً

لا زالَ أهلَ المجدِ والآلاءِ

يقول الأستاذ محمد المبارك في كُتيِّبه “عبقرية اللغة العربية”:

«وإن في دراسة العربية وتفهّمها تفهّمًا عميقًا، كشفًا عن شخصيتنا وترسيخًا لعروبتنا، بل لإنسانيتنا، لأننا من خلال ألفاظها وقوالبها عرفنا أنفسنا وعرفنا الإنسانية، بل عرفنا الكون والله.»

نتابع موضوع الأخطاء الشائعة وتصحيحها مع ضرب أمثلة من أفصح الكلام ومن بيـان المسيح الموعود .

ولمّا كان…(لا: وبما أن)

من أوجه استعمال (لما) أن تكون ظرفا يتضمن معنى الشرط، والشرط وجوابه فعلان ماضيان، وإن كان الجواب جملة اسمية وجب اقترانها بالفاء:

فلا تقل:

بما أن دعوة الأحمدية هي الإسلام الحق وجب بذل النفس لنشرها.

وقل:

لما كانت دعوة الأحمدية هي الإسلام الحق وجب بذل النفس لنشرها.

أو لما كانت دعوة الأحمدية هي الإسلام الحق فعلينا بذل النفس والنفيس لنشرها.

وإن التركيب (بما أن…) هو تركيب دخيل على العربية وهو ركيك جدا ولا مسوغ له.

يقول الله :

وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آَيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَابًا أَلِـيمًا (الفرقان: 38)

وكذلك يقول الله تعالى:

وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (يونس 13)

ويقول المسيح الموعود :

“…فإنه لما ثبتَ وتحقق أن معنى التوفي قبض الروح فقط لا قبض الجسم ثبتَ من ههنا أن الرفع يتعلق بالروح لا بالجسم، فإن الله لا يرفع إلا الشيء الذي قبضه، ومعلوم أن الله لا يقبض الأجسام بل يقبض الأرواح فقط…”(حمامة البشرى)

ويقول أيضًا:

“… قال رسول الله : ينـزل أخي عيسى ابن مريم على جبل أفيق إمامًا هاديًا حكمًا عادلاً بيده حربة يقتل به الدجال، فقد ظهر من هذا الحديث أن الحربة سماوية لا أرضية فالقتل أمر رُوحاني لا جسماني ثم لما كان الدجال شيطان آخر الزمان يبسط ظل الضلالة على مظاهره فما معنى القتل الجسماني وما نقلوا أنه بعد قتله يدفن أو يحرق أو يلقى في البحر أو يطرح في الأرض حتى تأكله الطير فهذه كلها دلائل قاطعة على أن القتل أمر رُوحاني واعلم أن حربة عيسى الذي ينـزل معه من السماء إنما هو حربة نفسه التي يهلك بها كل كافر فما لكم لا تتدبرون كالعاقلين…”(حمامة البشرى)

حَسَبَ، بِحَسَبِ، على حَسَبِ، حَسَبَ ما:

مّما جاء في (المعجم الوسيط): «حَسَبُ الشيءِ: قَدْرُه وعددُه. يقال: الأجرُ بحَسَبِ العمل.»

وجاء في (أساس البلاغة): «الأجرُ على حَسَبِ المصيبة.»

وجاء في (محيط المحيط): «حَسَبَ ما ذُكر: أي على قدْرِه وعلى وَفْقِه.»

وجاء أيضًا: «ليكن عملك بحَسَبِ ذلك: أي على وفاقه وعدده.»

ويغفِلُ الكثيرون حرفي الجر (على) و(الباء) في كلامهم أو كتاباتهم فيقولون:

الأجر حَسَبَ العمل.

وكثيرا ما تستخدم (حسب) في غير محلها المناسب في الكتابات المعاصرة والأصْوَب أن يوضع بدلاً منها ما يناسب السياق مما يلي:

تبعًا لـ، طبقًا لـِ، وفقًا لـِ، بمقتضى، بموجب، بناءً على، استنادًا إلى، عملاً بـ،…

يقول المسيح الموعود في تفسيره المعجز لسورة الفاتحة:

“…لأن العبد إذا عرف أنه يعبد ربّا أحاط ذاته جميع أنواع المحامد وهو قادر على أن يستجيب جميع أدعية المحامد وعرف أنه رب عظيم يوجد فيه جميع أنواع الربوبية ورحمان كريم يوجد فيه جميع أقسام الرحمانية ورحيم قديم يوجد فيه كل أصناف الرحيمية ومالك مجازات يقدر على أن يجزي كل ذي مرتبة في الإخلاص على حَسَبِ المرتبة فيجد ذاته عظيم الشأن في القدرة ويجد عظمة صفاته خارجة من الإحاطة فيسعى إلى بابه ويبادر إلى جنابه قائلا إياك نعبد وإياك نستعين…”

ويقول في الكسوف والخسوف:

“…وفى الحديث إشارة إلى أن تلك الآيتين من الرحمان مخصوصتان لتخويف عصاة الزمان ولا يظهران إلا عند كثرة المعاصي وغلو الخلق في العصيان وكثرة الخبيثات والخبيثين ولأجل ذلك أمر عند رؤيتهما لفعل الخيرات والمبادرة إلى الصالحات من الصلوات والصدقات بامحاض النيّات والدعاء والبكاء كالقانتين والقانتـات والرجـوع إلى الله والذكر والتضـرعات والقيام والركوع والسـجدات والتوبة والإنابة والاستغفار وطلب المغـفرة من الغفار والخشـوع والابتـهال والانكـسار ومثل ذلك على حَـسَـبِ الطاقة من الإحسـان وفـك الرقـبة والعتـاقة ومواسـاة اليـتـامى والغـرباء والتـذلل كل التذلّل في حــضرة الكـبريـاء ربّ السـمـوات والأرضـين…” ( نور الحق)

ويقول في سياق كلامه عن الرفع وربط معناه بمعنى آية ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِـيَةً مَرْضِيَّةً (الفجر 29):

“وما معنى قول ارجعي إلى ربك إلا المعنى الذي يفهم من قول رافعك إلي، فإن الرجوع إلى الله راضية مرضية والرفع إلى الله أمر واحد، وقد جرت عادة الله تعالى أنه يرفع إليه عباده الصالحين، بعد موتهم ويؤويهم في السموات بِحَسَبِ مراتبهم، ولأجل ذلك لقي نبينا كل نبي خلا من قبله في ليلة المعراج في السموات… وهذه الأحاديث صحيحة تجدها في البخاري وغيره من الصحاح، ثم الذين لا يريدون الحق يتعامون وينسون رفع الأنبياء كلهم ويصرون على حياة عيسى ورفعه، ويقرءون حديث المعراج ثم ينسونه ويضيعون أعمارهم غافلين.” (حمامة البشرى)

ما زال – لا يزال

* تذكر دائمًا أن (لا) النافية لا تدخل على الفعل الماضي لتفيد النفي.

تدخل (ما) النافية على الفعلين الماضي والمضارع، نحو: ما خرجت، ما كلّمته، ما أريد، ما أدري. وعلى هذا يقال على الصواب:

ما زال، ما يزال، فيُدَلُّ بهما على الإثبات وعلى الاستمرار، نحو:

ما زال الهواء باردًا. ما يزال الهواء باردًا.

يقول المسيح الموعود في من يرسله الله لتجديد أمر الدين:

“…ويشرح صدور الأتقياء لقبوله ويجعل الرّجس على الذين لا يتّقون، ففريق من الناس يؤمنون به ويُصدّقون، وفريق آخر يكفرون به ويُكذّبون، ويقعدون بكل صراطٍ ويُؤذون، ويمنعون كل من دخل عليه ولا يُخلّصُوْن، فتهيج غيرة الله لإعدامهم، ليُنجى عبده من اجْلِخْمامهم، فما زال بالكافرين يُهْلِك هذا ويدفع ذاك حتى تصير الأرض خالية من تلك الهوام، ويحصل الأمن للأبرار الكرام…”(اجلخمّ: استكبر) (الهدى والتبصرة لمن يرى)

*  تدخل (لا) النافية على المضارع، نحو: لا أريد، لا أدري، لا يزال. ولا تدخل على الماضي لإفادة النفي.

فلا يقال: (لا جاء فلان) بل: (ما جاء فلان). ولا يقال: (لا زال الهواء باردًا) وهذا خطأ شائع جدًا، والصواب: لا يزال الهواء باردًا، أو ما زال الهواء باردًا.

وتستعمل (لا) مع الماضي في الحالات التالية:

  1. لتكرار النفي، نحو: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (القيامة: 32)
  2. لتفيد الدعاء، لا النفي، نحو قول المسيح الموعود شعرًا:

إنا توكلنا على خلاقنا

معطي الجزيل وواهب النعماء

.

من كان للرحمن كان مكرمًا

لا زال أهل المجد والآلاء

.

وقولنا: لا سمح الله، لا قدر الله، لا عدِمتُك..

وفيما يلي بعض الأمثلة من القرآن الكريم:

وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (الحج: 55) وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ الله لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (الرعد: 31)

وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِين (هود: 118)

Share via
تابعونا على الفايس بوك