فهلا جعلن رمضان موسماً للربح والكسب

فهلا جعلن رمضان موسماً للربح والكسب

التحرير

 

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ (البقرة 186)،

بهذا عرف الله تعالى هذا الشهر الكريم. فالعلاقة بين شهر رمضان والقرآن الكريم علاقة خاصة ومميزة، وعلى المسلم أن يدرك شيئاً من كنهها أو بعضاً من أسرارها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً وما شاء له الله تعالى، فهذا هو السبيل لنيل بركات رمضان شهر القرآن.

ولقد ابتدأ نزول القرآن الكريم على المصطفى في هذا الشهر ثم أكرمه الله به على مدى ثلاثة وعشرين عاماً منجماً مفرقاً ليقرأه للناس على مكث . وما عنته الآية الكريمة في هذا المعنى القريب إنما هو بداية التنزيل كلمة . أما المعنى الأعظم والأعمق هو أن القرآن الكريم نزل في شهر رمضان إنما هو تطبيق القرآن ومظهره على أرض الواقع . وعلى المؤمن الذي يتلو القرآن أن يجعل هذا الشهر شهراً يعلو فيه صوت القرآن على كل صوت . وأن يصبح دستور حياته ومنهجه وكتابه الأوحد .

ولقد توج الله تعالى عمل المصطفى وخلقه الكريم بهذا التنزيل الذي ابتدأه في هذا الشهر . ثم أخذ المصطفى يرقي ويريق في معارج ويتنزل عليه القرآن الكريم يوماً بعد يوم وسنة بعد أخرى حتى تكامل هذا التنزيل. وكان المصطفى إنما هو القرآن يمشي على الأرض كما وصفته أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها حيث قالت ” كان خلقه القرآن ” . ولكنه أيضا كان يخص هذا الشهر بما لا يخص غيره من الشهور كما وصلنا من سيرته . فكما روى عنه فلقد كان جواداً يحب  الجود ولكنه كان اجود ما يكون في رمضان  فكان كالريح المرسلة . كل ذلك ينبغي أن يذكرنا بمكانة هذا الشهر الكريم الذي كان مميزاً وخاصاً في حياة المصطفى  كما كان خاصاً في حياة الأمة. فالتاريخ حلت على الأمة في عصور مختلفة في هذا الشهر الكريم.

وإن من سنة الله تعالى التي لا تحويل لها ولا تبديل أنه قد جعل لكل أمر أواناً وموعداً، وجعل الدنيا بشقيها المادي والروحي مواسم بعضها للبذر وبعضها للحصاد. ولا بد لمن زرع أن يحصد وينال ثمرة عمله واجتهاده في الأوان والأجل المناسب المعلوم. والحاذق والحكيم هو من استغل هذه المواسم فبذر في وفت البذر وسقي في وقت السقيا وحصد في وقت الحصاد. أما من حاول تجاوز المراحل وأتى البيوت من ظهورها فلن يحصل على ما يرجو وليس فعله هذا من البر في شيء. ولقد فرض الله على المسلمين جملة من العبادات لا يصح إسلام المرء بدونها من صلاة وصيام وزكاة وحج للمستطيع، وجعل لكل هذه العبادات أوانا وميقاتاً، فالصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً وهي عماد الدين وإن كانت لكبيرة إلا على الخاشعين. ولقد كتب على المسلمين الصيام في شهر رمضان كما كتب على الذين من قبلهم في أيام معدودات معلومات. وكذلك جعل الله للزكاة أوان الحول على ما فاض من المال وجعلها في وقت الحصاد على الزرع وغيره. كذلك فإن الحج أشهر معلومات. فلم يجعل الله للمسلمين الخيرة من أمرهم في هذه المواقيت التي هو يعلمها وهو من جعلها مواسم للخير والنور في أوقاتهما المعلومة. لذلك فعلى المؤمن أن يعلم أن الله تعالى قد أودع هذه المواقيت سراً لا يعلمه إلا هو. وما كان الله تعالى في خلق السماوات والأرض من اللاعبين فهو مدبر الأمر، الحي الْقَيُّوم ، الذي يملك الأسباب ويؤقت الأوقات وعنده علم الساعة ولَكل أمر ساعته التي قدرها الله والتي يعلم مستقرها ومستودعها وأوانها المحتوم .

وإن من سنة الله تعالى التي لا تحويل لها ولا تبديل أنه قد جعل لكل أمر أواناً وموعداً، وجعل الدنيا بشقيها المادي والروحي مواسم بعضها للبذر وبعضها للحصاد. ولا بد لمن زرع أن يحصد وينال ثمرة عمله واجتهاده في الأوان والأجل المناسب المعلوم. والحاذق والحكيم هو من استغل هذه المواسم فبذر في وفت البذر وسقي في وقت السقيا وحصد في وقت الحصاد.

ولقد كان من رحمة الله تعالى ومنه على الناس أن جعل هذا الشهر موسماً خاصاً للرحمة والمغفرة والعتق من النار . فبث الله تعالى فيه سره كما جعل في قلوب الناس جميعاً فرحة لاستقباله وبهجة يدركها كل من شهده . وهو موسم يبرز فيه المسلمون أفضل ما عندهم ويتقربون به إلى الله على اختلاف درجاتهم. حتى إن تاركي الصلاة يهرعون إلى المساجد لأداء الصلوات فتمتلىء المساجد بالناس. وترى الجميع يقومون الليل من أجل السحور وهم يستمتعون بذلك . وهو موسم فرحة وابتهاج للأطفال فهم ينتظرونه بلهفة وشوق . ومن العجيب أن عناء الصيام لا تنقبض له الصدور بل إنها تفرح فرحتها الأولى في كل يوم عند الإفطار فينسون العناء ويذوقون بعضاً من ثمار وشراب الجنة التي لا ظمأ فيها ولا جوع ولا نصب ولا مخمصة. ولقد أصبح   لرمضان في المجتمعات الإسلامية مظاهر وتقاليد راسخة في مجملها إيجابية يفرح فيها الضعفاء والغالبية العظمى من الناس ولا يضيق بها الأغنياء إلى حد كبير. فمن مظاهره أن الدول الإسلامية تقلل ساعات العمل فيه فيفرح المؤمن بهذا الوقت الإضافي للصلاة وقراءة القرآن والتقرب إلى الله كما يفرح غيره بتوفير هذا الوقت للهو وقد يجد بعض الوقت للصلاة أيضاً وتصفق الشياطين في هذا الشهر فلا يجاهر الناس بالمعاصي كما يفعلون في الأيام الأخرى. ويشعر المؤمن في هذا الشهر بأن الدنيا تصوم معه وتقوم معه وأنه ليس بغريب كما يستشعر في كثير من الأوقات في باقي السنة. وكذلك تعم بركات رمضان لتشمل انتعاش الأسواق والتجارة ويستبشر التجار بقدوم هذا الشهر لأن بضاعتهم من مأكل وملبس تروج فيه. ويأكل الفقراء في هذا الشهر يلبسون بسبب عناية الأثرياء بهم مالا يعرفونه في باقي أشهر السنة فيستبشرون بمقدمه وينعمون في بركاته. والمتدبر في بركات هذا الشهر سيجد الكثير الكثير. ولكن المهم في الأمر هو أن هذا الجو وهذا الموسم الخاص وهذا الرخاء والدعة وطيب العيش الذي يستشعره الناس على اختلاف درجاتهم وتوجهاتهم يجعلهم ينطلقون بعده نحو الأفضل آملين في أن تدوم بركات رمضان طوال العام. فلطالما عاد رمضان بكثير من العصاة إلى حظيرة الرحمن، ولطالما ربح فيه الكثيرون كما خسر فيه من لم شهده ولم يشهده، وصيامه ولم يصمه. ولقد صدق المصطفى حيث قال ذات مرة في نهاية هذا الشهر الكريم: “ألا إن رمضان سوق وانفضت . ربح فيه من ربح وخسر فيه من خسر”. فهلا جعلناه موسماً للربح والكسب.

Share via
تابعونا على الفايس بوك