شتان بين الدهاء والدعاء

شتان بين الدهاء والدعاء

عيسى الحاج رحمون

بفضل الله وعونه يُعقد في معظم البلدان التي يقطن فيها أبناء جماعتنا مؤتمر سنوي تُشرف عليه هيئة من مسئولي الجماعة، يتم خلاله عرض ما اُنجز خلال السنة المنصرمة وتُناقش الاقتراحات المتعلقة بمشاريع خدمة الإسلام للسنة المقبلة. وخلال الأيام الثلاثة للمؤتمر تُلقِي نُخبة من أبناء الجماعة خُطب دينية قيمة بلغات مختلفة، حيث يتم تلاقح الثقافات تحت راية الإسلام.

وفي الحقيقة معظم من يحضر مثل هذه المؤتمرات يجول في خاطره انطباع خاص. لذا رأت أسرة «التقوى» أن تنشر إحدى رسائل الدكتور عيسى حاج رحمون إلى حضرة أمير المؤمنين كي يتمكن من لم يُسعفه الحظ في المشاركة في هذه المؤتمرات من التعايش مع أحداثها الفريدة من نوعها.

(التحرير)

* وإليكم فيما يلي نص الرسالة:

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم

سيدي أمير المؤمنين، الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود

أيها الأب العظيم،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن أدب الخطاب مع مقامكم الكريم يجعلني في حيرة من أمري. كيف أكتب ومتى أكتب، امتثالاً لأمركم باستمرار التواصل معكم عن طريق الكتابة.

بكل صدق المؤمن أقول لكم: إن الكلمات تقف عاجزة عن وصف ما يجول في صدري من مشاعر.

سيدي أمير المؤمنين،

بتاريخ 10-8-1999 ذهبتُ إلى موريشيوس لحضور الجلسة السنوية للجماعة الأحمدية هناك ممثّلا لمدغشقر.

ولقد كانت المرة الأولى لي بأن أشارك إخوتي الأحمديين جلستَهم السنوية خارج مدغشقر. لقد كانت، وبحق، أزهارُ المسيح الموعود   خادم سيدنا محمد المصطفى تضوّع عطرًا هناك. لقد كان للمُثل الإنسانية والمبادئ النبيلة والعلاقات الحميمة مكان الصدارة.

عن ماذا أحدثك يا سيدي؟ عن روح الأُلفة، عن النظافة والانضباط، عن الإيثار؟ عن الأخذ في عين الاعتبار جميع الأمور، صغيرها وكبيرها، بحيث لم تحدث هناك أية أخطاء. لم أكن أتصور أن هذا ممكن أن يحدث.

صحيح أن هناك أناسًا اجتهدوا وعملوا وخطّطوا لإنجاح هذا الملتقى ولتأمين الراحة والأمن للجميع، جزاهم الله عنا خير الجزاء، ولكن المهم أن بركات حضرة الإمام المهدي كانت حاضرةً هناك حقًا، لقد كانت بركاته في ذاك المكان.

كلنا في الشرق يعرف أن ثمة أخطاء كثيرة تحدث في حفل استقبال عادي أو حفل زواج يضم بضع عشرات من الناس، فكيف إذا كان الحضور بصفة آلاف من البشر داخل خيمة. ولقد حدثتني زوجتي عن نفس الانطباع لديها من خلال تواجدها في القسم النسائي.

حقا، إن الانضمام إلى هذه الجماعة المباركة يؤصّل في الإنسان جميع القيم النبيلة والنوازع الخيرية، والمحبة والألفة والإيثار.

بعد أن غيّب الموتُ أبًا أنجبني، وأمًا وضعتني وأرضعتني، وبعد أن غيّبت المادية الفاسدة إخوةً سرقُتهم من هموم الحياة. وقد حدث، حيث أعيش الآن في كنف أسرتي الأحمدية الجديدة طاويًا من حياتي صفحات مُزّقت وماضيًا لن يعود، بإذن الله، مشرئبًّا إلى أفق تتسامى فيه المـُثُل الراقية والعلاقات الإنسانية في رحاب دين قويم وربٍّ كريم.

سيدي الخليفة،

هناك الكثير الذي أود التحدث حوله، ولكن أخشى على مشاعر الغير، فلأحدثك عن نفسٍ إنسانية واحدة وما حصل لها بفضل الله:

لقد خرجتُ من بلادي من بيئة إسلامية سلاحُها في الحياة والدعوة هو الدهاء، ووجدتُ نفسي بعد بيعتي لكم في بيئة مختلفة سلاحُها في دعوتها وتحقُّق أهدافها هو الدعاء، وشتان بين الدهاء والدعاء.

لقد بحثت كثيرا في خبايا نفسي وفي صفحات الكتب وفي مواعظ المشائخ عن إسلام القدوة الحسنة والكلمة الطيبة الصادقة، والدعوة الخالصة لوجهه تعالى.

عن إسلام إلى تسليم لرب غفور رحيم.

عن إسلام التسامح والمحبة والإخاء وحسن الجوار.

عن إسلام قال فيه الله تعالى لرسوله الكريم محمد وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ وقال أيضا: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ

كل ذلك لم أجده سابقا، لم يُرشدني هؤلاء إلا إلى ربٍّ شديد العقاب، غضبه يسبِق رحمته، وعقابُه يسبق ثوابه. لم يُرشدوني إلا إلى إسلام يُجبَر فيه الناسُ على دفع الجزية وهم صاغرون. إلى إسلامٍ يُرضي الحكام ويُغضب أحكَمَ الحاكمين. ثم كانت غربةُ البدن ثانيًا. بعد ذلك كان وعدُ الله الحق، وكان لقاءُ الحق، وكانت بيعةُ الحق.

يا سيدي، وأنا العبد الفقير إلى الله، أسألك الدعاء لنفسي ولعائلتي ولإخوتي الأحمديين وللإنسانية كافةً. فمقامُ الخلافة مقام روحي عظيم، وتضرُّعكم إلى الله لا يمكن لأمثالي أن يأتوا بمثله.

هل أحدثك، يا سيدي، عما لاقيتُه مع أفراد عائلتي هناك، من حفاوة وتكريم وحسن وفادة مِن قِبل جميع الأحمديين هناك. فكانت الرابطة التي تجمعنا بهم كلمةُ التوحيد في ظلال راية حضرة الإمام المهدي . إنها العروة الوثقى.

سيدي الخليفة،

بعد أن مَنَّ الله عليّ وشرح صدري للانضمام إلى هذه الجماعة المباركة هناك انقلاب جذري في أسلوب حياتي وحياة أسرتي. هناك تغيّر في المفاهيم والقيم التي نشأنا وترعرعنا في ظلالها.

هناك تسليم وانقياد تام لكل ما يأتي من الله، فهو خير.

ما أجملَهَا من كلمات:

أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ

بلى هو كافٍ عبدَه، صدقت إلهي، أيها النور الذي ملأ حياتي بهجةً وضياءً.

لقد نَعِمنا براحة البال، وطمأنينة النفس، والرضى عن الواقع، وعدمِ الخوف من الغد.

كل هذه الأمور كانت في السابق تقضُّ مَضجعي، والآن هي مسلماتٌ ليست بيدي أو إرادتي.

ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين؟ حتى النظرة إلى مفهوم السعادة والروابط الإنسانية حدث فيها تحوُّلٌ جذري.

لقد وجدتُ في الأحمدية جميعَ الأجوبة لأسئلة كثيرة كانت تدور في خلدي وتؤرّقني. التسامح في الإسلام، الكرامة الإنسانية في ظل الدعوة إلى الله، العلاقاتُ الاجتماعية في الإسلام مع غير المسلمين، مفهومُ الدعوة في الإسلام، مفهومُ الجهاد في الإسلام، ومفهومُ التضحية في الإسلام.

لقد عُدت إلى الجذورِ الإسلامية الصحيحة بانضمامي لهذه الجماعة، إسلامِ أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، وليس بإسلام المشائخ والمأجورين والحكام. إسلامِ محمد بن عبد الله ، والمسيح الموعود ، وليس بإسلام الصابئة من قريش.

حينما عرفتُ هذا الإسلام نعِمَتْ نفسي بالطمأنينة والسلام.

سيدي الخليفة،

لم يدر في خلدي أن أعيش زمنَ الخلافة الراشدة من جديد، وقد حدث.

لم أكن أعتقد أن أعيش زمن الصحوة أو بداية الصحوة الإسلامية والعودة على الأصالة، وقد حدث.

لم أكن أعتقد أن أعيش من جديد في كنف أسرة تجمعنا بهم الرحمة، وقد حدث.

يا سيدي، ونحن الآن، إن شاء الله، من رُكّاب السفينة الأحمدية التي تحدَّث عنها المسيح الموعود ، نقف وبكل الإجلال والإكبار والاحترام، لنقول لك:

وفّقك الله، أيها الخليفة الراشد، وأعانك على حمل الأمانة، ومدَّ لنا في عمرك، وأيدك بنصره العزيز. آمين، ثم آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك