سيرة المهدي - الجزء 2 الحلقة 5
  • إضاءة على تهجد المسيح الموعود وسحوره
  • جهد التبليغ للعالم تنفيذًا لأمر الله
  • معجزة إيجاد النارنج

__

320- بسم الله الرحمن الرحيم. أخبرني الدكتور محمد إسماعيل وقال: لقد سنحت لي الفرصة لقضاء شهر رمضان كاملا في قاديان في عام 1895، ووفقت شهرًا كاملاً لأداء صلاة التهجد –أي صلاة التراويح- وراء حضرته.

كان حضرته يؤدي صلاة الوتر في أول الليل، أما في آخر الليل فكان يصلي 8 ركعات صلاة التهجد يؤديها مثنى مثنى، كان يبدأ بقراءة آية الكرسي (الله لا إله إلا هو… وهو العلي العظيم) في الركعة الأولى منها، وفي الركعة الثانية سورة الإخلاص، وكان يكثر في الركوع والسجود من ورد: يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث، وكان يقرأه بصوت كان بإمكاني سماعه. وكان يتناول السحور دومًا بعد أداء التهجد، وكان يتأخر في تناول السحور أحيانًا لدرجة أنه أحيانًا كان يؤذّن للفجر وهو لا يزال يأكل، وكان أحيانًا يواصل تناول السحور حتى نهاية أذان الفجر.

أقول: يجوز التسحّر إلى أن يطلع الصبح الصادق من المشرق، وهو وقت أذان الفجر حقيقة. وبما أن توقيت أذان الفجر مرتبط بطلوع الصبح الصادق لذلك فإن الناس قد اعتبروا الأذان نهاية لوقت السحور. ولعل أذان الصبح لم يكن يُرفَع عند طلوع الصبح الصادق بل ربما كان قبل الوقت بسبب عدم الاحتياط في تقديره لذلك كان المسيح الموعود يواصل تناول السحور حتى يتبين له موعد الصبح الصادق ولم يكن يتقيد بالأذان إذا رُفع قبله. وليس مراد الشريعة في هذه المسألة أنه إذا حُدّد بداية الصبح الصادق من الناحية العلمية الدقيقة فينبغي ترك الطعام عندها فورًا، بل مرادها أنه ينبغي التوقف عن تناول الطعام عندما يظهر سفور الصبح عند عامة الناس، وهذا هو مدلول كلمة “يتبين” في الآية التي تذكر هذا الحكم. ولقد ورد في الحديث أن النبي قال: لا تتركوا السحور عند أذان بلال بل يمكنكم مواصلته حتى أذان ابن مكتوم، وذلك لأن ابن مكتوم كان ضريرًا ولم يكن يرفع الأذان ما لم يثر الجميع ضجة أنه قد أسفر الصباح.

321- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني ميان عبد الله السنوري وقال: عندما أُخبر المسيح الموعود بإلهام من الله تعالى أنه مجدد هذا القرن (ولم يكن قد أعلن إلى ذلك الوقت أنه المسيح والمهدي) فقد أعلن عن ذلك حضرته من خلال إعلان نشره بالأردو والإنجليزية قال فيه: إن الله تعالى قد جعلني مجدّدًا لهذا العصر، ولقد أمرت لأثبت صدق الإسلام مقابل الأديان كلها، كما فوّضت إلي مهمة الإصلاح وتجديد الدين، كما كتب أيضا بأنه قد أودع في نفسه كمالات المسيح ابن مريم روحانيا، ودعا أتباع أديان العالم أجمع أن يأتوا إليه ويختبروا صدق الإسلام عنده وينالوا شفاء أمراضهم الروحانية. لقد نشر هذا الإعلان بـ 20 ألف نسخة.

يقول ميان عبد الله السنوري: ثم أرسل هذا الإعلان باهتمام كبير إلى جميع أنحاء العالم عن طريق البريد، وأرسل إلى الملوك والحكام ورؤساء الدول ووزرائها وإلى المدبرين والمصنفين والعلماء، وإلى النوّاب والراجاوات وغيرهم، ولتحقيق ذلك جُمعت عناوين هؤلاء الناس بعد بذل جهد كبير، ولم يُترك قدر المستطاع شخص من العالم كان شهيرًا أو مهمًّا ذا نفوذ وصيت، وذلك لأن حضرته قال: ينبغي إرسال هذا الإعلان إلى حيث يمكن لبريد الهند أن يصل.

كذلك يقول ميان عبد الله السنوري: كان الإعلان بالأردو قد طبع أولا ثم تُرجم إلى الإنجليزية وطبع النص الإنجليزي على ظهر الإعلان الأردي.

أقول: لقد نشر هذا الإعلان في عام 1884 غالبًا، ثم نُشر مع كتاب “شحنه حق” و”مرآة كمالات الإسلام” ومع كتاب “بركات الدعاء” أيضا.

يقول ميان عبد الله السنوري: لقد أرسلني حضرته لترجمة هذا الإعلان إلى ميان إلهي بخش المحاسب في لاهور وأوصاني أن أطلب طبعه من هناك بعد الترجمة.

322- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: لقد قال لي أحد الإخوة عن حادث قطف ثمر النارنج في غير موسمه الوارد في الرواية رقم 6 من الجزء الأول لسيرة المهدي أنه بحاجة إلى التفسير أو التأويل وقال بأنه يرى أن الخليفة الثاني كان في ذلك الوقت طفلا صغيرًا، ولعل المسيح الموعود فعل ذلك مزاحًا ليفرحه بحيث يكون قد أخرجه من جيبه خفية وضرب بيده الشجرة ثم قدّم له النارنج، وإلا لو حدثت مثل هذه الواقعة الخارقة للعادة لذكر ذلك المسيح الموعود في أحد كتبه أو خطاباته كما ذكر حادث الحبر الأحمر على قميصه.

أقول: أقدِّر هذا الرأي جدًّا، وأسلّم أنه ربما حصل ذلك على هذا النحو حقيقة، ولأجل ذلك عندما سجّلت هذه الرواية تركتها دون أي تعليق، ولكن مع كل ذلك لا أعتبر حدوث هذا الأمر بصورة مادية من المستحيلات، هذا ظنُّ هذا الأخ الذي أبدى رأيه السالف. عدمُ نشرِ حضرته هذه الواقعةَ لا يشكّل دليلا يقينيًا أنها قد صدرت من حضرته مزاحًا من أجل إفراح الولد. ولقد تدبرتُ في هذه القضية ووصلت إلى هذه النتيجة أن الآيات التي يظهرها الله تعالى على يد أي نبي أو مأمور منه تنقسم إلى قسمين عمومًا وفق سنة الله تعالى: قسم يظهره للمعارضين والآخر للمؤمنين. القسم الأول يحتوي على كثير من الإخفاء ويتضمن كثيرًا من جوانب الاحتمالات، أما الثاني فيقل فيه الإخفاء نسبيًا ويغلب عليه صبغة الإظهار والشهود، وذلك لأن الله تعالى قد قدّر بحكمته المتناهية أن تكون بداية الإيمان من الغيب ثم كلما تقدم أحد على سبيل الإيمان انفتحت له أبواب الإظهار أو الشهود على قدر المراتب. إنني على يقين -وعندي أدلة عديدة على يقيني هذا- أنه تظهر على الأنبياء والمرسلين بعض الآيات التي لا يخبرون بها أحدًا من البشر لأنها تكون لهم خاصة، ومثل هذه الآيات تحتوي على الإظهار الكامل بحسب مقام قربهم ووفق معرفتهم. وعليه فلو ظهر على حضرته أمر خارق للعادة ولم يظهره على العامة فلا أرى أنه مثير للعجب. والله أعلم.

تتراءى لنا هذه الحقيقة المذكورة بكل جلاء في سيرة النبي فدته نفسي، فنرى أن الطعام القليل أصبح مشبعًا لجمع كثير، أروى الماء القليل غليل جماعة من الناس، وتدفقت المياه من أصابع النبي . وغيرها من الأحداث قد ظهرت لجماعة الصحابة ولم يكن للمشركين نصيب منها (في حين أنهم كانوا أحوج إليها من غيرهم). والسبب في ذلك أن الآيات التي أريها المشركون كانت تتضمن إخفاء كثيرًا. وهنا تذكرت بالمناسبة أن آية تكثير الطعام قد ظهرت على يد المسيح الموعود أيضا، إلا أن الذين شاهدوا ذلك كانوا من أخص صحابته، ولم يظهر حضرته هذا الأمر عمومًا، أما إظهاره لحادث الحبر الأحمر على قميصه فيتضح أولا من رواية ميان عبد الله السنوري أن حضرته قد حاول إخفاءه ابتداءً، ثم عند إلحاح ميان عبد الله ذكر مقدمةً طويلة قبل ذكر القصة. وكانت ثمة حكمة خاصة لبيان ذلك وهي أن هذا الأمر كان مهمًّا جدًّا في قضية قدم الروح والمادة لإثبات أن المادة مخلوقة، وقد طرأت حاجة الإظهار حيث إن قطرات ذلك الحبر كانت موجودة على القميص، وكان أحد الإخوة شاهد عيان على هذا الأمر (وكان عند حدوث هذا الأمر عاقلا بالغًا ولم يكن يربطه مع حضرته أي رابط دنيوي أو علاقة الدم) لأجل ذلك فقد أظهر حضرته هذه الواقعة لتسخيرها في خدمة الإسلام والجهاد في سبيل الله وأتمّ بذلك الحجة على أحد الآريا. والله أعلم.

إضافة إلى ذلك ينبغي التذكر أن هذه الرواية قد روتها حضرة الوالدة أيضا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك