سيرة المهدي - الجزء 2 الحلقة 6

سيرة المهدي – الجزء 2 الحلقة 6

مرزا بشير أحمد

  • تفاضل الأيام من حيث البركة والتأثير.
  • حُب المسيح الموعود لله وللرسول.
  • الحُب والتأديب لا يتعارضان، بل مُكملان لبعضهم البعض.
  • “أليس الله بكاف عبده”.
  • النظافة والطهارة سمة الأنبياء والرُسل.
  • الأنبياء كسائر البشر حينما يتعلق الأمر بأحوالهم الجسدية.
  • أخلاق المسيح الموعود، وطهارة لسانه.

__

323- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: لقد كتبت في الرواية رقم 11 في الجزء الأول من سيرة المهدي أن المسيح الموعود لم يكن يستحسن الثلاثاء من أيام الأسبوع. ولقد أساء البعض فهم معناه إذ استنتجوا من ذلك وكأن يوم الثلاثاء يوم نجس وينبغي ألا يُبدأ فيه أي عمل. هذا الظن ليس صحيحًا ولم يكن حضرته يعني ذلك. بل المراد منه هو أنه كما ثبت من الأحاديث أن الأيام تتفاوت في بركاتها فمثلا يوم الجمعة هو أكثر بركة من جميع الأيام عند المسلمين قاطبة ثم يستحسن يوم الخميس بعده، وكان النبي يبدأ أسفاره في هذا اليوم. باختصار، إن الأيام تتفاضل فيما بينها من ناحية البركات والتأثير، وإن يوم الثلاثاء آخر الأيام في هذه الموازنة والمقارنة، وكأنه يتضمن تأثير الشدائد والقسوة كما ذكر في الحديث أيضا، ولا يعني أن الثلاثاء يوم نجس. وعليه فينبغي اختيار أفضل الأيام والأوقات لمباشرة الأعمال الهامة، ولكن ينبغي ألا يتضرر الإنسان في تحقيق هذا الغرض بحيث يوقف بعض الأمور الهامة من أجل ذلك. اعلموا أنه لكل أمر حدٌّ ومن يتجاوز هذا الحد يتضرر، ولقد لاحظت أن من يهتم بالأيام أكثر من اللازم تغلبه الأوهام والوساوس. وقاعدة “گر حفظ مراتب نه كنی زندیقی” أي: إن لم تراع مراتب الناس والاهتمام بهم بحسبها فتصير زنديقًا، تنطبق على الأمور الأخرى كما تنطبق على الأشخاص. أما السؤال عن تفاوت تأثير الأيام فهو سؤال علمي بحت ولا حاجة للخوض فيه في هذا المقام.

وأضيف أنه قد حصل خطأ في هذه الرواية المنشورة في الطبعة الأولى من الجزء الأول من سيرة المهدي وقد صحّح الآن.

324- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: إن مطالعة أخلاق المسيح الموعود وسيرته تكشف بجلاء تام حبه لله ورسوله، إذ نجد خطاب حضرته وكتاباته وكل قوله وفعله وحركته وسكنته مليئة بعاطفة هذه المحبة العارمة. وكان هذا الحب قد بلغ درجة الكمال بحيث ليس له نظير في تاريخ العالم. كان حضرته يتحمل كل قسوة من العدو وكأنه لم يحدث شيء، ولم يكن أي إيذاء منه والإساءة إليه أو شتمه يثير في قلبه أي ثورة أو غيظ أو غضب، ولكن أدنى إساءة إلى النبي كانت تثير في دمه هياجًا كبيرًا وثورةً عظيمة، وكان يعلو وجهه جلال عظيم بحيث لا يسع لأحد التحديق فيه، فقد اتفق على ذلك الأعداء والأصدقاء، الأقارب والأباعد أن الحب الذي كان يكنه حضرته لشخصية سيد الكونين العظيم ليس له نظير في مسلمي أي عصر من العصور. يبدو وكأن هذا الحب هو عمود حياته وغذاء روحه. فكما أنه لو غمّست قطعة من الإسفنج الجيد في الماء تشرب كل جزء منه الماء وامتلأت كل خانة منه بالماء ولا يكون في أي جزء منه سوى الماء، كذلك كان يتراءى للجميع أن كل ذرة من جسده وروحه المباركة كانت مترعة بحب الله وبحب الرسول لدرجة لم يكن هناك مجال آخر لملئه. اللهم صل عليه وعلى مطاعه محمد وبارك وسلم.

الحق أن الإيمان الذي يخلو من المحبة لا يساوي شيئا، بل هو معتقد فلسفي جاف لا وزن له في حضرة الله، إن جبل الأعمال الذي يتجرد من المحبة أقل وزنا من ذرة المحبة الخالية من الأعمال. لا يسعنى أن أنسى ذلك الوقت الذي قرأت فيه في الحديث أن رجلا سأل النبي متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟ قال: لا والذي نفسي بيده، ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام، إلا أني أحب الله ورسوله.

فلما قرأت قول هذا الرجل لم يكن لفرحتي وسروي أي حدود، إن أنسَ فلا أنسى تلك المسرة التي أصابتني عند قراءة رد النبي فداه نفسي عندما قال: فأنت مع من أحببت. أي اطمئن فستكون مع من تحبّه. وقال النبي في مناسبة أخرى: المرء مع من أحبّ. لا أقصد التقليل من أهمية الأعمال، حاشا وكلا، بل القرآن الكريم حيثما ذكر الإيمان في سياق صفات المؤمنين ذكر الأعمال الصالحة معه، كما أنه من المحال عقلا أن أحدًا يكون محبًّا ومؤمنا ولا يسعى للأعمال الصالحة ولا يرغب فيها! يمكن أن يطرأ ضعف عملي، وهو شيء آخر، ولكن لا يمكن فصل الرغبة في الأعمال الصالحة والسعي لها عن الإيمان، ومن يدّعي محبة أحد ثم لا يسعى للعمل بأوامر محبوبه وتحقيق مراده فإنه كاذب في دعواه. فلا يهدف بياني هذا إلى التقليل من أهمية الأعمال بل هدفي هو إبراز أهمية الإخلاص والمحبة والإشارة إلى هذه الحقيقة أن التشبث بقشر الشريعة مغمضي العينين كالشيوخ المجردين من الروحانية ليس طريقًا للفلاح.

325- بسم الله الرحمن الرحيم. حدّثتني والدتي وقالت: لقد صدر من أخيك مبارك أحمد في صغره وبدون قصد منه تصرف غير لائق تجاه القرآن الكريم. فلما رأى المسيح الموعود ذلك احمرّ وجهه غضبًا، فلطمه مغاضبًا لطمة على كتفه تركت على جسمه آثار أصابع اليد. وقال في هذه الحالة من الغضب: اصرفوه من أمام عينيّ.

أقول: كان مرزا مبارك أحمد أصغر إخوتنا جميعًا وتوفي في حياة حضرته، وكان المسيح الموعود يحبّه كثيرًا. وقال المسيح الموعود في الأبيات التي كتبها في رثائه:

كان مبارك أحمد فلذة كبدي، وكان طاهرًا وزكيًّا صورةً وصفةً، ولقد فارقنا اليوم جاعلاً قلوبنا حزينة.

كان مبارك أحمد طفلا يتسم بفطرة صالحة وكان عمره عند وفاته يزيد قليلا على ثمانية أعوام، مع ذلك رأى حضرته ضرورة تأديبه عندما رأى منه تصرفًا غير لائق تجاه القرآن الكـريم.

326- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني ميان نبي بخش من سكان “بَن باجوَه” في محافظة سيالكوت وقال: لقد قلت لحضرة المسيح الموعود : أريد أن أقدّم لحضرتكم خاتمًا فماذا تنصحونني أن يُنقش على فصّه؟ قال حضرته: اكتب: “مولى بس”. فصنعت خاتمًا من الفضّة وقدّمته لحضرته.

أقول: هذا هو الخاتم الذي سبق ذكره في الرواية رقم 16 الواردة في الجزء الأول من سيرة المهدي. وأضيف أن كلمات “مولى بس” ترجمة لـ “أليس الله بكاف عبده”، وتعبر هذه الكلمات عن حالة الرضى والتفاني التي كانت تملأ القلب الصافي للمسيح الموعود .

327- بسم الله الرحمن الرحيم. حدّثني الدكتور مير محمد إسماعيل وقال: لقد شممت مرارًا ثياب المسيح الموعود عليه السلام بعد أن خلعها مقرّبًا إياها من أنفي ولكنني لم أشم منها رائحة العرق. لقد خطر ببالي هذا الأمر لأنني سمعت من والدتي (أي جدّتي لأمي) تقول: لا تفوح من ثياب حضرته أية رائحة العرق مطلقًا مثلما تفوح رائحة العرق من ثياب الناس.

أقول: لقد وردت في التعاليم الإسلامية أحكام مؤكدة على النظافة الظاهرية، وورد حثّ كثير على الغسل وتنظيف الثياب والتطيب، وذلك لأنه إضافة إلى منافعها الطبية تؤثر النظافة الظاهرية على النظافة الباطنية أيضا، وتتأثر نضارة الروح وبشاشتها بطهارة الجسم ونظافته، لأجل ذلك يهتم الأنبياء والمرسلون بنظافتهم الظاهرية أيضا أيما اهتمام، ويحافظون على طهارة أبدانهم ونظافة ثيابهم، ولا يدعون أية عفونة أو رائحة كريهة تنشأ فيها لأنهم يحتاجون إلى المثول أمام الله في كل حين وآن ويلتقون بالملائكة، ولا يمكن لشيء عفن أن يجد طريقًا إلى ذلك المكان.

أضيف وأقول: حدثني الحافظ روشن علي وقال: لقد لاحظت مرارًا أن الرائحة الزكية كانت تفوح لأيام كثيرة من المكان الذي كان المسيح الموعود يسجد فيه يوم الجمعة.

أقول: السبب في ذلك أن المسيح الموعود كان يكثر من التعطر والتطيب، وإلا فليست هذه معجزة ولا أمر خارق للعادة كما يظنه بعض الناس بل تنشأ هذه الحالة نتيجة النظافة والطهارة غير العادية. ولكن الأسف أن المسلمين اليوم كما تخلّوا عن ميزات إسلامية أخرى تجرّدوا من النظافة والطهارة أيضا إلا ما شاء الله، ومن يهتمون منهم بالنظافة والطهارة فإن اهتمامهم أيضا منصبّ على النظافة الظاهرة فحسب، أي تكون ثيابهم الخارجية نظيفة، أما أجسامهم وثيابهم الداخلية فتكون وسخة وعفنة.

328- بسم الله الرحمن الرحيم. لقد ذكر الخليفة الثاني أيده الله تعالى بنصره العزيز ما يلي: في زمن المسيح الموعود لما كنت أدرس صحيح البخاري على يد الخليفة الأول t، سألني حضرته: ماذا تدرس من المولوي نور الدين في هذه الأيام؟ قلت: صحيح البخاري. فقال مبتسمًا: اسأله نيابة عني: هل ورد في صحيح البخاري الأمر بالغسل أم لا؟

أقول: كان حضرة المولوي ببساطة طبعة متساهلاً نوعًا ما في أمر الاغتسال، وفي نظافة الملابس وتغييرها بسرعة، لذلك فقد تكلم حضرته بهذه الكلمات لتنبيهه إلى هذا الأمر.

329- بسم الله الرحمن الرحيم. أقول: سافر المسيح الموعود إلى لاهور مرة فدعاه شيخ رحمة الله اللاهوري إلى مأدبة في بيته فذهب حضرته إلى داره وهناك سأله مستري محمد موسى: سيدي! شاع بين الناس أن الذبابة لم تكن تحطُّ على جسم النبي ، وكلما قضى النبي حاجته التهمتها الأرض فورًا، فهل يصح كل هذا؟

قال حضرته: إنها أقوال لاغية اخترعها بعض الناس متأخرًا. ثم تكلم حضرته لدقائق حول القضايا المشابهة لما طُرح وألقى كلمة موجزة ذكر فيها الموقف الصحيح، وكان ملخصها أن الأنبياء كالناس الآخرين في أحوالهم الجسدية، ولا يخرجون عن قانون الله في العالم.

أقول: كنت لا أزال طفلا في ذلك الوقت إلا أن صورة ذلك المجلس لا تزال حيّة في تلافيف ذهني.

330- بسم الله الرحمن الرحيم. حدثني الدكتور مير محمد إسماعيل وقال: لم أسمع قط شتيمة أو كلمة مشابهة لها من لسان المسيح الموعود ولو في حالة الغضب. أشد ما كان يقوله: إنه غير عاقل، أو جاهل، أو أحمق، وذلك أيضا على سبيل الندرة وعند صدور خطأ فاحش من أدنى الخدم.

أقول: أتذكر أنه عند صدور خطأ كبير من أحد الخَدم كان أكثر ما يتلفظ به حضرته هو كلمة جاهل أو حيـوان. وكان يهدف إلى أن يقول له بأن ما فعلته لا يليق بالإنسـان، إنما هو فعـل يـشابه فعل الحيـوانات.

Share via
تابعونا على الفايس بوك