سنة جديدة وطموحات قديمة

سنة جديدة وطموحات قديمة

محمد طاهر نديم

رياح تجري بما تشتهيه سفن الآمال والموحات والأحلام

ودعنا العام المنصرم بحلوه ومره، وأفراحه وأتراحه. ووارينا طيات التاريخ ذكرياته السعيدة منها والتعيسة، وأحداثه الزاخرة بالسرور والسعادة، وأخرى ملؤها الفواجع والنكسات والإهانات. لقد أسدلنا الستار على الماضي لنتطلع نحو مستقبل مشرق، فها هي سنة جديدة قد حطت وحالها، وبحلولها أشرق الأمل في النفوس، ولاحت في الأفق بشائر الخير والبركات.

هكذا نستقبل العام الجديد بحفاوة بالغة وتفاؤل عظيم وطموحات وأمنيات بمستقبل كريم. غير أنه لا يمر إلا وقد تثاقلت كواهله من هموم لا تحصى، واعتداءات لا تمحى، وأحداث دامية لا تنسى، فنغطيه بتراب التناسي، ونخفيه تحت غبار التجاهل، ونغمض العينين عنه وعما يكتنفه من النكبات والمآسي والآلام، ثم تفتح صفحة بيضاء ظانين أنها ستزدان بورود المآثر وزهور حسن الصنائع، وكروم الوئام ورحيق المودة والسلام، لكنها تمسي ملطخة بدماء الأبرياء، وممزقة بأسنة الظلم وسهام الاعتداء.

أتساءل هنا: إذا كان الجميع يبغون أن يعم العالم الإلف والأمن والسلام، وأن ينتشر التودد والتراحم والوئام، فمن ذا الذي يقتل الأماني ويخنق الآمال ويئد الطموحات؟ فلا أرى أنه أتى من المريخ.. كلا بل إنه من كوكبنا ومن بني جلدتنا.

أفلم يأن أن يسقط الظلم ويسود العدل وتعلو راية الحق؟

كم أتمنى وأنا أستقبل العام الجديد، أن يحترم الإنسان أخاه الإنسان لا لشيء سوى لأنه إنسان. أليس من أبسط ما نقدمه من حقوق للإنسانية أن نكف عن الناس شرنا فيسلموا من ألسنتنا وأيدينا.

وكم أتمنى أن يشعر المرء وهو يحتفل بعامه الجديد بالندم على ما ارتكبه من زلات في عامه المنصرم المديد.

وكم أتمنى أن تلئم الجراح بين الناس وتنتشر المحبة والتعاون والمؤاخاة، فيجتمع العالم على المحبة والإلف والوئام.

وكم أتمنى أن يمد القوي يده للضعيف لينقذه من مخالب الفقر والجهل والبؤس والحرمان.

وكم أتمنى بلسان المنفلوطي أن تهدأ أطماح النفوس، ويعرف كل ذي حق حقه، حتى ينشر السلام أجنحته البيضاء على هذا المجتمع البشري.

وكم أتمنى أن يتحقق انطباع الشاعر محيي الدين فارس في هذين البيتين من الشعر:

و أبصر في الأرض حرية

تضم الوجود وتطوي الدنى

.

وفي كل أرض أغاني السلام

وفي كل واد ربيع دنا

وأدعو بلسان الشاعرة فدوي طوقان، اللهم:

أعطنا حبا نبني العالم المنهار فينا من جديد

ونعيد

فرحة الخصب لدنيانا الجديبة. (أي الأرض اليابسة والقاحلة)

في ظل هذه المشاعر النبيلة نتلطع إلى العام الجديد.. لعله يحقق لنا هذا الواقع الباسم الخلاب. ولربما ندرك غدا ما نتمناه اليوم، ونتفاءل مرة أخرى أن الرياح في هذا العام ستجري بما تشتهيه سفن الآمال والطموحات والأحلام. وكل عام وأمة خير الأنام بألف خير وعافية.

Share via
تابعونا على الفايس بوك