الدعاء وسيلة الإيمان الحي بقدرة الله

 

آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (286)

التفسير:

بيّن هنا أن شعار المؤمن -لكي يحقق تزكية النفس- هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله جميعا، وصرح أن الإنسان لا يفوز برضوان الله تعالى ما لم يصلح عقيدته وعمله معا.

ولكن الأسف أن الناس رغم وجود هذه الآية الصريحة.. يظنون أنه يكفي للنجاة الإيمان بالله ولا ضرورة للإيمان بكتبه ورسله وملائكته. مثل هذه الأفكار كانت تجول بذهن الطبيب عبد الحكيم البتيالَوي، وبسببها طرده سيدنا الإمام المهدي من جماعته، وقال بكل حسم وقوة: إن هذه العقيدة منافية للإسلام تماما. الإسلام يوجب الإيمان برسل الله جميعا، وخاصة محمد رسول الله ، حتى ينال الإنسان النجاة (حقيقة الوحي 122).

بقوله (لا نفرق بين أحد من رسله) نبه إلى أن رفض أي رسول منهم يجعل الإنسان موردا لغضب الله تعالى. فالإيمان بكل رسول ضروري، سواء كان ذا شرع قديم أو جديد، بعث في الماضي أو يبعث في المستقبل.

لا شك أن هناك فرقا كبيرا بين الرسل درجةً ومكانة. فالمكانة التي تبوَّءها الرسول الكريم لم يحزها موسى ولا عيسى ولا أي نبي من الأنبياء عليهم السلام. ولكن فيما يتعلق بموضوع الإيمان بالرسل.. فكما أن الإيمان بمحمد ضروري، كذلك –بدون أي فرق–من الضروري الإيمان بموسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء والرسل، ولا يجوز أي تفرقة بينهم في هذا الأمر.

كذلك لا يجوز التفريق بينهم فيما يتعلق بضرورة العمل بما ينزل عليهم من وحي الله. صحيح أن درجاتهم مختلفة، ولكن الذي يُنزل عليهم كلامه واحد. فمثلا: لو قال أحد إن النبي فلانا أعلى درجة من الآخر، فلذا أقبل ما نزل عليه من الوحي، ولكن هذا الآخر أدنى منه درجة فلا أصدق بما نزل عليه، فمثل هذا التفريق الأحمق هو كقول أحد: لقد أرسل إلي المدير أمره في بريد عادي، ولم يرسله في بريد مسجل، ولذلك لا أعمل به! هل هناك أجهل ممن يقول بهذا العذر أو يقبل به؟ فإذا كان هذا لا يُقبل بالنسبة إلى المدير، فكيف يجوز أن يقال مثل ذلك بالنسبة إلى كلام الله؟ لذلك ذكر الله علامة المؤمنين أنهم قالوا (سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير).. أي أنهم لا يتهاونون ولا يتكاسلون لحظة في طاعة أوامر الله، بل بمجرد أن سمعوا حكمه قالوا: سمعنا وأطعنا من صميم قلوبنا.

وبعد هذا علَّم الله المؤمنين بعض الأدعية الخاصة لتزكية النفس.. لأن الدعاء هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من رؤية وجه الله تعالى، وتهب له الإيمان الحي بقدرة الله. والدعاء الذي يعلِّمه بنفسه لا يبقى أي مجال للشك في استجابته وقبوله

(غفرانك ربنا وإليك المصير). هناك فعل محذوف قبل (غفرانك) تقديره (اغفر) والمعنى يا رب، أعطنا نصيبا من غفرانك واعف عنا.

في الآيات السابقة، نبّه إلى تزكية النفوس خاصة. لذلك بيّن هنا أنه الآن قد وُجدت –ببركة القوة القدسية لمحمد رسول الله –جماعة طاهرة تقول (سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير) وتحني رأسها في كل حال عند عتبة الله تعالى.

 لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرينَ(287)

شرح الكلمات: 

يكلف-كلّفه: أمره بما يشق عليه (الأقرب). ورد في الحديث (كلِّفنا من الأعمال ما نطيق) (مسلم، الإيمان).

إصرا- الإصر: الثقل؛ العهد؛ الذنب (الأقرب).

لا تحمِّلنا- حمّله الأمر: جعله يحمله وكلَّفه بمحله (الأقرب).

التفسير:

في قوله تعالى (لا يكلف نفسا إلا وسعها) بيّن أنه لا يأمر الإنسان بما يفوق قدرته أو استعداده. فما دامت أحكامه تكون دائما داخل نطاق قدرة الإنسان، فلا بد أن تكون المسئولية الكاملة عليه. فهو الذي يستحق بالعمل بها نعم الله وهو الذي يستحق بعدم العمل عقوبة منه تعالى، ولذلك أتبعه الله بقوله (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت)، أي إذا عمل حسنا جنى هو نفعه، وإذا عمل سيئا يتضرر هو نفسه.

ونبه هنا ضمنيا إلى الأمور التالية:

أولا- إن المهمة التي أنيطت بالأمة المحمدية في هذا العصر هي في نطاق قدرتها ووسعها، وسوف تُري هذه الأمة العالم في يوم من الأيام بإنجازها هذه المهمة أنهم كانوا أولى وأحق بها. ولو أن هذه المهمة أنيطت بأمة نبي سابق ما استطاعوا إنجازها.

وثانيا – تذكر هذه الفقرة أيضا فضيلة أخرى للإسلام، أنه وضع في أحكامه كلها مرونة نظرا إلى ضعف الناس وحاجاتهم.. بحيث يمكن العمل بها في أي ظرف. أما الأديان الأخرى فإنها في تعاليمها مالت إلى الإفراط أو إلى التفريط، ففقدت الاعتدال والتوازن الحقيقي؛ وبالتالي زال تأثيرها وحكمها على القلوب. إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يحكم قلوب الناس بفضل تعاليمه الموافقة للفطرة الإنسانية.

وثالثا: إنه ما دامت جميع أوامرنا في نطاق قدرتكم واستعدادكم، ولم نحملكم ما لا طاقة لكم به.. فمن واجبكم الآن أن تعملوا بها حق العمل بأمانة.

رابعا-إن هذه الفقرة تُبطل عقيدة الكفّارة، حيث بيَّنت أن تجنب الإثم ليس فوق قدرة الإنسان ، بل كل إنسان قادر على أن يقهر المعصية إذا أراد. فلا حاجة له إلى أي كفّارة للنجاة، وإنما هناك حاجة لاستثارة قواه الفطرية وحسن استخدامها.

وقوله (لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت): الفرق بين الكسب والاكتساب أن الاكتساب يدل على بذل المزيد من الجهد والمشقة. فباختيار كلمة (الكسب) للحسنة، و(الاكتساب) للسيئة أشار إلى أن الحسنة أمر فطري في الإنسان، ولا يحمّله العمل بها مشقة، ولكن السيئة عمل غير فطري، وإنها تتولد بسوء استخدام القوى الخُلقية، ولذلك يضطر مرتكبها لسلوك طريق يكلفه العناء والجهد.

كما أنَّ هذه الكلمات تشير إلى أن صاحب الحسنة ينال الجزاء في كل حال، ولكن من عمل سيئة فإنما يعاقَب عليها فقط إذا كان قد اكتسبها.. أي ارتكبها قصدًا وعمدًا.

وبعد هذا علَّم الله المؤمنين بعض الأدعية الخاصة لتزكية النفس.. لأن الدعاء هو الوسيلة الوحيدة التي تمكن الإنسان من رؤية وجه الله تعالى، وتهب له الإيمان الحي بقدرة الله. والدعاء الذي يعلِّمه بنفسه لا يبقى أي مجال للشك في استجابته وقبوله. يقول الله: إن عبادنا المؤمنين يدعون دائما (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا).. يا رب، إذا كنا قد نسينا العمل ببعض الأمور، ووقعنا في بعض الأخطاء، فلا تعاقبنا، بل ارحمنا وعامِلْنا بالعفو.

أثار البعض سؤالا بأن الخطأ والنسيان بمعنى واحد، فلماذا جاء بهما؟

ولكن هؤلاء لا يفهمون أن أخطاء الإنسان في العمل على نوعين: الأول- أنه لا يقوم بأعمال كان من الضروري القيام بها، والثاني – أن يقوم بأعمال واجبة ولكن بطريقة خاطئة. فمعنى (إن نسينا): يا رب، لا تجعلنا نتغافل عن القيام بواجباتنا حتى لا نُحرم من الرقي، فاحمنا من هذا الخطأ والحرمان. ومعنى (أو أخطأنا)..يا رب، احفظنا من أعمال يجب اجتنابها، أو احمنا من القيام بواجباتنا بالخطأ. فالنسيان يدل على عدم العمل، والخطأ يدل على العمل على غير الوجه الصحيح. فليس هناك زيادة.. وكل كلمة منهما في مكانها المناسب. ومثال النسيان ما وقع فيه آدم، فقد قال الله عنه (فنسيَ ولم نجد له عَزما) (طه: 116).

(ربنا لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا). والإصر يعني الإثم أيضا. فمعنى الدعاء: يا رب، لا تُلْقِ علينا الإثم كما ألقيته على من قبلنا من الأمم.. أي احمِنا بفضلك من الأعمال التي بسببها يُنسب الإثم إلينا، ويعتبرنا الناس ظالمين مسودّي الوجوه، وينسبون إلينا مختلف العيوب كما حدث للأمم السابقة.

والإصر يعني العهد أيضا، فالمعنى: يا رب، لا تأخذ منا عهدا نستوجب عقوبتك بإخلافه.. كما استوجبتها الأمم من قبلنا.

وهنا سؤال: إذا كان أخذ العهد شيئا كريها فلماذا أُخذت العهود من الأمم السابقة؟ وإذا كان أخذ العهد جيدا فلماذا لا يؤخذ من أمة الإسلام؟ بل كان من الضروري أن يؤخذ العهد من كل فرد منها لأنها خير الأمم.

فلنعلم.. أن هذه العبارة لا تعني ألا يأخذ ربنا أي عهد منا مطلقا، وإنما المراد: يا رب، إذا أخذت منا عهدا فوفقنا للعمل بحسبه حتى لا نعد كالأمم السابقة من الغادرين المخلفين! كأن هذا الدعاء ليس للفرار من العهد، وإنما هو دعاء للتوفيق في أداء ما يتطلبه العهد على أحسن وجه.

والإصر يعني الثقل أيضا. فالمراد: يا رب، لا تضع على كواهلنا ثقلا كما ألقيته على من سبقونا. ولا يعني هذا الدعاء ألا تفرض علينا –مثلا- صلوات كثيرة لا نستطيع أن نؤديها، لأن الله تعالى سبق أن قال (لا يكلف نفسا إلا وسعها)، وإنما يعني: يا رب، لا تفرض علينا عقوبات فرضْتها على من قبلنا بسبب بعض جرائمهم، ولا تجعلنا نرتكب ما ارتكبوه من أخطاء ونجم عنها هلاكهم. لقد عصوك وخالفوا أوامرك، فسلَّطت عليهم حكومات، وفرضت عليهم قوانين ثقلت عليهم ولم يستطيعوا تحملها. فأقِمْنا بفضلك مقاما بحيث لا نرتكب مثل أخطائهم، ولا نتعرض لمثل عقوباتهم التي تفوق طاقة تحملنا.

ولا يعني أن لا حرج عندنا في عقوبة إلهية تكون في نطاق قدرتنا. الواقع أن كل عقاب روحاني يفوق قدرة الإنسان، وإنما هي رذالة الإنسان التي بسببها يتحمل هذه العقوبة، وإلا فإن الإنسان الشريف النفس لا يتحمل حتى أدنى عقوبة. فمثلا إذا كان الإنسان عاشقا فإن أقل سخط من حبيبه يوقعه في قلق وهَمّ، فأحيانا يقول: لم ينظر إلي المحبوب، وأحيانا يقول: لم يتكلم معي، أو تكلم ولم أشعر ببشاشة، ويثقل عليه ذلك حتى يمسي ويصبح في هم شديد. فلا يعني قوله تعالى (لا تحمل علينا إصرا) لا تعاقبنا عقوبة كبيرة، ولكن لا حرج في عقوبة صغيرة.. وإنما المعنى: لا تعاقبنا عقابا كبيرا ولا صغيرا.

ثم هناك من المصائب ما يحل بالإنسان دون جُرم منه. فقد يقع الجار في تقصير ويتضرر الإنسان منه، ويخطئ الصديق فيصيب الصاحبَ نصيبٌ من العقاب.. لذلك علَّم الله المؤمنين الدعاء .. أولا- أن يجنبهم الخطأ والنسيان حتى لا يستحقوا بهما العقاب، وثانيا– علمهم دعاء (ربنا لا تحمِّلنا ما لا طاقة لنا به).. يا رب، لا تعرضنا لموقف يُخطئ فيه مَن حولنا ونتحمل نحن آثار مصائبهم!

ولكن زاد هنا شرطا وقال: (ما لا طاقة لنا به). ذلك لأن الكلام هنا لا يتعلق بسخط الله تعالى، وإنما يتعلق بالمصائب والابتلاءات الدنيوية. السخط الإلهي لا يُتحمل ولو كان ضئيلا، ولكن الأذى البسيط فيتحمله الإنسان. فعندما كان الحديث عن العقوبة الروحانية والسخط الإلهي علَّمنا أن ندعو بأننا لا نستطيع تحمل أي سخط منك كبيرا أو صغيرا، ولكن عند الحديث عن مصائب الدنيا علّمنا أن ندعو بأن الابتلاء البسيط الذي في طاقتي احتماله فلا حرج منه. لا أقول أن أسير في طريق مفروش بالورود.. غير أني ألتمس منك فيما يتعلق بالابتلاء الذي ليس وراءه سخطك، والذي يمر به الناس عموما.. ألا تحمّلني منه ما لا طاقة لي به. وهذا لا يعني أن المؤمن يريد لنفسه الابتلاء.. ولكن بما أن الله أخبر أنه يبتلي عباده المؤمنين، لذلك يقول المؤمن يا رب، لا أقول لا تختبرني، ولكني أقول ألا تختبرني بما لا أطيقه.

فيا رب وفِّقنا بفضلك بإحداث تغيير صالح في نفوسنا نجذب به رحمتك وكرمك، فاجعلنا غالبين على الكفار، بارزين عليهم.. ليس من الناحية المادية فقط.. بل أيضا من الناحية الخلقية والروحانية.. حتى ينتشر دينك في أرجاء الدنيا

ثم قال (واعف عنا) وهذا في مقابل (إن نسينا).. أي إذا لم نقم ببعض أعمال كان يجب أن نقوم بها، فنتوسل إليك أن تعفو عنا، (واغفر لنا) وهذا إزاء (أو أخطأنا).. أي احفظنا من وبال ما ارتكبنا من أخطاء فيما فعلنا، وكأننا لم نقم بشيء. العفو يعني الرحمة أيضا، والرحمة بمن فاته شيء هي أن يُعطى عوضا عنه حتى لا يتحمل عاقبة نسيانه.. ومن هنا يكون معنى (واعف عنا) أن هيئْ لنا بفضلك ورحمتك ما فاتنا. أما فيما يتعلق بالخطأ في عمل فيمكن تداركه بمحو هذا الخطأ..لذلك قال (واغفر لنا) بإزاء (أو أخطأنا). والغفران يعني المحو أيضا (اللسان). فالمعنى: امح من فضلك ما ارتكبنا من أخطاء في أعمالنا محوا كأنها لم تكن.

فمن ناحية علّمنا أن ندعو كي يسد فراغ أعمال لم نقم بها نسيانا منا، ومن ناحية أخرى أن ندعو ليمحو أخطاءنا فيما عملناه.

(وارحمنا)- أي أن الأخطاء التي نجمت عن الأعمال الخاطئة السابقة، والتي حالت دون رُقِيّنا.. ارحمنا بصددها، وارفع برحمتك وفضلك العوائق الحائلة دون رقيِّنا.

(أنت مولانا).. أنت سيدنا ومالكنا، ولا بد أن ينسب الناس تقصيراتنا إليك بطريق أو آخر. سيقولون: هؤلاء يُدعون (جماعة ربانية) ومع ذلك أصابهم الأذى ووقعوا في المصائب كغيرهم. فيا رب، أنت سيدنا ونحن عبيدك، فارحمنا رحمة السيد لعبده.. حتى لا تُنسَب أخطاؤنا إليك – سبحانك، فتتسبب في حرمان الناس من الهدى. ورد في الحديث أن أبا سفيان في غزوة أُحد هتف بكل قوة: لنا عُزّى ولا عُزّى لكم.. يزهو بتأييد هذا الصنم له، ولكن ليس للمسلمين (عزى) يؤيدهم. فأمر الرسول أن يقول المسلمون:  (الله مولانا ولا مولى لكم) (البخاري، المغازي)..أي: والينا وناصرنا هو الله الحي القيوم.. أما أنتم فلا والي ولا ناصر لكم. فما أروعها من شهادة عملية على صدقهم في قولهم (أنت مولانا).. حيث أعلنوا تحت ظلال السيوف أن ربنا قادر على حمايتنا.

وأخيرا علّم أن نستمر في دعاء (فانصرنا على القوم الكافرين).. إننا ضعفاء عديمو الحيلة، وعدونا قوي كثير.. ولن يتحقق لنا النصر عليه ما لم تكن معنا، وما لم تنفخ بفضلك ورحمتك في كل فرد منا روحا تجعله يغلب مائة بل ألفا من الأعداء. لو تفضلت علينا بهذا عندئذ ننجو، وإلا فلا مجال لنجاتنا. فيا رب، اجعلنا غالبين على من يعملون لعرقلة رقي الإسلام، وهيئ لنا أسبابا لنشر دعوتك وإعلاء كلمتك في العالمين.

ثم إن هذا الدعاء ليس لغلبة مادية فحسب، بل إنه أيضا ابتهال خاشع متواضع يلتمس الغلبة الروحانية على الأعداء، ويتوسل به المؤمنون إلى ربهم ومولاهم داعين: إذا كان إيماننا برسولك الكريم.. لم يخلق فينا تغيّرا، بحيث يشعر الناس بفرق روحاني بيننا وبين الكفار، ولم تكن أخلاقنا وسيرتنا أسمى وأحسن منهم، ولم نكن أفضل منهم معاملة.. فإن الدنيا سوف تعيِّرنا: ماذا نفعتهم صحبة محمد والإيمان به؟ إنها لم تُحدِث فيهم أي تغير حسن. فيا رب وفِّقنا بفضلك بإحداث تغيير صالح في نفوسنا نجذب به رحمتك وكرمك، فاجعلنا غالبين على الكفار، بارزين عليهم.. ليس من الناحية المادية فقط.. بل أيضا من الناحية الخلقية والروحانية.. حتى ينتشر دينك في أرجاء الدنيا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك