حقيقة البيعة

بعد بيان هذه الأمور كلها أعود وأقول مرة أخرى: لا تظنّوا أنه يكفيكم أنكم قد بايعتم في الظاهر؛ فإنّ الظاهر ليس بشيء. إن الله ينظر إلى قلوبكم، فيعاملكم بحسب ما فيها. ألا إني لأبرَأُ من واجب التبليغ قائلا:

إنّ الإثم سمٌّ فلا تأكلوه، وإنّ معصية الله موتٌ نجسٌ فاجتنِبوه، وادْعوا الله تعالى لكي توهَبوا قوة.

إن الذي لا يوقن وقت الدعاء أن الله قادر على كل شيء، إلا ما استثناه في وعده، فليس من جماعتي. والذي لا يترك الكذبَ والخداع، فليس من جماعتي. والذي هو منغمس في مطامع الدنيا، ولا يكاد يرفع بصره إلى الآخرة، فليس من جماعتي. والذي لا يقدِّم الدين على الدنيا حقيقةً فليس من جماعتي. والذي لا يتوب توبةً نصوحًا من كل معصية وكل عمل سيئ كشرب الخمر والميسر والنظر إلى الحرمات والخيانة والتصرف غير المشروع، فليس من جماعتي. والذي لا يواظب على الصلوات الخمس فليس من جماعتي. والذي لا يداوم على الدعاء ولا يذكر الله بتواضع فليس من جماعتي. والذي لا يهجر رفيقَ سوءٍ ينفث فيه الأثر السيئ فليس من جماعتي…

والذي ينقض، بشكل من الأشكال، العهدَ الذي قطعه معي عند البيعة فليس من جماعتي. والذي لا يؤمن بي مسيحًا موعودًا ومهديًّا معهودًا في الواقع فليس من جماعتي. والذي هو غير مستعدّ لطاعتي في الأمور المعروفة فليس من جماعتي. والذي يجالس زمرة المعارضين ويوافقهم الرأيَ فليس من جماعتي. وكلّ زانٍ وفاسق وشارب خمر وسفّاك وسارق ومقامر وخائن ومرتشٍ وغاصب وظالم وكاذب ومزوّر وجليسهم، وكل مَن يرمي إخوانَه وأخواتِه بتُهَمٍ، ولا يتوب عن أفعاله الشنيعة ولا يهجر مجالس السوء، فليس من جماعتي.

إن هذه الخصال كلّها سمومٌ لا يمكنكم النجاةُ قطعًا بعد تناوُلها. لا يجتمع الظلام والنور في مكان واحد. كل ذي طبع مُعوجّ وغير مخلص لله تعالى لا يستطيع أبدًا أن ينال تلك النعمة التي يؤتاها ذوو القلوب النقيّة.

ما أسعدَ أولئك الذين يعملون على صفاء قلوبهم ويطهّرون بواطنهم من كل رجس، ويبرمون مع ربهم عهد الوفاء! لأنهم لن يضاعوا أبدا، ولن يخزيهم الله أبدًا، لأنّهم لله والله لهم. إنهم سيُعصمون عند كل بلاء، وسفيهٌ العدوُّ الذي يقصدهم بسوء، لأنّهم في حضن الله والله حاميهم. مَن هو المؤمن بالله؟ إنْ هم إلا أمثال هؤلاء.

(سفينة نوح)

Share via
تابعونا على الفايس بوك