انتظار قاحل عقيم

هذا الكتاب دراسة تحليلية موثقة للدفاع عن الحق الذي قامت عليه المسيحية الأولى النقية التي صدع بها المسيح الناصري عيسى ابن مريم كما أنه بيان يكشف الحقيقة التي حجبَها تجّار الدين وسماسرة الخلاص، زبانية الترهيب وأصحاب صكوك الغفران.

والحق أن العقائد المسيحية قد اكتسبت صورتها الحالية من خلال عملية تغيير ممتدة على تاريخ المسيحية كله تقريبًا. فبدلا من الخوض في جدال لا نهاية لـه حول عملية التغيير تلك، اختار الكاتب دراسة العقائد المسيحية الحالية واختبارها على محكّ المنطق والعقل. وبالإضافة إلى موضوعات أخرى قد تمّ في هذا الكتاب بحث مسائل هامة كبنوة المسيح، الكفَّارة، الثالوث، المجيء الثاني للمسيح.

هذا عزيزي القارئ باختصار شديد هو محتوى هذا الكتاب القيِّم: «المسيحية رحلة من الحقائق إلى الخيال» لحضرة ميرزا طاهر أحمد (رحمه الله رحمة واسعة). ورأت أسرة «التقوى» نشره على صفحاتها عبر حلقات متسلسلة نظرا إلى الدعاية الواسعة التي نشطت بشكل خطير في الآونة الأخيرة صوتًا وصورةً وكتابةً بُعَيد الدمار الذي حلّ – ولا يزال يحلّ – بالمسلمين وأراضيهم من قِبل «الدجال».. القوى المادية للمسيحية بالتواطؤ مع الصهاينة. ومما لا شك فيه أن هذا الكتاب بيان حُبٍّ صادق مخلص للمسيح والمسيحيين في جميع أنحاء المعمورة. كما أنه رسالة حبّ لهم، لأنه يقودهم إلى حقيقة مَن يحبّون، وما يحبّون: المسيح الحق، والمسيحية الحقة. ولقد آن الأوان لأن تُفني المسيحية الحقّة ضَلالَ من حرّفها وضيّعها، ولتعود بأجيالها وعالمها كلّه إلى هداية رب العالمين.

وقد حصل شرف نقل الكتاب إلى اللغة العربية للكاتب السوري الأستاذ محمد منير الإدلبي وراجعه ثُلّة من أبناء الجماعة المتضلّعين في اللغة والدين. «التقوى»

الخـاتمـة

وفيما يتعلق بالبحث والاستقصاء، فإننا نأمل أن نكون قد أدينا واجبنا بصورةٍ وافية. ولكن قبل أن نترك البحث هنا نريد أن نُوجه دعوة مخلصة إلى العالم المسيحي، وهي أن يَنـزل المسيحيون من بُرجهم العاجي من العقائد المصطنعة، وأن يدرِكوا الحقائق الواقعية للحياة.

كان عيسى المسيح إنسانا كاملا في سياق زمنه، ولم يكن أكثر من إنسان. لقد وصل إلى أعلى ما قدّر الله له أن يصل إليه كرسول خاصّ مميز من عند الله باسم المسيح، الأمر الذي جعله متميزًا بين جميع الأنبياء منذ زمن موسى إلى زمن مجيئه هو.

لقد كلِّف كل نبي بمهمة صعبة حقًا. كان عليهم إصلاح أُناس قد صاروا أشرارًا تمامًا. غير أن مهمة عيسى كانت أصعب، إذ لم يكن عليه محاربة الشرور الشائعة في المجتمع فحسب، بل كان عليه – بالإضافة إلى ذلك – إحداث تغيّر جذري وثوري في موقف الشعب اليهودي.

وكما يحدث في حالة أتباع كل دين، فإنهم مع مرور الزمان ينحرفون تدريجًا عن الحقيقة فيتيهون في فلوات الأخطاء والآثام. وهذا بالضبط ما حدث في حالة الشعب اليهودي. إذ كانوا قد تحوّلوا – في زمن مجيء المسيح – وصاروا من الناحية الواقعية أمواتًا روحيًا. وكان ماء الحياة السماوية قد أصبح غورًا لديهم ونفدَ تاركًا وراءه قلوبًا متحجرة ميتة.

وكانت المهمة التي كلَّف الله بها عيسى هي أن يحوّل اليهود مرة ثانية إلى بشر أحياء ذوي قلوب حية نابضة، وأن يُفجّر فيهم ينابيع اللطف البشري. تلك كانت معجزة عيسى التي أنجزها؛ وفي ذلك كانت تكمن عظمته.

الآن، والعـالمَان الإسـلامي والمسيحي ينتظران معًا المجيء الثاني للمسيح عيسى، عليهما ألا ينسيا أن عيسى الموعود لا بد أن يكون هو عيسى الأول نفسه من ناحية الأسلوب والمهمة. ولكن كان على هذا المسيح، بحسب نبوءات مؤسس الإسلام حضرة سيدنا محمد ، أن يَظهر في مجيئه الثاني ليس في عالم المسيحية بل في عالم الإسلام، وأن المعجزة العظيمة التي كان عليه أن يأتي بها، هي ذاتها التي تمّت على يد عيسى من قبل؛ ولكن في هذه المرة كان عليه إصلاح قلوب مسلمي الزمن الأخير.

هذا الفهم، لمجيئه الثاني، تؤيده – بقوة – نبوءاتٌ أخرى لرسول الله محمد . فقد تنبأ بأن حال المسلمين، في الأيام الأخيرة، ستكون مشابهة تمامًا لحال اليهود خلال فترة انحلالهم وتفسّخهم، حذو النعل بالنعل.

فإذا كان المرض هو ذاته، فإن العلاج يجب أن يكون هو ذاته أيضًا. كان على المسيح أن يعود إلى العالم بالأسلوب المتواضع نفسه، ليس في شخصه ولكن في روحه وشخصيته، وهذا بالضبط ما قد حدث وحصل.

إن هؤلاء الأشخاص السماويين الثوريين يولدون دائمًا بشَرًا عاديين، متواضعين وغير مهمين ويعيشون حياة التواضع. وهم يزورون الأرض ثانية بشكل روحي بالأسلوب نفسه تمامًا، ويُعامَلون أيضًا بالإهمال نفسه والبرودة والأذى، والعداء المتعصب. وهم لا يُميَّزون بسهولة أبدًا على أنهم الممثلون الحقيقيون للذين قد تم الوعد بمجيئهم.

إن ما حدث للمسيح في ظهوره الأول على أيدي اليهود، كان مقدّرًا أن يحدث له ثانية أيضا، ولكن هذه المرة على أيدي المسلمين والمسيحيين الذين كانوا يتوقعون عودته.

إن التوقعات المشوَّهة ذاتها وغير الحقيقية المتعلقة بالطريقة التي سيعود فيها إلى الأرض، والأهداف التخيّلية نفسها التي كان يُتوقع منه أن يُتابعها؛ ووجهات النظر ذاتها غير الواقعية لأدائه ولإنجازاته على الأرض كما كانت قد عُرضت من قِبل الشعب اليهودي في زمن عيسى المسيح، كان لا بدّ أن يعيدها ويكررها المسلمون أثناء مجيئه الثاني.

وبهذا الشكل فقد كان التاريخ يعيد نفسه.

وناظرين إلى الوراء الآن، يجد المرء نفسه في موضع أفضل كي يفهم فشل اليهود في معرفة مسيحهم. ويُمكننا نحن أن نفهم بسهولة مشكلتهم الصعبة، وأن نأخذ من مأساتهم درسًا وهو أن فهمهم الحرفي لكتبهم قد ضللهم.

قد ناقشنا ذلك كله مسبقًا، ولكننا نشير هنا ثانية إلى هذه المسألة تأكيدًا على أهميتها.

يحدث دائمًا في تاريخ المصلحين الدينيين المنتظَرين، أن الناس الذين ينتظرونهم يفشلون في معرفتهم عند مجيئهم في أغلب الأحيان، لأن علامات مجيئهم تُقرأ وتُفهم خطأ. فالحقائق تُجعل أساطير! والمجازات تؤخذ على حرفيتها!

وناظرين إلى الوراء الآن، يجد المرء نفسه في موضع أفضل كي يفهم فشل اليهود في معرفة مسيحهم. ويُمكننا نحن أن نفهم بسهولة مشكلتهم الصعبة، وأن نأخذ من مأساتهم درسًا وهو أن فهمهم الحرفي لكتبهم قد ضللهم.

ولقد تم تقريبًا تكرار القصة نفسها في زمن المجيء الثاني للمسيح الموعود الذي هو حضرة ميرزا غلام أحمد القادياني ؛ فاليهود كانوا ينتظرون النـزول الموعود للنبي إلياس من السماء في زمن المسيح، وكذلك في هذا الزمان، فإن شخصًا ما أيضًا ما زال هبوطه متوقعا بجسده من السماء، ولكن هذه المرة هو المسيح ذاته.

كان اليهود يتوقعون المسيح أن يأتي مكلَّلا بالمجد، وكانوا يتوقعونه أن يأخذهم إلى عهد جديد من سيطرتهم وهيمنتهم وظهورهم وتفوقهم على أسيادهم الرومان. ولكن المسيح الناصري قد حطّم بمجيئه تلك التوقعات؛ حين ظهر أخيرًا بصورة بعيدة جدًّا عن الصورة التي توقّع اليهود مجيئه فيها كمسيح كانوا ينتظرونه. تلك الصورة التي كانوا يتمسكون بها بعزة وشدة على مدى قرون طويلة.

إن أحداثًا مشابهة بشكل صاعق حدثت عند مجيء المسيح الموعود في شخص حضرة ميرزا غلام أحمد القادياني. إن الدور الذي لعبه خصومه هو ذاته – الأسماء فقط هي التي اختلفت. فقد قام المسلمون والمسيحيون على السواء وتبنّوا دَور اليهود زمن عيسى. الاعتراضات هي ذاتها، ومنطق الاعتراضات هو ذاته. ومع ذلك فإن الله تعالى قد عامل هذا الرجل المتواضع حتى بآيات أعظم مما أظهر لتأييد ونُصرة مسيح العصر السابق؛ وساعده في نشر رسالته بسرعة أكبر وفي أعداد أعظم بكثير من حيث عدد البلاد وفي جميع قارات العالم.

تلك هي الحقائق التي تتكلم عن نفسها، ولكن فقط لأولئك الذين يسمعون.

تلك هي الحقائق التي تتضح وتسطع مع مرور الوقت أكثر فأكثر، ولكن فقط بالنسبة إلى أولئك الذين يهمهم أن يُشاهدوا.

إن روح رسالة المسيح لا تختلف في سياق المواقف المعاصرة للمسلمين والمسيحيين. ولكن سيفهَم فقط أولئك الذين لا يُغمضون عيونهم عنها.

دعونا في النهاية نذكّر المسيحيين والمسلمين – الذين ينتظرون عودة ظهور المسيح منذ عدة قرون – بالكلمات التي تنبّأََ بها حضرة ميرزا غلام أحمد القادياني المسيح المبعوث من الله في الأيام الأخيرة حيث يقول:

“اعلموا جيدًا أنه لن ينـزل من السماء أحدٌ. إن جميع معارضينا الموجودين اليوم سوف يموتون، ولكن لن يرى أحد منهم عيسى ابن مريم نازلاً من السماء أبدًا، ثم يموت أولادهم الذين يخلفونهم، ولكن لن يرى أحد منهم أيضًا عيسى ابن مريم نازلاً من السماء، ثم يموت أولاد أولادهم، ولكنهم أيضًا لن يروا ابن مريم نازلاً من السماء. وعندئذ سوف يُلقي الله في قلوبهم القلقَ، فيفكرون أن أيام غلبة الصليب قد انقضت، وأن العالم قد تغيَّر تمامًا، ولكن عيسى ابن مريم لم ينـزل بعد؛ فحينئذ سوف يتنفّر العقلاء من هذه العقيدة دفعةً واحدة، ولن ينتهي القرن الثالث من هذا اليوم إلا ويستولي اليأسُ والقنوط الشديدان على كل من ينتظر عيسى ابن مريم، سواء كان مسلمًا أو مسيحيًّا، فيرفضون هذه العقيدة الباطلة.” (تذكرة الشهادتين، الخزائن الروحانية ج 20، ص 67)

لذلك يمكنكم أن تنتظروا حتى يولد جيل جديد، وهم سوف ينتظرون حتى يُفنوا أعمارهم ويأتي بعدهم جيل جديد. وربما تستمر حالة الانتظار هذه حتى نهاية الزمان، غير أن مسيحًا ما لن يهبط بجسده من السماء.

وعلى كل حال، فإن أولئك الذين يحلمون بأن عيسى نفسه هو سوف يعود شخصيًا لن يروا حلمهم يتحقق أبدًا. ولربما يبنون لأنفسهم حائط مبكى آخر، كما فعل اليهود منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة. ويمكنهم أن يضربوا رؤوسهم بهذا الحائط، ولكن سوف يحدث معهم أيضًا ما حدث مع اليهود. فهم لن يروا مسيحًا هابطًا من السماء رغم بكائهم وعذابهم جيلاً بعد جيل. ولن تُنجِز لهم توقعاتهم المستقبلية عن المسيح شيئًا إلا فراغًا وخواءً لا ينتهيان.

إنه لانتظار قاحل عقيم حقًا!

وعلى كل حال، فإن أولئك الذين يحلمون بأن عيسى نفسه هو سوف يعود شخصيًا لن يروا حلمهم يتحقق أبدًا. ولربما يبنون لأنفسهم حائط مبكى آخر، كما فعل اليهود منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة… فهم لن يروا مسيحًا هابطًا من السماء رغم بكائهم وعذابهم جيلاً بعد جيل.

وأما بالنسبة إلى المسيحيين الذين يعتقدون جدِّيا بأن المسيح هو ابن الله بالمعنى الحرفي فاسمحوا لنا أن نُنهي هذا البحث والنقاش بهذه الكلمات المُنذِرة من القرآن الكريم التي تتحدث عن الهدف من بعثة الرسول الكريم محمد ، يقول الله عز وجل: وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ الله وَلَدًا * مَا لَهُمْ به مِنْ عِلْمٍ وَلا لآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقولون إِلا كَذِبًا (الكهف 5 – 6).

———

هكذا أيها القارئ الكريم بنشر هذه الحلقة الأخيرة من هذا  الكتاب القيِّم نكون قد أوفينا بالعهد الذى أخذناه على أنفسنا ألا وهو الرد على الدعاية الواسعة التي نشطت بشكل خطير في الآونة الأخيرة صوتًا وصورةً وكتابةً بُعَيد الدمار الذي حلّ – ولا يزال يحلّ – بالمسلمين وأراضيهم من قِبل “الدجال”.. وإعرابنا عن حبنا الخالص للمسيح الحق، والمسيحية الحقة. خصوصا أنه قد آن الأوان لأن تُفني المسيحية الحقّة ضَلالَ من حرّفها وضيّعها، ولتعود بأجيالها وعالمها كلّه إلى هداية رب العالمين.

اللهم بارك في الروح الطاهرة لمؤلف هذا الكتاب حضرة مرزا طاهر أحمد وارحمه رحمة واسعة وتقبل هذا العمل خالصا لوجهك يا رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك