الهجرة والحج.. قتل الشيطان ين الواقع والتمثيل!

الهجرة والحج.. قتل الشيطان ين الواقع والتمثيل!

التحرير

  • كيف أن الهجرة والحج يجبان على الجميع في حقيقة الأمر؟
  • ماذا عن غير المستطيع إذن؟!
  • أي فلسفة وراء حدثي الهجرة والحج؟

 ___

حري بالقول أن أحد جوانب عظمة وقداسة الوحي الإلهي أن له تجليات عديدة عبر الزمن، فهناك نبوءات قرآنية بلغت حد الكثرة ثبت صدقها بعد فترة وجيزة من نزول القرآن المجيد، ثم ظلت النبوءات نفسها يثبت صدقها بالتحقق مجددا إلى أيامنا هذه، بحيث لا يلغي التجلي اللاحق أي تجلٍّ سابق لنفس النبوءة، فكل تجلِّ كان يأتي مناسبا لروح العصر، وحاملا في جرابه ما يدهش عقول المعاصرين الذين يرون أنهم أتوا بما لم يأت به آباؤهم وأسلافهم، فظنوا أنهم على مقدرات العالم قادرين وفيها متحكمين..

حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (1).

ثم لا يلبث جراب الكنوز المخفية في النبوءة أن ينفتح مسفرًا عن تجلٍّ جديد آخر يأخذ بألباب أولئك الظانين في أنفسهم القدرة.

والهجرة النبوية حدث فارق، يصدق عليه ما قيل آنفا، فله من النبوءات المشيرة إليه ما كان منذ بدء الإنسانية.. ألم تكن أرض مكة قبل مبعث النبي الخاتم بمثابة جنة لساكنيها؟! أوليست حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ؟! بلى، هي كذلك، حتى بعث النبي بين ظهرانيها، وأعلن دعواه، هنا لم تعد مكة بالحرم الآمن، لا سيما بعد أن تعرض المسلمون للاضطهاد والتنكيل، وتعرض النبي لمحاولة الاغتيال، هنا ظهر تجلٍّ جديد لتحقق النبوءة القديمة:

قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (2)

وبالفعل، فارق النبي والمؤمنون الأوائل مكة جنتهم الأولى، وما أقساه من فراق، حتى يروى أن النبي جاشت عواطفه يومئذ فقال مخاطبا جنته التي خرج منها مُكرها: «واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ»(3).. وتمضي الأحداث سراعا، فيبلغ المدينة، أرض المهجر، مع صاحبه الصديق الأول ، فتكون المدينة المنورة مستقرا ومتاعا إلى حين..

والهجرة، وإن لم تتيسر للمؤمن بالرحلة والانتقال، فعليه أن يهجر ما عليه الآخرون من باطل، وهذا هو الأصل والجوهر الحقيقي للهجرة في واقع الأمر،حتى إن النبي أشار إلى هذا الأصل مرارا في حديثه الشريف

خلاصة القول في هذا المقام، أن الهجرة النبوية كحدث فارق، قد أشارت إليه النبوءات القديمة، ذلك لأنها سنة جارية في النبيين وجماعاتهم من المؤمنين.

والهجرة، وإن لم تتيسر للمؤمن بالرحلة والانتقال، فعليه أن يهجر ما عليه الآخرون من باطل، وهذا هو الأصل والجوهر الحقيقي للهجرة في واقع الأمر،حتى إن النبي أشار إلى هذا الأصل مرارا في حديثه الشريف، نذكر من ذلك في هذا المقام قوله:

«إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ». (4)

وهذا الشهر، يوليو 2023، يأتي بالتزامن مع مناسبتين جليلتين، فمن موسم حج بيت الله الحرام، والذي نودع به العام الرابع والأربعين من القرن الخامس عشر الهجري، إلى طلوع هلال شهر الله المحرَّم، والذي نستقبل به العام الخامس والأربعين من نفس القرن..

وأسرة التقوى إذ تحتفي بهذين الحدثين المباركين، يسرها أن تلقي الضوء على قاسم مشترك بينهما، وهو الانتصار على الشيطان، وهزيمته، فالهجرة من هذا الباب تحقيق فعلي لقتل الشيطان من خلال هجر المفاسد والشهوات الشيطانية إلى رحاب الله وجناته، وكذلك لا يخفى على أحد كون رمي الجمرات ركنا من أركان فريضة الحج، وهي تمثيل حركي لمشهد رجم الشيطان كذلك. وفي هذين المضمارين اللذَين هما مسرحان للإجهاز على الشيطان، نعرض الترجمة العربية لخطبة حضرة خليفة الوقت، ومنها نتعلم سويًّا الطريقة المثلى لقتل الشيطان.. أعاننا الله تعالى عليه، نجاة بأنفسنا وأهلينا، وهو تعالى الموفق والمعين، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك