أطفالنا ومشاهدة المحتوى غير اللائق

أطفالنا ومشاهدة المحتوى غير اللائق

هبة محمود مرعي

  • كيف يمكن الحيلولة دون تعرض أطفالنا للاستغلال الجنسي عبر شبكة الإنترنت؟

____

أسهم دخول التكنولوجيا الحديثة في مجتمعنا وبالتحديد ظهور شبكة الإنترنت بمواقعها المختلفة وسهلة التصفح والتي من أهمها وأكثرها شهرة موقع «اليوتيوب» في خلق جيل جديد من الأطفال مدمن علي استخدامها، فعلى الرغم من الوفرة المعلوماتية التي تتيحها مواقع الإنترنت ومنها «اليوتيوب» إلا أنها باتت تمثل خطرا حقيقيا في ظل الاستخدام المفرط لها من قبل أطفال مرحلة ما قبل المدرسة، والتي أصبح هناك صعوبة معها في السيطرة على منع الأطفال من التعرض للإنترنت بصفة عامة ولذلك السيل الجارف من الصور ومقاطع الفيديو بصفة خاصة، والتي انتقل معها العديد من الأطفال لمرحلة الإصابة بالاضطرابات النفسية والعصبية نتيجة للمحتوى المقدم إليهم عبر مقاطع الفيديو والتي بالنظر إليها وبفحص محتواها نجد أنها بعيدة كل البعد عن المألوف أخلاقيا، ولا تتماشى بحال مع القيم الإسلامية، حيث إن الغالبية العظمي منها إن لم يكن جميعها تعكس مضمون العنف والكراهية والجريمة والانحراف والخلاعة وإن كان هناك محتوي إيجابي فهو قليل مقارنة بالمحتوي السلبي المقدم، خاصة وأن هناك العديد من الأطفال يقومون بتقليد ما يشاهدونه من مشاهد عرضت في مقاطع اليوتيوب، خاصة أن أطفال مرحلة ما قبل المدرسة فضوليون بطبيعتهم ويسعون لاكتشاف المزيد من هذا المحتوى المرئي في ظل سهولة تصفحه وعرضه واحدا تلو الآخر، مما يجعلهم عرضة للمقاطع الموجهة ذات المحتوي الإباحي والعنيف والجريمة وتعرض تلك الفيديوهات بتقنية عالية في الإخراج والألوان والموسيقى المستخدمة بشكل يجذب الطفل ويدفعه إلي المداومة على مشاهدتها دون ملل، وترتب على ذلك ترك الأنشطة الأخرى التي تساعده على نمو ذكائه وتفكيره وخياله وتعزيز لياقته البدنية.(1)

لا تظن أنك بمأمن!

مهلا، لا تذهب بعيدا لأنك معتقد أن طفلك محمي تماماً من المحتوى الإباحي على الإنترنت، فأي مستخدم للإنترنت معرض لأن يشاهد محتوى إباحياً في أي لحظة.. بل قد يكون طفلك قد تعرض لذلك ولم يتكلم لأنه يشعر بالخجل والارتباك.. التسارع التقني الحاصل من حولنا أسرع بكثير من إدراكنا الشخصي.. التقنيات المدهشة تتوالى تباعاً.. والتفاصيل التقنية التي لا ندرك الكثير منها تتطور يوماً بعد يوم.. تبادل المعلومات الشخصية وانتشارها واستغلالها مثلاً أمر أصبح من الصعب إدراكه والإحاطة به.. الكثير من الشركات حول العالم تسعى بكل ما تستطيع لاستغلال المستخدمين والاستفادة منهم، والكثير من هذه الشركات يضرب بالأخلاقيات والمثل العليا عرض الحائط في سبيل النجاح التجاري.. ومما يزيد من حالة الإرباك هذه أن عقول أطفالنا الغضة أصبحت أقدر منا على استيعابها وفهمها واستغلالها والعبث بها.. كم منا مثلا يلجأ إلى أبنائه لحل مشكلة في جواله؟ أو لتركيب برنامج؟ أو لعمل نسخة احتياطية؟.. فهل يمكن بعد ذلك أن نقول بكل ثقة أن استخدام أبنائنا للتقنية هو تحت السيطرة؟..

ويذكر المدون الاجتماعي فهد الحجي قصة مرت عليه، اختصارها أن طفلا في الخامسة من عمره كان يبدو عليه الانزعاج وهو يلعب على الحاسب الآلي، وحينما توجهت إليه أمه لترى سبب ضيقه وجدت أنه يفتح دوما موقع ألعاب، وبين فترة وأخرى يوجهه هذا الموقع إلى صفحة فاضحة ملأى بالصور ومقاطع الفيديو الإباحية التي لا يصدقها عقل!.. أبٌ ذكر لي أنه اكتشف أن ابنه في الصف الخامس الابتدائي قد تعلم من صديقه كلمة بلغة روسية حينما يكتبها في محرك بحث جوجل يستطيع الوصول إلى كم هائل من الصور الإباحية المخجلة!.. حينما اكتشف الموضوع كان ابنه يتصفح هذه الصور لأكثر من ثلاثة أشهر بدون أن ينتبه أبواه إلى شيء من ذلك!..(2)

نحن للأسف لا توجد لدينا دراسات وأرقام عن معدل تعرض أطفالنا للمحتوى الإباحي، وذلك لحساسية هذا الموضوع والتي تجعل من الأطفال والآباء والأمهات يؤثرون الصمت على البوم بما مروا به، ولكن المؤشرات العامة والقصص المتداولة تقول بأنه يحدث بشكل ملحوظ، كما يحدث مع جميع أطفال العالم، في كل مكان.

في أمريكا، المعدل العمري للطفل حينما يشاهد محتوى إباحياً لأول مرة في حياته هو 11 سنة. 42% من الأطفال يشاهدون محتوىً إباحياً قبل سن المراهقة، و 73% من الأطفال يشاهدون ذلك قبل أن يبلغوا سن الرشد، أي قبل سن 18 عاماً. هذه الإحصائيات مخيفة!

أبناؤنا جميعاً معرضون في أي لحظة لمشاهدة ما لا يمكن لنا أن نستوعبه من المحتوى الإباحي الخطير والمخجل.. هذه أصبحت حقيقية من حقائق عصر الإنترنت الذي نعيشه.(3)

ولذلك السيل الجارف من الصور ومقاطع الفيديو بصفة خاصة، والتي انتقل معها العديد من الأطفال لمرحلة الإصابة بالاضطرابات النفسية والعصبية نتيجة للمحتوى المقدم إليهم عبر مقاطع الفيديو والتي بالنظر إليها وبفحص محتواها نجد أنها بعيدة كل البعد عن المألوف أخلاقيا، ولا تتماشى بحال مع القيم الإسلامية، حيث إن الغالبية العظمي منها إن لم يكن جميعها تعكس مضمون العنف والكراهية والجريمة والانحراف والخلاعة

حقيقة اتهام اليونيسيف

تتناقل صفحات على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حديثًا، تصريحًا منسوبًا لليونيسف تقول فيه أن أية محاولة لمنع الأطفال من الوصول إلى المواد الإباحية عبر الإنترنت قد يعتبر تعارضًا مع حقوق الإنسان، وهي ليست ضارة دائمًا لهم، بل قسم منهم يكونون سعداء بعد مشاهدتها.. وفي حقيقة الأمر فإنّ اليونيسف لم تصرّح بالكلام المتداول لدى ناشري الخبر، وإنما حقيقة الأمر أنها نشرت ورقة بحثية بعنوان «وسائل تحديد العمر الإلكترونية وحقوق الطفل الرقمية حول العالم»، لخّصت فيها أهم القوانين التي تشرّع استخدام وسائل إلكترونية لتحديد عمر المستخدمين لبعض المواقع والخدمات عبر الإنترنت، وتطرّقت إلى مخاطر ذلك على حق الخصوصية الرقمية لدى المستخدمين الأطفال، مع الأخذ بعين الاعتبار كيف أنَّ وسائل تحديد العمر قد تحميه من بعض المخاطر على الشبكة، مثل التعرض للمحتوى الإباحي أو الاستغلال الجنسي، أو المقامرة، وغيرها..

حُذفت الورقة من موقع اليونيسف، بعد تسببها بمعارضة من قِبل العديد من المنظمات، لكن يمكن الاطلاع على نسخة مؤرشفة لها. والسبب الرئيسي للمعارضة التي تلقتها الورقة هو ادعاؤها بأنه «رغم وجود أنواع مختلفة من الأضرار التي من الممكن أن تقع على الأطفال بسبب تعرّضهم للمحتوى الإباحي عبر الإنترنت (..) إلا أنَّ الأدلة على ذلك متباينة، ولا يوجد حاليًّا اتفاق عالمي حول طبيعة ودرجة خطورة الأضرار الناجمة عن تعرّض الأطفال للمحتوى المصنّف على أنه إباحي عبر الشبكة.

كذلك مما أثار موجة الاعتراضات أن صاحبة الورقة البحثية أيما داي عبَّرت في بحثها عن مخاوفها من ممارسات المنع المطلق للأطفال عن المحتوى المصنّف على أنه إباحي، قائلة بأن المواد التعليمية والتثقيفية حول الجنس والجنسانية تصنّف على أنها إباحية في بعض البلدان، في حين هي مواد تعليمية ضرورية للأطفال والمراهقين، بحسب تعبيرها. كما أشارت الورقة إلى أنَّ وسائل تحديد العمر الإلكترونية عادة ما تتطلب ممارسات قد تخرق حقوق الخصوصية لدى المستخدم لكي تتوصل إلى تحديد عمره، في حين أنَّ -برأيها- الجدار المنيع بين الأطفال والمحتوى الإباحي، على سبيل المثال، هم الأهل ورقابتهم على الأطفال.

فنحن نختلف مع الباحثة في نقطة ولكن نتفق وإياها في نقطة أخرى، وما نختلف معها فيه مرجعه اختلاف القيم بيننا وبين المجتمع الغربي الحداثي، الذي مني بفوضى أخلاقية بات يعترف بشدتها عليه الآن.(4)

وفي سياق مثير متصل، وعلى الصعيد البريطاني، نشرت صحيفة اندبندنت (العربية) تقريرا بعنوان «الحكومة البريطانية تتخلى عن خطة لتجنيب الأطفال مشاهدة الأفلام الإباحية على الإنترنت»، ذكرت فيه ما يشير إلى أن الحكومة البريطانية حذت حذو المنظمة العالمية للطفولة “اليونيسيف” في تعريض الأطفال دون ال 18 عاما إلى جرعات كبيرة من مشاهدة المقاطع الإباحية تحت نفس المبررات التي أعلنتها “اليونيسيف”.(5)

 

الوقاية بتلفزيون الأسرة، والممنوع مرغوب!

أوضحت دراسات كثيرة أن الأطفال يقبلون على مشاهدة برامج الكبار بصورة أكبر من البرامج المخصصة للأطفال، ولضمان استفادة الأطفال من البرامج التي يشاهدونها، وينصح المختصون في شؤون الأسرة بمشاركة الأطفال عند مشاهدة التليفزيون، سواء عند مشاهدة برامج الأطفال أو برامج البالغين، وذلك للرد على استفساراتهم وتوضيح بعض الأمور التي قد يصعب عليهم فهمها، وكذلك للتعليق على الجوانب السلبية التي قد تُعرض والألفاظ الخارجة التي قد تٌستخدم.

وكثيرا ما تصدر الأسرة أوامر وقرارات لأطفالها بالامتناع عن مشاهدة برامج معينة، ولكن خبراء التربية يعتقدون أن ذلك التصرف خاطئ من قِبل الأباء والأمهات، لأن فلسفة الحماية التي يجسدها هذا التصرف من الأسرة لا يمكن تنفيذها بصورة ناجحة خاصة مع تقدم الأطفال في العمر، الذين يعتبرون هذه الحماية نوعا من العقاب أو الحرمان، وبالطبع يمكن مشاهدة البرامج الممنوعة في حالة عدم وجود الأطفال في المنزل، أو عندما يكونوا بصحبة الأصدقاء. وفي هذا الصدد يرى الخبراء التربويون أنه يجب على الأسرة اتخاذ وسائل بديلة عن مجرد المنع، فيمكنها على سبيل المثال تقديم بدائل جاذبة للأطفال في أوقات عرض تلك البرامج مثل تبادل الزيارات الأسرية والذهاب إلى النوادي أو الحدائق، وفي حال تعذر ذلك، يمكن أن تقوم الأسرة بتخصيص ذلك الوقت في مشاركة الأطفال في الإطلاع على بعض الكتب المصورة أو المجلات المحببة إليهم، أو رواية القصص، أو الانخراط مع الأطفال في الأنشطة الأخرى المحببة إليهم مثل الرسم أو الرياضة.

ما يجب علينا فعله

من الأمور الواجب اتخاذها حال اكتشاف أن طفلنا يشاهد محتوى غير لائق أن نكون هادئين أولا وقبل أي شيء، فمن المهم أن يسيطر الآباء على مشاعرهم، ولابد أن يعرفوا ما إن كان الطفل تعرض لما رآه بالمصادفة أم بالقصد. على الوالدين أن يكونا على دراية كافية بما يجب عليهما قوله أو فعله. ويعلمها جيدا أن كل ما يقولانه يؤثر بشكل أو بآخر في صحة الطفل النفسية وعلاقته بهما.

الأمر الثاني الواجب اتباعه أن نفسح المجال للطفل لنجعله يتحدث، نعم، يتحدث، سيبدو مندهشا، ومصدوما، وخائفا، وسيحاول إثبات أنه لم يشاهد هذا المحتوى عن قصد. لنعلم أن الكثير من الأطفال يخافون من التحدث إلى آبائهم عما يشاهدونه أو كيف يشعرون، لأنهم يخشون ردة الفعل. فليحاول الآباء طمأنتهم وليقولوا للطفل مثلا:

«يمكنك أن تحكي لي عما رأيته ونتحدث عنه، لن أغضب، لن آخذ جهازك».

فالنصيحة الواجب على كل أب وأم اتباعها أن دع طفلك يعلم أن

«كُلّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ»(6)،

خاصة إن لم يكن يعلم أن هذا خطأ، وأخبره أنك تعلم بما يشعر به من مشاعر سيئة وأن التكلم مع من يثق فيه وطلب المساعدة منه أمر بالغ الأهمية. أخبره أنك موجود دائما للمحادثات المطولة أينما ووقتما يرغب.

الهوامش:

  1. انظر: عزة جلال عبد الله حسين، تأثير فيديوهات الأطفال المقدمة عبر اليوتيوب على سلوك أطفال مرحلة ما قبل المدرسة في إطار نظرية التعلم الاجتماعي، بحث منشور في مجلة اتحاد الجامعات العربية لبحوث الإعلام وتكنولوجيا الاتصال – العدد الأول
  2. فهد بن فيصل الحجي، هل تعرض ابنك لمحتوى إباحي على الإنترنت؟، مجلة أهلأً وسهلاً، مايو 2017
  3. نفس المرجع السابق
  4. http://c-fam.org/wp-content/uploads/Digital-Age-Assurance-Tools-and-Childrens-Rights-Online-across-the-Globe.pdf
  5. انظر: روب ميريك، «الحكومة البريطانية تتخلى عن خطة لتجنيب الأطفال مشاهدة الأفلام الإباحية على الإنترنت»، جريدة الإندبندنت (العربية)، 20 أكتوبر 2019
  6. (سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله)
Share via
تابعونا على الفايس بوك