قتل الشيطان.. هكذا يكون!

قتل الشيطان.. هكذا يكون!

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • المعنى الحقيقي لقتل الشيطان.
  • كيف نبلغ حال إيثار الدين على الدنيا؟!

_____

توليد التقوى الحقيقية في النفوس

ها هو رمضان هذا العام يجر أذياله معلنا قرب الرحيل، واليوم آخر جمعة فيه. كثيرون منا يبيتون النية للقيام بالعبادة في رمضان ولإحداث تغييرات طيبة في أنفسهم، ولكنهم لم يستطيعوا العمل وفق خططهم كما أرادوا. وقد أعرب لي العديد في رسائلهم عن هذا الأمر. هذا اليوم الذي هو آخر أيام رمضان أيضا سينقضي خلال بضع ساعات. إن يوم الجمعة هو اليوم المبارك الذي تكون فيه ساعة يجاب فيها الدعاء خاصة. فحتى وإن لم نكن قد قضينا رمضان كما أردنا وخططنا، أو كما يجب أن يقضي المؤمن أيامه، فمع ذلك يجب علينا في الساعات الباقية من اليوم أن نعاهد الله تعالى وندعوه أن يصفح عن تقصيراتنا ويرحمنا ويوفقنا لعيش حياتنا دائما بحسب ما يريد منا. إن الله تعالى رحيم كريم، فلم يقل بأن ساعة في يوم الجمعة في شهر رمضان فقط هي ساعة استجابة الدعاء، بل قال إن هذه الساعة تكون في كل يوم جمعة عموما. فلو أننا عاهدنا الله تعالى في دعواتنا اليوم على أننا سوف نسعى بعد شهر رمضان أيضا لرفع مستوى تقوانا، وسوف نجتهد للفوز بقرب الله تعالى، وسوف نخلص عباداتنا لله تعالى حتى الجمعة التالية، ثم سوف نزين الأيام التي هي بين كل جمعة وأخرى بالعبادات وصالح الأعمال، وسوف نؤْثر الدين على الدنيا، وسوف نسعى جاهدين إلى شهر رمضان التالي للعمل بالخطة التي وضعناها لإحداث التغييرات الطيبة في أنفسنا في شهر رمضان هذا وفشلنا في تنفيذها لسبب من الأسباب، أقول لو فعلنا ذلك فإن هذا هو العمل الذي يولد فينا التقوى الحقيقية. عندما سنقوم بعباداتنا وأعمالنا لوجه الله خالصة، فإن الله الذي هو أكرم الكرماء والرحمن الرحيم سوف ينعم علينا باستمرار بالبركات التي تمتعنا بها إلى حد ما في رمضاننا هذا. فالتقوى أصل كل شيء. والمهم هو المداومة والمثابرة على العمل بأحكام الله تعالى. المهم هو خشية الله والفوز برضاه . فلو فزنا بهذا المرام ولم نرجع ثانية إلى التهافت على الشهوات التي تنسينا إيثار الدين على الدنيا، فإن الله تعالى سوف يتقبل منا ما قمنا به في رمضان من عبادات وجهود لإصلاح أنفسنا، ولسوف ينعم علينا بفضله. هذا هو الأمر الأساسي الذي يجب أن نجعله نصب أعيننا كل حين. يجب أن يأخذ كل أحمدي تحقيق هذا الهدف بعين الاعتبار دوما. فإذا قضينا حياتنا متحلين بالتقوى وساعين للفوز برضا الله تعالى، فسوف نقدم لذرياتنا وأجيالنا قدوة حسنة تساعدهم على فعل الخيرات باستمرار جيلا بعد جيل.

بيعة المسيح الموعود وسر من أسرار التقوى

بفضل الله تعالى قد بايعنا إمامَ هذا الزمان، الخادمَ البار للنبي ، وملخّص الشروط التي بايعناه عليها أننا سوف نضع التقوى نصب أعيننا دوما، وقد أوصانا بها المسيح الموعود مرة بعد أخرى لكي تحدث في حياتنا تلك الثورة التي لا تبقى فينا مجرد شهر واحد فقط في السنة، أو التي لا نسعى لإحداثها في شهر واحد في السنة فقط.

لا شك أن الله تعالى قد هيأ لنا في شهر رمضان نظامًا ومناخا تربويا لرفع مستوى تقوانا، ولكنه قد فعل ذلك لكي نبلغ في أعقاب رمضان درجة أعلى مما بلغناها في رمضان الذي قبله، لا أن ننحدر بعد رمضان إلى درجة أدنى مما بلغناها من قبل.

فكما قلت إن المسيح الموعود عليه السلام قد أُرسل لرفع مستوى تقوانا ومن أجل إصلاحنا، وقد نصحَنا بذلك مرة بعد أخرى. فقال ذات مرة: لقد أُرسلتُ لكي يرجع زمان الصدق والحق والإيمان ثانية، ولكي تتولد التقوى في القلوب. فهذه هي الغاية من بعثتي والهدف من مجيئي. لقد أُخبرتُ أن السماء ستقترب من الأرض بعد أن ابتعدت عنها كثيرا.

فهذه هي الأمور التي ينبغي أن نضعها نصب أعيننا دائما. إن عصره عليه السلام القائم على الخلافة على منهاج النبوة ممتد إلى يوم القيامة وفق نبأ الرسول ، وإن أتباعه هم الذين سيحافظون على إيمانهم ويبلغون أعلى مستويات الإيمان بقلوب وأقدام ثابتة على الحق، ولكن هذا لن يتأتى بالحسنات المقتصرة على شهر واحد، أو التي ننوي عملها فيه، أو بشغفنا الخاص بالعبادات أو عمرانِ المساجد خصيصا لمدة شهر واحد. كلا، بل ما دمنا قد آمنا بالحق، وصدقناه وبايعنا حضرة مرزا غلام أحمد القادياني بصفته المسيح الموعود والمهدي المعهود، فلا مناص لنا من السعي الحثيث المستمر لرفع معايير إيماننا. ولو فعلنا ذلك دخلنا في زمرة قوم يحظون بعلاقة خاصة بالمسيح الموعود، ويدركون الهدف من البيعة ويسعون للوفاء بحقها، وهم الذين قد قال الله للمسيح الموعود فيهم: إني معك ومع أحبّتك.

المبدأ الرئيس

إن الشرط الأساس ليكون المرء من أحبة أحد هو أن يعمل بأوامره، ويقضي حياته وفق ما يريده حبيبه. لقد أعلن الله هنا أنه مع أحبة المسيح الموعود . وإذا كان الله مع إنسان فأي حاجة به إلى شيء آخر؟! فالسعداء منا الذين قد بلغوا في إيمانهم ذلك المستوى بحيث صار الله معهم للأبد. فمن تيسرت له معية الله فقد فاز في الدنيا والآخرة فوزًا عظيما. فعلينا أن نحقق الغاية من بعثة المسيح الموعود متحلين بالتقوى، وهذا لن يتأتى لنا ما لم نسع للفوز برضا الله تعالى مثابرين بدون انقطاع.

المقام الذي يجب على المتقي أن يصل إليه

قال في موضع آخر إن السماء تكون قريبة من الأرض، عندها تصلنا بركاتها ويكون الله قريبا، وذلك حين نسلك في ضوء القرآن والسنة طريقا بيّنه لنا سيدنا المسيح الموعود بكل وضوح، وسنكون من السعداء الذين ينـزل عليهم مطر أفضال الله تعالى، لا سيما حين نكون ممن تُسمع أدعيتهم. وعندما نعاين هذه المشاهد في حياتنا سندعو الآخرين أيضا بثقة كاملة ونقول لهم: إن كنتم تريدون أن تنشئوا علاقة حية مع الله وتريدون أن تقوُّوا إيمانكم فتعالوا وآمِنوا بالخادم الصادق للنبي ، وهذا لن يحصل إلا برفع مستوى التقوى، وعندما نتشبث بمستوى التقوى هذه بصورة دائمة بعد الوصول إليه، عندها سنشاهد مشاهد أفضال الله أيضا. فالذين يدركون هذا المبدأ من بيننا وأوصلوا حياتهم إلى مستوى التقوى والحسنة، أو يسعون لذلك جاهدين سيرون مشاهد أفضال الله دائما. الحق أن كل واحد منا يستطيع أن يرى هذه المشاهد إذا سلكنا مسالك التقوى بحسب أوامر الله تعالى. ما هي التقوى الحقيقية؟ يقول المسيح الموعود بهذا الشأن:

التقوى الحقيقية لا تجتمع مع الجهل قط. (إذن، المبدأ هو أن المتقي لا يكون جاهلا، المتقي الحقيقي يكون عابدا لله وإلى جانب ذلك يؤدي حقوق العباد أيضا، فيجب أن نضع هذا المبدأ في بالنا دائما، ثم يقول ) إن التقوى الحقيقية تكون مصحوبة بالنور كما يقول الله جلّ شأنه:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ (الأنفال: 30) وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (الحديد: 29)

أيْ إذا داومتم على التقوى أيها المؤمنون وتمسكتم بها وثبَتُّم عليها لوجه الله، فسوف يجعل الله بينكم وبين غيركم فرقا واضحا.

لقد بيّن المسيح الموعود هنا تفسيرا للتقوى وقال بأن عليكم أن تتمسكوا لوجه الله بصفة الاتقاء ثم إذا ثبتّم عليها وداومتم فسوف يجعل الله لكم نورا. يقول: «وستُعطَون نورا تسلكون به في جميع مسالككم بمعنى أن ذلك النور سيعمّ أفعالكم وأقوالكم وقواكم وحواسكم؛ فسيكون في عقولكم نور وفي كل ما تقولونه تخمينا نور، وفي عيونكم نور، وفي آذانكم نور، وفي لسانكم نور، وفي كلامكم نور، وفي كل حركة من حركاتكم وسكناتكم نور، والسبل التي تسلكونها ستصبح نورانية. باختصار، ستُملأ كافة سبل قواكم وحواسكم نورا وستمشون في النور كليا».

هذا هو المقام الذي يجب على المتقي أن يصل إليه. ها قد مضى رمضان المبارك، ومع ذلك فبمقدورنا السعي لبلوغ هذا المقام. ويا له من سعيد ذلك الذي يبلغ مقاما يكون الله تعالى فيه مسيطرا على كل قوله وفعله! يجب أن يكون كل عمل من أعمالنا لنيل رضا الله تعالى، بما فيها مشينا وقيامنا وقعودنا. باختصار، يجب أن يكون كل فعل من أفعالنا ابتغاء لوجه الله تعالى. وإذا حصل ذلك عندها فقط نكون من الفائزين بنصيب من نوره ، إذا كان هدفنا نيل رضاه بدلا من الطمع في ملذات الدنيا، ففي هذه الحال نكون ممن يحققون الهدف من بعثة المسيح الموعود ، ونكون موفين بعهد بيعته جاهدين. ولو كنا لا نريد أن نجعل هذا التغير الحسن جزءا من حياتنا ولا نسعى له لكان ادعاؤنا باطلا، ولن تنفعنا الحسنات المؤقتة التي كسبناها في رمضان. فيجب أن نحاسب أنفسنا دائما واضعين في الحسبان أن نسعى جاهدين دائبين للحصول على التقوى التي بيَّنها المسيح الموعود في ضوء الآية الكريمة من القرآن الكريم والتي تلوتها آنفا. فإذا كنا نسعى للعيش بحسب ذلك فهذا يعني أننا مستعدون لمحاربة الشيطان وسينصرنا الله في ذلك ويخيّب كل هجمة من هجمات الشيطان.

مساعي الشيطان في هذا العصر

من المعلوم أن الشيطان يحاصر الناس في هذا الزمن من كل جهة، ولا يمكن الإفلات من براثنه دون نصرة الله. والمعلوم أيضا أن نصرة الله تحالف السالكين في مسالك التقوى. يجب أن نتذكر دائما أن الشيطان يشن في هذا العصر بوجه خاص هجمات ضارية، ويهاجم بكل ما لديه من الحيل والمكائد والأسلحة، وهي هجمات مخيفة جدا بحيث لا نجد نظيرًا لها في الأزمنة الخالية. ففي هذه الظروف نحن بحاجة إلى أن نخر على عتبات الله تعالى أكثر من ذي قبل. لقد نشر الشيطان والدجال شراكهما في كل مجال، سواء أكان مجال وسائل الإعلام أو برامج أخرى أو برامج الأطفال في المدارس، فقد خلق الشيطان بواسطة الدجال في كل مكان أجواء مخيفة لدرجة يستحيل اجتنابها بغير نصرة الله. المشكلة الصعبة في هذه الأيام هي إنقاذ الأولاد والأجيال المستقبلية من هجمات الدجال والشيطان، ونحن بأَمَسِّ الحاجة إلى بذل السعي لهذا الغرض. ويجب على الآباء الأحمديين بل كل الأحمديين بشكل عام أن يسعوا جاهدين في هذا المجال. كذلك يجب على نظام الجماعة أيضا بذل مساع حثيثة للغرض نفسه. ويجب على كل أحمدي عاقل وبالغ أن يسعى جاهدا للوصول إلى أعلى مستويات التقوى مستعينا بالله ليتمكّن من محاربة الدجال بنصرة الله. يجب ألا نتكاسل بعد شهر رمضان وألا نجلس عاطلين بل يجب أن نزداد علما بالقرآن الكريم ونسعى جاهدين للحفاظ على عباداتنا لتبقى أجواءٌ خاصة منتشرة في بيوتنا بشكل دائم. كما ينبغي أن نركز على الدعاء بوجه خاص لتجنّب هجمات الشيطان والدجال.

حقيقة انهزام الشيطان

يقول المسيح الموعود في ذكر حيل الشيطان ومكائده:

اعلموا أن الدجال يُطلق في الحقيقة على مظهر الشيطان، ومعناه المضل عن طريق الهداية. ولكن قد ورد في الكتب السابقة عن الزمن الأخير أنه ستكون عندئذ حروب كثيرة ضد الشيطان، ولكنه سيكون مغلوبا في نهاية المطاف. (فقد أعطانا الأمل في أنه إذا تمت مقاومة الشيطان بالسلوك على دروب التقوى فستُكتَب عليه الهزيمة).

وصحيح أن كل نبي غلب الشيطانَ في عصره، إلا أن ذلك كان مجازيا وجزئيا فقط، أمّا أن يكون مغلوبا في الحقيقة فذلك كان مقدرا على يد المسيح. ولقد وعدني الله بالغلبة لدرجة أنْ قال تعالى بحقي:

«جَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»

أي سأجعل أتباعك الصادقين غالبين على غيرهم إلى يوم القيامة. (فلنكون أتباعا صادقين لا بد لنا من العمل بتعليمه والاتقاء). باختصار، إن الشيطان في هذا العصر الأخير يستنزف جهوده في المعركة، لكن الانتصار الأخير مقدر لنا، إن شاء الله. فقد وعد الله المسيح الموعود أيضا أنه سيحميه من هجمات الدجال ويمكنه من الانتصار. فقد تلقى هذا الإلهام مرتين أو ثلاثا. ولن يجني من ذلك فائدة حقيقية إلا الذين يطيعونه في الحقيقة، ويعملون بتعليمه بصدق.

ولقد تحدث حضرته بخصوص ذلك في موضع آخر فقال: الحقّ أنه سيجعل متبعيّ غالبين على معارضيّ والكافرين بي. ولكن ما يدعو إلى التفكير هو أنه لا يدخل أحد في المتبعين الحقيقيين بمجرد أن بايع على يدي. بل لا يدخل في المتبعين ما لم يُحدِثْ في نفسه جميع مقومات الاتّباع، أي ما دام لا يحقق الاتباع التام وكأنه يتفانى في طاعتي، ويقتفي آثاري، لا تنطبق عليه كلمة الاتّباع. مِن هنا يظهر أن الله تعالى قد قدّر لي جماعة يتفانون في طاعتي ويطيعونني طاعة كاملة. (من المؤكد أن الله سيعطيه هذه الجماعة سواء كنا نشكل تلك الجماعة نحن أو غيرنا ويتحقق ذلك اليوم أو غدا أو بعضهم قد خلوا وبعضهم منا أو كثير منا، فهذه الجماعة مقدرة له ، فهذا وعْد من الله.)

فهذه الكلمات تهز كياننا، وثمة حاجة ماسة إلى أن نفحص معايير اتباعنا، لنرى ما إذا كنا نرث هذه الأدعية التي رفعها المسيح الموعود لجماعته وأتباعه الصادقين، وهل نستحق أفضال الله التي وعد الله بها أتباعه وهل نسعى لإحراز معايير التقوى التي كان يريد سيدنا المسيح الموعود أن يراها في أبناء جماعته. إذا كان جوابنا بالنفي فدعاؤنا لأيام معدودات في رمضان وعبادتنا وبكاؤنا فيها لا تجعلنا وحدها مستحقين للإنعامات التي وُعد بها المسيحُ الموعود .

ثم يقول حضرته في كتابه سفينة نوح: فليكنْ واضحًا أن إقرار البيعة باللسان وحده لا يعني شيئًا ما لم يكن معه العمل الوافي بعزيمة القلب، لذلك فمَن اتّبع تعليمي حقّ الاتّباع فقد دخل في داري تلك التي سبق الوعد عنها في وحي الله تعالى: «إنّي أُحافظ كلَّ مَن في الدار».. أي سأحمي كلَّ من يدخل حظيرةَ دارك.

إذن قد أطلعَنا المسيح الموعود على وسيلة اجتناب كل مشكلة وبلاء ومصيبة، ألا وهي أن نسعى جاهدين عاملين بتعليمه بصدق لنكون في ملاذ الله. ثم ننظر كيف ينجينا الله من هجمات الشيطان والدجال، بل سوف يزوِّدنا الله بأسلحة نغلب بها الشيطانَ، أي لن نجتنبه فحسب بل سوف نقتله ونتخلص منه إلى غير رجعة،  ونعتصم من هجمات الدجال، وندمره.

فقد قال سيدنا المسيح الموعود في موضع: والجدير بالتذكر أن موته (أي موت الشيطان) لا ينحصر في التفوُّه باللسان: قد مات الشيطان، فيموت. بل يجب أن تُثبتوا بأعمالكم أن الشيطان قد مات، يجب أن تُظهروا موت الشيطان بالحال لا بالقال. (أي لا تعلنوا موت الشيطان بأفواهكم فقط بل يجب أن يَتجلى من كل فعل وعمل ووضْع لنا أننا نقتل شيطاننا) فقد وعد الله أن الشيطان سيموت نهائيًا في زمن المسيح الأخير، وصحيح أن الشيطان يرافق كل إنسان، إلا أن شيطان نبيِّنا كان قد أسلم. (فقد ذكر لنا في السنَّة مثالا ومن الواجب علينا أن نستنَّ بها، إذا كنا نريد الانتصار على الشيطان.)

يقول : كذلك قد وعد الله أنه سيقضي على الشيطان قضاء باتًّا في هذا الزمن، أنتم تعرفون أن الشيطان يهرب من الحوقلة، لكنه ليس من السذاجة بحيث يهرب من ترديد “لا حول” باللسان فقط. (أي لا يهرب الشيطان بمجرد تحريك ألسنتكم بعبارة «لا حول ولا قوة إلا بالله» فسوف يهرب الشيطان)، فلن يهرب بالحوقلة على هذا النحو حتى لو رددها المرء مائة مرة. فالحق أن الذين تسري الحوقلة في كل ذرة من كيانهم، والذين يستعينون بالله، ويستنصرونه وحده كل حين وآن، ومنه حصرا يكسبون الفيوض، هم من يُعصمون من الشيطان، (أي يجب أن يردد المرء هذا القول من صميم القلب مدركا معناه، ولا يكتفي بقوله باللسان فقط) وهم الذين يُفلحون.

المُطهَّر الحقيقي هو من يُطهِّره الله

قال سيدنا المسيح الموعود في مجلس: اعلموا أن الله قد بدأ القرآن الكريم بالدعاء وأنهاه بالدعاء أيضًا، وهذا معناه أن الإنسان ضعيف جدًّا لدرجة أنْ لا يسعه التطهُّر دون فضل الله، (هذا ما قاله في مجلس، ونُشر تقرير ذلك في موضع آخر بعد هذه الجملة: لا تُزكُّوا أنفسكم، لأنه لا أحد طاهر ما لم يطهِّره الله.) وما لم ينـزل النصر والعون من الله، لا يمكنه التقدم على درب الصلاح، (أي أنه للسير على درب الصلاح والبر ثمة حاجة لنصرة الله) فقد ورد في الحديث: كلهم موتى إلا من أحياه الله، وكلهم ضالون إلا من هداه الله، وكلهم عميان إلا من أبصره الله.

باختصار، صحيح تمامًا أنه ما دام الإنسان لا ينال الفيض من الله لا يُنـزَع منه غلّ حب الدنيا الذي لا يتخلص منه إلا من يُنزل الله عليه فيضه، لكن يجب التذكر أن نيل فيض الله أيضًا يبدأ بالدعاء. (أي إذا كنتم تريدون أن تنالوا فيض الله تعالى فلا بد لكم أن تدعوا لأجله).

لكن إياكم أن تظنوا أن الدعاء مجرد ثرثرة باللسان. كلا، بل الدعاء نوع من الموت، ينال الإنسان الحياة بعده، كما ورد في الشعر بالبنجابية ما معناه:

(إن الذي يسأل غيره شيئا فإنه يخضع لنوع من الموت، فلا تستطيع أن تكون متسوّلا ما لم تكن لديك شجاعة لقبول الموت!) فلن تكونوا داعين وسائلين بحق ما لم تُقدِموا على فعل ذلك). يقول حضرته:

إن للدعاء تأثيرًا مغناطيسيًّا بحيث يجذب فيض الله وفضله. فليس بالدعاء أن يردِّد الإنسان باللسان كلمات:

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ

ويكون قلبُه مشغولا بعقد صفقة كذا وبطريقة كذا (أي أن يكون نطق لسانه في واد وقلبه ودماغه في وادٍ آخر) وأنه قد بقي من تلك الصفقة كذا وكذا، أو كان ينبغي أن يُنجَز ذلك العمل على نحو كذا، وأنه إذا حصل له كذا فسوف يتصرف بكذا، (أي تجري في الدماغ أحاديث الدنيا في حين أن اللسان في الظاهر يردد كلمات الدعاء). قال حضرته: فإنما هذا تضييع للعمر، ما دام الإنسان لا يقدِّم كتاب الله ولا يعمل بحسبه، فإن صلواته مضْيعة للأوقات. (أي ينبغي أن تقرأوا ما أعطانا الله تعالى من أوامر في القرآن الكريم -وبقينا ندرسها في رمضان ونسمعها في الدروس أيضا- فتدبروا فيها واعملوا بها، ثم ستعيشون الحياة التي هي الحياة الحقيقية، وهي حياة أولئك الذين ينعم الله عليهم بفضله).

موته (أي موت الشيطان) لا ينحصر في التفوُّه باللسان: قد مات الشيطان، فيموت. بل يجب أن تُثبتوا بأعمالكم أن الشيطان قد مات، يجب أن تُظهروا موت الشيطان بالحال لا بالقال. (أي لا تعلنوا موت الشيطان بأفواهكم فقط بل يجب أن يَتجلى من كل فعل وعمل

الماديون والروحانيون، وإضاءات سورة «المؤمنون»

يقول سيدنا المسيح الموعود : لقد ورد في القرآن الكريم صراحة:

قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (المؤمنون: 2-3)

أي حين يذوب قلب الإنسان في الدعاء ويخر على عتبات الله بإخلاص وصدق حتى ينمحي ويتفانى فيه، ويتخلى عن جميع الأفكار ويستفيض الله وحده ويستعينه، فيرتقي إلى حال من التركيز بحيث تنشأ لديه الرقة والحرقة، عندها يُفتح له باب الفلاح، (إن الذين ينالون الفلاح هم أولئك المؤمنون الذين تفيض صلواتهم بالخشية. ولا تفتح لهم أبواب الفلاح إلا إذا رقّت القلوب، ولا ينال المرء فيض الله ولا عونه إلا إذا صار لله تعالى خالصة وركز على الدعوات.) قال حضرته: عند ذلك يُفتح له باب الفلاح ويطرأ عليه الفتور في حب الدنيا، إذ لا يجتمع الحُبَّان في مكان واحد، كما ورد في بيت من الشعر بالفارسية ما معناه:

«أنْ يحب المرء اللهَ   وفي الوقت نفسه يحب هذه الدنيا الدنيئةَ أيضا، فهذه الفكرة محض عبث وخيال . (ولا يمكن أن يجتمع هذان الشيئان، إنه من أحاديث الجنون، بل هو الجنون بعينه.) قال حضرته: ولذا، فبعد قوله   السابق قال مباشرة:

وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ  (المؤمنون:4)

فالمراد من اللغو هنا الدنيا، أي حين يحصل للإنسان الخشوع والخضوع في الصلاة، يؤدي ذلك إلى فتور حب الدنيا في قلبه. لكن ذلك لا يعني أنه يترك الزراعة والتجارة والوظيفة وغيرها من الأعمال، بل يبدأ الإعراض عن أعمال الدنيا التي تخدعه وتُغفله عن الله. (أي يتجنب مثل هذه الأعمال التي تخالف أحكام الله تعالى.)

كان حضرته يقول هذا الكلام في أحد المجالس، وورد تفصيل لقوله هذا في مصدر آخر، حيث قال حضرته: قال  :

  رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ  (النور: 38)

أي لنا عباد لا ينسوننا لحظة، حتى في غمرة انشغالهم في أعمال التجارة الهائلة أيضًا. (أي أنهم لا ينسون الله تعالى أثناء انشغالهم في أعمالهم أيضا.) يقول حضرته: فصاحب العلاقة بالله تعالى لا يسمَّى ماديًّا، بل المادي هو من لا يذكره .

ماذا نفعل لبلوغ حال إيثار الدين على الدنيا؟!

لبلوغ حال إيثار الدين على الدنيا، يقول سيدنا المسيح الموعود في معرض ثنائه على عباد الله تعالى: وإن بكاء عباد الله هؤلاء وضراعتهم، وابتهالهم، وتواضُعهم لله   يمكِّنهم من إيثار الدين على الدنيا والنأي عن الجشع والحرص والبحبوحة والرفاهية. (هذا هو تعريف لمبدأ إيثار الدين على الدنيا) لأنه بحسب القاعدة كل عمل صالح يجذب عملا صالحا آخر، كما أن الفعل السيئ يرغِّب في عمل سيئ آخر. فعندما يتضرع هؤلاء ويخشعون في صلواتهم هذا يؤدي بالضرورة إلى إعراضهم الطبعي عن اللغو، ويتخلصون من هذه الدنيا القذرة، ويفتر فيهم حبُّ الدنيا وينشأ فيهم حب الله.

أي أن صلواتهم تؤدي بهم إلى كسب حسنات أخرى، ولا تكون الدنيا مقصودهم رغم انشغالهم بتجاراتها كما ذكرت ذلك في الخطب السابقة ضمن شرح «لا إله إلا الله» من أن الله تعالى وحده يصبح مقصودهم ومطلوبهم ومحبوبهم.

باختصار، هذه هي المستويات التي ينبغي أن نحققها لقتل شيطاننا. وعند ترديدنا الحوقلة لطرد الشيطان ينبغي أن يترسخ في أذهاننا أن الله تعالى هو مالك جميع القوى والقدرات بحيث لا يمكن أن تسقط ورقة بدون إذنه. لا شك أن الكثير منا حين يُسألون يجيبون بأن هذا هو إيماننا وهذا ما نعتقد به، ولكن عند التطبيق العملي لهذا الإيمان فإن المخاوف الدنيوية وحب الشهوات والأماني تغلب حبَّ الله تعالى. خلاصة القول، ينبغي أن يكون إيماننا بالله وعبادتنا الحقيقية له على قدرٍ بحيث يقع تأثيرها على أجسادنا وأرواحنا أيضا. فإذا حققنا مثل هذه المستويات في العبادة فلا بد أن تترقى أخلاقنا الأساسية والظاهرة أيضا، وتتطهر قلوبنا وعقولنا وأرواحنا أيضا. لا يتقي الإنسان هجمات الشيطان ودجلَه إلا عند دخوله في ملاذ الله تعالى، وعندها يحقق المرء تلك المستويات العليا في العبادة التي تخلو من أي دخل أو شائبة لغير الله.

إن للدعاء تأثيرًا مغناطيسيًّا بحيث يجذب فيض الله وفضله. فليس بالدعاء أن يردِّد الإنسان باللسان كلمات: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ويكون قلبُه مشغولا بعقد صفقة كذا وبطريقة كذا (أي أن يكون نطق لسانه في واد وقلبه ودماغه في وادٍ آخر) وأنه قد بقي من تلك الصفقة كذا وكذا، أو كان ينبغي أن يُنجَز ذلك العمل على نحو كذا، وأنه إذا حصل له كذا فسوف يتصرف بكذا، (أي تجري في الدماغ أحاديث الدنيا في حين أن اللسان في الظاهر يردد كلمات الدعاء).

أما بالنسبة إلى أداء حق الصلاة والعبادة فينبغي أن نضع في حسباننا أيضا أنه قد ورد في الحديث أن الصلاة مخ العبادة. فإذا سعينا لتحقيق بلوغ هذا المخ في العبادة فسنؤدي حينها حق الصلاة وحق العبادة أيضا، وننال قرب الله تعالى.

وعليكم أن تحدثوا انقلابا في باطنكم وظاهركم وإلا فلا فائدة لصلواتكم الظاهرية، وهناك كثير من المصلين الذين يصلون الصلوات في المساجد ومع ذلك يوصلون الظلم والاعتداء منتهاهما. هذه التنظيمات الارهابية وهؤلاء المشايخ المزعومون يمارسون كل أنواع الظلم باسم الله والرسول ، وقد دمروا أمن العالم. إنهم أكثر ظلما من أهل الدنيا الذين يظلمون للأهداف الدنيوية، لأنهم يظلمون من أجل الأهداف المادية أما هؤلاء فهم يظلمون باسم الله الرحمان الرحيم وباسم النبي الذي كان رحمةً للعالمين. لذا على الأحمديين أن يضربوا نماذج حسنة لتعليم الإسلام مقابل نماذج هؤلاء الناس السيئة. ويجب أن تتسبب صلواتنا وعباداتنا ودعواتنا في نيل رضى الله تعالى. لو حققنا هذه الغاية لأدّينا حق مبايعتنا للمسيح الموعود ، واستفدنا من بركات رمضان أيضا.

كيف ينبغي أن تكون صلواتنا وكيف يمكن أداء حقها؟ قال المسيح الموعود في هذا الخصوص:  «يجب التذكُّر أن المصاعب تهون بالصلاة فقط، وبها تنفرج الكروب كلها، الصلاة لا تعني تلك التي يؤديها عامة الناس تقليدًا، بل المراد منها تلك الصلاة التي يذوب بها قلب الإنسان، وبالخرور على أعتاب الله يستغرق حتى يذوب، فليكن مفهوما أنه لا يحافَظ على الصلاة لأن الله يحتاج إليها، (نصلي أو نحافظ على الصلوات فذلك ليس لأن الله يحتاج إلى عبادتنا) كلا بل الله ليس له أي حاجة إلى صلواتنا، فهو غني عن العالمين فليس له حاجة إلى أحد، بل يعني أن الإنسان محتاج إليها، ومن السر أن الإنسان يريد خيره، (الإنسان يريد الخير لنفسه، هذه هي الحقيقة) ولذلك يستعين بالله. لأن من الحق أن نشوء علاقة الإنسان بالله عبارة عن فوزه بالخير الحقيقي، فلو صار العالم كله عدوًّا لمثل هذا الإنسان وعزم على هلاكه فلا يستطيع أن يضره أيما ضرر، فالله إذا احتاج إهلاك الملايين من الناس من أجل هذا الإنسان فهو يهلكهم، فمن أجل هذا الواحد يُفني الملايين. قال : تذكَّروا أن الصلاة شيء تتحسن به الدنيا والدين أيضًا، (إذا كان الإنسان يصلي لوجه الله تعالى ويؤدي حقها نال كلا الشيئين) لكن الصلاة التي يؤديها معظم الناس هي تلعنهم. (الملفوظات)

وفقنا الله تعالى لأداء حق الصلوات، وألا تكون صلواتنا مما يُسخط الله تعالى، وأن نكون ممن يرثون إنعامات الله تعالى، ونتعلق بالله تعالى حتى ننال نصيبنا من وعود الله تعالى التي قطعها مع حضرة المسيح الموعود ، وأن نعوّد أولادنا أيضا على العبادات التي تضمن بقاءهم وبقاء الأجيال القادمة. وإذا تحقق ذلك فلن يضرنا أي دجل وأي هجوم للشيطان. ومهما خططت الدنيا لتُدمِّرنا فهي لا تستطيع أن تلحق بنا أي ضرر كما قال المسيح الموعود بأن الله يمكن أن يهلك ملايين الناس من أجل عباده. لذا لا بد من رفع مستوى عباداتنا لنيل حب الله تعالى ورضاه. أما الدجال فسيهلك في هذا الزمن حتما، هذا ما وعد الله تعالى مع المسيح الموعود ولا شك في ذلك. ولكي يتحقق هذا يجب أن نكون ممن يؤدون حق انضمامهم إلى جماعة المسيح الموعود برفع مستوى عباداتنا وبإصلاح حالاتنا لنكون من السعداء. ولأداء هذا الحق قد بين المسيح الموعود وصفة أيضا وهي البكاء والتضرع والابتهال. ولا يُنال هذا المقام إلا بالتواضع أمام الله تعالى، فاسعوا لنيل هذا المقام. وكيف يمكن نيله؟ قال : يجب ألا تكون أي ساعة من نهاركم ومن ليلكم خالية من الدعاء. فلو كانت هذه حالتنا لورثنا أفضال الله تعالى، ولكان كل هجوم شيطاني وهجوم دجالي فاشلا وخاسرا. وفقنا الله تعالى لنعيش حياتنا عاملين بتعاليم الله ورسوله وبحسب مراد المسيح الموعود وأن نكون ممن يؤدون حق بيعتنا، وأن يكون هدفنا نيل رضى الله تعالى، وأن نتعهد بأننا لن نرتاح حتى نُحدث في أنفسنا مثل هذه التغييرات الطيبة التي تحوِّل حالاتنا وفق مرضات الله تعالى، وأننا لن نسمح للشيطان أن يدخل فينا أو في أولادنا وأجيالنا، ولذلك سنسعى كل السعي ونقوم بكل ما علّمَنا الله تعالى ورسوله، بل سنسعى جاهدين لحماية العالم أيضا من الشيطان والدجال. وفقنا الله تعالى لذلك.

وادْعوا لأحمديي باكستان أيضا أن يحفظهم الله تعالى من شر المعارضين ويردّ شر الأشرار عليهم، وعلى الأحمديين المقيمين في باكستان أيضا  أن يدعوا لأنفسهم بتضرع وابتهال. لا تكتفوا بالأدعية لثلاثة أيام أو أربعة أيام أو لأسبوع بل ادعوا باستمرار وتعهدوا أنكم ستحوّلون حياتكم وفق رضى الله تعالى. وادعوا للأحمديين في بوركينافاسو وفي بنغلاديش وفي الجزائر وفي جميع الدول أن يحميهم الله تعالى جميعا من شر العدو وأن يقوي إيمانهم وإيقانهم. وفقنا الله تعالى لنحدث في أنفسنا تغييرات طيبة ونرفع الدعوات وليتقبلها أيضًا. (آمين)

Share via
تابعونا على الفايس بوك