حقيقة الربا ومخاطره وأضراره وعواقبه

حقيقة الربا ومخاطره وأضراره وعواقبه

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • ما سر وقوع الفرد والمجتمع في أزمات الاقتصاد المتوالية؟
  • ما الحل الذي تقدمه الشريعة الإسلامية للخروج من تلك الأزمات؟
  • ما النصائح التي وجهها حضرة أمير المؤمنين (نصره الله) لكل من المقرِضين والمقترضين، بما يضمن شيوع روح المحبة في المجتمع؟

 ___

ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد

 أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي

بتاريخ 15/06/2007م

في مسجد بيت الفتوح، ببريطانيا

تنويه : العنوان الرئيسي والعناوين الجانبية من إضافة أسرة التقوى

بعد التشهد والتعوذ وقراءة سورة الفاتحة استهل حضرته الخطبة قائلا:

سوف أواصل اليوم أيضا موضوع الخطبة السابقة حول كيفية الدخول في اتفاقيات وصفقات مالية أو اتفاقيات تجارية أو قروض وما إلى ذلك لإنهاء الفتنة وأعمال الشغب في المجتمع ونشر الأمن والسلام والمحبة والوئام، وماذا تعلمنا التعاليم الإسلامية بهذا الخصوص.

وقد ذُكر في الخطبة الأخيرة في هذا الموضوع بأن الربا أيضا من أسباب الفساد في المجتمع، وقد حرّمه الله تعالى بشدة. سنرى ما هي الأوامر القرآنية في هذا السياق. كما ذكرت في الخطبة السابقة، بأن النص القرآني قد عدَّ من يأخذ الربا محاربًا لله. لذلك هذا ليس بالأمر الهيّن.

يحب الله تعالى أن يجتنب الخلق كل أنواع الشر ويعيشوا ويتعايشوا في أمن وسلام، في حين أن للربا نتائج رهيبة بحيث تظهر في بعض الأمثلة أن شخصًا ميسورًا وصاحب عقارات يصبح في بعض الأحيان مفلسًا على أيدي المرابين وينحدر من سيئ إلى أسوأ، وتُمسي الأسرة ضحية لخيبات الأمل والحرمان، ثم يعيش أطفالها أيضًا في فقر مدقع. وإذا حدث كل هذا في بيوت المسلمين فإنه يحدث لأنهم يعصون الله تعالى بالرغم من أمره الواضح لهم بعدم فعل هذا الأمر. وأحيانًا يُقتَرَضُ مبلغ ضیئل بالربا من أجل مصاريف غير ضرورية. فحيث أنذر الله تعالى المرابين ألا يستغلوا عوز المحتاجين واضطرارهم، فقد حذّر المقترضين أيضا من إفساد جوّ السلام والهدوء لأنفسهم ولعائلاتهم من خلال تحمل عبء ديون غير ضرورية.

أعلم أن بعض الناس، على سبيل المثال، يأتون إلى لندن ويأخذون قروضًا ربوية من المرابين لتغطية تكاليف السفر، ويقولون إننا اقترضنا لسبب وجيه وغاية نبيلة وهي الحضور إلى الجلسة السنوية، فهذا خطأ تمامًا. هذا خداع للذات. فإذا أُمرنا بخصوص الحج ألا نقوم به إن لم نملك نفقات السفر، فمن خطأ هؤلاء أنهم يأتون إلى هنا معلّلين أنفسهم بأعذار واهية، والحقيقة أن لهم أهدافًا أخرى وراء تصرفهم هذا. فينبغي ألا يوقع الإنسان نفسه في خداع من هذا المنطلق. ستنعقد الجلسة السنوية هذه المرة أيضا، وإن شاء الله سيأتي الناس، فيجب أن يحضرها من يملك نفقات السفر، إذ لا فائدة من تكبد الديون بدون سبب، فمن يفعل ذلك يوقع نفسه في الخداع، بل ويحرم نفسه من السىلام والأمان بعصيان أوامر الله. ثم إذا لم يتمكن مثل هذا الشخص بسبب ظروفه من سداد هذا الدين في الوقت المناسب، فإنه يتعرض للمشاكل كما يعرّض لها زوجته وأطفاله أيضا، وبالتالي يفسد جو السكينة في بيته. ويمكن لأولئك الذين يتمتعون بشيء من السعة المالية أن يتبعوا الطريقة التي أوصى بها المسيح الموعود وهي أن يوفروا الأموال لهذا الغرض على مدار العام حتى لا يكون دفعها مرة واحدة عبئًا عليهم. كذلك يقترض البعض في مناسبات أخرى المال لنفقات غير ضرورية، مثل الزواج والاحتفال بالتقاليد وما إلى ذلك. إن لعنة الديون منتشرة بشدة في باكستان والهند، وكذلك في البلدان الفقيرة الأخرى.

أفلح إن صدق!

في الآونة الأخيرة كان هناك خبر يتعلق بباكستان، ومفاده أن حكومة البنجاب فيها قد قدمت مشروع قانون إلى البرلمان -لا أعرف إذا كان قد تم إقراره أم لا- وبموجبه سيُعاقَب المتاجرون بالربا عقوبة مغلَّظة. هذا أمر جيد للغاية، ولكن كبلد مسلم، يجب أن يكون النظام المالي الباكستاني خاليًا من بلاء الربا، ويجب أن يسعوا لذلك أيضًا.

لكن آفة القروض الربوية أنها لعنة تؤدي إلى هدم البيوت. وكمسلمين أحمديين، يجب أن نتجنب ذلك أكثر من الجميع. ذكر شخص أمام المسيح الموعود أن بعض الضرورات الملحة تفرض على المرء أحيانًا أن يأخذ قروضًا ربوية، فماذا نفعل حيال ذلك؟ فقال :

«إن الذي يتوكل على الله، يجعل الله له مخرجا من الغيب. فالأسف أن الناس لا يفقهون هذا السر، أن الله تعالى لا يدَع المتقي يضطر إلى الدَّين بالربا. تذكروا! كما أن هناك ذنوبا أخرى مثل الزنا والسرقة كذلك التعامل بالربا أيضا ذنب. فكم من الخسارة أن يفقد الإنسان المال والمكانة والإيمان أيضًا. ليس في الحياة العادية أي أمر مُكلِف حتى يضطر الإنسان للدَّين بالربا. فالنكاح مثلا لا يكلِّف شيئا، إذ يتحقق النكاح بقبول الطرفين، والوليمة سنةٌ بعده. فهي أيضًا معفًى عنها إذا لم يقدر عليها الإنسان. إذا أنفق الإنسان باقتصاد، فلا يضره ذلك شيئا. من المؤسف جدًّا أن الناس يُسخطون الله للأهواء النفسانية والأفراح المؤقتة، الأمر الذي يوجب هلاكهم. اعلموا أن ذنب التعامل بالربا شديد. ألا يعرفون أن الله تعالى أجاز أكل لحم الخنزير في اضطرار، فقد قال:

فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الأَنعام: 146)،

لكنه لم يقل ذلك بحق الربا بل قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (البقرة: 279 – 280)…

إذا كان المسلمون يعانون هذا الابتلاء فهي عقوبة أعمالهم السيئة….. على الإنسان أن يتبع مبدأ القناعة والاقتصاد حتى لا يُضطر إلى الدَّين الربوي، الذي يزيد فيه الربا على مبلغ الدَين الحقيقي…. ثم من الكارثة أن المحاكم أيضًا تصدر القرار ضد المدين، ولكن ما ذنبها في ذلك؟ فما دام إقراره موجودًا فمعنى ذلك أنه راضٍ بدفع الربا.» (الملفوظات؛ المجلد 10)

هناك قسم كبير من الناس عندنا يقترضون من أجل نفقات غير ضرورية، وقد أشار إلى ذلك المسيح الموعود . على سبيل المثال، هناك إنفاق غير ضروري على عقد النكاح، وهناك إنفاق غير ضروري على الزواج، وهناك نفقات غير ضرورية يقوم بها قسم من الجماعة من أجل التباهي والتفاخر بين الناس.

الاقتراض أسلوب حياة لدى البعض!

إن المساعدة التي تقدمها الجماعة للزواج هي مبلغ معقول من المال يمكّن صاحبه من إتمام زواجه ببساطة، لكن بعض الناس يسألون إلحافًا بأنهم يحتاجون إلى مبلغ كذا وكذا من المال للزواج والوليمة أيضا. وإذا تعذر الحصول على المساعدة من الجماعة، فيطلبون منها منح القرض لهم، مع أنهم يعلمون بأنهم لا يقدرون على سداد القرض في الوقت المحدد. ثم يبدأون القول إنه إذا لم تعط لهم الجماعة شيئًا فإنهم سوف يقترضون من هنا وهناك، وعندما يحصلون عليه تبدأ طلباتهم لأخذ المساعدة من أجل سداد تلك الديون. لذلك تصبح سلسلة مستمرة فعندما يقترضون دون داعٍ، يتورطون في حلقة شيطانية مفرغة وبالتالي يُقضى على سلام منازلهم بحيث إن الأوضاع التي يواجهها الإنسان بعد أخذ الديون تولد فيه العصبيةَ، وتفسد العلاقات بين الزوجين والأولاد، وتظهر الاعتداءات في البيوت، فمن أجل فرحة مؤقتة يلقي الناس أنفسهم في المشاكل حتى لو كانت قروضهم خالية من الربا، أما الحصول على الدَّين الربوي فلعنةٌ تماما.

إلى أي حد حُرِّم الربا؟!

لقد قال سيدنا المسيح الموعود إذا أوشك الإنسان على الموت جوعا يجوز له أكل الخنزير، أما الربا فغير مسموح به بتاتا. فقد ضم سيدنا المسيح الموعود المستدينين بالربا إلى الذين يحاربون الله، أما الذي يقدم الدين بالربا فهو يعصي أوامر الله أصلا.

بعض الناس يعطُون مبالغهم لأحد بشرط أن يقدم لهم ربحا معينا بعد كل شهر أو ستة أشهر أو سنة، فهذا أيضا نوع من الربا وليس من التجارة بل هو خداع باسم التجارة. إن تعريف سيدنا المسيح الموعود للربا هو أن يُقرض المرء أحدا لمصلحته ويحدد الربح. وفي موضع آخر قال أن يقدم لأحد مبلغا ويقرر الربح. فتعيين الفائدة أو الربح هو نوعٌ من الربا. فقال: حيثما ينطبق هذا التعريف يعدّ من الرِبا.

فعندما يقترضون دون داعٍ، يتورطون في حلقة شيطانية مفرغة وبالتالي يُقضى على سلام منازلهم بحيث إن الأوضاع التي يواجهها الإنسان بعد أخذ الديون تولد فيه العصبيةَ، وتفسد العلاقات بين الزوجين والأولاد، وتظهر الاعتداءات في البيوت، فمن أجل فرحة مؤقتة يلقي الناس أنفسهم في المشاكل حتى لو كانت قروضهم خالية من الربا، أما الحصول على الدَّين الربوي فلعنةٌ تماما.

سيكولوجية المرابي

إن إقراض المُحتاج بتحديد الربح للدَّين أو الاستثمار من منطلق هذا التعريف سلفا، هو من الربا. أما المبلغ الذي تعطُونه للاستثمار بالمشاركة في الأرباح والخسائر فأجازه الإسلام وهو تجارة. فالذين يرون التجارة والربا سيَّين، قد عدَّهم القرآن مخطئين، ورسم صورتهم في قوله:

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة: 276)

فهذه هي صورة مَن يتعاملون بالربا، حيث تقسو قلوبهم بهذا الدخل السهل، ولا يراعون مشاعر الآخرين. إذا لم يستطع أي مزارع أو عامل سدَّ الدين بسبب فساد الزرع أو جراء نفقات منزلية غير عادية فهم لا يراعون هذا الفقير إذ تكون قلوبهم قد قست، فهم لا يُهمهم سوى استعادة أموالهم فقط، وإن لم يستطع الفقيرُ فتتراكم عليه الديون الربوية، ويتمزق الفقير باستمرار.

سبل معروفة إلى تعاملات منزهة عن الربا

إن الحكم الوارد في القرآن الكريم للمسلمين أن يضعوا في الحسبان بوجه خاص أن هدف الإسلام نشر السلام بالمؤاخاة فقط، وإنما تظهر المؤاخاة حين يراعَى الفقير، ولا يلقى عليه الوزرُ بلا سبب، بل تُسدّ حاجته بشروط ميسورة. بل إن أصحاب رؤوس الأموال يحسن بهم استثمار أموالهم المجمدة مع أصحاب الخبرة في التجارة، بدلا من الاحتفاظ به. الآن تقدَّم القروض غير الربوية بسهولة في بعض البلاد الإسلامية. بل هنا أيضا تُعرَّف الديون غير الربوية باسم البنوك الإسلامية (وإن كانت في مراحل بدائية)، لقد عَمِل أحمدي هو السيد أحمد سلام ابن الدكتور عبد السلام، قد عمل كثيرا على التجارة البنكية الخالية من الربا. في البلاد الغربية أيضا أحمديون يملكون كفاءة تجعلهم يؤدون شروط البنك ويعْرفون التجارة أيضا، أو هم يعملون في التجارة، فعليهم أن يأخذوا مثل هذه القروض ويوسِّعوا تجارتهم أكثر. وفي هذه الحال سيعملون في التجارة المنزهة عن الربا وفي الوقت نفسه يكسبون بركات الله أيضا، ويحسِّنون مستوى معيشتهم ومن ثم تنمو قدرتهم على الإنفاق في سبيل الله أيضا. وإذا كان في تجاراتهم مجال لتوظيف العاملين، فسيستطيعون توفير العمل لعدد من العاطلين. ينشأ هنا الاهتمام الملحوظ بهذا، وقد يكون كذلك في أوروبا ودول أخرى، لذا يجب أن يلتفت الأحمديون إلى ذلك أيضا.

على كل حال، على فروع الجماعة أن تجمع المعلومات عن ذلك وتقدِّمها إلى أفراد الجماعة لكي يستطيعوا تحسين مستوى إخوتهم، وإزالة عدم السكينة في بعض البيوت بسبب الضائقة الاقتصادية.

تطورات النظام المالي تقتضي اجتهادًا جديدا

بعد خطبتي السابقة كتب بعض الأحمديين إلي خوفا، لقد اشترينا البيت أو الشيء الفلاني بالقرض الربوي فهل يجوز أم لا؟ فأقول قد حرَّم الله الربا وقال إذا جاءتكم موعظة فاعملوا بها. فالأحمدي الذي يقرأ القرآن دوما هو على علم بذلك. على كل حال قد أثار الناس بعض التساؤلات، هنا يوجد قرض الرهن العقاري للبيوت، وقد قال المسيح الموعود إن ظهور تطورات في النظام المالي يقتضي اجتهادًا جديدا.

فمن هذا المنطلق تسمح الجماعة عموما وقد سمح الخلفاء قبلي أيضا بالحصول على قرض الرهن العقاري لشراء البيت، وأرى في هذا المجال أن قسط الرهن العقاري إذا كان يساوي تقريبا مبلغ أجرة البيت، فلا بأس في الحصول على القرض العقاري. وبعد مدة حين ترتفع الأسعار يقوم الذين يملكون العقل ويريدون التخلص من القرض ببيع بيوتهم ويشترون في منطقة أخرى ويتخلصون من قرض البنك أيضا. هنا يجب ألا يغيبن عن البال الشرطُ أن هذا السماح يخص البيت للسكن فقط، وليس للتجارة. لذا فالمنخرطون في نظام الوصية يُكتب في وصيتهم مثل هذه البيوت التي تؤخذ بقرض الرهن العقاري بهذه النظرية. على كل حال إذا كان البعض تحدوهم الرغبة في البحث فليبحثوا في الموضوع وإذا وجدوا أمرا جديدا فليخبروني، لكي نطلع أكثر.

نصح واجب للدائنين

إن الإسلام يوجِّهنا كما قلت إلى خلْق مجتمع مليء بالمؤاخاة ومنزه من أنواع الخصومات والشجارات ويفشو فيه الصلح والسلام. فمن ناحية رأينا أنه نهى عن الربا بشدة، وقال الله إن الربا يؤدي إلى النزاعات. ثم قال عندما تُقرضون أحدهم وليست أوضاعه جيدة فعليكم أن تمهلوه حتى تتحسن أوضاعه، فقد قال

وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة: 281)

فليس هناك إمكانية للربا، حتى تطالبوا بالزيادة. بل إن القروض التي تقدمونها عليكم أن تراعوا الأوضاع الاقتصادية للمقترض عند طلب سدادها، لأن مثل هذه المراعاة تزيد الحب المتبادل. فقد قال: يجب أن تضعوا في البال دوما عسرةَ المقترض، وإذا كان المقرض يقدر على أن يعفي الإنسان المضطر من قرضه (إذا كان اضطرارا حقيقيا) فليفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، وإن فعلكم هذا سيقربكم إلى الله .

وأريد أن أقول هنا أنني في وقت سابق كنت قلت للمحامين الأحمديين عندما يأتيكم أحد مع قضية اللجوء فيجب على المحامين الأحمديين ألا يتقاضوا منه رسوما عالية حتى لا يرضخ تحت الدين، أو يمكنهم على الأقل أن يتفقوا معه كتابةً أنه سيدفع هذه الرسوم بعد نجاح القضية والحصول على وظيفة. على أية حال، فإن استغلال معاناة شخص، حيثما كانت، خُلُق ذميم لا ينبغي أن يتصف به مسلم على الإطلاق.

يجب التذكر دائمًا أنكم إذا أردتم أن تنالوا نصيبا من رحمة الله وفضله، فعليكم أن تعاملوا إخوتكم المدينين بلطف وتنفعوهم، وهذا الفضل يجعلكم مورد فضل الله تعالى. على المسلم وخاصة المسلم الأحمدي أن ينتبه لذلك. إذا كان الله تعالى فضّلكم على غيركم ماديا فالطريق الحقيقي للشكر على هذا النعمة هو أن تعينوا الضعفاء ماديا. وإذا كان تعاملكم معهم قاسيا فتذكَّروا أن الله تعالى يقول إنه أقوى من الجميع فحذار أن يقسو عليكم، لذا فخشية الله وتقواه شيء مهم للغاية.

المسلم الذي لا يعمل بأي حكم إلهي يتساوى مع غير المسلم الذي لا يعمل حسنة. يضرب المصلح الموعود مثالا مقارنا بينهما: مَثَل غير المسلم كمثل الولد العاق الذي أعلن الأبوان عقوقه ولا يطيع أباه فقطع الأب علاقته معه، ومهما فعل الابن لن يكون الأب مسؤولا عن تصرفاته، ولكن مَثل المسلم كمثل الولد الذي هو فرد من العائلة فإذا أساء التصرف فسوف يُعاقَب عليه. إذا أخطأ مسلم فيمكن أن يعاقبه الله في هذه الدنيا أو في الآخرة أيضا أو في كلتيهما كما يشاء. فإذا أمهل الله تعالى أحدا ولم يؤاخذه على عصيانه فذلك لكي يصلح نفسه فينجو من العقاب.

قد سمح الخلفاء قبلي أيضا بالحصول على قرض الرهن العقاري لشراء البيت، وأرى في هذا المجال أن قسط الرهن العقاري إذا كان يساوي تقريبا مبلغ أجرة البيت، فلا بأس في الحصول على القرض العقاري. وبعد مدة حين ترتفع الأسعار يقوم الذين يملكون العقل ويريدون التخلص من القرض ببيع بيوتهم ويشترون في منطقة أخرى ويتخلصون من قرض البنك أيضا. هنا يجب ألا يغيبن عن البال الشرطُ أن هذا السماح يخص البيت للسكن فقط، وليس للتجارة.

ونصح واجب للمدينين أيضا

لما أمر الله بأن اهتموا بإخوتكم فهو أن تيسروا لهم وتسهلوا عليهم بدلا من أن تضيقوا عليهم لكي يدعو لكم الفقراء بسبب نشركم السلام ولكي تفوزوا بحب الله تعالى. وعلى المدين أيضا أن يتذكر أنني لا أعني أنه لو أعطاك أحد دَينا فلا تسدده بحجة أنه ليست لديك سعة. بل على المدين أن يتذكر أنه حين قرر ميعادا لإعادة الدَّين فلا بد أن يوفي بعهده، وأن يسعى لتسديد الدين بكل ما أمكن بدلا من خلق الأعذار، وإذا كان بالفعل لا يستطيع تسديده فعليه أن يخبر الدائن بالوضع بكل صدق وأمانة ويستمهله. وذلك سيجعل الدائن والمديون كلتيهما يعيشان بالتصالح ويزيدهما حبا. وإذا سعى كل منهما ليخادع الآخر فعلى المدين خاصة أن يتذكر ألا يظن أن الله سوف يعفو عنه لأنه فقير. واذكروا دوما أن كاتم الحق كاذب والكاذب يحارب اللهَ دوما، والله لا يجب الكاذبين.

إذا عامل الدائنُ المدينَ واضعا نفسه مكانه، فلو كانت ظروفه المادية سيئة أفلم يكن يأمل منه أن يتلطف ويعامله بالرفق ويُمهله؟ كذلك المدين لو عامل الدائن بوضع نفسه في مكانه ويفكر: هل كنتُ سأقبل التعامل مع المدين المخادع؟ فمثل هذا التفكير من كلا الطرفين سوف يُسفر عن نتيجة إيجابية ويدفعهما إلى موقف يحسن العلاقات بينهما، وهكذا سيكونان ممن يعملون بالحديث القائل:

لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ. (البخاري)

فالذي يعمل بهذا الأمر لا ينشر إلا الصلح والحب والسلام.

معنى أكل الربا أضعافا مضاعفة، وتصحيح سوء فهم

هناك شيء عن الربا كان يجب أن أذكره من قبل ولكن أذكره الآن. لقد قال الله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (آل عمران: 131)

يقول بعض الناس إن الربا ليس ممنوعا بل ما نُهي عنه هو الربا المتكرر (أضعاف مضاعفة). والآن بعد هذه التعاليم الواضحة هل يصح هذا التفسير؟ إنه تفسير خاطئ، لأنه في هذه الحالة تتعارض هذه الآية مع الآيات السابقة. وأذكر هنا من كلام المسيح الموعود مقتبسا  يوضح الأمر. ذكر أحدٌ رأي السير سيد أحمد خان في ذلك فقال :

«ليس صحيحا القول بأن أضعافا مضاعفة هو الممنوع والربا العادي وغيره جائز. الشريعة لا تقصد ذلك قط. فمثلا إذا قيل لأحد: لا ترتكب ذنبا تلْو ذنب، فهذا لا يعني أنه يجب أن يرتكب الذنب حتما. أو يجوز ارتكاب الذنب. (البدر؛ ج 2، عدد 10، ص75، بتاريخ 27/03/1903م)

ثم هناك أمور يجب الاهتمام بها في التجارة لكي لا يحدث نزاع أو فساد أو عداء. ولاجتناب هذه الأمور ما هي شروط الدين وماذا ورد عنه في القرآن الكريم؟ قال:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (البقرة: 283)

هذا أمر مهم للغاية، وكل ما أمر به القرآن لاجتناب النـزاع والفساد في المجتمع بسبب التعامل المالي يشكل دليلا على كون الإسلام دِينا كاملا ومن الله. وكذلك أمر بأن اكتبوا معاملات الدَّين، وهذا الحكم نزل حين كانت عادة الكتابة في مراحلها البدائية بل البدائية جدا، خاصة أن العرب كانوا قليلي الاهتمام بها جدا. اليوم تعتز الدول المتقدمة أنهم اخترعوا طرقا قوية لحفظ المعاهدات، ومع ذلك يحدث الخداع والاحتيال، ولكن الله تعالى في هذه الآية وحدها أمر بالتقوى مرتين ليوجه المؤمنَ بأن جميع أمورك الدنيوية أيضا لا يمكن أن تسفر عن نتيجة صحيحة ما لم تتمسك بتقوى الله. وفي أماكن أخرى أيضا نُبِّه إلى أن يتذكر الله، لأن جميع أعمال المؤمن تكون لوجه الله تعالى ويجب أن يكون كذلك، وما يقوم به المرء حاسبا أنه لوجه الله فلا يمكن أن تكون فيه أي شائبة من الخداع. لقد أمر الله بالكتابة لأن الإنسان لا يشعر بأهميتها عند التدايُن. وعموما تكون بين الطرفين علاقات قوية لذلك يتداينان، ويبديان الثقة ببعضهما ولكن تتحول هذه الثقة نفسها إلى عدمها بعد فترة، ويتخذ هذا الحب سمة الكراهية وفي بعض الأحيان يصل الأمر إلى رفع القضايا في المحاكم، لذا أمر الله تعالى بأن عليكم أن تكتبوا شروط الدَّين والمعاهدات والتعاملات الماليةِ من أجل المحافظة على علاقات الحب هذه.

الأمر الأول هو أنه يجب تحديد موعد تسديد الدَّين ليكون عند المستدين شعور أن عليه تسديده في غضون مدة كذا وكذا، ولكيلا يضايقه الدائنُ في أثناء هذه المدة. وقد لوحظ أن الدائن يضايق المستدين كثيرا حتى يشعر المستدين أنه أولا مدين له بالقرض المالي ثم بكثرة المنّ. فقال تعالى أن يكون هناك عهد خطي تُحدَّد فيه المدة. وستكون الفائدة من ذلك أن المستدين سيفكر عند أخذه الدَّين فيما إذا كان يستطيع تسديدة في هذه المدة أم لا؟ وهل يستطيع العمل بشرط التقوى الذي ذكره الله تعالى مرارا وتكرارا؟ وبالنتيجة سوف يأخذ القرض نظرا إلى ظروفه. إن وضع الشروط في العهد يُبطل دليل القائلين بأن من فوائد الربا أن تحديد مبلغ الربا يمكّن المستدين من تسديده فيحاول لذلك خشية تراكم الربا. ولكن المؤمن لا يخشى الربا بقدر ما يخشى الله تعالى. هناك عشرات من الناس وأعرف الكثيرين منهم الذين يقترضون بالربا ثم لا يسددونه طول حياتهم فيظل القرض يتراكم باستمرار فتبدأ الخصومات والشجارات ولا تستطيع أجيالهم التالية أيضا تسديده. وإذا أُخذ القرض من الدوائر المالية الحكومية فلا يستطيع الدائن التخلص منه مهما حاول. فكما قلت في الخطبة السابقة أنه إذا كان لدى المستدين شيء من الأملاك يصبح عرضة للمزاد العلني فيبقى صفر اليدين. فقال الله تعالى إنه إذا كنتم تتحلون بالتقوى فيجب أن تفكروا قبل الاستدانة هل تقدرون على التسديد أم لا، والله تعالى نصح كثيرا بإيفاء الوعد. ثم يقول الله تعالى:

وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بالعَدلِ

لئلا يكون أي الفريقين عرضة لعدم العدل والإنصاف. ثم قال بشأن الاحتفاظ بالعلاقات: يمكن للمستدين أن يقول: لا أدري ما هي الشروط التي وضعها الدائن، لذا أعطاه الله حقا أن يدبّر كتابة العهد درءا لأي نوع من سوء التفاهم ولكيلا يثير أي نزاع لاحقا بشأن موعد التسديد. ثم قال : اتقوا الله وضعوا في الحسبان دوما أن المؤمن يفي بالوعود دائما، ولا تُملوا العهد واضعين في الحسبان أننا نأخذ القرض الآن وسنرى لاحقا عند سنوح الفرصة هل يجب تسديده أم لا. كلا، بل تذكروا دائما أنكم ميّتون وماثلون أمام الله لا محالة، لذا يجب ألا تقوموا بسلوك من شأنه أن يحطّم أمن المجتمع وسلامه. وإن كنتم تظنون أنكم قد لا تقدرون على التسديد ولا يمكنكم -نظرا إلى دخلكم المتوقع وإلى أملاككم- تسديدَ الدَين فلا تأخذوه ولا تكتبوا عهدا. فقال الله تعالى لإلزام المقترض أن يفكر في هذه الأمور كلها جيدا قبل كتابة العهد. علما أنكم لا تستطيعون أن تقللوا من شروطه، فيجب أن تلتزموا بتقوى الله دائما واعلموا أنه لا يمكن لأحد أن يخدع الله تعالى.

لم يترك القرآن الكريم حاجة أي شريحة من شرائح المجتمع إلا وذكرها، فقال: قد يكون هناك بعض من السذج وقليلي العلم وهم محتاجون، ففي هذه الحالة من واجب المجتمع أن يمثّلهم شخص من أهل العلم والفطنة وليكتب العهد نيابة عنهم إذ يمكن ألا يُملي قليل العلم عند كتابة العهد شروطا تحافظ على حقوقه. لذا من واجب الولي أن يمثّله واضعا في الحسبان كافة جوانب قانون الدولة. فيقول الله تعالى:

فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء

قد تكون الحكمة في شهادة امرأتين أن المرأة أقل اهتماما عادة بالأمور التجارية والحسابية كهذه. لقد أُثير هذا السؤال هنا ذات مرة وفحصتُ الموضوع وبحثت فيه فوصلتني المعلومات أن عدد النساء هنا أيضا أقل بكثير مقارنة مع الرجال في مجال التجارة والاقتصاد والحسابات. والمعلوم أن الإسلام دين عالمي، بينما اهتمام النساء بهذه الأمور قليل جدا في بعض البلاد أيضا. خذوا باكستان مثلا، فلا تهتم النساء بالخوض في مثل هذه الأمور التجارية ولا يدخلن فيها. إذن، إن شهادة اثنتين- إذا اقتضت الحاجة إليها- تقوي الشهادة. كذلك أُمر بشهادة الرجلين أيضا لتقوي شهادة أحدهما الآخر.

إن شخصا مثله يأخذ جذوة من النار. وفي مثل هذه الحالات تنشأ الخصومات بين عائلتين والفتنةُ والفساد في المجتمع. وبالنتيجة إن آكلي المال غير المشروع يُحرمون الهناءة حتى في بيوتهم أيضا. إذن، يجب الالتزام بهذا الأمر بشدة وقوة ويجب على المرء أن يسعى دائما ألا يحرِم نفسه من الأمن والسلام. ندعو الله تعالى أن يجنّب الأحمديين هذه الأمور ويوفقهم للسير على دروب رضوانه

قد يحدث النـزاع بشأن العهد أيضا، لذا أُمر ألا يرفض الشهداء إذا ما دُعوا للإدلاء بالشهادة في المحكمة أو في أي مكان آخر، بل يجب أن يحضروا بطيب الخاطر ويدلوا بإفادتهم بأمانة للحفاظ على أمن المجتمع نتيجة الحكم الصائب.

ثم يقول الله تعالى:

إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا

ولكن هناك بعض المخاصمين الذين يوجدون أعذارا للخصومة على أية حال، لذا يجب على المشتري أن يشتري السلعة بعد فحص وبحث جيدا حتى لا تطل الخصومات برأسها لاحقا. أما إذا كانت العهود طويلة الأمد في حال التجارة فيجب كتابتها واستشهاد الشهداء كما سبق الذكر بشأن القرض. ويقول الله تعالى هنا أيضا أن اتقوا الله، وليعلم الفريقان أن الله بهم عليم. وبالإضافة إلى ذلك فقد ذُكرت أمور الدَّين في آيات مختلفة في القرآن الكريم، وبالعمل بها يمكن نشر الأمن والحب وتوطيد دعائمهما.

أكل الأموال، معناه، وعواقبه

سأذكر هنا أمرا آخر أيضا طالما يتسبب في بعد الشقة بين الإخوة في هذه الأيام، ولكن البُغض والضغينة والحسد قد أعمى أحدهما تجاه الآخر. ونتج هذا الوضع عن عدم العمل بأمر الله تعالى:

وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة: 189)

أي لا تأكلوا أموال بعضكم بعضا ولا تأكلوا أموالا عامة. ولا تطلبوا إصدار القرارات لصالحكم بتقديم الرشوة. يجب على الإنسان أن يجتنب دائما النظرَ إلى أموال الآخرين وأملاكهم. وإذا قررت المحكمة إعطاء أملاك أحد غيرَه، وجب على المرء أن يفحص نفسه ليعلم إن كان ذلك من حقه فعلا. ويجب أن ينتبه دائما إلى قول النبي حيث قال إن شخصا مثله يأخذ جذوة من النار. وفي مثل هذه الحالات تنشأ الخصومات بين عائلتين والفتنةُ والفساد في المجتمع. وبالنتيجة إن آكلي المال غير المشروع يُحرمون الهناءة حتى في بيوتهم أيضا. إذن، يجب الالتزام بهذا الأمر بشدة وقوة ويجب على المرء أن يسعى دائما ألا يحرِم نفسه من الأمن والسلام. ندعو الله تعالى أن يجنّب الأحمديين هذه الأمور ويوفقهم للسير على دروب رضوانه. (جريدة الفضل العالمية بلندن، العدد: 6-12 يوليو عام 2007م، ص 5 إلى 9)

Share via
تابعونا على الفايس بوك