الكذبة الكبرى ضد الأحمدية

الكذبة الكبرى ضد الأحمدية

مصطفى ثابت

في الحلقة الماضية قدمنا خلفية تاريخية للأهوال التي عانى منها المسلمون على أيدي السيخ في البنجاب (الهند)، وكيف أن المسلمين حُرموا من حقوقهم الدينية، ومُنِعوا من أداء الصلاة ورفع الأذان في المساجد، وكانوا يتعرضون إلى الكثير من الإيذاء ولاإضطهاد، والقتل والتشريد، لا لشيء إلا لأنهم مسلمين. ثم جاء الإنجليز إلى البنجاب وأوقفوا المجازر التي كان يقوم بها السيخ ضد المسلمين، وأعطوا الجميع حق القيام بشعائرهم الدينية في حرية وأمان. غير أنه في عام 1857 قام الهندوس والسيخ بحركة تمرد ضد الإنجليز، أملًا في استرداد أمجادهم الغابرة واستعادة سطوتهم على المسلمين، وكانت بعض شراذم المسلمين قد شاركتهم ذلك التمرد طمعًا في الحصول على بعض المكاسب المادية والسياسية. غير أن زعماء المسلمين ورجال لادين أدانوا هذا التمرد، واستنكروا صيحات الجهاد التي كان يطلقها يعض المولويين الجهلة بهدف جمع الأموال باسم الدين. وقد أفتى العلماء في الهند وفي مكة المكرمة بتحريم الجهاد ضد الإنجليز وعد اعتبار الهند دار للحرب.

ظهور الإمام المهدي مسرح الأحداث

حدث كل ذلك حينما كان سيدنا أحمد عليه السلام لا يزال شابا في مقتبل العمر، وكان خامل الذكر لم يسمع عنه أحد، وكان يشغل وظيفة متواضعة في مدينة سيالكوت. وبعد مرور خمسة عشر عاما على أحداث عام 1857 التي أدانها علماء المسلمين، نشر أولى مقالاته دفاعًا عن الإسلام ضد هجمات المسيحية والهندوسية في مجلة “منشور محمدي” في 25 أغسطس (آب) عام 1872، ومن بعدها استمر في كتابة المقالات إلى أن نشر كتابه المعروف “البراهين الأحمدية” في عام 1880 ثم في عام 82 ثم في عام 84، وفي تلك الأثناء بدأ نجمه في الظهور. وكان يتمتع بتأييد المسلمين وإعجابهم حتى عام 1891 الذي نشر فيه كتبه الثلاثة: “فتح الإسلام”، و”توضيح المرام”، و”إزالة الأوهام”، وأوضح فيها أن عيسى بن مريم عليه السلام قد توفاه الله تعالى كما توفى جميع الأنبياء، وعلى ذلك فلن ينزل من السماء، وأنه.. أي سيدنا أحمد.. هو الإمام المهدي المنتظر والمسيح الموعود.

اعتبر كل من المسلمين والقساوسة المسيحيين.. على السواء.. تلك الدعوة إهانة شديدة لشخص المسيح بن مريم عليه السلام، فأقاموا الدنيا وأقعدوها ضد سيدنا أحمد عليه السلام. وحيث إن قوانين الحكومة الإنجليزية كانت تكفل الحرية الدينية للجميع، لم تستطع أي فئة منهم اتخاذ أي إجراء قانوني ضده بغير طريق التآمر، الذي أقدم عليه القساوسة المسيحيون حين حاولوا تلفيق تهمة القتل ضده في المحكمة. ولما فشل الجميع في مقابلة الحجة بالحجة.. ولم تكن في أيديهم سُلطة استعمال القوة في القضاء عليه.. كان لا بد من اللجوء إلى أساليب الكذب والمكر والخديعة.. والتآمر واستعداء السُلطة ضده.

المولويون والقساوسة يحرضون الحكومة ضد الإمام المهدي

وفي أوائل الثمانينيات.. كان الإنجليز يعانون في السودان، من حركات المقاومة التي كان يقودها محمد أحمد المهدي السوداني الذي ادّعى أنه المهدي المنتظر. فلما أعلن سيدنا أحمد عليه السلام أنه هو المهدي المنتظر.. توجس الإنجليز شرا من هذه الدعوة، وانتهز المولويون والقساوسة الرصة، وراحوا في محاولاتهم لاستعداء السُّلطة ضده يُذْكون روح الشك والريبة في قلوب المسئولين في الحكومة. وكتب الشيخ محمد حسين البطالوي وغيره من مشايخ المسلمين، والقساوسة المسيحيين.. المرة بعد المرة.. يلفتون نظر الحكومة إلى خطر دعوة الإمام المهدي عليه السلام، وأن حركة غلام أحمد ستكون على الإنجليز أشد خطرًا من حركة المهدي السوداني. ومن أقوال الشيخ البطالوي:

“…الدليل على خدعه (أي مؤسس الجماعة) أنه يستبيح في قلبه سلب أموال الحكومة غير المسلمة، ويستحل قتل أفرادها، …، لذلك فلا يليق بالحكومة أن تثق فيه أو تعتمد عليه، بل عليها أن تحذر منه الحذر كله، إذ من المحتمل أن يُصيبها من هذا المهدي القادياني ضرر أفدح وأكبر مما أصابها من المهدي السوداني…”

ثم كتب مخاطبا مؤسس الجماعة:

“..وكيف يطمئن إليك قلب الحكومة؟ ولهذا السبب نفسه لم أزل أوعز إليها بأنك رجل خطير لا يُؤمَن جانبه. وعلى الحكومة ألا تأمن غوائله، وإنه لا يستحق التقريظ الذي سبق أن اختصصته به فيما مضى، لأنه قد تغيّر عما كان عليه، فليس هو بميرزا غلام أحمد الذي كنت قد طَمْأَنْتُ الحكومةَ عنه”. (مسلمو الهند Sir W.W Hunter)

دعوة المسلمين للعمل ضد التبشير المسيحي

ولما كان التبشير المسيحي يجري على قدم وساق في الهند.. قام سيدنا أحمد عليه السلام بالتصدي له، بصفته المسيح الموعود لكسر الصليب، وقد نشر النداء التالي في كتابه “فتح الإسلام”:

“أيها السلمون اسمعوا وعُوا! لقد استخدمت الأمة المسيحية الأقاويلَ الملتوبةَ الملفقة لوضع الحد للتأثيرات الطاهرة للإسلام، ولجأت في سبيل ذلك إلى أخدع الحيل التي حاولتْ نشرها جاهدةً وباذلةً وباذلةً الأموال كالأنهار، حتى أنفدتْ لهذا الغرض الوسائل المخجلة التي نرى من الأنسب تنْزيهَ مقالتنا عن ذكرها. وإن هي إلا مكائد ساحرة من قبل هذه الأمة أنصار التثليث، وما لم يُظهر الله إزاءها يدَ القُدرة.. التي فيها قوة المعجزة، وما لم يُحطّم هذا السحرَ بتلك المعجزة القوية، فلا يُتصوَّر ألبتة أن ينجوَ البسطاء السذّج من سحر الإفرنج هذا.

ودحضًا لهذا السحر، قد أعطى الله تعالى للمسلمين الصادقين في هذا العصر هذه المعجزة.. حيث أقام عبدَه هذا مقابل خصوم الإسلام وقد شرَّفه بوحيه وكلامه وبركاته الخاصة، وأعطاه حظًا أوفر من المعارف الدقيقة المؤدية إلى سبيله. كما أسعفه بكثير من التحف السماوية، والخوارق العلوية، ودقائق المعارف والأسرار الروحانية، ليكسر بهذا الحجر السماوي دُمى الأباطيل التي أعدها سحر الإفرنج.” (فتح الإسلام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 5-6)

ثم قال أيضا في كتاب آخر:

“أيها المسلمون! إن كنتم تؤمنون بالله تعالى ورسوله الكريم بصدق القلب، وتنتظرون نُصرةَ الله، فأيقنوا أنه قد آن أوان نُصرته تعالى، وأن هذا الأمر ليس من صنع الإنسان ولم يؤسسه كيد الإنسان. كلا بل هو انبلاج ذلك الصبح الذي بُشِّر به في الصحف المطهرة من قبل. لقد ذَكَرَكم الله في أحرج الأوقات وأشدها، فكنتم على شفا حفرة كادت أن تنهار بكم، ولكن سرعان ما أنقذتكم يد رحمة الله. فاشكروا له وتهللوا فرحًا وغبطة، فقد عام يوم حياتكم من جديد”. (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 104-105)

ثم يقول في مكان آخر من نفس الكتاب: “من ذا الذي يستطيع أن يُقدّر مدى الأضرار التي لحقت بالإسلام على يد هؤلاء القوم، ومقدار ما وأدوا الحقَّ والعدلَ. لم يكن لهذه الفتن جميعها من أثر يُذكر قبل القرن الثالث عشر الهجري، ولكن ما إن انتصف هذا القرن نَيِّفٌ إلا وخرجت هذه الطغمة الدجالية فجأة، وأخذت في التقدّم حتى بلغ عدد المتنصرين في أواخر هذا القرن في الهند وحدها نصف مليوم نسمة على حد قول القسيس “هيكر”. وقُدّر عدد الذين ينضمون إلى المسيحية كل اثني عشر عامًا فينادون العبد العاجز إلهًا بمائة ألف نسمة. ولا يخفى على العارفين أن جماعة كبيرة من المسلمين، أو بتعبير آخر، فئة من صعاليك الإسلام من ذوي البطون الجائعة والأجسام العارية، استحوذ عليهم القساوسة بما لوّحوا لهم برغيف والثوب. ومن لم يطمع في رغيفهم افتتنوه بالنساء. ومن لم يقع في شركهم بهذه الطريقة أيضا نشروا للكيد بهم فلسفة الإلحاد واللادينية التي وقع فريستها اليوم ألوف من الناشئة من أبناء المسلمين، ممن يسخرون من الصلاة، ويستهزئون بالصوم، ويرون والوحي والإلهام من أضغاث الأحلام. أما من قصر باعه عن دراسة الفلسفة الإنجليزية.. فقد ألّفوا ونشروا لتضليلهم القصص الكثيرة الملفقة، التي نسجها القساوسة بكل سهولة، والتي هجوا فيها الإسلام بأسلوب تاريخي أو روائي، كما الّفوا ما لا يُحصى من الكتب للطعن في الإسلام ولتكذيب سيدنا ومولانا ونبينا ، ووزعوها في كثير من أنحاء العالم مجّانا، ونقلوا أكثرها إلى لغات عديدة، وقاموا بنشرها. راجِعوا في صدد ذلك حاشية الصفحة 46 من كتابي “فتح الإسلام”، تجدوا أنهم خلال إحدى وعشرين سنة وزعوا مجانًا ما يربو على سبعين مليونًا من الكتب لنشر أفكارهم المليئة بتلبيساتهم، وذلك لكي يُقلع عن الإسلام أهله، ولكي يؤمنوا بالمسيح إلهًا. فالله! إن لم يكن هؤلاء في نظر قومنا الدجّال في الدرجة الأولى.. وإن لم تكن ثمة حاجة إلى مسيح صادق لردِّ مكائدهم، فماذا عسى أن يكون مآل هؤلاء القوم يا تُرى؟” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 364-365)

ثم يقول في مكان آخر من نفس الكتاب: “وبكل سرعة تقلّد هؤلاء (أي الدعاة المسيحيون) مناصب الأطباء أيضا، ليُغووا المرضى البؤساء، إن لم يكن غيرهم، عن طريق المعالجة. يشترون الكميات الكبيرة من الغلال حتى يوزعوها مجانًا على المعوزين عند القحط والمجاعة، ويلقِّنوهم دينهم أيضا منتزين الرصة. ولقد شوهد في كثير من الأمكنة أن القساوسة يفتحون أبواب التصدق على مصراعيه يوم الأحد، فيجتمع حولهم كثير من المساكين، فيقومون بوعظهم أيضًا قدر الإمكان قبل أن يوزعوا عليهم النقود. وإن كثيرًا من الراهبات المبشرات يزرن البيوت صباح مساء بانتظام، ويقمن بتعليم بنات الأشراف فنون الخياطة والتطريز وغيرها، متأبطات في نفس الوقت خناجر الإغواء والتضليل التي يستعملنها عند سنوح الفرص. فكم من فتيات شريفاب ومن أسر مسملة عريقة كالسادات والشيخية والمغولية والأمراء والسراة، دخلن في الديانة المسيحية بسعي هؤلاء الراهبات. وكم من المحجبات الشريفات اللواتي ما رأين ظوال عمرهن وجهَ رجل أجنبي، أصبحن بإغوائهن يمرحن الآن في الأسواق واضعات أيديَهن في أيدي غير المحارم من الرجال.. ولا يأنفن إذا قبّلهن الأجنبي باسم الحب الطاهر. كنَّ لم يسمعن حتى اسم الخمر سابقًا ولكنهن أصبحن الآن يعاقرن الخمر سابقًا ولكنهن أصبحن الآن يعاقرن الخمر الخبيثة ليل نهار…

كما أن ألوفا من اليتامى من أبناء المسلمين قد أصبحوا اليوم من ألد أعداء الإسلام بعد أن وقعوا في قبضتهم وتعلموا تلبيساتهم. أرأيتم هل يُتصَوَّر طريق من طرق الفتنة تركوه، أو هل من كيد لم يعملوا به لمحو الإسلام والقضاء عليه؟” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 367-368)

الأمة المسيحية وقساوستها هم المسيح الدجال

وقد شرح سيدنا أحمد عليه السلام أحاديث الرسول التي تتحدث عن فتنة السميح الدجال، وأشار بأن المقصود بالدجّال هم أهل الغرب من الإنجليز وغيرهم من الأمم المسيحية وخاصة القساوسة والمبشرين، الذين يستعملون الدجل لتضليل الناس، وشرح ذلك شرحا مبسطا فقال:

“من كبرى علامات الدجال أنه سيكون لديه حمار ما بين أذنيه سبعون باعًا. والواقع أن طول عربات القطار يكون بهذا القدر تقريبًا. ومما لا شك فيه أيضًا أن القطار يجري بقوة الدخان كما يجري السحاب بقوة الريح. فالحقُّ أنَّ نبينا الكريم قد ألمح في هذا المقام صراحةً إلى قطار سكة الحديد. ولما كان هذا من اختراع الأمة المسيحية التي ترأسها وتؤمها هذه الفئة الدجّالة (أي القساوسة)، لذلك سمي القطار بحمار الدجّال. وهل هناك برهان أكبر وأوضح من أن هذه العلامات المختصة بالدجال توجد فيهم؟ لقد بلغوا من المكائد والخديعة منتهاها، وألحقوا بالإسلام أضرارًا لم يسبق لها نظير منذ بدء الخلق! وعند أتباع هذه الفئة نفسِها حمار يجري بقوة البخار، كما يجري السحاب بقوة البخار، كما يجري السحاب بقوة الريح. وإن أتباعها هم الذين يسيرون في الأرض مستعمرين، ولا يستولون على بقعة قاحلة من الأرض إلا يأمرونها أن أَخْرِجي كنوز! ثم يوجِدون سبلًا شتى للإستيلاء على أموال تلك البقاع، حيث يُحيون الأرض المواتَ ويقيمون الأمن فيها؛ على أن هذه الكنوز تتبعهم، وتنساب تلك الأموال إلى بلادهم دون البلاد الأخرى. من الذي لا يعلم أن كنوز الهند مثلا منسابة إلى أوربا. إن الأروبيين أنفسهم يستخرجون هذه الكنوز، وهم أنفسهم الذين يرسلونها إلى أوطانهم؟” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 493-494)

وهكذا أوضح المسيح الموعود عليه السلام بكل جلاء، أن الغرب وخاصة قساوستهم هم الدجال الأكبر، وأنه.. أي المسيح الموعود عليه السلام.. قد بعثه الله تعالى لكي يقتل الدجال ويكسر الصليب. فقال في ذلك إنما بُعثب لأكسر الصليب وأقتل الخنزير، كما تنبأ بذلك رسول الله قائلا: (فيكسر الصليب) مُعَبّرا عن الديانة المسيحية بلفظ الصليب.

وقد نجح عليه السلام في مهمته هذه، إذ أثبت للمسلمين بأدلة من القرآن والسنة، وللمسيحيين بأدلة من الإنجليز، أن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام قد مات ولحق بإخوانه النبيين، وأنه لم يصعد إلى السماء بجسده العنصري. ومما قاله مخاطبا المسلمين: “يا حضرات المشائخ! لم هذه المكابرة والعناد بغير حقّ وقد ثبت من القرآن المجيد وفاة عيسى، وقال بموته بعض الصحابة والمفسرين منذ البداية؟ دَعُوا إلهَ المسيحيين يَمُتْ. فإلامَ تنادونه حيًّا لا يموت؟ أفلا تنتهون؟” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 351)

كذلك أثبت من الإنجليز أن المسيح لم يمت على الصليب، وإنما أُنزِل عنه حيًّا وفي حالة من الإغماء الشديد. وهذا منعى أنه لم يُصلب أي أنه لم يمت على الصليب، ولكن مجرد التعليق على الصليب لا يعني أنه صُلِبَ، إلا إذا حدثت الوفاة وهو معلق على الصليب، وهذا ما أثبت أنه لم يحدث. وبذلك سقطت من على المسيح صفة اللعنة التي ألصقها بها أعداؤه من اليهود، وأتباعه من المسيحيين، ولذلك أيضا بطلت عقيدة الكفارة، وببطلان الكفار تبطل ألوهيته المزعومة.

المبشرون المسيحيون يعملون للتخلص من سيدنا أحمد

ولا عجب أنه لم يكن المبشرون والقساوسة المسيحيون، أقل حماسا من المولويين المسلمين أو الآرية والبراهمة الهندوس، الذين كانوا يتمنون التخلص من سيدنا أحمد عليه السلام، وإزاحته من الطريق بكل وسيلة. وبينما أطلق الهندوس وغيرهم العنان لألسنتهم بالبذاءة على سيدنا أحمد… راح المبشرون المسيحيون يدرسون الموقف، ويقحصون الأمور بكل بقة وبكل دهاء أيضا. وكتب القادة والمبشرون المسيحيون الكثير من الكتب والمقالات، يُذرون فيها من خطر سيدنا أحمد وجماعته على المسيحية. وكان من بين هؤلاء الدكتور والتر ويلش Welish Walter وهو السكرتير العام للمنتدى الأدبي الهندي، التابع لهيئة الشبيبة المسيحية، الذي نشر كتابا عن الجماعة الإسلامية الأحمدية اسمه “الحركة الأحمدية” وقال فيه:

“إن أحمد وكُتَّابه الصحفيين، قد بذلوا فصارى جهدهم في دراسة أوراق صحف جميع الأمم والأزمنة، ثم حشدوا كل جهودهم في وثبتهم الجبارة على سيرة المسيح الناصري، لكي يُثبتوا أنه طان بشرا عاجزا غير معصوم”.

وعُقد في مدينة لكهنؤ مؤتمر عام من جميع القساوسة المبشرين، للبحث في مسألة التبشير بين المسلمين، فقال أحدهم عن الجماعة الإسلامية الأحمدية: “إنها فئة شديدة العداوة ليسوعنا، وتناصب المسيحية أشد العداء… وهي تُفرّق بين شخصية المسيح المذكور في القرآن وبين مسيح الأناجيل”.

(ص 165 من التقرير المطبوع من قِبَل المنتدى الأدبي المسيحي المتضمن قرارات مؤتمر لكهوؤ، طبعة لندن).

وكتبت عنه أكبر الجرائد الإنجليزية التي كانت تصدر في لاهور العاصمة، وهي الجريدة شبه الرسمية للحكومة الإنجليزية.. جريدة سيفيل آند ميليتري جازيت

Civil and Military Gazette

فقالت تحت عنوان كبير:

مهووس ديني خطير

A Dangerous Fanatic

يوجد في البنجاب مهووس ديني مشهور، ونعتقد أنه يقيم في مركز كورداسبور. وهو يعتبر نفسه من المسلمين، ويدّعي أيضا أنه المسيح. وقد أثارت نبوءاته عن موت أحد أبناء أمرتسر من المنتصرين اهتماما كبيرا لعدة أشهر، ولكن لحسن الحظ لم يظهر أثر لنبوءاته، وما زال المتنصر على قيد الحياة. ولا شك أن هذا الشخص المهووس تحت رقابة البوليس، فحيثما يذهب لترويج أفكاره، لا بد وأن تقع الإضطرابات ويتهدد الأمن. وله الكثير من الأتباع ولكنهم أقل هوسا منه.

وبالطبع لا نتوقع أي خطورة سياسية من خيالاته الفارغة، ولكن جنونه يتسم بأسلوب متميز. ولا شك أن له قدرات أدبية فائقة، مؤلفاته كثيرة ولها وزن، وتتوفر فيه كل العناصر اللازمة لتكوين مركز خطير للتجمع. وهو بالطبع يُعتبر لدى الأصوليين لعنة سماوية. وقد ذاع صيته بعيدا إلى أن وصل إلى أماكن نائية مثل مدراس، ونقدم فيما يلي مقطعا مما نشرته في تلك المدينة إحدى الجرائد الإنجليزية:

“إن اليقين الديني العميق المنسوب إلى ذلك القادياني، أمر يجب ألا يؤخذ ببساطة. وما نخشاو أنه.. بافتراض سلامة قواه العقلية.. فإن اليقين الديني لديه يمتزج في عقلية “المصلح” مع ضيق النظر، مما يجعله في مصاف الرجعيين. وتؤثر معتقداته على جميع أحواله الذهنية، فتجعل منه حالة مريضة تعترض على كل ما حولها. ويُستشف من كتاباته أنه في عداء مع المَدَنية الحديثة، التي تصادف أنها ترتبط بالمسيحية التي يكرهها كراهية تامة. فهو إذا كان يُعادي هذه المدينة فلا بد له أن يُعادي المسيحية، لأنهما في الحقيقة شيء واحد غير منفصل. وهو يكره القطار الحديدي كما لكره عقيدة التثليث، لأن القطار من اختراع أهل التثليث. وفي إحدى كتاباته يكشف عن حقيقة أمره إذ يقول: “وهكذا يتضح أن هذه الأقوام المسيحية حماة التثليث…”، لاحظ هذه الكلمات: حماة التثليث، …”قد أتوا بأعجب العجائب، ووضعوا من سحرهم نظاما كاملا مما لا يستطيعه أحد غير الدجّال”. وهذا النظام في رأيه: “…شعوذة متقمة”. فهو الشر المجسّم الذي يتعارض مع الرب الكريم من ناحية، ومن ناحية أخرى يقف في جانب الشيطان. وليس في الإمكان تقدير ما يُحتمل أن تسفر عنه هذه النَزعات المتطرفة، إذا ما تجاوز مرحلة الخيال إلى مرحلة العمل. إن في كلامه ضراوة شديدة مستترة، ولكنها تشير إلى احتمال وجود المناضل الإسلامي الخطير المنطوي في خبايا الدهر. ولا يمكن لأي من أقوال المعجبين به.. التي تحاول التخفيف من خطورته.. أن تجعلنا نغير من آرائنا عنه، خاصة بعد المناظرات الأخيرة التي جرت في أمرتسر”.

إننا لا نزال نرقب عن كثب هذا الشيخ القادياني لعدة سنوات، ونحن نتفق مع رأي الجريدة الذي قدمناه، وذلك من واقع معرفتنا بهذا الرجل وبأعماله وأنشطته. إنه ما زال يكتسب قوة، وقد يدفعنا في يوم من الأيام أن نتعامل معه باهتمام أكثر”. (العدد الصادر في 24 أكتوبر (تشرين أول) 1894) ولم يكن من الغريب مع كل هذه الدعايات المضادة، أن يحاول المبشرون المسيحيون.. كما فعل المولويون المسلمون.. أن يستّعْدوا السُلطة عليه، فكتبوا ضده الشكاوى للحكومة يحذرونها من الخطر الناجم عن دعوة المسيح الموعود عليه السلام. وهذا ما كان يضطره باستمرار أن يذكر في كتبه أنه لا يبغي أي شر للحكومة، وأنه لا توجد لديه أية نية لمعصيتها، أو للخروج على قوانينها، أو تشجيع الثورة عليها، وأنه جاء لإصلاح النفوس وبعثها إلى الحياة، وليس لتقتيل الناس ونشر الدين بقوة السيف والإرهاب. ولذلك لا يكاد يخلو كتاب من كتبه من بيان وإيضاح موقفه المسالم هذا من الحكومة. وكان يردد أيضا عرفانه وامتنانه للحكومة، التي رفعت عن كاهل المسلمين في البنجاب، مظالم السيخ التي كانوا يتعرضون لها ويقاسون منها لزمن طويل. ولكن هذا المدح والإمتنان للحكومة، لم يكن مداهنة ولا ممالأة ولا نفاقا، لأنه كان أيضا يوجه الإنتقاد حينما يكون هناك ما يستدعى الإنتقاد.

وننقل إلى القراء صورة مما كتبه بسبب وشايات وشكايات بعض المبشرين المسيحيين ضده، إذ يقول بأسلوبه الأدبي العربي: “إن رجلا من الذين ارتدّوا من دين الإسلام ودخلوا في الملة النصرانية.. أعني الذي يسمي نفسه القسيس عماد الدين.. ألّف كتابا في هذه الأيام لخداع العوام، وسمّاه توزين الأقوال، وذكر فيه بعض حالاتي بافتراءٍ بحت لا أصل له، وقال إن هذا الرجل مفسد ومن أهل العداوة، وإني وجدت في طريقة مشيه آثار البغاوة، وليس من نصحاء الدولة، وأيقن أنه سيفعل كذا وكذا، وإنه من المخالفين.

فالملخص أنه حث الحكومة في ذلك على إيذائي، ومع ذلك فرّغ إنءه في سبي وازدرائي، وأفرغ قذر لسانه على بعض أحبائي، وأكثر القول في ديانتنا المقدسة، وشتم خير الرسل وبالغ في التوهين، وتكلم بكلمات ترتجف منها القلوب، وتهيّج في الأفئدة الكروب…” (الخزائن الروحانية- الجزء الثامن- كتاب نور الحق الجزء الأول – ص 33-34)

“يا حضرات المشائخ! لم هذه المكابرة والعناد بغير حقّ وقد ثبت من القرآن المجيد وفاة عيسى، وقال بموته بعض الصحابة والمفسرين منذ البداية؟ دَعُوا إلهَ المسيحيين يَمُتْ. فإلامَ تنادونه حيًّا لا يموت؟ أفلا تنتهون؟” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية ج 3 ص 351) وقال أيضًا: “إن قضية حياة عيسى كانت في الأوائل بمثابة خطأ فحسب، أما اليوم فقد تحول هذا الخطأ إلى أفعى تريد ابتلاع الإسلام… فمنذ أن تم خروج المسيحية واعتبر المسيحيون حياة المسيح دليلًا كبيرًا وقويًّا على حياته، قد أصبح هذا الخطأ خطرًا مهدِّدًا؛ إذ يقول هؤلاء بكل شدة وتكرار لو لم يكن المسيح إلهًا فكيف صعد وجلس على العرش؛ وإذا كان بإمكان بشر أن يصعد إلى السماء حيًّا فلماذا لم يصعد إليها أحد من البشر منذ آدم إلى اليوم…إن الإسلام اليوم في ضعف وانحطاط، وقضية حياة المسيح هي السلاح الذي حملته المسيحية للهجوم على الإسلام، وبسببها أصبحت ذرية المسلمين صيدًا للمسيحية.” (الملفوظات ج 8 ص 337-345)

كذلك أثبت من الإنجيل أن المسيح لم يمت على الصليب، وإنما أُنزِل عنه حيًّا وفي حالة من الإغماء الشديد. وهذا معنى أنه لم يُصلب أي أنه لم يمت على الصليب، ولكن مجرد التعليق على الصليب لا يعني أنه صُلِبَ، إلا إذا حدثت الوفاة وهو معلق على الصليب، وهذا ما أثبت أنه لم يحدث. وبذلك سقطت من على المسيح صفة اللعنة التي ألصقها بها أعداؤه من اليهود، وأتباعه من المسيحيين، وبذلك أيضا بطلت عقيدة الكفارة، وببطلان الكفارة تبطل ألوهيته المزعومة. علمًا أنه بالرغم من الكتابات الدنيئة، التي كان ينشرها القساوسة عن النبي الأكرم ، لم يكتب عن المسيح عليه السلام بنفس أسلوبهم الدنيئ، فكان عند إبطال ألوهية المسيح يستعمل اسم يسوع الذي لم يذكره القرآن وإنما ذكره الإنجيل ونسَب إليه ما نسَب. وكان مما قاله المسيح الموعود بهذا الشأن:

“ولكن المسيحيين عرضوا علينا يسوع الذي كان يدعي الأوهية (حسب زعمهم)، وكان يعتبر كل من سواه من الأولين والآخرين ملعونين، أي مرتكبي الموبقات التي جزاؤها اللعنة. فإننا أيضا نرى مثل هذا الشخص محرومًا من رحمة الله. كلا.. ما أنبأنا القرآن الكريم عن يسوع قليل الأدب بذيء اللسان، بل إننا نستغرب سلوكه أشد الإستغراب إذ إنه نسَب لله الموت وادعى لنفسه الألوهية، ثم اجترأ على شتم ألوف من الأبرار الذين يفضلونه بألوف المراتب والدرجات”. (نور القرآن الجزء الثاني، الجزائن الروحانية ج 9 ص 374-375)

(يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك