الإسلام كما يراه مسيحي عربي

الإسلام كما يراه مسيحي عربي

أبو خالد

طلع علينا مؤخرًا الأستاذ أنيس شدُّش الداعية المعمداني بكتابه «الإسلام».. كما يراه مسيحي عربي». ويقع هذا الكتاب في ثلاثمائة صفحة من الحجم المتوسط، وقد نشر بواسطة شركة ناشبيل تينسي في الولايات المتحدة سنة ۱۹۸۸ باللغة الإنجليزية.

ينقسم هذا الكتاب إلى قسمين رئيسيين: الأول ويشتمل على نقد بل وطعن في بعض المبادئ الإسلامية. وفي الثاني يتحدث الكاتب عن المناظرة الدينية التي جرت بينه وبين الشيخ أحمد دیدات أحد العلماء المسلمين في بريطانيا.

لقد ادّعى صاحب الكتاب أنه استطاع لكونه مسيحيًا عربيًا، أن يكشف النقاب عن حقيقة الدين الإسلامي، وأنه كان موجهًا إلى المسلمين عامة وللعرب منهم خاصة، أولئك العرب الذين، كما يقول، يدعون ربهم يوميًا: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . وفي آخر مقدمته للكتاب يرجو أن يجد القاري فيه (أقوى وأنجع دفاع عن المسيحية في مواجهة الإسلام).

وحسبنا للتعرف على الكاتب ما يقوله الدكتور أدريان روجرز رئيس المجمع المعمداني في جنوب الولايات المتحدة وهو يقدم لهذا الكتاب:

“إن الدكتور شدُّش يفهم المسلمين أكثر من أي مسيحي آخر، لأنه نشأ وترعرع في مدينة الناصرة حيث تعيش أكثرية مسلمة، ثم في القدس الشرقية حيث يكون المسلمون أيضًا أكثرية سكان المدينة. وفي خارج البلاد المقدسة كان الكاتب أكثر القساوسة العرب صلة بالمسلمين. وهو مطلع على القرآن ومبادئ الدين الإسلامي، ويعرف أين يتفق المسلمون والمسيحيون وأين يختلفون. كما وأنه فهم اليهود ولم يتردد عن إعلان حبه لهم من أجل يسوع المسيح وبذلك كسب عطفهم أيضًا. لقد فقد والده وعمه أثناء اجتياح القوات الإسرائيلية لبلدة الناصرة سنة 1948، فهاجر مع أمه إلى الأردن وهو يافع، ومن ثم إلى الولايات المتحدة حيث أتم دراسته وحصل على لقب دكتور في اللاهوت وأصبح مبشرًا دوليًا. وقد ألف العديد من الكتب كان آخرها الكتاب الذي بين أيدينا”..

لقد تعرض الكاتب إلى عدة نواح من الدين الإسلامي، وجمع ما ساغ له من الملاحظات والاعتراضات، دون أن يتوخى الصدق والنزاهة ودون أن يقف على الحقائق والوقائع التاريخية الثابتة في كثير من الأحيان. ولم يستنكف عن سرد حوادث وعبارات استهدف منها الطعن السافر في مبادئ الدين الحنيف والنبي الكريم.. حتى يسمح لنفسه أن يطغى على لغة القرآن العربية لغة الوحي وكلام الله تبارك وتعالى. ومن الغريب بل ومن عدم اللياقة أن تصدر عن رجل دين حصل على درجة عالية من علم اللاهوت، اتهامات باطلة كهذه لدين سماوي له قداسته الراسخة في قلوب مئات الملايين من سكان الكرة الأرضية.

لقد أهداني هذا الكتاب أحد الأصدقاء المعمدانيين، وبعد أن تصفحته توجهت في الحال برسالة إلى صاحبه أنكرت عليه بعض ما كتبه، لكنه لم يجبني حتى الآن. وبت أترقب الفرصة لأرد ولو على بعض تلك المطاعن، حتى علمت باستعداد مجلة «التقوى» الغراء لنشر ما أعده من رد على ذلك الكتاب. ومع أنني لن أتمكن من الرد على كل ما جاء فيه إلا أنني سأتطرق إلى بعض النقاط الهامة قدر استطاعتي، سائلاً المولى التوفيق، وراجيًا أن تصل هذه الملاحظات إلى علم صاحب الكتاب بطريق أو آخر.

في الجزء الأول من الرد سأتناول اعتراضات المؤلف على القرآن الكريم، وسأحاول الرد على أكبر عدد منها، وسأتبعه إن شاء الله بردود متلاحقة.

يقول الكاتب في الصفحة 24 عن القرآن الكريم ما يلي:

“لقد استمر نزول القرآن وتدوينه مدة ثلاث وعشرين سنة. بعض أجزاء القرآن سمعها كتاب الوحي من شفتي محمد، وقد تكون دونت أو أنها حفظت في مكان ما، ثم دونت في أزمان لاحقة…”

“أجزاء كثيرة من القرآن حفظت عن ظهر قلب فقط ولم تدون في حياة النبي قط”

“أول مخطوط كامل للقرآن جمع بعد وفاة النبي بعشرين سنة ثم أودع عند حفصة أرملة النبي”.

وجوابنا على هذه الملاحظات أن الكاتب أخطأ فيما قال، لأنه لم يكلف نفسه عناء البحث والتحقيق ومراجعة المصادر الموثوقة والعديدة حول هذا الموضوع بنزاهة.

أبدأ بما قاله في الملاحظة الأولى من أن القرآن استمر نزوله ثلاث وعشرين سنة. ومع أنه لم يعلق على ذلك، لكن أغلب الظن أنه رأى في هذه الحادثة موضعًا للطعن والنقد، ولو أنه لم يفعل ذلك صراحة. وذلك لأن هذا الأمر كان منذ القدم موضعًا لطعن أعداء الإسلام، ولأن الكاتب كما تبين لم يأت بنصوص قرانية إلا لغرضين اثنين، إما لأجل الطعن، أو لأنه وجد في تلك النصوص تأييدًا لرسالة عيسى وتقديسًا له ولأمه. وسواء قصد الاعتراض أم لم يقصد، فإني أرى من الفائدة له ولكل من يظن سوءً بكتاب الله المجيد أن أذكر الآية القرآنية حول هذا الموضوع ففيها الجواب الشافي:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (الفرقان: 33).

وأذكر أيضًا ما قاله النبي أشعيا بهدا المعنى:

“لِمَنْ يُعَلِّمُ مَعْرِفَةً، وَلِمَنْ يُفْهِمُ تَعْلِيمًا؟ أَلِلْمَفْطُومِينَ عَنِ اللَّبَنِ، لِلْمَفْصُولِينَ عَنِ الثُّدِيِّ؟ لأَنَّهُ أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. أَمْرٌ عَلَى أَمْرٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. فَرْضٌ عَلَى فَرْضٍ. هُنَا قَلِيلٌ هُنَاكَ قَلِيلٌ” (إِشَعْيَاءَ 28: 9-10).

فلفائدة الكاتب وللفائدة العامة نقول إن القصد من نزول القرآن على مدى ثلاث وعشرين سنة، وليس جملة واحدة، هو كما لا يخفي على كل عاقل فهيم أن يتسنى حفظه وتعليمه وتطبيقه شيئًا فشيئًا، كما جاء في الآية الكريمة وفي الكتاب المقدس.

يقول الدكتور شدش أن كُتاب الوحي سمعوا من النبي الكريم “أجزاء” فقط من القرآن الكريم وليس القرآن كله. ثم يمضي ويقول: “إن هذه الأجزاء قد تكون دونت زمن النبي أو قد تكون دونت في أزمان لاحقة بعد وفاته”.

إن هذا الادعاء باطل لا أساس له من الصحة، ولا يستشف منه سوى محاولة المؤلف التشكيك في صحة أجزاء من القران الكريم كي يلقي غلالة من شك على القرآن كله. فإذا لم يسمعوا کتاب الوحي من النبي الكريم، كما يقول، إلا أجزاء معينة من القرآن فقط، فمن أين جاءتنا الأجزاء التي يجب أن تكون موضع الاعتراض وهدفًا للنقد. وكان واجبًا على الأستاذ الدكتور أن يفصح لنا عن مصادر تلك الأجزاء ومن أين جاءت، أمن رأس زيد، أم من رأس عمرو، وذلك ليزيل عن أفكار السامعين والقارئین لأقواله.

إن جميع الشواهد التاريخية والعقلية تؤيد أن كتاب الوحي سمعوا من النبي مع القرآن “بكامله” حين نزوله، وكانوا يعدون بالعشرات، وأنهم دونوه «بكامله» في حياة النبي الكريم وتحت إشرافه وحفظه عن ظهر قلب «بكامله» والنبي الكريم لا يزال حيًا يرزق.

ثم إن ادعاء المؤلف أن أجزاء كثيرة من القرآن “حفظت عن ظهر قلب فقط ولم تدون في حياة النبی” فهو ادعاء باطل أيضًا. وكما جاء آنفًا، فإن القرآن قد دون (بكامله) في حياة النبي وتحت إشرافه، بالإضافة إلى حفظه کاملاً أيضا زيادة في التأكيد من حفظ النصوص القرآنية. مع أن الحفظ عن ظهر قلب كان بحد ذاته أداة كافية لسلامة هذه النصوص ونقاوتها. عندما كلف الخليفة الأول أبو بكر الصديق زید بن ثابت بجمع نصوص القرآن في مخطوط واحد، وجد زيد جميع أجزاء القرآن، مكتوبة ومدونة، وجدها في بيت النبي ، ووجدها في بيته هو وفي بيوت آخرين من الصحابة. بالإضافة إلى سماعه هذه النصوص من عشرات الصحابة الذين حفظوها عن ظهر قلب.

وفي الملاحظة التالية يقول صاحب الكتاب : “إن أول مخطوط كامل للقرآن أعد وجمع بعد وفاة النبي بعشرين سنة”. وهذا أيضًا قول عار عن الصحة تمامًا. ولقد تجنى الكاتب في ذلك على الحقائق التاريخية الثابتة. ولا يمكننا إلا أن نجزم أن الكاتب تعمد هنا التشويش والتشكيك وإحداث البلبلة والريبة لدى السامعين. ثم إنه لم يراع الدقة والصدق في سرد ما حدث فعلاً.

لقد جمع القرآن في مخطوط واحد بعد موقعة اليمامة وبعد وفاة النبي بسنة واحدة تقريبًا وليس عشرين سنة. وقد أعد هذا المخطوط زید بن ثابت بأمر من الخليفة الأول أبي بكر الذي تولى أمور المسلمين بعد النبي مدة سنتين فقط. وقد أتم زيد هذا العمل بدقة متناهية وصنف النصوص بأسلوب علمي صحيح. وكان هذا أول مخطوط رسمي أعد للقرآن الكريم. وكما يروي لنا البخاري وغيره، كان هذا المخطوط عند الخليفة أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند بنته حفصة أم المؤمنين. وفي عهد عثمان بن عفان الخليفة الثالث، وبعد وفاة النبي بحوالي ست عشرة سنة “نشر” هذا المخطوط بأمر من الخليفة بعد أن قام زید بن ثابت بمراجعته وتحقيقه. والمصاحف المتداولة بين المسلمين اليوم نسخ أصلية عن ذلك المصحف الذي أعده وجمعه زید زمن أبي بكر، ونشر زمن عثمان. لم يغير أو يحرّف فيه كلمة ولا حرف واحد. ويعتبر، حتى بشهادة بعض علماء الغرب من غير المسلمين، أصح الكتب التي عرفها العالم من حيث دقته وصفائه. ونحن نقول عن إيمان ويقين إنه سيبقى كذلك لأن الله تعهد بالحفاظ عليه حيث قال تعالى :

لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِه .

وقال أيضًا:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .

وقد صدق الله العظيم فيما قال. فقد تحقق هذا الوعد فعلاً وعملاً، ولم يتطرق إلى القرآن تحریف أو تزييف على مدى أربعة عشر قرنًا، وسيظل كذلك نقيًا صافيًا إلى يوم يبعثون..

المصادر العربية التي تتحدث عن موضوع القران كثيرة وعديدة ولا تختلف في أن القرآن «کله» نزل على محمد ، وهو هذا القرآن المتداول بيننا اليوم، وهو ذلك القرآن الذي أملاه النبي على أصحابه من كتاب الوحي حين نزوله، فكتبوه «بكامله» نصًا وترتيبًا، وحفظه المئات منهم «بكامله» عن ظهر قلب في حياته وتحت سمعه وبصره . فكانت مجموعة من هذا النص المنزل في بيت النبي ومجموعة أخرى عند زید بن ثابت وثالثة عند علي بن أبي طالب. ومجموعات أخرى عديدة عند الصحابة رضوان الله عليهم.

لم يكن ممكنًا نشره مجموعًا في مصحف واحد زمن النبي لأنه ظل يتنزل طوال حياته . فقام بالخطوة الأولى الخليفة الأول أبو بكر بعد وفاة النبي بسنة تقريبًا. وأقر «بالمجموعة الرسمية الأولى» بعد أن قام بتحقيقها زید بن ثابت ومعه جماعة من الصحابة الثقاة. فكانت بحيازة أبي بكر، ثم بحيازة عمر، ثم بحيازة حفصة، حتى نشرها فيما بعد عثمان بن عفان الخليفة الثالث بعد أن راجعها زید بن ثابت ثانية، وهي التي عرفت «بمصحف عثمان». وهذا هو المصحف الموجود بين أيدينا حتى هذه الأيام.

وفيما يلي أقدم للقراء الكرام بعض ما جاء في المصادر العربية مختصرًا، حول هذا الموضوع وسألحقها بشيء مما كتبه المستشرقون بهذا الخصوص:

أ. يقول الشيخ محد عبد العظيم الزرقاني في كتابه «مناهل الفرقان في علوم القرآن» صفحة ۱۳۹ وصفحة 255: “اتخذ الرسول كتَّابًا للوحي. كلما نزل شيء من القرآن أمرهم بكتابته مبالغة في تسجيله وتقييده، وزيادة في التوثيق والضبط والاحتياط في كتاب الله، حتى تطابق الكتابة الحفظ، ويعاضد النقش اللفظ. وكان هؤلاء الكتاب من خيرة الصحابة، كأبي بكر وعمر وزيد بن ثابت وأبي بن كعب. ثم يوضع المكتوب في بيت الرسول . وهكذا انقضى العهد النبوي السعيد والقرآن مجموع على هذا النمط منثورًا بين الرقاع والعظام والعسب.

ويروى عن ابن عباس أن النبي كان إذا تنزلت سورة دعا بعض کتاب الوحي وقال: ضعوا هذه السورة في الموضع الذي ذكر فيه كذا وكذا. فالجمع في عهد النبي كان عبارة عن كتابة الآيات وترتيبها في مكانها الخاص من السورة. وعن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع. وهذا التأليف عبارة عن ترتيب الآيات حسب إرشاد النبي. وصفوة القول إن القرآن كان مكتوبًا كله على عهد الرسول، ولكن لم يكن مجموعًا في مصحف ولا مصاحف عامة».

ب. ويقول الإمام الحارث المحاسبي في كتابه «فهم السنة»: كتابة القرآن ليست بمحدثة، فإنه كان يأمر بكتابته بين يديه، ولكنه كان مفرقًا في الرقاع والأكتاف والعسب. وكانت توضع الآيات في مواضعها بأمره وبتوثيقه . فإنما أمر العديد بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعًا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله فيها القرآن منتشرًا، فجمعها جامع، وربطها بخيط، حتى لا يضيع منها شيء.

ج. ويقول أبو عبد الله الزنجاني في كتابه «تاریخ القرآن» ص 44 إلى 46:

كان للنبي کُتاب يكتبون الوحي وهم ثلاثة وأربعون أشهرهم الخلفاء الراشدون وزيد بن ثابت وأبي بن كعب وكان الكتبة يكتبون الآيات في العسب واللحاف والرقاع وأحيانًا في الحرير والأكتاف، وكان يطلق عليها الصحف. وكانت تلك الصحف تكتب لرسول الله وتوضع في بيته. ويقول محمد بن إسحاق في الفهرس: كان القرآن مكتوبًا بين يدي رسول الله في اللحاف… الخ. وفي روايته لعلي بن إبراهيم عن أبي بكر الحضرمي: أن رسول الله قال لعلي: “يا علي إن القرآن خلف فراشي في الصحف والحرير والقراطيس، فخذوه واجمعوه، ولا تضيعوه كما ضيعت اليهود التوراة. فانطلق علي، فجمعه في ثوب أصفر ثم ختم عليه”. وقد جمع على عهد النبي بعض من الصحابة القرآن كله، منهم علي بن أبي طالب وأبو زيد ومعاذ بن جبل وأبي بن کعب وزيد بن ثابت، ووافقه البخاري في أربعة منهم.

د. ويقول المحقق ابن حجر العسقلاني في كتابه فتح الباري:

لقد أملى النبي بنفسه على كتاب الوحي حين نزوله وكانوا كثيرين (يذكر منهم خمسة عشر). وكلما نزل الوحي كان النبي يدعو من هؤلاء الكتاب من يدونونه. كان القرآن كله مكتوبًا في المخطوطات، لكنها كانت متفرقة، فجمعها أبو بكر في مجلد واحد. ولم يجمع أبو بكر من القرآن إلا ما أكد على أنه كتب زمن النبي وكان موجودًا بالتأكيد. كان في بيت النبي وعند العديد من الصحابة. وكان الغرض أن لا ينسخ شيء إلا مما كتب بحضور النبي وليس من الذاكرة فقط.

والآن أقدم فيما يلي بعض ما قاله المستشرقون، ممن درسوا الإسلام وحياة النبي الكريم، من علماء الغرب. إن المصادر العربية كانت دائمًا لهم المرجع والأساس في دراساتهم وتحقيقاتهم. إلا أنني أردت أن أورد شيئاً مما قاله هؤلاء الباحثون من غير المسلمين لعل ذلك يزيد من اطمئنان الكاتب بصحة ما قلناه، وعلى أمل أن يقتنع بالحق والحقيقة، ويقلع عن النقد الرخيص، والاتهامات الباطلة.

  1. يقول السيد وليام ميور في مقدمة كتابه «حياة محمد»:

كان الوحي المقدس أساس أركان الإسلام. وقد وعت القرآنَ ذاكرة كثير من المسلمين الأوليين إن لم يكونوا جميعًا. وقد بلغ بعض أصحاب النبي من قوة الذاكرة ودقتها، ومن التعلق بحفظ القرآن واستذکاره، بحيث استطاعوا معه أن يعيدوا بدقة يقينية كل ما عرف منه إلى يوم كانوا يتلونه. فمن اليسير أن نستنبط غير مخطئين أن الآيات التي وعتها الذاكرة بدقة قد سجلتها الكتابة بمثل هذه الدقة. كذلك كان شأن القرآن أثناء حياة النبي، وكذلك كان شأنه إلى عام بعد وفاته.. بقي مسطورًا في قلوب الذين آمنوا به، مسجلة أجزاؤه في نسخ كانت تزداد كل يوم عددًا. وكان لزامًا أن يتطابق هذان المصدران تمام التطابق.

ونستطيع كذلك أن نؤكد استنادًا إلى أقوى الأدلة أن كل آية من القرآن دقيقة في حفظها كما تلاها محمد. والنتيجة التي نستطيع الاطمئنان إليها هي أن مصحف زيد وعثمان لم يكن دقيقًا فحسب، بل كان كما تدل الوقائع كاملاً، وأن جامعيه لم يتعمدوا إغفال أي شيء بيّنه الوحي. إن القرآن بمحتوياته ونظامه ينطق في قوة بدقة جمعه، فقد ضمت الأجزاء المختلفة بعضها إلى بعض ببساطة تامة لا تصنع ولا تكلف فيها. وهذا الجمع لا أثر فيه ليد تحاول المهارة والتنسيق. وهو يشهد بإيمان الجامع وإخلاصه لما جمع، فهو لم يجرؤ على أكثر من تناول هذه الآيات المقدسة ووضع بعضها إلى جانب بعض. والأرجح أن العالم كله ليس فيه كتاب غير القرآن ظل ثلاثة عشرة قرنًا (واليوم أربعة عشرة) کاملاً بنص هذا مبلغ صفائه ودقته. وليس هناك مشابهة بين نصوص القرآن ونصوص الكتب السماوية الأخرى»..

  1. يقول نولديكة في مقالته عن القرآن في الموسوعة البريطانية (الطبعة التاسعة):
“إن قرآن عثمان لا يشتمل إلا على العناصر الأصلية في القرآن، وإن محاولات العلماء الغربيين للبرهنة على أنه أدخل إلى القرآن حشو في أزمان لاحقة قد باءت كلها بالفشل”.

Share via
تابعونا على الفايس بوك