أثر علم الفلك على تطور الفكر العلمي

أثر علم الفلك على تطور الفكر العلمي

صالح إله دين

العلم الذي خلق علومًا

منذ زمن سحيق والقبة السماوية الفسيحة تجذب انتباه الإنسان، وتثير أفكاره. وعلم الفلك الذي يبحث في الأجرام السماوية، هو أقدم فروع العلوم، ويمكن تسميته (أبو العلوم). وقبل العصور التاريخية المعروفة بزمن طويل لاحظ الإنسان الحركة المنتظمة للشمس والقمر والنجوم، واكتشف أن كثيرًا من النجوم تكون تشكيلات من المجرات في السماء، تحتفظ بشكل وحجم ثابتين ليلة بعد أخرى. ولاحظ الإنسان أيضًا حركة القمر بالنسبة للنجوم. وكان على معرفة بالمذنبات والخسوفات التي تقع للشمس والقمر. ويرجع تاريخ أقدم خسوف مسجل إلى سنة 2137 ق.م. أورده أبولزر في كتابه Canon der Fensternessa (قانون فنسترنسا).

وللظواهر الفلكية مساهمات وثيقة الصلة بحياتنا اليومية بحيث تعتبر من المسلمات. فحياة الإنسان تنتظم بفعل ظاهرة فلكية هي تعاقب الليل والنهار. واستطاع الإنسان البدائي أن يتعرف على الوقت خلال النهار من نظرة إلى ارتفاع الشمس في السماء. ونشأت فكرة قياس الوقت لدينا من دراسة السماء، وساقتنا أطوار القمر الدورية إلى فكرة الشهر، ودلنا تغير الفصول مع ظهور بعض المجرات واختفائها إلى فكرة السنة. وبتدقيق الملاحظة تبين أنه إلى جانب النجوم الثوابت، التي تتخذ دائمًا وضعًا نسبيًّا ثابتًا في السماء، هناك سبعة أجرام سماوية سيارة، تتحرك منتقلة من مجرة إلى أخرى، تلك هي: الشمس، القمر، عطارد، الزهرة، المريخ، المشتري وزحل. وأطلقوا أسماءها على أيام الأسبوع السبعة. وقد زودنا علم الفلك بالتقويم الذي يتعذر علينا الاستغناء عنه.

وفي الماضي دفعت متطلبات الحياة العملية الإنسان نحو دراسة علم الفلك. ومكن هذا العلم الإنسان من أن يعين خطوط الطول والعرض على سطح الفلك. ومكن هذا العلم الإنسان من أن يعين خطوط الطول والعرض على سطح الكرة الأرضية، ومن ثم ساعد على تقدم علم الجغرافيا؛ ولعب دورًا حيويًا في تقدم الملاحة ورسم الخرائط.

وحب استطلاع المجهول كان في الأزمنة القديمة، ولا يزال، دافعًا إنسانيًا عاليًا لدراسة علم الفلك. فعلى سبيل المثال، اكتشف الفلكي اليوناني هيباركيوس (120-190 ق.م) تقدم الاعتدالين لفترة تبلغ 26000 عامًا، ولم يكد يكون لهذا الاكتشاف أي قيمة عملية آنذاك. وربما كان “أريابهاتا” (المولود عام 476م في الهند) أول فلكي قال بدوران الأرض حول محورها وقدر فترة دورانها الفلكي بدقة ملحوظة.

ولقد لعب علم الفلك دورًا حيويًا في تقدم العلوم الحديثة، ولولا دراسة الأجرام السماوية ما أمكن لعدد من المكتشفات الأساسية أن تتحقق. خذ مثلاً اكتشاف قانون الجاذبية للسير إسحاق نيوتن، والذي يقول بأن كل جسمين في الكون يجذب كل منهما الآخر بقوة تتناسب طرديًا مع كتلتيهما، وعكسيًا مع مربع المسافة بينهما. هذا الاكتشاف يعد واحدًا من أعظم المنجزات العلمية، وله أهمية أساسية في الفيزياء والهندسة، وله تطبيقات في عصرنا هذا، عصر الفضاء. تعالوا بنا نستعرض بعض التطورات البارزة التي بلغت أوجها باكتشافه، إذ أن ذلك يوضح الدور الحيوي الذي لعبه علم الفلك في تطور الفكر الإنساني.

قيل: إن تفاحة سقطت على نيوتن، فقادته إلى هذا الاكتشاف. ولكن سقوط تفاحة لا معنى له إن لم يكن نيوتن عارفًا بأعمال الفلكيين السابقين. ولقد قال نيوتن بلسانه: “إذا بدوت عملاقًا فذلك لأني وقفت على أكتاف العمالقة”. ولعل إدراك القدامى لتقسيم الأجرام السماوية إلى نجوم وكواكب هو أول حدث عظيم في طريق التقدم. فقد أثار شذوذ مسلك الكواكب فضولاً شديدًا، وكان مشكلة قائمة لمدة طويلة حتى أمكن التنبؤ بحركتها.

لقد صنف الفلكي اليوناني بطليموس (150 م) كتابه المجسطي في 13 جزءًا، قدم فيه تمثيلاً هندسيًا للنظام الكوكبي، جعل فيه الأرض في مركز الكون، وتدور حولها الكواكب السيارة. وكان يظن حينئذ أن المدار الدائري وحده هو المدار الذي يناسب حركة جرم سماوي سيار. ولما تبين عدم إمكان تفسير الملاحظات بافتراض أن الكواكب تسير في دوائر حول الأرض، تصور بطليموس أن الكوكب يدور في دائرة مركزها يدور حول الأرض. ولتحقيق قدر من الدقة أكبر، أدخلت دوائر أخرى، ومن خلال هذا النظام المركب نجحوا في التنبؤ بحركات الكواكب.

ثم وسع العرب أعمال اليونان، وخطوا بعلم الفلك بقوة إلى الأمام. وأنشأوا علمي الجبر وحساب المثلثات، ونقلوا نظام الترقيم الهندي إلى أوروبا. وسيطروا بدرجة كبيرة على النشأة الأولى لعلم الفلك في أوروبا العصور الوسطى. ويعد البطاني واحدًا من أعظم الفلكيين العرب، قال عن الفلك: إن علم النجوم يأتي بعد علوم الدين مباشرة كأشرف وأكمل العلوم؛ ويزين العقل، ويشحذ الذكاء، وبتقدمه يشد المرء نحو وحدانية الله وكمال حكمته وقدرته.

من كوبرنيكس إلى نيوتن: التقدم العظيم

في عام 1543 نشر كوبرنيكس نظريته القائلة بأن الشمس في المركز، وأن الكواكب، ومن بينها الأرض، تدور حول الشمس. فكانت هذه النظرية تقدمًا عظيمًا جدًا نحو اكتشاف قانون الجاذبية. وكان قبول مثل هذا القول صعبًا لدى أهل ذلك العصر، واحتاج إدراك قيمة آراء كوبرنيكس وقتًا طويلاً حتى من الرياضيين والفلكيين.

وبعد كوبرنيكس (1473- 1543)، جاء تيكوبراهي (1546- 1601)، فقدم بملاحظاته الدقيقة لمواقع الكواكب خدمة جليلة للعلم. ولما رحل خلف وراءه تركة هائلة من البيانات. ثم جاء جوهانز كبلر (1571- 1630)، فدرس تلك البينات دراسة متفحصة. وبعد سنوات من الحسابات المضنية استنبط من البيانات ثلاثة قوانين أولية عرفت بقوانين كبلر لحركة الكواكب.

ودرس السير إسحاق نيوتن (1642- 1727) قوانين كبلر على ضوء قوانين الديناميكا التي اكتشفها جاليليو وهيجنز ونيوتن نفسه. وقد اشتق مفاهيم الكتلة والسرعة والقوة في هذه القوانين من تجارب أجريت على الأرض، ثم طبق نيوتن هذه المفاهيم على الأجرام السماوية، وفسر قوة الجاذبية التي جعلت التفاحة تسقط بأنها نفس القوة التي تجعل القمر يدور حول الأرض. ولفتت دراساته انتباهه ليضع حساب الكاليكيولس أي (التفاضل والتكامل)، وأثبت أن الجسمين المتجانسين يتجاذبان كما لو كانت كتلة كل منهما مركزة في نقطة. بتأليف الحقائق المتنوعة من الفلك والفيزياء استنبط نيوتن قانونه الشهير للجاذبية الكونية. وبشر هذا الكشف بثورة عظيمة في الفكر العلمي، وأدرك أن حركة الكواكب تحكمها قوانين طبيعية، وأن هذه القوانين نفسها تحكم أيضًا حركة النجوم.

وباكتشاف قوانين الحركة وقوانين الجاذبية وضع أساس ميكانيكا الأجرام السماوية، واستحدث عديد من الرياضيين البارزين أساليب رياضة حديثة، استخدموها في حل مسائل حركات الكواكب والقمر. وأمكن التنبؤ بوجود الكوكبين (نبتون وبلوتو) حسابيًا أول الأمر، ثم ثبت وجودهما شهوديًا. وقام لابلاس (1749- 1827) بحل كثير من المعضلات في ميكانيكا الأجرام السماوية، وفكر أيضًا في حل مسألة نشأة النظام الشمسي الذي لا يزال حتى اليوم موضوعًا لم يحسم بعد. ومن ميكانيكا الأجرام السماوية شبّت رياضيات الفيزياء؛ ومثالاً لها الدوال التي أدخلها (بسل) لتسهيل الحسابات الفلكية وتعرف باسم دوال بسل (Bessel Functions).

ولقد أثر تقدم ميكانيكا أجرام السماء تأثيرًا عميقًا في نمو الفروع الأخرى من علم الطبيعة كالحرارة والضوء والصوت والكهرباء، وميكانيكا الكم أيضًا. والميكانيكا فرع أساسي في الهندسة أيضًا. والأقمار الصناعية التي تنتشر في جو أرضنا اليوم تروي الكثير من تطبيقات علم الفلك العملية طويلة الأمد.

علم الفلك يحث تطور قوانين الفيزياء

لم يؤدي علم الفلك إلى اكتشاف قوانين الجاذبية لنيوتن فحسب، وإنما مكننا أيضًا من اكتشاف ما فيها من قصور. نجحت هذه القوانين نجاحًا مذهلاً جعل الناس يحسبونها بالغة الكمال. ولذلك لما ظهر اختلاف بسيط بين النظرية والملاحظ في حركة الكوكب (عطارد)، ولم يتمكن من التوصل إلى حل لها، وافترضوا بناء على قواعد ميكانيكا نيوتن وجود كوكب جديد. ووصل بهم الأمر أن أطلقوا على الكوكب المتوقع اسم (فولكان). ولكنهم فشلوا في العثور على هذا الكوكب، وتبين أن قوانين نيوتن غير كافية. وأخيرًا جاءت نظرية أينشتاين النسبية العامة، فوقفت بين النظرية والواقع الملحوظ.

وهكذا تعلمنا من علم الفلك درسًا ثمينًا؛ فنحن اليوم على استعداد للتشكيك في أقوى النظريات رسوخًا على ضوء الملاحظة. ومن الأمور ذات المغزى أيضًا أن اختبارات الملاحظة الثلاث والتي قدمت في بادئ الأمر لتحقيق النظرية النسبية العامة، تنتمي إلى الظواهر الفلكية. ونظرية النسبية الخاصة، التي أدت إلى اكتشاف العلاقة بين الكتلة والطاقة وأنهما وجهان لعملة واحدة، نشأت من الجهود الرامية إلى تعيين الحركة النسبية بين الأرض والأثير الكوني الفرضي. واليوم، تشكل العلاقة بين القوة والطاقة أساس تكنولوجيا القوة النووية.

ولقد لعب علم الفلك دورًا هامًا أيضًا في تطور التحليل الطيفي والنظرية الذرية. يحتوي طيف النجوم على خطوط خاصة، متنوعة الشدة، لمختلف العناصر. وكان المعتقد أن النجوم تتكون أساسًا من العناصر التي لها أشد خطوط الطيف. وفي عام 1920 قدم (مجهاندساها) النظرية الفيزيائية الصحيحة لتنوع طيف النجوم، وعزا اختلاف طيف النجوم أساسًا إلى اختلاف درجات حرارة سطوحها، وليس بسبب تفاوت تكوينها الكمياوي. فنجوم (O)، الساخنة تصل درجة حرارتها السطحية إلى 30000 درجة، في حين أن نجوم (M)، الباردة تصل درجة حرارة سطحها إلى 3000 درجة، ودرجة حرارة سطح الشمس تبلغ 6000 درجة؛ أما درجة الحرارة في باطن النجوم فهي أعلى بكثير، من فئة 10 ملايين درجة.

وقد اكتشف غاز الهليوم أولاً في طيف الشمس، ووجد أن النجوم والمجرات تحتوي على نفس العناصر التي في الأرض، وقوانين الكيمياء نافذة في كل مكان من الكون.

وأعطت دراسة تركيب النجوم دفعة قوية لتطوير الفيزياء الذرية والنووية، قال إيفانز: “ربما لا نبالغ لو قلنا إن كثيرًا من مسارات الفكر والبحث التي أدت إلى النظرية الحديثة ترجع في أصلها إلى اكتشافات فلكية”.

السماوات.. أكثر معاملنا ثراءً

تزودنا الأجرام السماوية بمعامل هائلة، توجد فيها المادة تحت تشكيلة مذهلة من الظروف، تثري دراستها معرفتنا بالطبيعة. ففي سديم السرطان تبلغ نسبة القوة الكهرومغناطيسية إلى قوة الجاذبية كنسبة 11000000 إشعاعات. وتلعب السيكلوترون (أي مسارع الالكترونات) في ذلك دورًا هامًا. والسديم عبارة عن شيء ساطع يمتد على مدى واسع في الطيف الالكترومغناطيسي. وقد اكتشفت أشياء عجيبة، مثل الكواسارات والبلصرات Quasars & Pulsars، أما الكواسار فهو شيء مكتنز له هيئة النجم ولكن إنتاجه من الطاقة يعادل أو يزيد على مجرة بتمامها. ويعتقد أن الكواسارات هي نويات لمجرات لا تظهر مكوناتها الخارجية في التصوير الفوتوغرافي بأكبر التلسكوبات لأنها باهتة، وكثير من طاقتها تأتي من المنطقة الراديوية (أشعة الراديو). وأما البلصار فإنه شيء يعطي نبضات من الطاقة الإشعاعية الراديوية، زمن نبضتها قصير جدًا، من فئة 33.,. من الثانية. ويعتقد أن البلصار نجم نيوتروني سريع الدوران، زمن دورته يعادل زمن نبضته!

لقد أتاح لنا مجيء عصر الفضاء الرصد والمراقبة من ارتفاعات شاهقة بحيث أمكن رصد الإشعاعات فوق البنفسجية وجاما وإكس، مما فتح آفاقًا جديدة للبحوث.

من مضامين نظرية الجاذبية العامة لأينشتاين إمكان وجود الثقوب السوداء والبيضاء. أما الثقوب السوداء فهي كثيفة بدرجة لا تسمح للضوء بالنفاذ منها، فلا يراها الراصد لها عن بعد. وتدل نظرية نشوء الأجرام السماوية على أن الثقب الأسود هو المرحلة النهائية من مراحل نشأة أي نجم عملاق الوزن. وأما الثقوب البيضاء فهي أجسام متفجرة، يعتقد أنها كانت شديدة التوهج في المراحل الأولى من انفجارها.

وعلينا أن ندرس الظواهر الفلكية بتواضع شديد، لأنه لا يزال هناك الكثير والكثير لنتعلمه.

آفاق تتسع

قال أدوين هيجل (1889- 1953)، وهو أحد رواد البحث في دنيا المجرات: “إن تاريخ الفلك هو تاريخ الآفاق المتسعة”. لقد ركز علماء الفلك جهودهم حتى القرن التاسع عشر على المجموعة الشمسية. وفي عام 1838 تم لأول مرة قياس بعد أحد النجوم، وهو النجم (سيجني 61)، وذلك بطريقة حساب مثلثات التغير الظاهري لموقع النجم، للفلكي بسل (F.W.Bessel) وهذا النجم يبعد عنا بمسافة عشر سنوات ضوئية تقريبًا، وهذا يعني أنه أبعد من بعد الشمس عنا مليون مرة.

والقرن العشرون هو قرن المراصد الفلكية العملاقة. وقد كشفت الدراسة في هذا القرن عن أن الشمس ليست إلا واحدة من مائة بليون نجم تسكن مجرة درب التبانة أو طريق اللبن Milky Way. واكتشف هارلو شابلي عام 1917 أن الشمس بعيدة حاليًا عن مركز المجرة بما يقرب من 30000 سنة ضوئية، وأن الشمس تدور حول مركز المجرة دورة في زمن قدره مائتي مليون سنة. وفي أوائل عام 1920 دار جدل شديد حول وجود مجرات أخرى غير مجرتنا. ونعرف الآن أن مجرتنا ما هي إلا واحدة من بلايين كثيرة من المجرات المبعثرة في الكون الملحوظ!

وانتقل الاهتمام الرئيسي من الكواكب إلى النجوم، ومن النجوم إلى المجرات، ثم من المجرات إلى مجموعات المجرات، ثم إلى الكون بأجمعه. وهكذا مع تقدم علم الفلك اتسع فكر الإنسان في جهد يستهدف إدراك سعة الكون الهائلة. وبوسعنا اليوم أن نرصد مناطق من الكون يصلنا ضوؤها في بلايين السنين، ونحاول أن نستدل على حالة الكون بعد أن تكون بلحظات قلائل! وهذا يجعل علم الفلك يلامس فيزياء الجسيمات الأولية.

يتساءل المرء: هذه المجرات التي لا حد لها، كم فيها من النجوم التي لها توابع مثل ما في نظامنا الشمسي، وكم من هذه التوابع عليها حياة؟ الكواكب (التوابع) هي باهتة الاستنارة جدًا حتى لا يمكن رؤيتها بأقوى أجهزة الرصد المقربة (التلسكوبات). بيد أن بعض النجوم القريبة تبدو في حركتها دلائل على وجود توابع لها. فليس من المفاجآت إن وجدت التوابع شائعة في الكون كله.

خلال الاجتماع الثامن عشر للاتحاد الدولي الفلكي الذي انعقد في مدينة باتراس باليونان عام 1982، تقرر اختيار مهمة جديدة للاتحاد، هي البحث عن الحياة خارج الأرض. والغرض من هذه المهمة يتضمن البحث عن كواكب حول النجوم، والبحث عن إرسال رادي (لاسلكي) قادم من خارج الأرض، والبحث عن جزئيات لها صفة بيولوجية بين الأجرام السماوية، ودراسة عمليات تكونها. ويبدو من المحتمل أن اتصال علم الفلك بعلم البيولوجي سيكون وثيقًا في المستقبل. ويوشك أن يبدأ حالاً عهد جديد لعلم الفلك مع وضع تلسكوب في الفضاء الخارجي يستطيع الفلكيون به رؤية الكون بتفصيل مضاعف ألف مرة؛ وربما يتيح لنا ذلك اكتشاف كواكب حول النجوم الأخرى.

وإذن فلعلم الفلك منافع فكرية كثيرة، فهو يغذي ملكة البحث عن الحقيقة، ويعين على إماطة الظلام والخرافة عن العقل. فالنجوم لا ترسل لنا الضوء المرئي الذي يطرق أبصارنا فحسب، ولكن يصلنا منها أيضًا نور لطيف ينير بصائرنا وعقولنا. لقد علمنا الفلك ألا ننخدع بالمظهر الخارجي، فكل ما يبدو واضحًا ليس صحيحًا بالضرورة. فالأرض التي نراها جامدة هي في الواقع متحركة، والكواكب التي يبدو جريانها غريبًا غير منتظم هي في الحقيقة محكومة بنظام عميق نابع من قوانين الطبيعة.

منصة جمالية روحانية

يزودنا جمال الأجرام السماوية وجلالها بوليمة فكرية لذيذة. ولذلك عندما نظر جاليليو في منظاره التلسكوبي، واكتشف ضخامة عدد النجوم الجديدة في (درب التبانة)، والأقمار الأربعة حول جوبيتر، وأطوار القمر وتفاصيل سطحه، وغير ذلك من الظواهر الفلكية، كتب يقول: إنني بكياني كله مع نفسي في الإعجاب والامتنان الذي لا حد له، لربنا الذي شاء أن يتيح لنا اكتشاف هذه الروائع العظيمة.

ولقد أعطانا علم الفلك أكثر بكثير مما أعطى لجاليليو. لقد تأثر الفكر الإنساني بما للكون المادي من اتساع هائل في الفراغ والزمن، ولما يتصف به من تنوع ثري من جهة، وفي وحدته الأساسية من جهة أخرى؛ بمعنى أن نفس القوانين الطبيعية نافذة في كل مكان من الكون. ولا يقل عن ذلك تأثيرًا تاريخ تطور الكون ونشوء الحياة المفكرة فيه.

وموجز القول، يطور علم الفلك الملكات الفكرية التي تتصل بتقدم العلم، وبذلك يساعد فروع العلم الأخرى. وكما كتب (بوانكير): لقد سهل علم الفلك عمل العلوم الأخرى بطريقة مباشرة مفيدة، حيث أنه منحنا روحًا ذات طبيعة قادرة على الإدراك.

وصدق الله العظيم الذي قال في كتابه الحكيم القرآن الكريم:

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ (آل عمران: 191-192).

Share via
تابعونا على الفايس بوك