إقامة الصلاة

(مقتبسات)

إعداد: عبد اللطيف محمود

في شهري نوفمبر وديسمبر 1985 كان أمير المؤمنين أيّده الله بنصره العزيز قد ألقى سلسلة من خطب الجمعة التي حضَّ فيها الإخوة على إقامة الصلاة وبيّن طريقة التلذُّذ منها، وإليكم مقتبسات من هذه الخطب.

لقد لفت أنظار الإخوة إلى إقامة الصلاة في الخطب الثلاث الماضية ومن نتائج ذلك أنك تلاحظ نهضةً مباركة، فالأخوة يهتمون بإقامة الصلاة اهتمامًا كبيرًا. فالحمد لله على ذلك، ولكن يجب ألا يفوتنا أنَّ أمر التلقين والتربية ليس بهيّن، لأنّ عدم المداومة على الترغيب والتحريض في أعمال الخير يؤدي إلى الغفلة والإهمال أيضًا.

ثم إنَّ المؤمن كما يحتاج إلى الموعظة والنصيحة كذلك يجب عليه أن يهتم أيضًا بالاستمرار في عمل الخيرات، لأنّ القرآن الكريم قد ذكر (الباقيات الصالحات) أي أنَّ أعمال الخير هي التي تبقى وتدوم. ولأجل ذلك أُضيف لفظ القيام إلى الصلاة، أي أنَّ الصلاة غير قائمة أو الصلاة التي تُقام ثم تنهار وتتهاوى ليست بصلاةٍ حقيقية، ولا يُعتدُّ بها. فالذين بدأوا أداء الصلاة أو الذين كانوا يصلّون من قبل أيضًا، ولكنهم جعلوا يبذلون جهدهم لإقامتها والحفاظ عليها، لا شكّ أنَّ عملهم هذا يسرّنا جدًا، ولكن لا بد وأن يلاحظ أنَّ الصلاة التي انهارت بالأمس وأُقيمت اليوم يمكن أن تنهار غدًا مرةً أخرى.

فمن واجبي أن أُذكّركم وأعظكم دائمًا لأنَّ القرآن الكريم يقول:

فَذَكِّرْ إنٍ نَفَعَتِ الذِّكْرَى .

وإنَّ مثل عمران المساجد وامتلاؤها بالمصلين كمثل الجوعان الذي يُنادى عليه بأنَّ الأواني الفارغة قد رُتّبت للطعام. ولكن الصلوات نفسها عندما تُعمّر وتُحيى بمحبة الله والتلذُّذ بها تصبح عندئذٍ بمثابة النداء بأنَّ الطعام قد حُضِّر ورُتّب.

ومن الناس من يداوم على الصلاة ولكن صلاته تخلو من الحقيقة، فلا بدّ وأن تكون صلواتنا معمورةً بذكر الله ومملوءةً بمعاني الصلاة الحقيقة.

ويجب ألا نكتفي بمعاني الصلاة فحسب بل الصلاة لو لم تكن مملوءةً برحيق حبّ الله والتمتّع به لاستحال التلذُّذ بها وصعُبَ التقرُّب إلى الله تعالى. إنَّ المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام قد بيّن أنَّ غاية الصلاة هي الوصال والتقرُّب إلى الله تعالى.

فيقول حضرته عليه الصلاة والسلام: “يجب أن نعلم أنَّ الصلاة عبارة عن سؤال يوجّهه الإنسان إلى حضرة الكبرياء بغاية اللوعة والرقّة في وقت الانفراد ليتكرّم عليه بالوصال واللقاء. ومن المستحيل أن يتطهّر أحدٌ إلا أن يُطهّره الله تعالى، ولا يمكن الوصول إليه حتى يهبه الله بنفسه نعمة الوصال. فالإنسان مغلولٌ عنقه بشتّى الأغلال.

فَلَكَمْ يتمنى المسكين التخلّص منها، وأنّى له ذلك. فبالرغم من إرادته ليتطهّر من الذنوب إلا أنَّ نفسه اللوامة لا تلبث أن تقع في المزلّات والعثرات. فالتطهُّر من الذنوب أمرٌ في يد الله تعالى، وما من أحدٍ دون الله تعالى يستطيع أن يُطهّركم بقوته.

ولأجل خلق العواطف الطاهرة فقد فرض الله تعالى الصلاة، فما هي الصلاة، إنها دعاءٌ يُدعى به في حضرة الله تعالى بتألّمٍ ولوعةٍ واحتراق، لتبتعد عنّا الخواطر السيئة والإرادات الخبيثة، ونحصل على حبه ووصاله .

فالمسيح الموعود يسمّي الصلاة دعاء يولّد في نفس الإنسان ألمــًا ولوعةً واحتراقًا. ولا يفوتنا أنَّ معنى اللوعة والاحتراق موجودان في لفظ الصلاة نفسه. إنَّ الصلاة تكمل العبودية وتحتوي على العشق، لأنَّ العبد كلما يُصلّي حباً وعشقاً يزداد لذّةً ومتعةً فيصبح لله وحده ويسلم نفسه إلى حضرته تعالى.”

(6 ديسمبر 1985)

إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا * مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلا . (النساء: 143- 144)

الصلوات المردودة:

لقد ذكر الله تعالى في هذه الآيات الصلوات التي لا تحظى بالقبول عنده ، وإنَّ القرآن الكريم كما ذكر الصلوات التي يتقبّلها الله تعالى، كذلك فإنَّه ذكر الصلوات المردودة بالتفصيل، وطبقًا للآيات التي تلوتها آنفًا فإنَّ لمثل هذه الصلوات المردودة علامتين مميزتين، إحداهما التكاسل والأخرى الرياء، ولقد قرن الله تعالى هاتين العلامتين قوله:

فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ .

ولكن يجب أن نعلم أنَّ الصلوات التي ندّد الله تعالى بأصحابها قائلاً: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ والتي يهلك أهلها، فلا ينبغي لصاحبها تركها، لأنَّ القرآن الكريم لم يذكر أنَّ الصلاة هي سبب الهلاك، بل قال: إنَّ الغفلة والتكاسل والرياء هي التي تُهلك صاحبها. أما الذي يُصلي ويجاهد لإقامة الصلاة، ويحضر في حضرة بصدق النيّة متذلّلاً متضرِّعًا ويستعين به ، فلا يمكن أن يهلك بهذه الصلاة، بل إنَّ الله تعالى سوف يُعينه ويوفّقه لإقامتها.

حكمة تكرار (الله أكبر)

لقد أمرنا الله تعالى بالتكبير قائلين (الله أكبر) عند كل حركة جديدة خلال الصلاة ما عدا حركة واحدة، والحكمة في ذلك أنَّ كلمة (الله أكبر) هي بمثابة مؤشر القبلة، يلفت أنظارنا إلى ما يجب أن نركّز فيه أفكارنا. وكأنَّ هذا المؤشر يسوّي ويُسدّد قبلتنا، وعلى سبيل المثال فإنّه لا قدرة لأحد على الأفكار والهواجس، فالمائل إلى الدنيا تتغلّب هواجسه الدنيوية على صلاته، في حين أنَّ أفكار المؤمن لا تكون دنيوية، بل هل هي لخالقه تعالى. على كل حال فإنَّ أفكار المصلي المبتدئ تشغله عن صلاته، ولكن صلاة المؤمن الراسخ الإيمان تتغلّب على أفكاره. فكلمة (الله أكبر)، عند تغيّر كل حركة في صلاة المؤمن المبتدئ، توجّهه إلى الله، وتذكّره بما يجب أن يشغل فكره به أثناء الصلاة، ولا تفتأ تخلّصه من هذه الهواجس والأفكار، ولا تزال تسدّد قبلته. فتكرار كلمة (الله أكبر) يأتي عنده كل مرة بمعاني جديدة ومستقلة.

والحكمة الأخرى في تكرار (الله أكبر) عند كل حركة هي أنَّ هذا التكرار يُخرج المصلي من زحام الهواجس والأفكار، وقًصارى القول أنَّ كلمة (الله أكبر) تسدّد قبلة الصلاة، وأما الصلاة فهي تسدّد قبلة الإنسان.

الصلاة تُطلع صاحبها على تقصيره:

ومن حكمة الصلاة أنَّ الإنسان يستطيع بواسطتها معرفة مدى تعلّقه بالله تعالى، وكذلك مدى إسلامه للخالق عزّ وعلا، وأيضًا على أنواع التقصيرات في نفسه، وهكذا تُصبح الصلاة بمثابة المرآة التي يرى فيها الإنسان الأصنام المختفية في نفسه. ومن ثم فإنَّ صلاة المؤمن الضعيف الإيمان أيضًا تعود عليه بخيرٍ كثير، فلا يمكن أن تُردَّ صلاته بصورةٍ من الصور، لأنَّ الله تعالى يقول:

فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ،

فالذي يُنيب إلى الله تعالى بحسن النيّة فصلاته لا تزال تتحسّن في كل مرة.

الطريق لتحسين الصلاة:

وهناك أمر آخر يساعد على تحسين الصلاة، ألا وهو التدبُّر والتأمُّل في كل ما نقرأه في الصلاة، لأنَّ كل كلمة وكل جملة تشمل العديد من المعارف، ولكننا نتجاوزها بدون أي تدبُّر فيها.

تنوّعوا في التلاوة:

إنَّ القراءة في الصلاة من أهم أركانها، ولا بدَّ للمصلّي أن يحفظ العديد من السور القرآنية، ليقرأها في الصلاة. وقد أُشير إلى القراءة التي نقرأها في صلاة الفجر في قوله تعالى:

إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا .

ولأجل ذلك كان الرسول وأصحابه الأبرار يُطيلون القراءة في صلاة الفجر. فيجب أن تتنوّعوا في القراءة أثناء الصلاة، وتُحسّنوها بألوان جميلة، وكذلك يجب أن تُحفّظوا صغاركم أكثر من سورة.

بركات عظيمة في الصلاة:

يجب ألا يفوتكم أنّكم كلما تُحسّنون صلواتكم تزدادون أنتم أيضًا تحسُّنًا.

13 ديسمبر 1985

حقيقة الصلاة:

وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَٰنَٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (المؤمنون: 9 -12)

إنَّ الله قد فتح باستعمال كلمة (يُحافظون) الواردة في الآيات التي تلوتها آنفًا، بابًا لفهم حقيقة الصلاة، لأنَّ الحفاظة لها دافعان فإما أن تكون بدافع الواجب، وإما بدافع الحب، والحفاظة التي تكون بدافع الواجب يعقبها السأم والملل، ولكن الحفاظة التي تكون بدافع الحب تزداد كل حين كمًا ونوعية. ولقد ربط الله هذا الموضوع بالصلاة، وقد ذكره رسول الله بأسلوبٍ من العرفان عجيب، فلقد روى أبو هريرة أنَّ قال:

“أَلا أَدُلُّكُمْ عَلى مَا يمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا: بَلى يَا رسولَ اللَّهِ. قَالَ: إِسْباغُ الْوُضُوءِ عَلى المـَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخطى إِلى المـَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بعْد الصَّلاةِ، فَذلِكُمُ الرِّباطُ، فَذلكُمُ الرِّباطُ.” (مسلم، كتاب الطهارات باب إسباغ الوضوء على المكاره).

فهذا هو الرباط الذي يحافظ على الصلاة. وإنه من شواهد المعرفة البالغة للنبي عليه الصلاة والسلام وحده أنّه قرن الرباط بالصلاة ووسّع في المعاني وأوجد موضوعًا جديدًا. ولنعلم أنَّ المراد من الرباط هو العلاقة والمحبة اللتان تحفّزان على المحافظة على الصلاة. وهذا الرباط لا يحصل إلا عن طريق الصلاة نفسها، وبواسطة الصلاة عينها يبلغ الحب الذروة ويتحوّل إلى العشق والجنون، ويحصل للإنسان ربطٌ عميق بالله تعالى.

إنَّ حضرة المسيح الموعود قد ذكر هذا الرباط قائلاً:

وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ

أي أنَّ المؤمنين الحائزين على الدرجة السادسة المجتازين الدرجة الخامسة هم أولئك المؤمنون الذين يُحافظون على صلواتهم بأنفسهم، فلا يحتاجون إلى تذكيرٍ من أحد أو ترغيب. بل حصل لهم التعلُّق بالله تعالى، وأصبح ذكر الله محبوبًا لديهم، وصار سبب راحتهم وحياتهم بحيث أنّهم لا ينفكّون محافظين عليه كل حين. فهم يقضون كل لحظة في ذكر الله ، ولا ينفصلون عن ذكره طرفة عين.

(ضميمة البراهين الأحمدية – الجزء الخامس ص 54)

ويُضيف حضرته فيقول: فخلاصة القول أنَّ ذكر الله المملوء بحبّه تعالى المسمّى بالصلاة يصبح لهؤلاء المؤمنين بمثابة الغذاء الذي لا يمكن أن تستمر حياتهم بدونه، والذي هم يُحافظون عليه كمسافرٍ في فلاةٍ لا زرع فيها ولا ماء، فيحافظ على بضعة أرغفة عنده وعلى قليل من الماء الذي في قربته محافظةً شديدة.

(ضميمة البراهين الأحمدية – الجزء الخامس ص 54)

الدعاء بعد الصلاة

  “إنَّ من السفاهة الاكتفاء بظاهر الصلاة، فإنَّ معظم الناس يُصلّون صلاةً روتينية ويُنهونها مسرعين، كأنّها ضريبةٌ جبرية يتخلّصون منها. فمنهم من يصلّون بسرعة، ولكنهم يدعون بعد الصلاة لوقتٍ أطول من وقت أداء الصلاة بضعفين أو ثلاثة أضعاف. على الرغم من أنَّ الصلاة نفسها دعاء، فالذي لا يحظى بالدعاء خلال الصلاة فلا صلاة له.” (ملفوظات، المجلد السادس ص 370).“اعلموا جيدًا بأنَّ من لم يتلذّذ بالصلاة لم يجد حلاوة الإيمان، فليست الصلاة عبارة عن نقرات. إنَّ بعض الناس يُنهون الصلاة بنقرتين أو أكثر كنقرات الدجاجة ثم يدعون بعدها بدعاءٍ طويل.” (ملفوظات، المجلد الثاني ص 145).

من هو الأعمى؟:

إنَّ القرآن الكريم يذكر جنتين، وإحداهما جنة دنيوية، وهي التلذّذ من الصلاة، فليست الصلاة بضريبةٍ جبرية، بل إنَّ للعبودية علاقةً وجذبًا مع الربوبية. وإبقاءً لهذه العلاقة فقد فرض الله الصلاة، وأودع فيها لذة دوام هذه العلاقة. وكما أنَّ الفتى والفتاة عندما يتزوجان إذا لم يجدا في لقائهما لذةً لفسد الزواج، فكذلك لو فرغت الصلاة من اللذة لانقطعت هذه العلاقة، فيجب عليكم أن تُغلقوا أبواب حُجراتكم فتدعوا لدوام هذه العلاقة وتلك اللذّة. فالعلاقة بين العبودية والربوبية عميقةٌ جدًا، ومملوءةٌ بأنوار لا يمكن تفصيلها، وما لم تحصل تلك العلاقة للإنسان فهو مثل العجماوات. ولو تلذّذ الإنسان بتلكم اللذّة حتى ولو لمرتين أو أكثر لوجد نصيبًا من تلك الحلاوة، ولكن الذي لم يحظَ بها ولا لمرتين أو أكثر فهو من العميان، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى.

(ملفوظات، المجلد السادس ص 371)

كيفية علاج عدم التلذّذ من الصلاة:

وإذا حدث لأحد الناس أن فقد ذلك الأنس أو التلذّذ أثناء الصلاة فعليه ألا يملّ ولا يتوانى ولا تفتر عزيمته لأجل غلبة اليأس، بل يجب عليه الاعتناء والاهتمام بالبحث عن هذا المتاع المفقود بجدٍ ونشاط. وعلاج ذلك هو التوبة والاستغفار والتضرُّع. ولا ينبغي ترك الصلاة لعدم التلذّذ منها، بل لا بدّ من الإكثار من الصلاة، مثل مدمن الخمر الذي إذا لم يسكر لم يقلع عن الإدمان، بل يشرب الكأس تلو الكأس إلى أن يتلذّذ ويتمتع. فالذي يُعاني من عدم التمتّع والتلذّذ من الصلاة فعليه بالإكثار منها.

(ملفوظات، المجلد الخامس ص 432).

الصلوات لا تعفى عنها:

يجب أن تلتزموا بالمداومة على الصلاة، فمن الناس من يصلّون صلاة واحدة فقط، فيجب أن يعلم هؤلاء أنَّ الصلوات لا تعفى عنها وحتى الأنبياء لم يُعفوا عن الصلاة.

الدعاء لطلب حدوث اللذة في الصلاة:

ماهي الصلاة؟ هي في الحقيقة بمثابة الدعاء في حضرة الكبرياء الذي من المحال أن يحيى الإنسان بدونه، وأن يتمتع بالعافية والراحة والسرور بغيره. ولما يتكرَّم الله تعالى عليه بفضله حينئذٍ هو سيستمتع بالسرور الحقيقي والراحة الحقيقية. وعندئذٍ يحظى بالتلذّذ من الصلاة والتمتّع بها. وكما أنّه يتلذّذ من تناول الأطعمة الشهية كذلك سيتلذّذ من البكاء والنداء، وتُتاح له هذه الكيفية أثناء الصلاة. وكما أنَّ الإنسان يتناول الدواء المرّ للتمتع بالصحة الكاملة، فكذلك لابدّ من أداء الصلوات والدعوات وإن كانت خالية من التلذّذ.

وخلال هذه الحالة الخالية من التلذّذ يجب أن يدعو لطلب التلذّذ قائلاً: ربِّ، أنت تراني أعمى وفي غاية العمى، وإنني الآن من الأموات كليّةً وأعلم أنه سيُناديني منادٍ عن قريب للمثول بين يديك، فعندئذٍ لا يمكن أن يمنعني من ذلك مانع، ولكن قلبي أعمى وخالٍ من العرفان، فأنزل عليه من النور شعلةً تزكّي فيه نار أُنسِكَ وحبك، وتكرَّم عليَّ بفضلك كيلا أُحشر أعمى، وألحق بالذين لا يُبصرون.

وحينما يدعو الإنسان بمثل هذا الدعاء ويداوم عليه سيرى أنه سيأتي عليه حينٌ ينزل عليه من السماء أثناء هذه الصلاة الفارغة من التلذّذ شيءٌ يولّد فيه رِقّةً عظيمة.

(ملفوظات المجلد الرابع 321)

الخلق الآخر للمؤمن

يذكر المسيح الموعود آثار الخلق الآخر الذي يحظى به الإنسان عن طريق الصلاة قائلاً:

“إنَّ المؤمن يشعر ويحسُّ بأنَّ روحًا جديدة لم تكن فيه من قبل قد سرت الآن في كيانه، ولم تكن هذه الروح فيه من قبل. فبعد أن تدبّ فيه هذه الروح يشعر المؤمن بسكينة غريبة وطمأنينة عجيبة، وتفور المحبة الذاتية فورانًا، وتروي غِراس العبودية. وتلك النار التي كانت بمثابة حرارة بسيطة من قبل تضطرم في هذا المقام كل الاضطرام، وتحرق كلّ حطام الوجود الإنساني، وتجعل الألوهيّة تسيطر عليه، وتُحيط بكل جزء من الأجزاء. وكما أنَّ الحديد الذي يسخن في النار الحامية، يحمرُّ ويكتسب لون النار، فكذلك يصدر عن ذلك المؤمن عندئذٍ آثار النار وأفعالها. ولا يُفهم من ذلك أنَّ المؤمن صار إلهًا، بل إنَّ من خواص الحب الإلهي أنه يصير صاحبه كمثله في الظاهر، على الرغم من أنَّ العبودية وضعفها لا يزالان موجودين فيه في الحقيقة. وفي هذه الدرجة يصبح الله تعالى للمؤمن بمثابة الغذاء الذي تتوقف حياته على أكله، وأيضًا بمثابة الماء الذي ينجو من الهلاك بشربه، وبمثابة الهواء العليل الذي يرتاح له قلبه.  وليس من الخطأ في هذا المقام، أن نقول استعارةً بأنَّ الله يحلُّ في هذا المؤمن الحاصل على هذه الدرجة، ويسري في كل ذرّة من كيانه، ويتخذ قلبه عرشًا له. عندئذٍ فهو لا يبصر بروحه بل بروح الله تعالى، ويسمع بروحه، ويتكلم بروحه، ويمشي بروحه، ويصول على الأعداء بروحه ، لأنه في هذه المرتبة يحلّ في مقام اللاشيء والفناء، وتهبه روح الله حياةً ثانية، وعندئذٍ تصدق فيه روحيًا الآية الكريمة: ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسنُ الخالقين.”

(ضميمة البراهين الأحمدية المجلد الخامس ص 54 – 55)

دعاء الخليفة أيّده الله بنصره العزيز للجماعة:

وفي الختام أدعو الله تعالى أن يَهبَ لأفراد جماعة المسيح الموعود لرجالها ونسائها لكبارها وصغارها أجمعين، ذلك الخلق الآخر الذي يجعلنا نسمو بروح الله، ونتكلم بروحه، وتسري روحه في كل ذرّة من كياننا، فنقوم بروحه، وننام بروحه، ونمشي بروحه ، حتى لا يجرأ العدو على الاعتداء على من يكون العدوان عليه بمثابة الاعتداء على الله . آمين.

(29 نوفمبر 85)

Share via
تابعونا على الفايس بوك