أوجه الشبه بين الإسراءين، الموسوي والمحمدي

أوجه الشبه بين الإسراءين، الموسوي والمحمدي

  • ما الأمور الثلاثة التي لفتت انتباه موسى (ع) خلال مصاحبته العبد الصالح في رحلة التعلم المشهورة؟ وما تأويل تلك الأمور؟
  • إذا كان لقاء موسى والعبد الصالح يكشف عن إسراءين يحدثان لأمة كل منهما، فما أوجه الشبه بين ذانيك الإسراءين؟

__

فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا (الكهف 72)

شرح الكلمات:

فانطلَقا: انطلقَ: ذهَب (الأقرب).

خرَقها: خرَق الثوبَ: مزَّقه (الأقرب). والخَرْقُ قطعُ الشيء على سبيل الفساد مِن غير تدبُّر ولا تفكُّر (المفردات).

إِمْرًا: الإمرُ: العجيبُ والمنكَرُ (الأقرب).

التفسير:

من هنا تبدأ واقعة إسراء موسى ، حيث عُقدت المقارنة بين أحوال الأمة المحمدية وأحوال الأمة الموسوية.

كان أستاذي المكرم حضرة المولوي نور الدين يقول:

إن الفرق بين إسراء رسول الله وبين إسراء موسى عليهما السلام يتمثل في أن نبينا اجتنب السؤال، ولكن موسى لم يستطع الصبر ولم يمسك عن السؤال؛ وكان هذا إشارة إلى أن أمة محمد ستتمسك بالدين صابرةً، ولكن أمة موسى ستتخلى عن الدين لقلة صبرها. ولا شك أن هذه إشارة لطيفة، وقد أكدتها الأحداث.

وكان حضرته يقول أيضًا:

لقد رأى رسول الله في الإسراء ثلاثة أمور،

كذلك رأى موسى أيضًا في الإسراء ثلاث واقعات.

وأقول: ومما فتح الله عليّ من علمه هو أن هذين الإسراءين لا يتشابهان في عدد الواقعات الحاصلة فيهما فقط، بل أيضًا في تفسير هذه الواقعات. ورغم اختلافهما من حيث اللغة التمثيلية، فإن الحقيقة واحدة. وكان هذا ضروريًّا، لأن إسراء موسى كان يتضمن النبأ عن ظهور محمد ، فكان لزامًا أن تتم فيه الإشارة إلى واقعات الإسراء المحمدي.

 إن الفرق بين إسراء رسول الله وبين إسراء موسى عليهما السلام يتمثل في أن نبينا اجتنب السؤال، ولكن موسى لم يستطع الصبر ولم يمسك عن السؤال؛ وكان هذا إشارة إلى أن أمة محمد ستتمسك بالدين صابرةً، ولكن أمة موسى ستتخلى عن الدين لقلة صبرها. ولا شك أن هذه إشارة لطيفة، وقد أكدتها الأحداث.

أما «السفينة» فلا أتذكر الآن تفسير أستاذي المكرم لها، ولكنني أفسرها بمعنى المال، لأن السفينة لها معانٍ كثيرة في علم تعبير الرؤيا، ومنها المال أيضًا (تعطير الأنام: كلمة السفينة)، وأرى أن هذا هو المراد في هذا الكشف، لأن القرآن أيضًا يؤكد ذلك حيث يقول رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (الإسراء: 67). والمراد من «الفضل» هنا المال والثروة. وركوبهما السفينةَ يعني أنه سيأتي على الأمتين الموسوية والمحمدية زمان تُرزَقان فيه الثروة المادية رغدًا.

بعدها تقول القصة إنهما لما ركِبا السفينةَ خرَقها صاحب موسى عليهما السلام.. أي أخرجَ ألواحها وجعَلها قِطَعًا، حيث يقال خرَق الثوب أي مزّقه وجعَله قطعًا. فاعترض عليه موسى- وبتعبير آخر اعترض قومُه – وقال: أتريد بذلك أن تُغرق أهل السفينة؟ لقد جئتَ أمرًا منكَرًا.

وخرقُ السفينة عندي يعني أن محمدًا قام بخرق في دنيا أُمّته من خلال كثرة الأحكام الشرعية المتعلقة بالمال. فمثلاً أمرهم أوّلاً بأداء الزكاة التي تتسبب في نقصان المال في الظاهر. ثم أمرهم بالصدقات. ثم أصاب في أموالهم إذ منعهم من أخذ الربا، ثم قام بتوزيع أموالهم بأحكام الإرث، وهكذا حالَ دون تكدس الأموال. وكأنه دمّر حياتهم الدنيوية في نظر أهل الدنيا، أما في نظر أهل الصلاح والتقوى فإنه صان قومه من التأثير السيئ لحُب الدنيا ووقاهم من عبودية أهل الثراء.

إن هذا التعليم يصعب جدًّا قبولُه على أتباع السلسلة الموسوية، اليهودِ والنصارى. مما لا شك فيه أن النصارى يقولون بأفواههم إن «مرور جَمَلٍ مِن ثقبِ إبرةٍ أيسرُ مِن أن يدخل غنيٌّ في ملكوت السماوات» (مرقس 10: 25)، ولكنهم يعملون خلاف ذلك. إن جميع القوانين في بلادهم تساعد على تراكم ثروة الأغنياء. ليس عندهم أي أمر بوجوب أداء الزكاة. كما أن لهم حرية تامة للتعامل الربوي. ولعبُ الميسر غير محرم عندهم. ولا يوجد في بلادهم قانون ينص على تقسيم تركة الميت بين الوَرَثة الكثيرين؛ بل يمنح معظم أغنيائهم ثروتهم أكبرَ أبنائهم لتزداد العشيرة الواحدة ثراءً. وكذلك لم يحفظ شرعُهم حقوق العُمّال، في حين إن الإسلام قد سنّ قوانين عديدة لحماية حقوقهم كيلا يحتكر حفنةٌ من الأثرياء الأموالَ ويستعبدوا الفقراء. هذه هي الأحكام الإسلامية التي بسببها يخاف اليهود والنصارى من الدخول في دين الإسلام ظانين أنها بمثابة غرق القوم ودمارهم.

هذا هو الدرس الأول الذي تلقاه موسى في إسرائه. وهكذا حصل تمامًا مع النبي ليلة الإسراء حيث رأى في أول الأمر امرأة عجوزًا، ثم عُرضت عليه كأس الماء. وقد عبَّر جبريل العجوزَ بالدنيا والماءَ بالمال، وقال للنبي : لو شرِبتَ الماء لغرَقتَ أنت وأُمّتُك، أي لشغلت أمورُ الدنيا أُمتَك، وضعُفتْ علاقتُها بالله تعالى.

لاحِظِ البونَ الشاسع بين أفكار قوم موسى وقوم نبينا الكريم عليهما السلام! فجبريل يقول للرسول : لو شرِبتَ الماء لغرَقتْ أمتك، وكأنه يعتبر السفينةَ الصالحة – أي الانشغال بالحياة المادية – غرقًا، ولكن موسى أي قومه يعدُّ السفينةَ المخروقة – أي تطبيقَ أحكام الزكاة وغيرها التي تحول دون احتكار الأموال الدنيوية في أيدي البعض – غرقًا. فكيف يمكن إذًا أن يتعاون الفريقان في العمل مع هذا الاختلاف الشديد في الآراء، وإلى متى يمكن أن يتحمل أحدهما الآخر كرفيق؟

وهكذا كان حال النصارى، فإن صلاتهم بالمسلمين كانت على ما يرام في بادئ الأمر، حتى إن رسول الله لما بعث الرسائل إلى الملوك مدَحه قيصرُ الروم (البخاري: بدء الوحي)، ولكنه لما رأى أن سياسة الدولة الإسلامية تتعارض مع سياسة الدولة المسيحية بدأ في محاربة الإسلام، فذاق وبال أمره في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بحيث لم تندثر آثار ذلك الوبال لقرون طويلة.

كما يتضح من القرآن الكريم أيضًا أنه كما اعترض موسى على عبد الله هذا لما خرق السفينة كذلك اعترضت أمته على رسولنا الكريم أنه يُهلك قومه بأخذ التضحيات المالية منهم. وقد سجل القرآن الكريم اعتراض اليهود هذا كالآتي: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَة (المائدة 65).. أي تقول اليهود – نظرًا إلى مطالبة النبي المؤمنين بالإنفاق في سبيل الله – لماذا حمّل محمد قومه هذا العبء الثقيل عبثًا؟ هل حصل نقص في خزائن الله حتى يطلب منا أن ننفق من أموالنا المحدودة؟ إنه تعالى قادر على أن يعطي بنفسه مَن يريد من عباده. لماذا نطالَب بالإنفاق على الفقراء والمعوزين؟ وكأنهم قالوا للنبي : أتخرق السفينة لتُغرق أهلها؟

كذلك ذكر القرآن المجيد اعتراض الكفار عامة – بمن فيهم اليهود والنصارى أيضًا – بقوله وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (يس: 48).. أي يقول لهم رسول الله : إن هذا المال الذي أعطاهم الله إياه ليس لهم فحسب، بل هو للعالم كله، فليُنفِقوا منه على عباد الله الفقراء، فيرد الكفار على المسلمين: أنُطعِم مَن لو يشاء الله أطعمَه ؟ أي إذا لم يُطعِمهم الله من خزائنه الواسعة التي ما لها من نفاد فكيف يمكن لنا أن نرزقهم من أموالنا المحدودة؟ إنكم أيها المسلمون في ضلال مبين حيث تضيعون أموالكم بهذا الأسلوب!!

إن مثل هذه الاعتراضات كانت ولا تزال تثار بكثرةٍ من قبل اليهود وغيرهم من الكفار إلى يومنا هذا. ولكن الذي يحبُّ الله تعالى حبًّا صادقًا يختار لسفره في هذه الدنيا سفينةً مخروقة بدلاً من سفينة سليمة تُلهي قلبَه عن ذكر الله تعالى. وهذا الأمر الرباني يمثل أكبر ابتلاء للنصارى لأنهم أكثر الناس أموالاً.

واعلم أن هذه الآية أيضًا تؤكد كون هذه الواقعة كشفًا، وإلا لغرقت السفينة حين خرَقها العبد.

قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (73)

التفسير:

أي لقد قلت لك منذ البداية إن ما بين تعليمي وتعليمك ما بين السماء والأرض، ولا يمكن أن ترافقني في سفري إلا إذا قتلتَ أهواء نفسك تمامًا.

قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا (74)

شرح الكلمات:

لا تُرهِقْني من أمري عُسرًا: أي لا تُعسِرْني، مِن أرهَقَه عُسرًا: كلَّفه إياه (الأقرب).

التفسير:

طلَب موسى من ذلك العبد أن يعفو عنه هذه المرة، وأنه لن يعود لمثل هذا أبدًا.

ولقد أشار الله تعالى هنا إلى أن اليهود والنصارى سيصالحون محمدًا ويسالمونه بادئ الأمر، ولكنهم سيبدأون في الاعتراض عليه فيما بعد، فتنقطع الصلات بينه وبينهم في نهاية المطاف. وهذا ما حصل بالضبط، فلما قدم الرسول المدينةَ صَالَحَهُ اليهود ولحِقوا بحزبه أول الأمر، ثم خاصموه تهربا من تقديم التضحيات الواجبة عليهم كونهم حلفاءه. فمثلا غُرم المسلمون بِدِيَةٍ ذات مرة، وكان لزامًا على اليهود أداءُ جزء منها بموجب المعاهدة القائمة بين الطرفين، وعندما طُلب من بني النضير بأداء ما عليهم خاصموا النبيَّ (السيرة الحلبية: غزوة بني النضير).

وهكذا كان حال النصارى، فإن صلاتهم بالمسلمين كانت على ما يرام في بادئ الأمر، حتى إن رسول الله لما بعث الرسائل إلى الملوك مدَحه قيصرُ الروم (البخاري: بدء الوحي)، ولكنه لما رأى أن سياسة الدولة الإسلامية تتعارض مع سياسة الدولة المسيحية بدأ في محاربة الإسلام، فذاق وبال أمره في زمن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما بحيث لم تندثر آثار ذلك الوبال لقرون طويلة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك