أرى ظلماتٍ ليتني مِتُّ قبلها
وذقتُ كؤوسَ الموت أو كنت أُنصَرُ
.
تهبّ رياحٌ عاصفات كأنها
سِباعٌ بأرض الهند تعوي وتَزْأَرُ
.
أرى الفاسقين المفسدين وزُمْرَهم
وقلَّ صلاحُ الناس والغيُّ يكثُرُ
.
أرى عينَ دين الله منهم تكدَّرتْ
بها العِينُ والآرامُ تمشي وتَعبُرُ
.
أرى الدين كالمرضى على الأرض راغمًا
وكلّ جهولٍ في الهوى يَتبَخْتَرُ
.
وما هَمُّهم إلا لحظِّ نفوسـهم
وما جهدُهم إلا لعـيشٍ يُوفَّرُ
.
نسُوا نَهْجَ دين الله خبثًا وغفلةً
وقد سَرَّهم بَغْيٌ وفسق ومَيسِرُ
.
فلما طغى الفسق المبـيدُ بسيله
تمنَّـيتُ لو كان الوباء المتبِّـرُ
.
فإنّ هلاك الناس عند أولي النهى
أحَبُّ وأَولى مِن ضلال يُدمِّـرُ
.
صبرْنا على ظلم الخلائق كلِّهم
ولكنْ على سيل الشَّقا لا نصبرُ
.
وقد ذاب قلبي مِن مصائب ديننا
وأعلَمُ ما لا تعلمـون وأُبصِـرُ
.
وبثِّي وحزني قد تجـاوزَ حدَّه
ولولا مِن الرحمـن فضلٌ أُتبَّـرُ
.
وعندي دموع قد طلعنَ المآقيا
وعندي صراخٌ لا يراه المكفِّرُ
.
ولي دعواتٌ يَصعَدَنَّ إلى السما
ولي كلماتٌ في الصَّـلاية تَقعَرُ
.
وأُعطيتُ تأثيرًا من الله خالقي
فتأوي إلى قولي جَنانٌ مطـهَّرُ
.
وإنّ جَناني جاذبٌ بصفـائهِ
وإن بياني في الصخـور يؤثِّـرُ
.
حفَرتُ جبالَ النفس مِن قوة العُلى
فصار فؤادي مثلَ نهرٍ تفجّرُ
.
وأُعطيتُ رعبًا عند صَمْتي من السما
وقولي سِنانٌ أو حُسام مُشهَّرُ
.
فهذا هو الأمر الذي سَرَّ مالكي
وأرسلَني صدقًا وحقًّا فأُنذِرُ
.
إذا كذَّبتْـني زُمْرُ أعداءِ ملّتي
فقلتُ اخْسَأُوا إنّ الخفايا ستَظهَرُ
.
فريقٌ من الأحرار لا يُنكِرونني
وحزب من الأشرار آذَوا وأنكرُوا
.
وقد زاحموا في كلّ أمرٍ أردْتُه
فأيَّدني ربي ففَـرُّوا وأدبرُوا
,
وكيف عصَوا، واللهِ لم يُدْرَ سِرُّها
وكان سنا صدقي من الشمس أظهَرُ
.
لزِمتُ اصطبارًا عند جَورِ لئامِهم
وكان الأقارب كالعقارب تأبُرُ
.
وهذا على الإسلام إحدى المصائبِ
يُكذَّب مثلي بالهوى ويُكفَّرُ
.
فأقسمتُ بالله الذي جلَّ شأنُهُ
على أنه يُخزِي العِـدا وأُعزَّرُ
.
ولِلْغَـيِّ آثارٌ وللرشد مثلُها
فقُوموا لتفتيش العلامات وانظُروا
.
تظنّون أني قد تقـوَّلتُ عامِدًا
بمكرٍ وبعضُ الظنّ إثمٌ ومُنكَرُ
.
وكيف وإنّ الله أبـدَى براءتي
وجـاء بآيات تلُوح وتَظهَرُ
.
ويأتيك وعدُ الله مِن حيث لا ترى
فتعـرِفه عينٌ تَحِـدُّ وتُبـصِرُ
.
وليس لعَضْبِ الحق في الدهر كاسرًا
ومَن قام للتكسير بخلاً فيُكسَرُ
.
ومَـن ذا يعاديني وربّي يحبّني
ومَن ذا يُرادِيني إذا اللهُ ينصُرُ
.
ويعلَم ربي سِرَّ قلبي وسِرَّهم
وكلُّ خفيّ عنـده مُتحضِّرُ
.
ولو كنتُ مردودَ المليك لضَرَّني
عـداوةُ قوم كذّبوني وحقَّروا
.
ولكنني صافَيتُ ربّي فجاءني
من الله آياتٌ كمـا أنت تنظُرُ