- معرفة الذات الإلهية المستجمعة لصفات الكمال والتخلق بها.
- العمل بتعليم الوحي أو الشريعة الكاملة.
- المجاهدة والتزكية.
- لزوم الصحبة الصالحة المزكية.
__
لطالما تطرق علماء النفس والفلاسفة والسلوك الاجتماعي إلى العلاقات الفردية والجماعية للإنسان وما يتصل بسلوكه من مفردات وكيفيات الرقي بها.. وقد حاولت تلك النظريات أن تجد تحليلات وتفسيرات للسلوك وكأنه محصلة للغرائز والانفعالات… وتبقى المقولات الفلسفية بالية بإزاء منظومة الأخلاق والسلوك كما تطرق إليها الإسلام وسعى إلى تعريفها ومعالجتها وترقيتها إلى الخلق الفاضل و السمو الروحي..
أما كيف عالج تعليم الإسلام أنماط السلوك والأخلاق وكيف أرشد إلى ذرائع تحصيل الخلق المثالي الذي يرقى بالإنسان، فيمكن اختصارها في ذرائع أربع:
- معرفة الذات الإلهية المستجمعة لصفات الكمال والتخلق بها.
- العمل بتعليم الوحي أو الشريعة الكاملة.
- المجاهدة والتزكية.
- لزوم الرفقة الصالحة المزكية والقدوة.
“صفات الله تعالى مؤثّرة بقدر إيمان العبد بها، وإذا توجّه العارف إلى صفة من صفات الله تعالى وأبصره ببصر روحه، وآمن ثم آمن ثم آمن حتى فنى في إيمانه، فتدخُل روحانية هذه الصفة في قلبه، وتأخذه منه، فيرى السالك باله فارغاً من غير الرحمن، وقلبه مطمئنا بالإيمان، وعيشه حلواً بذكر المنّان، ويكون من المستبشرين.”
الذريعة الأولـى
تتم بمعرفة صفات الله وأسمائه، قال تعالى:
فكل صفة تنعكس في قلب الإنسان بالعبودية يفيض أثرها على الجوارح والمدارك فلا تتحرك إلا وفق الكمال والجمال المستمد من وهج صبغة الجمال الروحاني الذي هو منتهى سلوك العارفين، قال تعالى:
وفي الصحيحين: خلق الله آدم على صورته.. أي بما أودع الله فيه من قابلية الترقي وانعكاس الصورة المعنوية الخُلُقية العليا.
يقول المسيح الموعود : “…صفات الله تعالى مؤثّرة بقدر إيمان العبد بها، وإذا توجّه العارف إلى صفة من صفات الله تعالى وأبصره ببصر روحه، وآمن ثم آمن ثم آمن حتى فنى في إيمانه، فتدخُل روحانية هذه الصفة في قلبه، وتأخذه منه، فيرى السالك باله فارغاً من غير الرحمن، وقلبه مطمئنا بالإيمان، وعيشه حلواً بذكر المنّان، ويكون من المستبشرين. فتتجلّى تلك الصفة له وتستوي عليه حتى يكون قلبُ هذا العبد عرشَ هذه الصفة، وينصبغ القلب بصبغها بعد ذهاب الصبغ النفسانية، وبعد كونه من الفانين.” (كرامات الصادقين ص 70)
الذريعة الثانيـة
هي الانقياد لتعليم الوحي والشريعة إذ بواسطتها تتزكّى الصورة الباطنة وتصفو لتصل إلى الطهارة الروحانية التي هي منشأ الخلق الفاضل الكامل واستحقاق النعيم.
قال تعالى:
جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى (طه 76)
الذريعة الثالثـة
هي المجاهدة ومراقبة النفس ومداخلها (الحواس الخمس) وحراستها من الأدناس المؤثرة فيها و التي تكدّر صفاء الباطن وسكينته، إذ أن الإنسان متى استهان بالمجاهدة ومراقبة الذات تراكمت عليه أدران القلب وغشيته الظُّلمة وتعذّر عليه كسر قيد سلاسل النّـزوات والنّـزعات التي تجذبه إلى السُّفلية. إذ أن من استولت عليه تلك الجذبات الأمّارة صار أسيرا محصورا في سجنها مغلولا، تجرّه حيث شاءت، مما يحول بينه وبين الرّقي..ومعنى هذا أن تعهّد الإنسان لنفسه بالتزكية يصون باطنه ويربي كيانه الخُلُقي.
قال تعالى:
فهل تصح النظريات التقليدية التي تنظر إلى أنماط السلوك باعتبارها حالة طبعية أو غريزية باعتياد الأفعال؟وهل أمكن الرقي بالسلوك دون إحداث تغير في النفس؟
يقول المسيح الموعود : “إن الحالات الطبعية لا تؤهّل الإنسان للثناء ما لم تصر أخلاقاً..إذ لا تخلو منها الحيوانات وحتى الجمادات. كما أن اكتساب الأخلاق الفاضلة وحده أيضا لا يهب للإنسان حياةً روحانية، فقد يتخلّق بها مُلحدٌ يكفر بالله تعالى. إن استكانة القلب، ورقّة الفؤاد، والمسالمة، ومجانبة الشر، والإعراض عن مقاومة الشرير… كل هذه حالات طبعية يمكن أن يتصف بها شخص غير صالح لا معرفة ولا نصيب له من ينبوع النجاة الحقيقي. فكم من حيوان يتمسكن ويُسالم الإنسان بالاستئناس والتأليف والترويض، فنراه ذلولا لا يقاوم وإن ضُرب وهو نائم، ومع هذا لا يصح أن نسميه إنساناً، دعْك من أن يصبح بسبب هذه الخصال من الطراز الأول بين البشر. كذلك يُمكن أن يتطبّع بذلك حتى أسوأ الناس عقيدة…ولكن لن أقبل اعتبار جميع هذه الحالات الطبعية شيئا من الأخلاق، أو أنها قادرة على تطهير الإنسان من الأدران الباطنة التي تحول بين وصاله بالله تعالى..” (فلسفة تعاليم الإسلام ص 14-15)
“ اكتساب الأخلاق الفاضلة وحده أيضا لا يهب للإنسان حياةً روحانية، فقد يتخلّق بها مُلحدٌ يكفر بالله تعالى. إن استكانة القلب، ورقّة الفؤاد، والمسالة، ومجانبة الشر، والإعراض عن مقاومة الشرير… كل هذه حالات طبعية يمكن أن يتصف بها شخص غير صالح لا معرفة ولا نصيب له من ينبوع النجاة الحقيقي.”
الذريعة الرابعـة
توفير الصُّحبة الصالحة التي بها تطيب النفوس وتتأثر بمسلكها وقيلها وأفعالها بما يؤثر ويحفّز على القدوة.. فالرفيق الصالح هو بمثابة الطبيب قد ينظر إليك فيعلمك بلسان الحال والمقال، ويصرفك عن المعاصي الظاهرة ويُرشدك بالوعظ والنصيحة إلى ما لم تتفطّن إليه فيعوّدك بحِلْمه فضيلة الحِلْم ودواعيه عند الغضب، ويعودك الصّدق عند دواعي الكذب، فليطلب الباحث عن سبيل السالكين عن صديق صَدُوق بصير مُتطهّر ليكون مرآة يُريه من خلالها أحواله وأفعاله فينبهّه على ما كَرِهَ من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الظاهرة والباطنة كما هي أسوة أئمة الهدى وأهل الصلاح الربانيين.. ولم ينكر علماء الاجتماع والنفس أهمية القدوة ودورها المعنوي وقد عبّر أهل التصوّف على هذه العلاقة ” بالشيخ والمُريد”.. وهذا سيدنا عمر بن الخطاب مع كماله وفضـله يقـول كمـا جـاء في الأثـر:
“رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي” وكان يسأل سيدنا سلمان الفارسي .. فهؤلا مع جلالة مقاماتهم في التقوى إلا أنهم كانوا يتعهدون مُراقبة مرآة قلوبهم بصحبة المتّقين، وأفراد الجماعة الإسلامية الاحمدية ينعمون بهذه النعمة بواسطة أئمة أطهار مُزكّين وبصلحاء ربانيين عاملين لزموا مُزكّي الوقت الذي هو إمام جماعة المؤمنين وعملوا بتوصياته فجعلوه بصيرا بعيوب أنفسهم يتتبعون توجيهاته وإشاراته فكانوا من المطهرين.. وهكذا حال كل مسلم أحمدي في عصرنا مع خليفته ينقاد في صحبته الروحانية وينخرط في صحبة الصالحين.
القرآن الكريم حث على هذه الرفقة الصالحة المزكية فقال:
إن استيفاء كل هذه الذرائع في العقيدة والمسلك هو الذي يُجلّي كل الأخلاق الحسنة التي يمكن تسميتها خُلُقا وليس طباعاً أو عادات والتي تُدخل الإنسان إلى الرقي الذي يليق بإنسانيته مجردا عن كل العادات الطبعية وأمراض القلوب.