- معنى كلمة رمضان
- ومنافع صوم رمضان
__
لقد خلق الله تعالى الإنسـان لعـبادته، وعلمه جميع متطلباتها، لكنه على الرغم من ذلك منح له فرصا ليعيش حياة طبيعية ويتطور ماديا وروحيا. ففرض على المؤمنين المسلمين خمس صلوات في اليوم والليلة، كما كتب عليهم صيام رمضان شهرا كاملا وإيتاء الزكاة وحج بيت الله.
عن طلحة بن عبيد الله أن أعرابيا جاء إلى رسول الله ثائر الرأس فقال يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله عليَّ من الصلاة؟ قال: الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئا. قال: أخبرني بما افترض الله عليَّ من الصيام. قال: صيام شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا. قال: أخبرني بما افترض الله علي من الزكاة. فأخبره رسول الله : بشرائع الإسلام. فقال: والذي أكرمك لا أتطوع شيئا لا أنقص مما فرض الله علي شيئا. فقال رسول الله : أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق. (سنن النسائي كتاب الصيام باب وجوب الصيام)
فلقد فرض الله تعالى صيام شهر رمضان وقال:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة: 184)
وفي موضع آخر
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان (البقرة: 186).
وهكذا يدرك المرء المتفكر عظمة الشهر الفضيل. لقد قال المسيح الموعود :
“لقد كتب الصوفية أن هذا الشهر صالح جدا لتنوير القلب، ويحظى فيه الإنسان بالكشوف بكثرة. إن الصلاة تقوم بتزكية النفس، وأما الصوم فيحصل به التجلي على القلب. والمراد من تزكية النفس أن يصير العبد في معزل عن شهوات النفس الأمارة، وأما التجلي على القلب فيعني أن يُفتحَ عليه بابُ الكشف بحيث يحظى بوصال الله عز وجل.”
قد أبان الله تعالى أن الصوم من أسباب التقوى، وحقيقة التقوى فعل المأمور به والمندوب إليه واجتناب المنهي عنه والمكروه والمنـزه عنه، لأن المراد من التقوى وقاية العبد نفسه من النار، وهو إنما يقي نفسه النار بما ذكرت، فالصوم يؤدي إلى حقيقة التقوى.
والرَمض يعني: حرارة الشمس، فمن ناحية يكُفُّ الإنسان عن الأكل والشرب وغيرهما من الملذات البدنية، ومن ناحية أخرى يخلق في نفسه حرارة وحماسا للعمل بأوامر الله تعالى، وهكذا تجتمع الحرارة الروحانية والحرارة الجسمانية فصارتا رَمَضان.”
«… إنه يتدرب خلال أحد عشر شهرا على ترك الحرام، ولكنه في الشهر الثاني عشر – رمضان – لا يترك الحرام فقط، وإنما يتدرب على ترك الحلال أيضًا. وكأننا في غير أيام الصيام نقدم نموذجا لترك الحرام لوجه الله، ولكن في الصيام نقدم نموذجا لترك الحلال لوجه الله»
من فطرة الإنسان أنه كلما كان قليل الأكل كان أكثر حظًا من تزكية النفس وبالتالي تزداد فيه قوى الكشف… فالله تعالى يريد بالصيام أن نُقلل من غذاء ونكثر من آخَر. يجب على الصائم أن يتذكر دائما أن الصوم لا يعني أن يجوع فقط، بل عليه أن يشتغل في ذكر الله تعالى حتى يحصل له تبتل وانقطاع إليه عز وجل. فليس الصوم إلا أن يستبدل الإنسان بالغذاء الذي يساعد على نمو الجسم فقط بغذاء آخر تَشبع به الروح وتطمئن.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ الله : مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. (صحيح البخاري، كتاب الإيمان)عَنْ رَسُولِ اللهِ أَنَّهُ ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ وَقَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أمُّهُ. (سنن النسائي، كتاب الصيام)
عن أبي هريرة أن رسول الله قال إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين. (سنن النسائي كتاب الصيام باب فضل شهر رمضان)
وورد في رواية أخرى قال رسول الله أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم. (سنن النسائي كتاب الصيام)
عَنْ عبد الله بن أبي أوفى عن النبيِ ، قَالَ: “نَوْمُ الصَّائِمِ عِبَادَة، وَسُكُوتُهُ تَسْبِيحٌ، وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ، وَعَمَلُهُ مُتَقَبَّلٌ” . لَفْظُ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدَانَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَبْدِ الله، قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله ، وَقَالَ: “وَعَمَلُهُ مُضَاعَفٌ، وَدُعَاؤُهُ مُسْتَجَابٌ حَتَّى يُمْسِيَ أَوْ حَتَّى يُصْبِحَ”. (البيهقي شعب الإيمان الباب الثالث والعشرون من شعب الإيمان فصل أخبار وحكايات في الصيام)”يقول سيدنا حضرة المسيح الموعود : إن من عادتي أنني لا أترك الصوم إلا إذا كانت حالتي الصحية سيئة لدرجة لا تُطاق، وإن طبعي لا يقبل ترك الصوم إطلاقا. إنها لأيام مباركة، وهي أيام نزول أفضال الله ورحمته”. (جريدة “الحَكَم” 24 يناير 1901م ص5)
وقال حضرته في موضع آخر:
“ليس الصوم أن يبقى الإنسان جائعًا وعطشان فقط، بل لـه حقيقته وتأثيره اللذانِ يطّلِع عليهما الإنسانُ من خلال التجربة. ومن طبيعة الإنسان أنه كُلّما أكل قليلا حصلت لـه تزكية النفس، وازدادت قواه الكشفية”. (الملفوظات ج9 ص123)
يقول سيدنا المصلح الموعود ، الخليفة الثاني للمسيح الموعود ، في هذا الصدد:
“من أكبر منافع الصوم أنه يدرب الإنسان على تحمل المشقة والشدة في سبيل الخير…. إن جسم الإنسان وعقله لا يبقيان فارغين بدون عمل، بل إن الإنسان يعمل عملا ما في كل حين. ولكن بعض أعماله لغو وضار، وبعضها مفيد وخير. ولكن رمضان يدربه على ما يعَوِّده على تحمل المشاق والشدائد في أعمال الخير…. وكذلك يتقي الصائم من الذنوب بإمساك لسانه كما قال المصطفى : “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يَدَع طعامه وشرابه.” (البخاري، كتاب الصوم).. أي لا يعني الصوم أن يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب طول نهاره، بل عليه أن يحمي فمه من كل ما يضر روحانيته، فلا يكذب ولا يسب ولا يغتاب ولا يختصم. الأمر بحفظ اللسان عام، ويجب العمل به دوما، ولكن الصائم يحفظ لسانه بصفة خاصة، وإلا فسد صومه. وإذا تعوّد الإنسان على حفظ اللسان لشهر كامل تمكّن من حفظ نفسه سائر الشهور أيضا. هكذا فإن الصوم يحميه من الذنوب على الدوام. وقوله تعالى: لعلكم تتقون يذكر منفعةً أخرى للصيام وهي أنه يثبّت قدم الإنسان على التقوى، ويتيح لـه نوال المدارج الروحانية العليا حتى ورد في الحديث أن الله تعالى يقول: “الصوم لي وأنا أُجزَى به” أي أن لكل حسنة أجرا خاصًا، أما الصوم فأنا الجزاء للصائم. وإذا فاز الإنسان بالله فماذا يريد بعد ذلك”. (التفسير الكبير، ج2 ص372-373)
وقال في موضع آخر:
“ومن منافع الصيام أيضا أن المؤمن يتدرب في هذا الشهر على التخلي عن حقوقه المشروعة. إنه يتدرب خلال أحد عشر شهرا على ترك الحرام، ولكنه في الشهر الثاني عشر – رمضان – لا يترك الحرام فقط، وإنما يتدرب على ترك الحلال أيضًا. وكأننا في غير أيام الصيام نقدم نموذجا لترك الحرام لوجه الله، ولكن في الصيام نقدم نموذجا لترك الحلال لوجه الله”. (التفسير الكبير، ج2 ص376)
يقول سيدنا الخليفة الرابع – رحمه الله – :
“الذين لا يصومون هذا الشهر لا يدرون كم من حسنات يُحرَمون منها. إنهم لم يتجشّموا الجوع لبضعة أيام، ولم يتحملوا القيود لبضعة أيام فقط ولكنهم حُرموا من نِعَمٍ كبيرة وكثيرة، وقُيِّدوا في سلاسل الدنيا أكثر من ذي قبل، لأن الذي لا يتحمل قيودا يفرضها رمضان تتغلب الدنيا على أمره. والحق أنه يتسبب في قيد نفسه بنفسه في حبال المادية، ويصير هؤلاء الناس عبيدا للحياة الدنيا يوما فيوما، ثم لا يقدرون على فكِّ هذه السلاسل ولو أرادوا ذلك. لذا من الضرورة بمكان أن يستعدّ الإنسان لتحمل قيود رمضان لبضعة أيام بكل بشاشة وسرور…. وسوف تشاهدون بعد تحمل هذه القيود أن لها فوائد لا تنتهي. المشاق التي تتحمّلونها لبضعة أيام سوف تخلف فوائد جمة فتأكلون ثمار هذه الأيام القلائل طوال السنة”.(خطبة الجمعة بتاريخ 15/4/1988م)