- إطلاق الخليفة الثالث شعار الحب للجميع ولا كراهية لأحد.
- هذا الشعار يعمل بمبدأ مواساة الإنسانية جمعاء والشفقة على خلق الله .
- تستمر الردود تجاه الكافرين على بلاياهم وافتراءاتهم ولكن ليس بدافع الحقد والكراهية.
- .المحب يصطبغ بصبغة حبيبه وهكذا محب الله تعالى يكتسب نوره الإلهي.
- تعاليم الإنجيل تدفع لحب الشيطان والخطورة أن الإنسان يصبح شيطانا .
__
بداية يجب أن يكون مفهوما أن شعارنا نحن الجماعة الإسلامية الأحمدية هو كلمة التوحيد وهو: “لا إله إلا الله محمد رسول الله” تلك الكلمة التي عليها نحيا وعليها نموت. أما هذا الشعار وهو “الحب للجميع ولا كراهية لأحد” فهو شعار أطلقه الخليفة الثالث رحمه الله تعالى مقابل موجة الكراهية التي اصطبغ بها الفكر والسلوك لكثير المسلمين نتيجة فهمهم الخاطئ لمبدأ الحب في الله والبغض في الله؛ حيث ظنوا أن الواجب أن نكره غير المسلمين وأن نعاملهم بجفوة وغلظة. فكان الهدف من هذا الشعار التأكيد على أننا إنما نُبادئ الآخرين بمشاعر العطف والمواساة والشفقة، ولا نحمل أحقادا لأحد ولا لقوم، ونبغضُ أفعالَ الكافرين ولا نبغضهم لذاتهم.
ولا يعني هذا الشعار أنه من الواجب معاملة الكافرين باللين دوما وأننا يجب أن نترك مواجهتهم والرد على عدوانهم، وأن نترك مواجهة افتراءاتهم وأكاذيبهم وظلمهم! فلا بد من ذلك، ولكن ينبغي أن يكون ردنا ليس بدافع الحقد والكراهية، وإنما بدافع المواساة للإنسانية. فيجب أن تكون قلوبنا عامرة بالمواساة والشفقة على خلق الله.
إن الفهم الخاطئ لهذا الشعار ستكون له آثار مدمِّرة على الإيمان، لهذا فقد وضَّح المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام هذا الأمر بنفسه، وبيَّن ما هو المقصود بالحب الحقيقي، وكيف أن هذا الحب لا يكون إلا لله ولرسوله وللمؤمنين، حيث يقول حضرته في معرض رده على اعتراضات للمسيحية ومنها الاعتراض حول أن الإسلام لا يُعلِّم الحب للآخرين:
“الاعتراض الرابع: إن الإسلام لم يعلِّم حبَّ أتباع الديانات الأخرى، بل قد أَمَرَ المسلمَ أن لا يحب غيرَ المسلم.
أما الجواب: فليتضح أن النصارى ابتعدوا عن الحق والحقيقة من شؤم الإنجيل الناقص غيرِ الكامل وإلا إذا نظروا بعمق إلى ما هو الحب، وما محله المناسب، وما هو البغض ومتى ينبغي أن نَبْغُض فلن يدركوا فلسفة القرآن الحقيقية فحسب بل سوف تَكسب به الروحُ النورَ الكامل للمعارف الحقة.
الحب لا ينشأ بالتصنع والتكلف بل هو قوةٌ من القوى الإنسانية، وحقيقته أن ينجذب القلب إلى شيء يُعجبه، وكما أن خواص كل شيء تظهر ببداهة عند بلوغه الكمالَ، فالحال نفسه للحب أيضا، إذ تتبدى جواهره بجلاء عند بلوغه أتمَّ الدرجات وأكملها…
فاعلموا أن الحب لا ينشأ بالتصنع والتكلف بل هو قوةٌ من القوى الإنسانية، وحقيقته أن ينجذب القلب إلى شيء يُعجبه، وكما أن خواص كل شيء تظهر ببداهة عند بلوغه الكمالَ، فالحال نفسه للحب أيضا، إذ تتبدى جواهره بجلاء عند بلوغه أتمَّ الدرجات وأكملها، فالله تعالى يقول: أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ أي أنهم أحبوا العجل لدرجة كأنهم أُشرِبوه كالشراب. والحقيقة أن الإنسان حين يحب أحدا حبا كاملا فكأنه يشربه أو يأكله، ويصطبغ بأخلاقه وسلوكه، وينجذب إلى الاصطباغ بصبغة حبيبه بقدر ما يحبه، حتى يصبح مظهرا لحبيبه. وهذا هو السر في اكتساب مُحب الله النورَ الإلهي ظليا بحسب سعته. أما الذين يحبون الشيطان فيكسبون الظلام الذي في الشيطان. فإذا كانت هذه هي حقيقة الحب فمتى كان ممكنا للكتاب الصادق المنـزَّل من الله أن يسمح لنا أن نحب الشيطان كما ينبغي أن نحب اللهَ، وأن نخص أولياءَ الشيطان بحب يجدر به أولياءُ الرحمان؟ من المؤسف أننا كنا نملك قبل هذا دليلا واحدا على بطلان الإنجيل وهو اتخاذه الإنسانَ الضعيف الذي هو حفنة من التراب إلهًا، والآن توفرتْ لنا دلائلُ أخرى أيضا وهي أن تعاليمه الأخرى أيضا سيئة، فهل يمكن أن يعدّ من التعليم المقدس أن أحِبّوا الشيطان كما تحبون الله ؟ وإن قيل بأن هذه الأمور خرجت من فم يسوع سهوا لأنه كان لا يعرف فلسفة الإلهيات، فهذا العذر سخيف وباطل، لأنه إذا كان عديم المعرفة لهذا الحد فلماذا ادَّعى إصلاح القوم؟ فهل كان طفلا يجهل أن حقيقة الحب تقتضي بالضرورة أن يُعجَب الإنسان بشمائل حبيبه وأخلاقه وعباداته بصدق القلب، وأن يسعى بالروح والقلب للتفاني فيها، لينال بالتفاني في حبيبه الحياةَ التي يتمتع بها حبيبه، فالمحب الصادق يتفانى في حبيبه، ويتجلى من خلال حبيبه، ويعكس صورته في نفسه وكأنه يشربه، ويقال إنه بالتفاني فيه والاتصاف بصفاته وبالتمسك به يبرهن للناس على أنه في الحقيقة قد ضاع في حبه. الحبُّ كلمةٌ عربية وتعني في الحقيقة الامتلاءَ، فحين يريد العرب أن يعبِّروا عن امتلاء بطن الحمار ماءً يقولون: “تحبَّب الحمارُ”، وحين يريدون أن يقولوا إن الجَمل شرب ماء كثيرا حتى امتلأ بطنُه وارتوى يقولون شرِبَت الإبلُ حتى تحبَّبت. أما الحَبُّ فهي أيضا مشتقة من هذا، ويعني أنه امتلأ بصفات الحبة السابقة. وكذلك يقال للنوم الإحباب، لأن الذي سيمتلئ بغيره فسوف يُفني نفسه، وكأنه سينام ولن يبقى لديه الشعورُ بنفسه، فإذا كانت هذه حقيقة الحب فالإنجيل الذي يعلِّم حب الشيطان أيضا وحزبِ الشيطان يعلِّم أتباعَه بتعبير آخر المشاركةَ في أعمالهم السيئة، فواها لهذا التعليم، أنى يكون من الله هذا التعليم الذي يريد أن يجعل الإنسان شيطانا، وقى اللهُ الجميع من تعليمَ الإنجيل هذا.
إنّ الذين لم يحاربوكم لقتلكم، ولم يُخرجوكم من أوطانكم فأَحسِنوا إليهم سواء كانوا من النصارى أو اليهود وواسُوهم واعدِلوا معهم لأن الله يحب مَن يقوم بذلك.
وإن سأل أحد إذا كان حب الشيطان ومظاهرِه والمتصفين بصفاته حراما، فبأي خُلق ينبغي أن نتعامل معهم؟ فجواب ذلك أن كلام الله المقدس القرآن الكريم يعلّمنا أن نواسيهم مواساة تامة، مثلما يُشفق الإنسان رحيم القلب على المجذومين والعميان والمعاقين والعُرج وغيرهم من المتألمين، والفرق بين الشفقة والحب أن المحب ينظر إلى أقوال حبيبه وأفعاله بنظرة الإعجاب، ويحب أن يتصف هو أيضا بصفاته، بينما ينظر المشفِق إلى المشفَق عليه بنظرة العبرة والخوف، ويخشى أن يقضي على ذلك المصاب وضعُه التعيس. ومن علامات المشفِق الحقيقي أنه لا يتعاطف مع المشفَق عليه دوما، بل يتعامل معه بحسب مقتضى الحال والمناسبة، فأحيانا يتعامل معه برفق وأحيانا أخرى بقسوة، أحيانا يقدّم له العصير وأحيانا يرى حياته في قطع اليد أو الرِجل كطبيب حاذق، وأحيانا يجرح أي عضو آخر له وأحيانا يضع على جروحه مرهما، فإذا شاهدتَ أعمال الطبيب المختص في مستشفى كبير حيث يأتي مئات المرضى فمن المأمول أن تفهم معنى المشفق، فإنما القرآن الكريم يعلّمنا أن نحب الأبرار والأخيار ونشفق على الفسّاق والكفار، يقول الله :
أي يا أيها الكفار إن هذا النبي يشفق عليكم لدرجة لا يتحمل أن تحزنوا وهو يطمع في أن تتخلصوا من البلايا. ثم يقول :
أي هل ستُهلك نفسك حزنا على عدم إيمانهم؟ فالمراد: إنّ شفقتك قد بلغت درجةً أشرفتَ بها على الهلاك خوفا عليهم. ثم يقول في آية آخرى:
أي إنما المؤمنون الذين ينصح بعضهم بعضا بالصبر والمرحمة، أي يقولون: اصبروا على الشدائد، وأشفِقوا على عباد الله، فالمراد من “المرحمة” هنا أيضا الشفقةُ، لأن المرحمة في اللغة العربية واردةٌ بمعنى الشفقة، فالمعنى الأصلي للتعليم القرآني، أن الحب الذي حقيقته الاصطباغ بصبغة الحبيب لا يجوز بحق أحدٍ غيرِ الله والصالحين، بل هو حرام باتًّا لغيرهما، كما قال :
ويقول
كما يقول في آية أخرى:
أي لا تحبوا اليهود والنصارى ولا تحبوا كل من هو ليس صالحا، فحين يقرأ النصارى الأغبياءُ هذه الآيات ينخدعون ويزعمون أن المسلمين أُمروا بألا يحبّوا النصارى وغيرَهم من الذين لم يؤمنوا، لكنهم لا يعرفون أن كل كلمة تُستخدَم في محلها، فلا يصحّ حبُّ المرء للفسّاق والكُفار إلا إذا نال نصيبا من كفرهم وفسقهم. فالذي علَّم أتباعه أن يحبّوا أعداء دينه لهو جاهل غبي. ولقد كتبنا مرارا وتكرارا أن الحب والمودة أن ينظر المرء إلى قول مَن يحبه وفعلِه وعادتِه وخُلقه ودينه بنظرة الإعجاب، وأن يفرح به وأن يتأثر به، ومن المستحيل أن يصدر ذلك من المؤمن بحق الكافر أبدا، إلا أن المؤمن يشفق على الكافر ويخصه بجميع مظاهر المواساة، ويواسيه على جميع أمراضه المادية والروحانية، كما يقول الله مرارا ما معناه واسُوا الجميع دون تمييز بسبب الدين أو العِرق وأطعِموا الجائعين وفكّوا رقاب العبيد، وسدِّدوا ديون المقترضين وتحمَّلوا أوزار المثقَلين، وأدّوا حق المواساة الصادقة تجاه بني البشر. ويقول :
..كما تحسن الأم الرؤوم إلى ولدها أو يواسي القريبُ قريبَه لمجرد عاطفة القرابة. ثم يقول
أي حين نهاكم الله عن حبِّ النصارى وغيرِهم فلا تظنوا أنه قد نهاكم عن برّهم والإحسان إليهم ومواساتهم، كلا بل إنّ الذين لم يحاربوكم لقتلكم، ولم يُخرجوكم من أوطانكم فأَحسِنوا إليهم سواء كانوا من النصارى أو اليهود وواسُوهم واعدِلوا معهم لأن الله يحب مَن يقوم بذلك. ثم يقول
…فإنّ مصادقة هؤلاء حرامٌ لأنهم يتمنون القضاء على الدين. ثمة نقطة تجدر بالذكر هنا وهي أن التولّي هي الصداقة في اللغة العربية، والتعبير الآخر لها المودةُ، ومن مظاهر الصداقة الحقيقية والمودةِ النصحُ والمواساةُ. فيجوز للمؤمنين أن يصادقوا النصارى واليهودَ والهندوسَ ويواسوهم وينصحوا لهم، ويُحسنوا إليهم غير أنه لا يمكن أن يحبّوهم، فتذكّرو هذا الفرق الدقيق جيدا.” (نور القرآن)