قراءة في كتاب: شروط البيعة وواجبات الأحمدي

قراءة في كتاب: شروط البيعة وواجبات الأحمدي

محمد منير إدلبي

باحث إسلامي
  • المعنى الحقيقي للبيعة هو بيع النفس لله.
  • البيعة أن تصبح أقوالنا وأفعالنا لوجه الله تعالى.
  • المطلوب من كل امرئ التمحيص في نفسه لإجراء تغييرات البيعة الحقيقية لله تعالى.
  • أصلح نفسك وادع للآخرين بالمحبة والحكمة والموعظة الحسنة
__

“المعنى الحقيقي للبيعة هي أن يبيع المرءُ نفسَه لله تعالى. وتقديمُكمُ البيعةَ يعني أن تُسْلموا حياتَكم وكلَّ ما أنعم الله به عليكم لله “.

هذا هو تعليم الإمام المهدي والمسيح الموعود، عليه الصلاة والسلام، لنا نحن المسلمين الأحمديين.

كيف نَبيع أنفسَنا لله تعالى وهو الغني عنّا؟

وكيف نُسْلِم له حياتَنا وهي أصلاً مِلك يديه؟

يكون بيعُنا لله حقّاً إذا ما عُدنا خير أمّة أُخرجت للناس: نأمرُ بالمعروف، ونَنهى عن المنكر، ونؤمن بالله؛ مسْلِمينَ له، ، وجوهَنا ونحن محسنون؟

هل عندما نتفكّر، نحن الأحمديين العرب، في سيرتنا وسلوكنا بالحق نجد، بِرِضا النفس وراحةِ الضّمير، أننا-حين بايعنا-قد بِعنا أنفسَنا حقّاً لله تعالى؟ هل إذا قلنا لا نقول إلاّ له ، وإذا فعلنا لا نفعل إلاّ لوجهه الكريم، وإذا نَوينا لا ننوي إلاّ ما يُرضيه، وإذا عَبدْنا لا نعبد إلاّ إيّاه، دون شائبةٍ من شرك ظاهرٍ أو خَفيّ؟

هل نحن، حقّاً، نسعى، بالجهد المخلص، ألاّ نقول إلاّ الصّدق، وألاّ نفعل إلاّ الحق؟

هل نعمل على أن نكون دائماً من المحسنين، ونجتنب -خوفاً من الله تعالى- أن نكون من المسيئين؟

وهل نقتفي سُبُل التقوى في التعامل مع ربنا ، وفي التعامل والتواصل بعضنا مع بعض؟هل أنت يا ربّ الأسرة الأحمدي محسنٌ -لوجه الله تعالى- أوّلاً لزوجتك فلا تُعاملُها إلاّ بالرّفق الذي أَمَرَنا به سَيّدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلّم، فلا تؤذيها بكلمة، ولا إشارة، ولا تلميح؛ ولا تهدّدُها بوعيد، ولا تَتَأمَّرُ عليها، ولا تتكبّرُ، ولا تتعالى، ولا تُثْقِلُ عليها في العمل، ولا تَفرضُ عليها حصاراً، ولا تُقيّدُ حريّتها، ولا تَنتقصُ سيادتَها، ولا تُعاملُها بشحٍّ، ولا تَمنُّ عليها في البذل والعطاء، ولا تُقصِّرُ في واجبك تجاهها، بل تَخدمُها وتؤدّي لها كلّ ما هو حقّها من الله عليك؟

هل أنت واثق حقّاً من أنّ زوجتك تُحبّك لأخلاقك وسلوكك وتقواك وتعاملك الكريم، إذ تجدك حريصاً على أن تكون دائماً أَرْأَفَ الناس بها، وأحنى عليها من أمّها وأبيها، حتى من نفسها؟ أم أنّك غافل عن حقيقة أنّك، بالنسبة إليها، مجرّد شخص أنانيّ، يحبّ نفسه أكثر من أيّ شيء فَرَضَتْه ظروفُ الحياة عليها، كالأذى الذي لا تستطيع الفكاكَ منه، ولذلك فإنّ همَّها الدائم هو أن تتجنّبَ مجلسَك لتنجو من أذاك وتتقي شرّك؟

وهل أنت أيها الأب الأحمدي بارٌّ بأبنائك وبناتك تتعامل معهم بتقوى الله فتُربّيهم على حبّ الله تعالى ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلّم، وأن يخافوا الله ويتّقوه، أوّلاً وقبل كل شيء، أكثر ممّا يخافونك أنت؟ أم أنّك راضٍ بأنهم يخافونك -ببركات تعاملك معهم- أكثر مما يخافون الله ذاته؛ إذ يفرّون من أمامك كالقطط المذعورة حين وصولك البيت، وينتشرون بارتياح لحظة مغادرتك؛ فيما تفخر أنتَ بأنّهم أولاد مطيعون لا يعصونك فيما تأمرهم، ويفعلون ما يؤمرون؟

هل تُحاورُهم وتتشاور معهم وتدعو لهم، كلّ يوم، بقلب رحيم وروح حانية، وتُربيهم على حبّ الله ورسوله، وتُعلّمهم بيانَ وتعليمَ المسيح الموعود ، أم أنّك تجعلُ كلماتك الساخرة ولسانَك الشاتم ويدَك الضاربة هي السابقَة في ما تتصوّر أنه يفيد في تهذيبهم وتربيتهم؟

هل تُكرم أولادَك في تربيتهم فتُعاملُهم بالتقدير والاحترام الواجبَين وتُرَبّيهم في بيتك أعزّاء النفوس، مرفوعي الرؤوس، يحترمون أنفسهم والآخرين؟ أم أنك تُذلُّهم أنت قبل أن تُذلَّهم الظروف الشحيحة، وتقهرهم أنت قبل أن تقهرهم الحياة الصّعبة، وتُهينهم أنت قبل أن يُهينهم الآخرون، وتكسرهم أنت قبل أن يكسرهم الظالمون؛ فيتخرّجون من بيتك إلى الحياة مذلولين، مقهورين، مُهانين، مكسورين ببركة تَدَيُّنِك والتزامِك، وتربيتك الأبوية الحازمة (لوجه الله تعالى)؟

لقد عَدّ المسيحُ الموعود ضَرْبَ الأولاد نوعاً من الشّرك، وأَمَرَنا أن نُربّي أولادَنا بالدّعاء؛ فهل نحن نرفع أيدينا إلى الله تعالى، في كلّ يوم، متوسّلين إليه ليصلح لنا في أولادنا وذريّتنا ويحفظهم من الشيطان الرجيم؟

هل تتذكّر أيها الأحمدي في تعاملك مع زوجتك وبناتك وأبنائك قولَ سيدنا خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلّم:

“خيرُكم خيرُكم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”؟

هل تُعامِل أهلك بالرّفق واللّطف والاحترام والإكرام والتقدير والإحسان والتجمّل تماماً مثلما تُعامِل الآخرين من أصحابك وأصدقائك وضيوفك وزبائنك والغرباء من الناس؟ أم أنّ لك وجهاً لطيفاً حبيباً أنيساً كريماً للضيوف والغرباء؛ ووجهاً قاطباً عابساً غاضباً متجهّماً شحيحاً خاصّاً بأهل بيتك- زوجتك وأولادك؟

وهل أنت أيها الولد الأحمدي تُعامل والديك بالإحسان الذي أمر الله به فتخدمهما وتُكرمهما وتسعى جاهداً في رعايتهما وتقديم كلّ عون لهما ولا تتحدث إليهما إلاّ بكلّ إحسان وقول كريم وتخفض لهما جناح الذّل من الرحمة وتُطيعهما في كلّ أمر ولا تنهرهما، بل تدعو لهما وتقول “ربّ ارحمهما كما ربّياني صغيراً”، وتجعل دأبَك أن يكونا راضيين عنك؟أم أنّك فقط تستغلّ حنانهما وخوفهما عليك وسعيهما لخدمتك وعونك وبذل ما في يديهما من أجلك حتى ترضى؟ هل انتبهتَ فيما إذا كنتَ تُقرّب زوجتك وتُقصي أمّك، وتنسى أنك غافل عن انكسار أمّك وجراح أبيك.؟

وهل أنت أيها الأخ الأحمدي بارّ بأخيك تَصِلُه بإحسانٍ مهما بدر منه، فَتَسْتُر عيبَته، وتُقيل عثرته، وتكرم شيبته؟ هل إذا ما أخطأ إليك تعفو عنه وتُصالحه كأنك أنت المخطئ في حقّه، تماماً مثلما علَّمنا إمامُنا المهدي عليه الصلاة والسلام؟

أم أنّك ما أن يخطئ إليك أخوك حتّى تُسارع بالفجور لتُثْبِتَ خطأَه وتُحبِط سعيَه وتفضحه بين الناس لتُبرهن على أنّك أنت الأحقّ والأفهم والأتقى، وكأنّك القدّيس الذي دُنِّست قداستُه بِرِجسٍ من عمل الشيطان. هل تفعل ذلك مع أخيك، أم أنّك تسعى لستره، وتغفر خطأه بعد أن تُبيّن له الحقّ الملزِم من الله ، وتبذل له، بكلّ الحب، النّصح الواجب لوجهه تعالى- لا تشهيراً، ولا تأنيباً، ولا تجريحاً؟

وهل أنت أيها العامل الأحمدي، سواء أكنت موظفاً، حِرفياً، أم تاجراً مثالٌ بين الناس على الصدق والإخلاص والأمانة والوفاء -لوجه الله تعالى- في كلّ عملٍ وتَعامُلٍ؛ حريصٌ على رضاه ، فتجعل من تعاملك مع زبائنك دعوةً سلوكية كاملة تُحببهم بدينك ودعوتك؟ أم أنك تتعامل معهم بالكذب المعتاد، وأخلاق السوق، وشطارة التجّار والحِرفيين لتحصل على الرّبح الأكثر مقابل الجهد الأقل ولو بالتّحايل والكذب؟ هل تتعامل مع زبائنك بما يأمر به الإسلام ويحبه الله عالِماً أنه يرى سريرتَك، أم أنّك تجعل المتعاملين معك ينفرون من دعوتك ويكرهون عقيدتك بسبب كذبك وغشّك وجشعك وطمعك وسلوكك الذي بينه وبين الأحمدية الإسلام الحق الذي دعا إليه الإمام المهدي عليه الصلاة والسلام.” بُعد المشرق عن المغرب-كما تعلم حقّ العلم؟

جزا الله عنّا أمير المؤمنين ميرزا مسرور أحمد أحسن الجزاء على ما دلّنا عليه وهدانا إليه في كتاب حضرته “ شروط البيعة وواجبات الأحمدي”. الذي لا يشكّل هداية عظيمة للأحمديين فحسب، بل ويقدّم البرهان على أنّ الجماعة التي تهدي إلى هذه التعاليم، وتُطبقّها وتعمل عليها إنما هي جماعةٌ أسَّسها الله بيديه الكريمتين العظيمتين دون ريب.

وأنتَ أيها الدّاعي الأحمدي هل تُعامِل الناس بالسلوك الإسلامي الصحيح الذي يأمرنا أن ندعو إلى الله بالتّواضع والحلم والرّفق والإحسان والتقدير والخُلق الحسن؟ وهل تدعو لهم وتدعوهم بالحب والحكمة والموعظة الحسنة؟ وهل عندما تبشِّرهم وتدعوهم يشعرون أنّك تُحبّهم وتُريد خدمتهم وتخاف عليهم، وتحرص على عزّتهم وكرامتهم، أم أنك تتعالى فوقهم وتُنَصِّب من نفسك معلّماً عليهم تقرعهم بأخطائهم، وتسخر من جهلهم، وتفضح عيوبَهم؟ هل عندما تُبشِّر الناس تكون مبشِّراً جميلاً جذّاباً محبوباً، وتعمل على ألاّ تكون فظّاً، غليظَ القلب، منفِّراً وأنت فرحانٌ بحالك أنّك تدعو وتُبشِّر؟ألا نتذكّر معاً البيان الرائع للخليفة الرابع ميرزا طاهر أحمد رحمه الله، حيث علّمنا أن نتَعامل مع الذي نُبَشِّره بالدّقة البالغة، والحذر الشديد، وكأنّه طفل يمشي على جدار عالٍ ويكاد أن يضع قدمَه في الهواء وهو لا يدري، فأنت تُريد تحذيره بحيث لا تُجْفِله بتحذيرك فيسقط، ولا تتركه فيهوي… أو كأنّ الذي تُبشّره مُهْرٌ جافِل يسعى للفرار وأنت تُريد أن تضع العِقال في عنقه لتمسكه وتمنعه من الهروب -تخيّل كم أنّ الأمر صعبٌ يحتاج إلى دعاء وإخلاصٍ وعِلم وخبرة ومهارة وعون وفضل عظيم من ربّنا تبارك وتعالى.

لابدّ من الإخلاص والحذر البالغَيْن، وأن نسأل أنفسنا فيما إذا كنّا نتعامل مع هداياتِ إمامنا الموعود بغفلةٍ وإهمال، أم بتقوى وإخلاص، وذلك خوفاً من أن نَضِلّ وتصبح بيعتُنا وأعمالُنا عند الله تعالى هباءً منثوراً فنكونَ من الأخسرين أعمالاً ونحن نحسب أننا نُحسن صُنعا. علينا بالحذر البالغ والتفكّر بتقوى صادقة وخوف شديد من الله تعالى حتى تتقد أدمغتُنا، وتتأجج بالنور الموعود عقولُنا، فتُفعِّل في أعمالنا الخُلُق الربّاني الحميد، والسلوكَ الإسلامي القويم الساطع بهدايات خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلّم الذي جعله اللهُ أسوةً حسنة لنا وللعالمين لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر اللهَ كثيراً.

لابدّ لكلّ أحمدي أن يُحدث تغييراً واضحاً في خُلقه وسلوكه بسعي تقيٍّ مخلص لنيل رضا الله تعالى؛ ولكنّ هذا التغيير لن يتحقق بمجرّد التمنّي والتحلّي، بل لابدّ من تقديم التضحيات اللازمة، والعمل المخلص الدؤوب المترافق باستمرار مع الدّعاء الواعي المتوسّل والملحّ لأنْ يُمَكّننا اللهُ، بمحض فضله ورحمته وإحسانه، من إحداث هذا التغيير في أنفسنا. وإن لم يُنزِل اللهُ علينا هذا التوفيق من عنده، فلن يكون في مقدورنا أن نفعل شيئاً. ولنتذكّر قولَ الإمام المهدي :

“ما لم يَصِر الإنسانُ عبداً لله بالإخلاص والنقاء، فإنّ من الصّعب عليه تحقيق أية مكانة أو مقام”.

إذن من الواجب علينا نحن المسلمين الأحمديين أن ننبذ غرورَنا الظاهر ونحذر من شرّ غرورنا الخفيّ. علينا أن نصير بالإخلاص الكامل عباداً مُخلصين لربنا حتى نتمكن من الفوز بالقبول والرضا منه تبارك وتعالى. وخير ما نفعل لنيل ذلك هو السعي للوفاء الكامل بشروط بيعتنا للإمام المهدي الذي يحذّرنا قائلاً:

“…لذلك فإنني أُخبر أفرادَ جماعتي مرّة بعد مرّة بأنّ عليهم ألاّ يتباهوا بأنهم قد قدّموا عهد البيعة. فإذا لم يقوموا بتنقية قلوبهم، فليس ثمة ميزة أو فضيلة في مجرّد وضْع أيديهم في يدي….”(الملفوظات، الإصدار الجديد، المجلد الثالث، ص 65)

ويقول :

“إنّ على من يقدّم البيعة أن يلتزم، أولاً، بالتواضع والتذلُّل، وأن يُقصي نفسَه عن أنانيته وعن التركيز على ذاته. عند ذلك يصير هذا المبايع قابلاً للتطوّر والتّحسن والنّماء. ولكن الذي يستمر في التمسك بالتركيز على ذاته إلى جانب تقديمه البيعة، فلن يحظى بأيّ فضل”. (الملفوظات، المجلد 6، ص 173)

ويقول:

“فالصادقون لا يخسرون مطلقاً. وإنما الكاذب فقط-الذي يُفسد عهدَ البيعة التي قدّمها لله تعالى من أجل الكسب الدنيوي-هو الذي يقع في الخسارة ويُعاني منها”. (الملفوظات، المجلد 7، ص 29-30)

ويحذّرنا الإمامُ المهدي من خداع أنفسنا بأننا قد قدّمنا البيعة، في حين أننا مازلنا واقعين في حبائل الانشغال بالدنيا التي هي فخّ الشيطان الذي يُردي الإنسانَ من حالةٍ إلى حالة أسوأ وهو لا يشعر، فيقول: “ألا يا كلّ من قدّم البيعة، وتعهّد بالالتزام، اسمعوا: من السهل أن تتلفّظوا بهذه الكلمات، ولكن من الصّعب جدّاً أن تُعطوها حقّها، لأنّ الشيطان منشغل دائماً بالسعي لجعل الإنسان مُهمِلاً في حقّ دينه وإيمانه. إنّ الشيطان يريه الدنيا وفوائدها في متناول يده، ويوهمه بأنّ الالتزام الحقّ بالدِّين بعيد عن الإمكان. وبهذه الطريقة فإنّ القلب يقسو، وتصير كلّ حالة تالية أسوأ من السابقة. فإذا أردتم أن تُرضوا الله تعالى فاجعلوا قوّتَكم وجهودَكم الكاملة قائمةً، بالإخلاص الكامل، على هذا التعهّد بتحرير أنفسكم من الخطايا..لا تتفوّهوا بكلامٍ مؤذٍ، ولا تنشروا الشر. تَحَمَّلوا التعنيف بالصبر، لا تُصادموا أحداً حتى لو صادمكم، وتعاملوا معه بلطف وطيبة. أَبدوا مثالاً جيداً في حلاوة المناقشة. التزموا جميع التعاليم بقلب صادق كي يرضى الله عنكم، وليتمكَّن حتى الخصم من تمييز التبدّل فيكم بعد البيعة. اشهدوا بالوقائع الصادقة في المحاكم. وعلى جميع الذين ينضمّون إلى هذه الجماعة أن يؤسّسوا أنفسهم على الصدق بملء القلب، وتمام الجهد، طوال العمر”. (ذكر الحبيب، ص436-439)

ويبيّن لنا المسيحُ الموعود المطلوبَ منّا لنكون حقّاً من أحبائه وأوليائه وأغصان شجرته المثمرة، فيقول:

“يا أحبائي، يا أغصان شجرتي المزهرة التي، برحمة الله تعالى، تتمتعون بها لأنكم قد دخلتم في عهد البيعة معي! أنتم تُكرّسون أنفسكم، وراحتكم وما تملكون لهذه الدعوة. وأنا أعلم أنكم تَعدّون حظَّكم السعيد هو أن تُنفّذوا كلَّ ما آمُرُكم به بأقصى ما في وِسْعكم. ولكنني لا أرغب في أن أُحَمِّلكم أيّ عبء من نفسي كواجب عليكم، كي لا تكون خدماتكم نتيجة لتعليماتي، بل يجب أن تنشأ من رغبتكم الحرّة. من هو وليّي، ومن هو الحبيب إلي؟ إنه فقط ذلك الذي يعرفني ويميّزني حقاً، فقط ذلك الذي يؤمن أنني قد أُرسلتُ (من الله)، ويقبَلني كما قُبل الذين من قَبلي. العالم لا يستطيع أن يقبلني، لأنني لست من العالم، ولكن أولئك الذين نُفِحَتْ طبيعتُهم بجزء من العالم الآخر يقبلونني، ولسوف يقبلونني. إنّ الذي يُعرِض عنّي، إنما يُعرِض عن الله الذي أرسلني. والذي يؤسِّس صِلة بي، إنما يؤسِّس صِلة بالذي جئتُ منه. إنني مُمسكٌ بسراجٍ في يدي، والذي يأتي إليّ سينال، بالتأكيد، حظّاً من نوره، ولكنّ الذي يفرّ هارباً، بسبب ظنه السيئ، فلسوف يُلقى في الظلمات”…

ومبيّناً لنا سرّ الأمان في هذا العصر، يقول ببيان ربّاني مهيب:

“إنني أنا قلعة الأمان في هذا العصر والزّمان. فالذي يدخلها يكون آمناً من اللصوص وقطّاع الطرق والوحوش الضارية. أما الذي يسعى ليبقى بعيداً عن أسواري فسيلقاه الموت مهاجِماً إيّاه من كلّ جهة وصوب، وحتى جسده الميت لن ينجو”.ومبيّنا لنا شروط دخول قلعة الأمان، يقول: “فَمَن الذي يَدخل قلعتي؟ إنّه من يَطرحُ الرّذيلة ويَلتزم الفضيلة، ويَتخلّى عن المكر، ويَخطو على سبيل الصّدق، ويُحرِّرُ نفسَه مِن عبودية الشيطان، ويَصيرُ عبداً مطيعاً لله تعالى. كلّ من يَفعلُ ذلك يكون فيّ، وأَكونُ أنا فيه. ولكن لا يستطيع الحصول على ذلك إلاّ من يُنعِم اللهُ عليه بروحٍ طاهرة. عند ذلك يضع الله قدمَه في جحيمِ نفسِ هذا العبد، فَتَبردُ كما لو لم تكن فيها نارٌ مِن قَبل مطلقاً. فَيَمشي قُدُماً حتى يسكن روحُ الله تعالى فيه، ثم، وبِتَجَلٍّ خاصٍ، يُثَبِّتُ ربُّ العالمين نفسَه في قلبه. فتتبدّد، عند ذلك، بَشَريّتُه القديمة، ويُوهَبُ إنسانيةً جديدة طاهرة. فيَصير اللهُ تعالى له إلهاً جديداً، ويؤسِّس صِلةً جديدة معه، ويُزوّده بالوسائل الطّاهرة لحياةٍ يعيشها جنّةً حتى في هذه الحياة ذاتها”. (فتح الإسلام، الخزائن الروحانية، المجلد 3، ص 34-35)

ويلخّص أمير المؤمنين ميرزا مسرور أحمد –أيده الله تعالى بنصره العزيز- خلاصة شروط البيعةَ للإمام المهدي بقوله:

“إنها الوعي والواجب بأن يميّز كلّ واحد منّا الحقيقة المطلوبة بقوله: إنّني لم أعد الآن ملكاً لنفسي. وإنّ عليّ الآن الالتزام بجميع تعاليم الله تحت جميع الظروف، وأن أنفّذها بكلّ صدق وإخلاص، وأن أجعل جميع أعمالي وتصرّفاتي خاضعة لرضا الله تعالى-هذه هي خلاصة شروط البيعة العشرة”.

جزا الله عنّا أمير المؤمنين ميرزا مسرور أحمد أحسن الجزاء على ما دلّنا عليه وهدانا إليه في كتاب حضرته “شروط البيعة وواجبات الأحمدي”. الذي لا يشكّل هداية عظيمة للأحمديين فحسب، بل ويقدّم البرهان على أنّ الجماعة التي تهدي إلى هذه التعاليم، وتُطبقّها وتعمل عليها إنما هي جماعةٌ أسَّسها الله بيديه الكريمتين العظيمتين دون ريب.أَدعو الله تعالى أن يوفّق جميع إخوتنا وأخواتنا لتطبيق شروط البيعة في جميع أعمالهم بالإخلاص الكامل الذي يرضى الله به عنّا جميعاً، لنتمكّن من أن نكون منارة المسيح الموعود الحقّة الساطعة بالنور والبيان الإلهي لأهلنا وأوطاننا والجنس البشري كلّه في جميع أرجاء العالم وأقاصي الأرض-اللهم آمين.. والحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك