- أثر الوحي البالغ الأهمية في الأنبياء
- إغلاق أبواب الرحمة على الأقوام التي تطرد أنبياءها.
- يد الله الخفية وراء فشل العرب في طرد النبي (صلى الله عليه وسلم)
__
شرح الكلمات:
ثبَّتْناك: ثبَت الأمرُ عند فلان: تحقَّق وتأكَّدَ. ثبَت فلان على الأمر: داوَمَه وواظَبَه. ثبَّته وأَثبتَه: جعَله ثابتًا في مكانه (الأقرب).تركَن: ركَن إليه: مالَ إليه (الأقرب).
التفسير:
هذه الآية أيضًا تدعم موقفي الذي بيّنتُه من قبل. فقد أعلن الله تعالى هنا: لو لم نثبّتك لكان هناك احتمال أن تميل إليهم إلى حد ما؛ دون أن تتفق معهم كلية، بل كل ما سيحصل هو اتفاق بسيط بين أفكارك وأفكارهم. تعالوا نر الآن ما هو التثبيت في اصطلاح القرآن. يقول الله تعالى في موضع آخر من القرآن الكريم: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ (إبراهيم: 28).. أي بالوحي يوفق الله المؤمنين للثبات على أعمال الدنيا والآخرة. وقال أيضًا كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ (الفرقان: 33).. أي يعترض الكفار على عدم نزول القرآن دفعةً واحدةً، وجوابه: لقد أنزلناه بالتدريج لكي نقوّي به قلب الرسول، ولنجعله يسري في كل ذرة من فؤاده.لقد تبين من ذلك أن الوحي هو سبب التثبيت، وعليه فالمراد من الآية: أننا لو لم نثبّت قلبَك على الإيمان بوحينا إليك كان هناك احتمال أن تميل إليهم قليلاً.لا يصعب على المرء بعد هذا الشرح أن يدرك أن هذه الآية لا تقصد أنه حتى بعد نـزول القرآن الكريم أيضًا كان ثمة احتمال أن يميل النبي إلى الكفار، وإنما تؤكد استحالةَ قبوله أي قول للكفار بعد نـزول القرآن عليه، بل ولو لم ينـزل عليه القرآن ولم يعرف المشيئةَ الإلهية فأيضًا كان محالاً عليه – لنقاء فطرته- أن يشترك مع المشركين في أعمالهم الوثنية. نعم، كان من الممكن- في حالة عدم نزول نور الوحي – أن يسلك مسلكهم في بعض الأمور البسيطة. إذًا فالآية تمثّل مدحًا عظيمًا للنبي الكريم إذ بيّنتْ أن الكفار ما كانوا ليتوقعوا منه أن يتفق معهم كلية وحتى لو لم ينـزل عليه القرآن الكريم، فكيف بعد نـزوله؟
لأن عظمة النبي وكماله إنما يكمُن في الوحي النازل عليه، ولولا الوحي لصار كغيره من القوم؛ فلا جدوى من هذه التوقعات الباطلة.
شرح الكلمات:
ضِعْف: ضِعفُ الشيء: مِثلُه في المقدار. وجائزٌ في كلام العرب أن يكون الضِّعفُ المِثلَ الواحدَ وما زاد عليه من الأمثال، يقال: «لك ضِعْفُه» أي مِثْلاه وثلاثةُ أمثالِه، لأنه في الأصل زيادةٌ غير محصورة. وفي الكليات: أقلُّ الضِّعف محصور وهو المثل الواحد وأكثرُه غير محصور (الأقرب).
التفسير:
لقد صرّح الله تعالى هنا أنك لو لم تكن رسولاً، واشتركت مع قومك في بعض الأمور البسيطة، لما كنت سببًا في نجاتهم، بل لجلبتَ على نفسك أيضًا العذاب، فماذا ينفعهم عندئذ تأييدك لهم؟ وكأنه تعالى يقول: إن عظمة النبي تكمن في الوحي النازل عليه، ولكن الكفار لا يدركون هذا الأمر، ويظنون أنه صاحب كفاءات عالية، ولو أنه غيّر شيئًا من مبادئه وانضم إليهم فلربما حقق قومه رقيًّا مدهشًا. ولكن الحق أن ظنهم هذا باطل، لأن عظمة النبي وكماله إنما يكمُن في الوحي النازل عليه، ولولا الوحي لصار كغيره من القوم؛ فلا جدوى من هذه التوقعات الباطلة.واعلم أن هناك محذوفًا بعد كلمة ضِعف في قوله تعالى: ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ، والتقدير: ضِعْفَ عذابِ الحياة وضعفَ عذاب الممات (إعراب القرآن للدرويش ص 478). والضِّعف هنا يعني المِثل، والمعنى: مِثلَ عذابِ الحياة ومِثلَ عذابِ الممات، أي أن النبي إذا لم يهتد بهدي الوحي النازل عليه ولم يكسب به رضى الله فهو الآخر يؤخذ بالعذاب كما يؤخذ باقي القوم.
التفسير:
قال الله تعالى هنا أولاً وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْض ، ثم قال بعد ذلك لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا ، مع أن «استفَزَّه من الأرض» أيضًا يعني أخرجه منها؛ وهذا يدل على أن الإخراج من الأرض جاء هنا بمعنى آخر، وإلا فما الجدوى من هذا التكرار؟ ولكن إذا اعتبرنا لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا مجازًا فلا يبقى هناك أي تكرار؛ وعليه فقد تعني هذه الآية أن هؤلاء كادوا أن يُخرجوك من البلد بحيث لا يكون لك دخل في شؤون حياتهم القومية، أي يطردوك صاغرًا مهانًا حتى لا يبقى لك تأثير في حياة العرب، وتموت موتًا معنويًّا. هذا المفهوم منسجم مع معنى الآية السابقة تمامًا، وأرى أن هذا هو المراد هنا، حيث أخبر الله تعالى رسوله أنهم لو نجحوا في خطتهم وطردوك من مكة ذليلا صاغرًا لأخذهم العذاب بعدك فورًا، وقضي عليهم، ولكن الله أمَرك بالهجرة، وهكذا حالت رحمة الله دون ارتكابهم جريمةَ طردك من بينهم ذليلاً مهانًا، حتى لا يتعرضوا للعذاب الشديد، وهكذا برهنَ الله على محبته لك وأعزَّك بين القــــوم.
التفسير:
لقد أخبر الله تعالى هنا أن من سنتنا المستمرة منذ القِدم أن أي قوم إذا طردوا نبيهم من بين ظهرانيهم ذليلاً صاغرًا أصبح باب التوبة شِبهَ مغلَقٍ في وجههم، ونزل عليهم عذاب قومي شامل مدمِّر. ومثاله قوم صالح ، الذين عقروا الناقة وحالوا دون أسفاره التبليغية، أو مثاله اليهودُ الذين علّقوا المسيح على الصليب حتى اضطر للهجرة من ذلك البلد؛ فأحاط الدمارُ كلتا الأمتين، حيث دُمِّر قوم صالح تدميرًا شاملاً ظاهرًا، بينما دُمّر اليهود دمارًا معنويًا وسياسيًا. فبما أن الله تعالى قدّر ألا يمحو العرب بمثل هذا الدمار الشامل فلم يدَعهم ينجحون في خطتهم ضد النبي ، وهكذا نجّاهم من عذاب مدمر.
لقد أخبر الله تعالى هنا أن من سنتنا المستمرة منذ القِدم أن أي قوم إذا طردوا نبيهم من بين ظهرانيهم ذليلاً صاغرًا أصبح باب التوبة شِبهَ مغلَقٍ في وجههم، ونزل عليهم عذاب قومي شامل مدمِّر.
شرح الكلمات:
دُلُوك: دلَكتِ الشمسُ دُلوكًا: غرُبتْ؛ اصفرّتْ؛ وقيل: مالت وزالت عن كبد السماء (الأقرب).غَسَق: غسَقتْ عينُه غُسوقًا: دمَعتْ؛ وقيل: انصبّتْ؛ وقيل: أظلمتْ. غسَق الليلُ غَسَقًا: اشتدّت ظُلمتُه. الغَسَق: ظلمةُ أوّلِ الليلِ أو دخولُ أوّلِه حين يختلط الظلامُ (الأقرب).مشهودًا: اسم مفعول مِن شَهِدَ المجلسَ شهودًا: حضَره واطّلعَ عليه. وشَهِدَ اللهُ أي عَلِمَ اللهُ وقَبِلَ اللهُ؛ وقيل: كتَبَ اللهُ (الأقرب).
التفسير:
لقد حذرت هذه الآية المسلمين من الأخطار التي تنتظرهم في المستقبل، حيث كان عليهم – بعد الهجرة – أن يواجهوا أممًا كانت تعبد الله في الظاهر، وكان من المحتمل أن تطعن هذه الأمم في المسلمين إذا ما تكاسلوا في العبادات؛ هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كان المسلمون سيحققون انتصارات سريعة وهي أيضًا عامل كبير على غفلة الشعوب في العبادات، ولذلك كله نبه الله المسلمين من الخطرين كليهما، فقال: حَذارِ أن تتوانَوا فتعرّضوا الإسلام لطعن الأغيار، وإياكم أن تتكاسلوا في العبادات فتُحرَموا من أفضال الله . واعلم أن هذه الآية تبين مواقيت الصلوات الخمس. ذلك أن «الدلوك» لها ثلاثة مفاهيم، وكل مفهوم يدل على موعد إحدى الصلوات. فمن أول معاني «الدلوك» زوال الشمس من كبد السماء، وهذا موعد صلاة الظهر. ومعناها الثاني اصفرار الشمس، وهو موعد صلاة العصر. ومعناها الثالث غروب الشمس، وهو موعد صلاة المغرب. وأما «غَسَقُ الليلِ» فتعني ظلمة أوّلِ الليل، وهو موعد صلاة العشاء. وأما «قرآنَ الفجر» فـفيه الأمر بصلاة الفجر، إذ ليس هناك تلاوة أخرى للقرآن هي فرضٌ وقتَ الصبح. أما قوله تعالى: إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا فقد روي عن النبي أن ملائكة النهار تجتمع في صلاة الفجر وتصعد ملائكة الليل، فيسألهم ربهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلّون، وتركناهم وهم يصلّون. *وفي رواية: «عن أبي هريرة عن النبي في قوله تعالى وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا : تشهده ملائكةُ الليل وملائكة النهار». (الترمذي: التفسير) والمراد من هذا أن صلاة الفجر تُعرض على الله عرضًا خاصًّا، وتحظى بقبول حسن خاص، ذلك أن المرء يترك لأداء صلاة الفجر نومًا هادئًا لذيذًا. والحق أن صلاة الفجر إنما هي بمثابة صلاة التهجد بالنسبة للمسلم العادي، فلو أداها بصدق وأمانة لسهل عليه أداء الصلوات الأخرى.