يأجوج ومأجوج.. لا يدان لأحد بقتالهم
  • التصدي لهؤلاء القوم بالتدابير المادية أمرٌ مستحيل
  • للقضاء على فتنة يأجوج ومأجوج ليس علينا سوى التذرع بأسباب سماوية
  • ما هي تلك الأسباب يا ترى؟

__

وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (الكهف 36)

شرح الكلمات:

تَبيد: مِن بادَ يَبيد بُيودًا: هلَك (الأقرب).

التفسير:

يبين الله تعالى إنهم سيتباهون بمُلكهم وقوتهم كثيرًا، ظانين أن لا زوال لمُلكهم، كما ستبلغ فيهم اللادينيةُ ذروتَها. هذا هو معنى قوله تعالى وهو ظالمٌ لنفسه .

وجدير بالملاحظة أن الله تعالى قد ذكر هنا جنّة واحدة مع أنهما جنتان! ذلك أن الأمة المسيحية، وإن كانت تفتخر بالفترة الأولى من تاريخها، إلا أنها ستزهو حقيقةً برقيِّها الذي حققته في الفترة الثانية، وستعرضه أمام أهل الإسلام كدليل على صدقها؛ ومن أجل ذلك لم يذكر الله تعالى جنتين، بل ذكر جنة واحدة مستخدمًا صيغ المفرد.

وقد يكون الغرض من ذكر الجنة بدل الجنتين الإشارةَ إلى أن الجنتين جنة واحدة في الحقيقة. ذلك أن هذا الرقي كله إنما هو رقيُّ أمة واحدة وإن كان قد انقسم إلى جزأين نتيجةَ فاصل زمني. وهذا المعنى يؤيد موقفي الذي بينته من قبل بأن الله تعالى قد استخدم ضمير المفرد بعد «كلتا»، بالرغم من جواز استخدام ضمير المثنى، إشارةً إلى إمكانية اعتبار البستانين بستانًا واحدًا كذلك.

وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (الكهف 37)

شرح الكلمات:

أَظُنُّ: ظنَّ الشيءَ: علِمه؛ استيقنَه. وتأتي «ظنَّ» للدلالة على الرجحان (الأقرب). فقوله «ما أَظُنُّ» يعني: لا أوقن؛ لا أرى.

منقلَبًا: مِنْ انقلَب أي انكبَّ؛ رجَع. المنقلَبُ: يكون مصدرًا؛ ويكون مكانًا (الأقرب).

التفسير:

لقد أخبر الله تعالى هنا أن في هذه الأمة صنفينِ من الناس: صنف لن يؤمن بيوم القيامة، وإنما سيعتبر هذه الحياةَ الدنيا كل شيء؛ وصنف آخر سيؤمن بيوم القيامة، ولكنه يظن أن نِعم الآخرة حكرٌ على المسيحيين فحسب. وبالفعل هذا هو حال المسيحيين، حيث ترى فئة منهم أن لا حياة بعد الموت، وليست الجنة إلا الرقي القومي، وقد حازه المسيحيون وسيحوزونه؛ بينما تؤمن فئة منهم بالبعث بعد الموت، ولكنها ترى أن المسيحيين سيدخلون الجنة لأن المسيح قد حمل خطاياهم؛ وليس للأمم الأخرى من يحمل عنهم خطاياهم، لذا فسيدخلون كلهم في الجحيم.

قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (الكهف 38)

شرح الكلمات:

سوّاك: سوّى الشيءَ: جعَله سويًّا (الأقرب). فقوله تعالى سوّاك رجُلاً يعني جعَلك إنسانًا مكتملاً.

التفسير:

لقد جاء الرد هنا على هؤلاء المتكبرين على لسان المسلمين باللغة التمثيلية، حيث قال هذا ناصحًا لصاحبه المتكبر: هل تُنكر وجودَ الله تعالى الذي خلَقك، ثم طوّرك من الحالة الأدنى إلى أن أوصلك إلى درجة التمام والكمال. وكأنه قال لـه: إن حالتك العملية تدل على أنك منكر لذات البارئ تعالى، لأن الذي يؤمن بالله حقيقةً لا يمكن أن يحمل أفكارًا كأفكارك.

من الأساليب القرآنية العامة أنه حين ينهى عن الغرور والتباهي بما حققه من رقي يلفت نظر الإنسان إلى حالته البدائية. فمن ناحية ينصح الله تعالى هنا المسلمين بعدم اليأس من الرقي بسبب ضعفهم، ويقول: ألم تكن الأمم المتقدمة اليوم متخلفة ضعيفة في الماضي؛ ومن ناحية أخرى ينصح المسيحيين ألا يغترّوا بضعف المسلمين. ألم يكن المسيحيون أنفسهم ضعفاءَ في أول أمرهم؟ ألم يكن خَلْقُ الإنسانِ نفسِه من تراب أوّلاً ثم من نطفة؟

هذا، وقوله تعالى وَهُوَ يُحَاوِرُهُ يمثّل الإشارةَ إلى المباحثات التي ستتم بين هاتين الأمتين، وأن المسيحية ستقدّم قوّتَها وضعفَ المسلمين دليلاً على صدقها.

لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (الكهف 39)

التفسير:

يقول هذا: لا أعتمد على تدابيري ولا أطمئن إليها، بل أضع ثقتي بالله وحده، فهو الذي يعطيني ما يعطيني. أنا خاوي الوفاض، وأنا فخور بفقري، لأنه يتسبب في ظهور آيات الله المتجددة دائمًا.

ما أروعَ وألطفَ قولَه ولا أُشرك بربي أحدًا ! يقول: لقد منَحكم الله المال ومع ذلك تشركون به ، ولكنه لم يعطني مال الدنيا ومع ذلك لا أشرك به أحدًا! وكأنه يقول: كنتُ بسبب فقري أَكثرَ عرضةً للشك في وحدانية الله تعالى والوقوعِ في عقيدة الشرك، فأظن أنه ربما هناك إلهان؛ فإلهكم قد أحسن إليكم، ولكن إلهي لم يعطني ما أعطاكم؛ ومع ذلك لا أشرك بربي أحدًا، بل أؤمن بإله واحد.

وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أقلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا (الكهف 40)

التفسير:

بالرغم من تباهيه فإن صاحبه المسلِم يعطف عليه ويقول لـه: لماذا تغترّ بقوتك؟ ليتك قلتَ حين دخلتَ البستان: إن الله وحده يملك القوة كلها!

علمًا أن «ما» الواردة في قوله تعالى ما شاء الله موصولة، وهناك مبتدأ محذوف قبلها وهو «الأمر»، وتقدير الجملة كاملةً كالآتي: لِمَ لم تقل، إذ دخلتَ البستان: الأمر ما شاء الله؟ أي لا يكون إلا ما يريده الله .

أما قولـه تعالى وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فاعلم أن كلمة مِنَ السَّمَاءِ هنا إشارة ربانية إلى أن التصدي لهؤلاء القوم بالتدابير الأرضية أي المادية أمرٌ مستحيل. وهذا ما أكده الحديث الشريف حيث ورد فيه عن يأجوج ومأجوج اللذَين هما رمزانِ للتقدم المسيحي المادي: «لا يَدانِ لأحد بقتالهم» (مسلم: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال).. أي ليس بوسع أحد قتالهم بقوته، بل إن الله تعالى سينـزل من السماء لقتالهم.

فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (الكهف 41)

شرح الكلمات:

حُسْبانًا: حسِبه يحسِب: عَدَّه. والحُسْبانُ: الحسابُ؛ العذابُ؛ البلاءُ والشرُّ؛ العَجاجُ؛ الجرادُ؛ النارُ (التاج).

زَلَقًا: الزلقُ: موضعُ الزَّلَقِ لا يثبُت عليه قَدَمٌ. أرضٌ زَلَقٌ أي مَلْساءُ ليس بها شيء (الأقرب).

التفسير:

ترى أن الحديث هنا أيضًا عن بستان واحد، حيث قال جنتك ولم يقل (جنتيك)، وقال عليها ولم يقل (عليهما)؛ ذلك أن أحد البستانَين المسيحيَّين كان قد دُمّر قبل ظهور الإسلام. لا شك أنهم يفتخرون به كما يفتخر الناس بآبائهم، ولكن تفاخرهم الحقيقي إنما هو ببستانهم الثاني المتواجد في الزمن الراهن؛ ومن أجل ذلك قال لـه صاحبه المسلم: إنْ رأيتَني أقلَّ منك مالاً وولدًا فلا تفتخر بذلك، إذ ليس بمستحيل على الله تعالى أن يؤتينِ خيرًا من جنتك، بل ويرسل على جنتك عذابًا من السماء فيحرقها، فلن تتمكن من تحقيق ادعاءاتك الواسعة عن امتلاك السلطة على الدوام.

وكلمةُ صَعِيدًا زَلَقًا تُشبه الكلماتِ التي وردت في مستهل هذه السورة عن الذين قالوا اتخذ الله ولدًا، والتي هي: وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ؛ مما يوضح بجلاء أن هذا المثال يتحدث عن القوم الذين قالوا اتخذ اللهُ ولَدا.

أما قولـه تعالى وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فاعلم أن كلمة مِنَ السَّمَاءِ هنا إشارة ربانية إلى أن التصدي لهؤلاء القوم بالتدابير الأرضية أي المادية أمرٌ مستحيل. وهذا ما أكده الحديث الشريف حيث ورد فيه عن يأجوج ومأجوج اللذَين هما رمزانِ للتقدم المسيحي المادي: «لا يَدانِ لأحد بقتالهم» (مسلم: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال).. أي ليس بوسع أحد قتالهم بقوته، بل إن الله تعالى سينـزل من السماء لقتالهم.

أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (الكهف 42)

شرح الكلمات:

غورًا: غار الماءُ غورًا: ذهَب في الأرض وسَفَلَ فيها. الغَور: مصدرٌ، والغَور: الماءُ الغائرُ (الأقرب).

التفسير:

إن هذه الآية أيضًا توضح أن النهر في قوله تعالى وفجّرنا خِلالَهما نَهَرًا لا يعني الماء المادي الذي يروي البستان المادي، ذلك أن الله تعالى يقول هنا أو يُصبِح ماؤُها غورًا ، مع أن مياه الأنهار لا تنبع من قعرها ولا تغيب فيها، بل تنصبّ فيها من الخارج؛ فثبت بذلك أن ماء تلك البساتين كان ماء آخر، وكان موجودًا فيها، وقد نبأ الله تعالى في القرآن عن غيابها، والمراد أن قدرات هذه الشعوب سوف تُدمَّر وتباد، وأن ملكاتهم العقلية التي كانت سببًا لعمران هذه البساتين ستنضب كالعيون التي يغور ماؤها، وبالتالي ستصبح هذه البساتين خرابًا يبابًا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك