نبوءة ورود البسملة في القرآن الكريم
(بسم الله الرحمن الرحيم)

هذه الآية التي ترد في مستهل كل سورة تذكرنا بنبوة ذكرها موسى ، ووردت في التوراة في سفر التثنية (18:18)، وجاءت تفاصيلها في سفر الخروج (19 و29)، وهي: قال الله تعالى لموسى أن يطهر شعبه، ويأتي بهم ليقفوا في أسفل جبل سيناء، لكي يسمعوا كيف يكلم الله عبده موسى. هؤلاء يقفون في البداية بقرب الجبل، وعند اشتداد صوت البوق يقتربون. فصعد موسى إلى الجبل، فلما كلمه ربه حصل برق وبرعد ودخان، فخاف بنو إسرائيل ووقفوا بعيدين. ولما رجع موسى قالوا: تكلم أنت معنا فنسمع، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت. فقال موسى للشعب: لا تخافوا لأن الله إنما جاء لكي يمتحنكم، ولكي تكون مخافته أمام وجوهكم حتى لا تخطئوا. ولكن ما برح الشعب واقفين من بعيد. وأما موسى فاقترب إلى الضباب حيث كان الله (الإصحاح 20:19-21). فقال موسى للرب: إن قومي لا يريدون الاقتراب منك. فأوحى الله إلى موسى: “قد أحسنوا فيما تكلموا. أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك، وأجعل كلامي في فمه، فيكلمهم بكل ما أوصيه به. ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذين يتكلم به باسمي أنا أطالبه”. (التثنية 18: 17-19)

تذكر هذه النبوءة أن نبيا مثيلا لموسى سوف سيبعث بعده، وأنه حينما سيقرأ كلام الله على الناس سوف يقول: أقرأ كلام الله هذا باسمه سبحانه وتعالى. وهذا هو معنى “بسم الله”.

فالبسملة في القرآن إذا تحذير لكل يهودي ومسيحي أنه إذا رفض هذا الكتاب فسوف يؤاخذ بموجب نبوءة موسى هذه.

لقد كانت نبوءة صريحة الكلمات، ومع ذلك لم يفهمها اليهود ولا النصارى حتى زمن النبي إلى أن نزلت البسملة في القرآن الكريم، فانكشف مغزاها. إن نبوءة موسى “ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه”، تصرح تماما أن البسملة سوف ترد في مستهل كل كلام جديد من الوحي الذي يتلقاه ذلك النبي المثيل لموسى عليهما السلام. فورود البسملة في بداية كل سورة قرآنية كان مصداقا لهذه النبوءة. فلا يليق إذا بأحد أن يطعن في ورودها وتكرارها في القرآن، وخاصة أولئك الذين ينتمون إلى سيدنا موسى .

يعترض المسيحيون بأن البسملة مأخوذة من كتب سابقة. يقول المستشرق رودول (rodwell) بأن هذه الكلمة يهودية الأصل (ترجمة رودول المستشرق ويري (wherry) أنه لمن شبه المؤكد أن محمدا قد استعارها من اليهود والصابئين، إذ كان من عادة الصابئين دائما أن يكتبوا في صدر كتاباتهم العبارة التالية “باسم الإله المعطي الكريم”. (تفسير ويري للقرآن ج 1 ص 289). وأما القسيس “سانت كلير تسدل “فيرى أن الجملة زردشتية الأصل حيث كتب: قد وردت في كتاب “الدساتير الزرادشتية” قبل صحيفة كل نبي من أنبيائهم العبارة الآتية: “باسم الإله المعطي الرؤوف الكريم” (ينابيع الإسلام، الطبعة الأردية ص 127) والعجيب أن هؤلاء الكتاب المسيحين الثلاثة يذكرون ثلاثة مصادر متغايرة، تدليلا على كون البسملة كلمة مسروقة. فهي عند أحدهم يهودية، وعند الآخر زرادشتية، وعند الثلاث صابئية. والحق أن هذه الجهود المضنية التي بذلوها عبثا للتدليل على كون البسملة مسروقة تشكل بنفسها دليلا على اعترافهم بعظمة البسملة دون شك، وإلا لاكتفوا بالقول بأنه ليس فيها معنى يستحق الذكر.

لقد كانت نبوءة صريحة الكلمات، ومع ذلك لم يفهمها اليهود ولا النصارى حتى زمن النبي إلى أن نزلت البسملة في القرآن الكريم، فانكشف مغزاها.

ثم إن هناك سؤالا هاما يطرح نفسه: أي من هذه المصادر الثلاثة هو المصدر الحقيقي للبسملة؟ من الذي سرقها، وممن؟ هل اليهود سرقوها من الزرادشتيين أو الصابئين أم أن العكس ه والصحيح؟

ومما يدعو إلى الاستغراب أكثر أنهم لم يشيروا حتى إلى اسم المصادر اليهودي، كما لم يذكروا نص العبارة اليهودية المستعملة بهذا المعنى، مع أن ديانتهم المسيحية فرع من اليهودية، والكتب اليهودية تعتبر كتبا للمسيحيين أيضا. كل ما فعلوه هو أنهم ذكروا عبارات منسوبة إلى كتب زرادشتية أو صابئية. ولكنها أيضا موضع شك كبير، لأن الزرادشتيين أنفسهم يعتبرون هذه الكتب موضوعة ومحرفة، فليس بمستبعد أن تكون كلها أو جزء منها قد وضعت بعد ظهور الإسلام.

ولو سلمنا جدلا بصحة موقفهم، فإن ذلك أيضا لم يمس بعظمة القرآن الكريم أبدا، لأن القرآن لا يدعي بتاتا أن البسملة نزلت لأول مرة في القرآن الكريم، بل إنه يعترف بوجودها من قبل، حيث يؤكد الله تعالى في سورة النمل أن الرسالة التي يبعث بها سليمان عليه السلام إلى ملكة سبأ كانت مستملة على “بسم الله الرحمن الرحيم”.

إذن لو ثبت وجود البسملة من قبل في كتب اليهود أو الزرادشتيين أو الصابئين أو غيرهم فلا يضر القرآن شيئا، لأن القرآن بنفسه يقر بأنها كانت مألوفة لدى سيدنا سليمان. فمن الممكن أن تكون معروفة أيضا لدى غيره من الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم. كل ما في الأمر أنها نزلت في القرآن باللغة العربية، بينما نزلت للشعوب الأخرى بلغاتهم. ومع ذلك لا يمكن أن يعد وجودها في القرآن نقلا أو سرقة؛ ذلك لأنهم جاءت في القرآن تحقيقا لنبأ من أنباء الأنبياء السابقين. والكلام الذي يتكرر من لدن الحق تعالى لغاية جديدة ولهدف معين لا يمكن أن يعد نقلا أو سرقة على الإطلاق.

لقد أنبأ موسى عليه السلام بقوله هذا:

  • إن نبيا من إخوة بني إسرائيل أي (بني إسماعيل ) سوف يبعث.
  • وأنه سوف يعطى شرعا جديدا كما أعطي موسى.
  • وأنه كلما قرأ على مسامع الناس أمرا إلهيا جديدا قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
  • وإذا حاول أحد تطبيق هذه النبوءة على نفسه كذبا فسوف يهلك لا محالة.
  • ومن رفض النبي الذي جاء مصداقا لها فسيهلك أيضا.

أخبرونا الآن، من هو المصداق لهذه النبوءة اللهم إلا محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم، إذ وردت البسملة في بداية كل سورة قرآنية تحقيقا لنبأ موسى عليه السلام. فهل يمكن إثبات هذه الأمور في الدساتير الزرادشتية؟ هل كان مؤلفوها من بني إسماعيل؟ وهل جاءوا بشرع كالذي أتى به موسى؟ أم هل كان الوحي النازل عليهم يستهل بالبسملة. إن “الدساتير” كتاب تاريخي فقط، يشتمل على حالات الأنبياء، ولكن النبوءة الموسوية تشترط وجود البسملة في مستهل كل وحي مستقل ينزل على ذلك النبي.

إذا فبالرغم من تداول البسملة في أمم الأنبياء السابقين فإن ورودها في القرآن الكريم لن يعد تكرارا عبثا أو سرقة علمية، لأن القرآن بنفسه يسلم بوجودها قبل نزوله، كما أن ورودها فيه كان تحقيقا لنبوءة موسى عليه السلام، ولو لا ذلك لبطلت نبوءته هذه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك