مرشدك الإيماني في العالم الروحاني

مرشدك الإيماني في العالم الروحاني

سامح مصطفى

كاتب وشاعر
  • كيف اتسع مجال السياحة ووسائلها عبر التاريخ؟
  • لماذا اتصف توثيق الرحلة الروحانية بالندرة مقابل توثيق الرحلة الجغرافية المادية؟
  • ماذا عن دليل “السياحة الروحانية”؟

__

وللسياحة وجوه

فكرة السياحة في الأرض فكرة قديمة قدم الانتشار البشري على هذا الكوكب، وقد أخذت تتوسع ليجوز الإنسان مجازات الكواكب المحيطة، بل والمجرات البعيدة، لا سيما بتوسع وسائل الانتقال، فبدءًا من السير على الأقدام وقطع أميال الأرض، ثم الاستواء على صهوات ظهور الأنعام حاملة أثقالنا إِلَى بَلَدٍ لَمْ نكن بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ، وبعد أن تُركت القلاص ولم يعد يُسعى عليها، كانت قوة الآلة المحركة قد فرضت نفسها، واستقل الإنسان وسائل أكثر تطورًا من سيارات ومركبات فضاء، بحيث لا نشك أبدا في أن السياحة الجغرافية ظلت تتقدم بحيث بلغت شأوا بعيدا كما يبدو. لقد جال الإنسان أقطار العالم المحيط ولا زال يجول، وكل يوم يتسع عالمه المرئي أكثر فأكثر، ولكن، ماذا عن جولاته وأسفاره في عالمه الروحاني وما يتبع ذلك العالم من أحوال النفس؟! نعم، يقابل ذلك الوجود المنظور وجودٌ آخر ليس بأقل روعة، ما علينا للسفر إليه سوى حجز تذكرة إلى عالم روحنا ونفسنا. لقد أصابت الأبيات المنسوبة إلى سيدنا الإمام علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه)، والتي جاء فيها:

دَوَاؤُكَ فِـــيكَ وَمَا تَشـْعُرُ

وَدَاؤُكَ مِنْكَ وَمَا تُبْصِرُ

وَتَحْسَبُ أنَّكَ جرْمٌ صَغِيرٌ

وفيِك اِنْطَوَى العَالمُ الأكبّر

فحين نتحدث عن السياحة ها هنا، فإننا نعنى أكثر ما نُعنى بالجانب الروحاني منها، والسياحة الجغرافية دعانا الله تعالى إليها كونها تلفت انتباهنا إلى سياحة أعظم شأنا، حتى أنه أفرد لتعبير «السير في الأرض» ثلاثة عشر موضعا في إحدى عشرة سورة من القرآن الكريم، ننتخب منها موضعين، ونشير إلى بقيتها ضمن الحاشية (1)، يقول تعالى:

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: 47)،

ويقول أيضا:

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنْكبوت: 21)

توثيق الرحلة الروحانية

إن أرفف المكتبة الإنسانية عمومًا والعربية خصوصا مكدسة بكتب أدب الرحلات الجغرافية، غير أنه يندر، إن لم نقل ينعدم، أن نجد من بينها كتابا يصف تفاصيل رحلة عبر تضاريس ومعالم العالم الروحاني، ويرجع السبب في ندرة المكتوب في هذا النوع من الرحلات إلى احتواء العالم الروحاني على حقائق طالما مثلت موضع شك، إن لم نقل إنكار، لدى كثيرين، لا لشيء إلا لعجزهم الذهني عن بلوغ الحكمة من وجود الأشياء. وغني عن الذكر أن الإنسانية المعاصرة أمعنت في توثيق التجارب المادية في المعامل والمختبرات وما سوى ذلك، بحيث بات عموم الناس في هذا العصر يُسلِّمون بصحة وحَقِّيَّة كل ما ثبت استنتاجه عبر التجربة المادية والملاحظة الحسِّية، بينما افتقرت تلك الإنسانية نفسها تماما إلى توثيق التجربة الروحانية، على ما لتلك التجربة من أهمية عظمى، ففيها تكمن الحكمة البالغة من خلقنا أصلا.

دليل «السياحة الروحانية»

وتوثيقا لرحلة إنسانية نجوب خلالها بقاع العالم الروحاني وتضاريسه الجغرافية ومعالمه الطبوغرافية (2)، نعرض إلى كتاب أَفرده مؤلفه لهذا الغرض تحديدا، فنضع بين يدي القارئ الكريم كتاب «السياحة الروحانية»، وهو تحفة ثمينة قلما تجود بمثلها الأقلام، ألفه سيدنا المصلح الموعود حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، نجل المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) وخليفته الثاني.ومما يجدر بالذكر أن هذا التأليف الفريد كان في أصله سلسلة خطابات، بلغت عِدَّتُها اثني عشر خطابا ألقاها حضرته في الجلسات السنوية للجماعة على مدى عشرين عاما، وذلك خلال الفترة من عام 1938م إلى عام 1958م، ومساحة مكانية شملت ثلاث بقاع مختلفة، بدءا من قاديان دار الأمان، حيث مركز الخلافة قبل انقسام شبه القارة الهندية، ومرورا بلاهور، ووصولا إلى ربوة بعد قيام دولة باكستان عام 1947م وانتقال مركز الخلافة إليها وتأسيس مدينة ربوة المباركة هناك.لقد لمعت فكرة «السياحة الروحانية» في ذهن حضرة المصلح الموعود خلال رحلته للاستشفاء والنقاهة عام 1938م في أجواء الهند الخلابة في دلهي وما حولها، وسيبدو جليًّا للقارئ المتأمل أن حضرة المصلح الموعود اعتاد في سياحته السير وفق التوجيه القرآني القائل:

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا….. ،

وهذه العادة تعد قاسما مشتركا بين جميع رجال الله تعالى وأوليائه .

في هذا السفر العظيم أيضا يمد الكاتب جسور التواصل بين الأزمنة والأمكنة، فنراه تارة يقص علينا حدثا وقع أيام حضرة خاتم النبيين وصحابته الكرام، ثم يدلف منه إلى حدث معاصر، وتارة يأخذنا إلى مَعْلَمٍ هنا، ثم ينتقل بنا إلى معلم آخر هناك، في جولة سياحية فريدة من نوعها.

وفي كل رحلة من رحلات هذا الكتاب ينطلق بنا المؤلف من هذا العالم المحسوس إلى فضاءات جديدة وعوالم عجيبة وأرض وسماوات أخرى ما كان لنا أن نختبرها من قبل منفردين. ونظل نجول ونجول في تلك العوالم دون أن نَضِلَّ سبيلنا، مسترشدين بما يذكره لنا حضرته من تفاصيل ومعالم ذلك العالم الذي تشاهده أعيننا وتطأه أقدامنا للمرة الأولى.

كما لا يفوتنا أن نذكر أن هذا الكتاب يعد فرصة سانحة للقارئ العربي ليتعرف على شيء من الخلفية التاريخية لمنطقة شبه القارة الهندية بوجه عام، لا سيما خلال حقبة حكم سلاطين المغول المسلمين، وستبدو تلك الخلفية بوضوح من خلال ذكر أسماء بعض ملوك تلك السلالة، وكذلك الكثير من المعالم الأثرية التي خلفوها لتظل شاهدة في سجل التاريخ على وجودهم وحافظة لما لهم وما عليهم، بحيث تستقي منها الأجيال اللاحقة العبرة. ولمساعدة القارئ أكثر في استحضار الظروف والوقائع التي تناولها حضرة المؤلف في رحلته الروحانية، زوَّدنا الكتاب بملحق يضم كافة المعالم الأثرية التي مرَّ بها حضرة المصلح الموعود وتحدث عنها في إطار رحلته.

فهذا الكتاب العظيم يتناول بالبيان كل تلك التفاصيل، وهو مسلسل متصل الحلقات يوثق فيه صاحبه أدق تفاصيل رحلته في العالم الروحاني المناظر لهذا العالم المادي، باعتبار أن مسألة التناظر بين العالمين باب كبير من أبواب العلوم. كما يلفت حضرته عبر صفحات كتابه أنظارنا إلى دقائق الحقائق الكامنة وراء سائر الظواهر والمشاهد المادية. فهذا السِّفر القيِّم بمثابة تسجيل لسَفر طويل وهام من المفترض أن يقوم كل إنسان به على حدة، فالشكر موصول إلى المؤلف أن أتاح للأجيال اللاحقة دليلا استرشاديا يُستعان به طوال تلك الرحلة. وفي كل رحلة من رحلات هذا الكتاب ينطلق بنا المؤلف من هذا العالم المحسوس إلى فضاءات جديدة وعوالم عجيبة وأرض وسماوات أخرى ما كان لنا أن نختبرها من قبل منفردين. ونظل نجول ونجول في تلك العوالم دون أن نَضِلَّ سبيلنا، مسترشدين بما يذكره لنا حضرته من تفاصيل ومعالم ذلك العالم الذي تشاهده أعيننا وتطأه أقدامنا للمرة الأولى.

– الهوامش –
1. مواضع ورود تعبير «السير في الأرض» من القرآن الكريم هي على الترتيب: (آل عمران: 138) (الأَنعام: 12) (يوسف: 110) (النحل: 37) (الحج: 47) (النمل: 70) (العنْكبوت: 21) (الروم: 10) (الروم: 43) (فاطر: 45) (غافر: 22) (غافر: 83) (محمد: 11)
2. الطبوغرافيا مصطلح يوناني يعني الرسم والتمثيل البياني لشكل الأرض وما عليها من تضاريس كالجبال والبحار والوديان وغيرها والعناصر البشرية (الهيئات الاصطناعية المُنشأة بواسطة الإنسان كالسدود والقنوات والمباني وما إلى ذلك).
Share via
تابعونا على الفايس بوك