لا سرية في الدين
  • القول بالسرية في الدين ينافي تنزيه الله تعالى
  • حقيقة محدودية علم الأرواحيين وبطلان معظمه
__
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (الإسراء 101)

شرح الكلمات:

أمسكتم: أَمسَكَ الشيءَ بيده: قبَضه. أَمسَكَ المتاعَ على نفسه: حبَسه. أَمسَكَ عن الأمر: كفَّ عنه وامتنعَ (الأقرب).

قَتورًا: قـتَر على عياله: ضيَّق عليهم في النفقة. قتَر الشيءَ: ضمَّ بعضَه إلى بعض. القَتور كصَبور المضيِّق على عياله في النفقة؛ البخيلُ (الأقرب).

الإنفاق: أَنفَقَ الرجلُ: افتقرَ وفنِي زادُه. أنفَقَ مالَه: صرَفه وأَنفَدَه (الأقرب).

التفسير:

عاد الحديث هنا مرة أخرى إلى الروح، حيث أخبر الله تعالى أن الفرق بين من يتلقى الوحي الإلهي وبين أولئك الذين يسمَّون «الأرواحيين» هو أن أصحاب الوحي الإلهي يوزّعون الكنوز السماوية بغير حساب، لأن الله تعالى يأمر كل واحد منهم أن «بَلِّغْ، بَلِّغْ»؛ ولكن «الأرواحيين» يعيشون في سرية وغموض ورموز، ويستحلفون تلاميذَهم ألا يكشفوا هذه الأسرارَ لأحد؛ فكيف يمكن أن يصبح هؤلاء هداةَ العالم وقادتَه.

لقد تفشَّى هذا المرض في المتصوفين أيضًا في هذه الأيام. ألقيت ذات مرة خطابًا حول «ذِكر الله تعالى»، وبيّنت فيه كثيرًا من طُرق الذكر وفوائدِه. فبعث أحدُ الحاضرين إلي – وأنا أخطب – وريقةً كتب فيها: ما هذا الذي تفعل! إن المتصوفين لا يُسِرّون للمُريد حتى بواحد من هذه المعارف الربانية إلا بعد أن يخدمهم لعدة سنوات. فما لك، تبوح بهذه الأسرار في جلسة واحدة!

والحق أن لا سِرِّيّة في الدين. إن الله تعالى يريد لعباده جميعًا أن ينالوا أعلى الدرجات من قربه. ولا حاجة له أن يضع العوائق أمام رقيهم، لأنه تعالى غير محدود، ودرجات الوصول إليه أيضًا غير محدودة، فلا يبخل بعلمه مخافة أن ينفد في يوم من الأيام فلا يجد ما يقدّمه لتعليم العباد، فيصبح هو وعباده سواسيةً. أما «الأرواحيون» فعلمهم محدود، ومعظمه باطل، فلو باحوا بأسرارهم كلها لم يرغب فيهم أحد. وبالفعل نرى في كل يوم جديد أنه ما إن يختار أحدٌ من هؤلاء المتصوفين الزائفين خليفةً له إلا وتركه على الفور، لينهج لنفسه طريقًا خاصًّا به ويمارس ما يمارسه معلمه مستقلاً. ولكن لا أحد من تلاميذ الواصلين بالله تعالى يخذلهم، لأنه يدرك جيدًا أن العلم الذي يتلقاه هذا الشخص من عند الله تعالى لن ينفد أبدًا، وأنه لو انفصل عن أستاذه لتوقف رقيه العلمي. إذًا فإذا وجدنا الأرواحيين لا يكشفون لـمُريديهم عن اسم أو نقش إلا بعد أن يخدمهم عشر سنوات مثلاً.. فليس سببه إلا خوفهم أنهم لم يؤتَوا من العلم إلا قليلاً وأنه سوف ينفد بسرعة. ولكن المعارف التي يهبها الله تعالى لأحد لا تنفد في الحقيقة، لأنه تعالى يمنحه المزيد منها كلما توشك على النفاد. فلذلك لا يمكن أبدًا أن تقوم هذه العلوم المكتسَبة بالتمارين المختلفة مقامَ الوحي الإلهي بحال من الأحوال.

والحق أن لا سِرِّيّة في الدين. إن الله تعالى يريد لعباده جميعًا أن ينالوا أعلى الدرجات من قربه. ولا حاجة له أن يضع العوائق أمام رقيهم…. فلا يبخل بعلمه مخافة أن ينفد في يوم من الأيام فلا يجد ما يقدّمه لتعليم العباد، فيصبح هو وعباده سواسيةً. أما «الأرواحيون» فعلمهم محدود، ومعظمه باطل، فلو باحوا بأسرارهم كلها لم يرغب فيهم أحد. والمقصود من هذا تحذيرُ اليهود من المصير الذي ينتظرهم، حيث يقول الله تعالى لهم: ترون الآيةَ تلو الآية ومع ذلك تسمُّون نبينا خدّاعًا مكّارًا، وهكذا فعل فرعون بموسى قبلَكم. ولكن هل تعرفون كيف كان مصيره؟

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا (الإسراء 102)

شرح الكلمات:

مسحورًا: سحَره: عمِل له السحرَ وخدَعه. سحَره عن الأمر: صرَفه. سحَره بكلامه وألحاظه: استمالَه وسلَب لبَّه (الأقرب).

التفسير:

وجاء تفصيل هذه الآيات التسع في مواضع أخرى من القرآن كالآتي:

1. العَصَا: في قوله تعالى فأَلقَى عصاه فإذا هي ثُعبانٌ مبينٌ (الأعراف: 108)

2. اليد البيضاء: في قوله تعالى ونـزَع يَدَه فإذا هي بيضاءُ لِلناظرين (الأعراف: 109)

3. القحط: في قوله تعالى ولقد أَخَذْنا آلَ فرعون بالسِّنين (الأعراف: 131)4. موت الأبكار من الأولادفي قوله تعالى … ونَقْصٍ مِن الثّمراتِ لعلّهم يذَّكَّـرون (الأعـراف: 131)، لأن الثـمرات هنا تعني أيضًا ثمار القلوب والأفئدة وهي الأولاد.

5 إلى 9. الطوفان: الجراد، القُمّل، الضفادع والدم. وكل هذه الأنواع من العذاب مذكورة في قوله تعالى فأَرسَلْنا عليهم الطّوفانَ والجَرادَ والقُمَّلَ والضّفادِعَ والدَّمَ آيَاتٍ مفصَّلاتٍ (الأعراف: 134).

واعلم أن الدم هنا يعني الأمراض التي يفسد أو يضيع فيها دمُ الإنسان مثل الرعاف والبثور والدمامل التي تسيل فيها الدماء بكثرة. لقد ورد في التوراة تفصيل غريب لهذه الآيات التسع لا حاجة بنا لمعرفته ولا لتصديقه. إن ما يهمنا هو أن الله تعالى آتى موسى تسع آيات ظهرت على فترات، كما هو ظاهر من كلمة مفصَّلاتٍ .بذكر سيدنا موسى وآياته هنا قد نبّه الله اليهودَ أنه سيُريهم آياتِه كما أراها فرعونَ، ولكن كما أن فرعون لم ينتفع بها لن ينتفع بها هؤلاء أيضًا، وسيغرقون في آخر الأمر غرقًا روحانيًّا.

أرى أن هذه الآية تتضمن أيضًا الإشارةَ إلى أنه سينـزل باليهود المعاصرين للرسول العذابُ أو الآيات من الصنوف التسعة المذكورة، بيد أنه لم تُتح لي الفرصة لفحص التاريخ من هذه الزاوية.

قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا (الإسراء 103)

شرح الكلمات:

بصائر: جمعُ بصيرة وهي: العقلُ؛ الفطنةُ؛ ما يُستدَلّ به؛ الحجّةُ؛ العِبرةُ؛ الشاهدُ (الأقرب).

مثبورًا: ثـبَره: خيَّبه؛ لعَنه؛ طرَده. ثـبَره عن الأمر: منَعه وصرَفه. ثـبَر اللهُ زيدًا: أهلَكَه إهلاكًا دائمًا لا ينتعش بعدَه (الأقرب).

التفسير:

قال موسى لفرعون: إنك تعلم يا فرعون في قرارة نفسك أن رب السماوات والأرض هو الذي قد أنـزل هذه الآيات تبصيرًا للناس، وإنني على يقين أنك هالكٌ لا محالة.

أو أنه أراد بقوله إني لأظنك يا فرعون مثبورًا أنك تسمّيني مسحورًا لكي تُشهر بي وتُضعف قوتي، ولكن الله تعالى لن يَدَعَك تظفر ببغيتك، بل سيردّك خائبًا خاسرًا؛ ذلك أن من معاني الثبور خيبةَ الأمل أيضًا.

والمقصود من هذا تحذيرُ اليهود من المصير الذي ينتظرهم، حيث يقول الله تعالى لهم: ترون الآيةَ تلو الآية ومع ذلك تسمُّون نبينا خدّاعًا مكّارًا، وهكذا فعل فرعون بموسى قبلَكم. ولكن هل تعرفون كيف كان مصيره؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك