المعارضة المتلونة وصدق المبعوثِين

المعارضة المتلونة وصدق المبعوثِين

سامح مصطفى

كاتب وشاعر
  • اتهم حضرته عليه السلام بتهمة العمالة للاستمعمار وموالاة الإنكليز
  • بقي ذكر المسيح الموعود عليه السلام واننقطع ذكر أعدائه
  • معارضة الصالحين لا تلبث أن تتهاوى وتنمحي أمام دعو الحق

__

سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ
غني عن البيان أن معارضة المصلحين عموما، والمبعوثين منهم خصوصا، هي ظاهرة معروفة في شتى المجتمعات الإنسانية، فما من مبعوث سماوي إلا أوذي فور الجهر بدعواه، حتى بات الأمر كسنة ثابتة، فكلما استفحل المرض بات قبول الجسد المريض للدواء متعذرا، بل يبدو وكأنه مستحيل ولا جدوى منه.
حضرة مرزا غلام أحمد القادياني ليس استثناء من سنة من خلوا من قبله من النبيين، فقبل الجهر بدعواه شهد له القاصي والداني بأنه البطل الوحيد المدافع عن الإسلام، ثم لم يلبث أن تفجرت ضده المعارضة الشرسة فور إعلانه عن كونه المسيح الموعود والإمام المهدي الذي تنتظره الأمة، وأن الله تعالى هو من أخبره بهذه الحقيقة، ومنذ ذلك الحين ثارت ضده ثائرة لم تهدأ إلى وقتنا هذا، وإن كان حضرته قد ذكر في كتاباته المبكرة أنه المسيح الموعود بظهوره ضمن سياق متصل من الإلهامات الإلهية، ومن جملتها:

«يحيي الدين ويقيم الشريعة. يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة. يا مريم، اسكن أنت وزوجك الجنة. يا أحمد اسكن أنت وزوجك الجنة» (1)
«يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» (2)

لقد كان وقع تلك الإلهامات على آذان المشايخ وقتذاك وقعا لطيفا، إن لم نقل محببا، يعيد إلى القلوب القاصية، ومن ثم القاسية، الأمل في الوصال بالله تعالى وتلقي الوحي منه .
لقد تفجر بركان المعارضة للمسيح الموعود فور الإعلان الصريح من حضرته أنه هو المسيح الموعود بمجيئه بحسب نبوءات القرآن المجيد وحضرة خاتم النبيين ، وكان هذا بدءا من جهر حضرته بإعلانه في كتابه «فتح الإسلام» أواخر عام 1890م، فقال حضرته معلنا: «فالمسيح الذي كان مقدرا مجيئه هو أنا، فاقبلوا إن شئتم» (3)، كما بيَّن حضرته أنه مصداق جميع النبوءات المتعلقة بآخر الزمان لدى أتباع كل الديانات.
ومنذ اندلاع المعارضة أول مرة، وهؤلاء المناوؤون للمسيح الموعود وجماعته يتساقطون معارضًا إثر معارض، تارة بالطاعون، وأخرى بالخزي والمذلة والهوان، ويبقى المسيح الموعود يجني ألطاف خالقه هو وجماعته الناشئة، بل وحتى أولئك الذين وقفوا موقف الحياد دون أن يَقْفُوا ما ليس لهم به علم، نالوا شيئا من الإكرام الدنيوي الملحوظ.

إن حضرته وهو المتهم بالأمس بإثارة القلاقل ضد الحكومة الإنكليزية أصبح بين عشية وضحاها متهما كذلك، ولكن بتهمة مختلفة، وهي العمالة للاستعمار وموالاة الإنكليز. حقا، إن التعصب أعمى، وغبي أيضا!

المعارضة تتلون
ومما تجدر ملاحظته على مدى قرن وربع هو عمر الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى الآن، أنه منذ ابتداء المعارضة للمسيح الموعود وجماعته وحتى اللحظة، فإن تلك المعارضة لم تتخذ شكلا ولا مظهرا واحدا، وإنما هي في تلوّن حربائي مستمر تبعا للظروف السائدة، فخلال فترة الاستعمار البريطاني لشبه القارة الهندية لم نكن نسمع أيا من هؤلاء الملات والمشايخ يطلع علينا بالتهمة المتداولة والقائلة بعمالة حضرته (وحاشاه) للإنكليز. إن هذه التهمة والفرية البغيضة في حد ذاتها دليل نفاق المشايخ الذين كانوا دائمي الوشاية بحضرته لدى الحكام الإنكليز في الهند، وقد اتُّهم حضرته غير مرة بمناهضة حكم التاج البريطاني، والسعي لإثارة القلاقل، أما وقد تغير الحال، وخرج الإنكليز من الهند، آن لوقاحة المشايخ أن تغير جلدها كالثعبان النامي، إن حضرته وهو المتهم بالأمس بإثارة القلاقل ضد الحكومة الإنكليزية أصبح بين عشية وضحاها متهما كذلك، ولكن بتهمة مختلفة، وهي العمالة للاستعمار وموالاة الإنكليز. حقا، إن التعصب أعمى، وغبي أيضا!

بقاء ذِكر المسيح الموعود مقابل انقطاع ذِكر معارضيه
كان هذا فيما يتعلق بالمعارضة، أما إذا تناولنا الموضوع من جهة المعارضين أنفسهم لاحظنا شيئا أعجب. إن المعارضة المستميتة لحضرة المسيح الموعود وجماعته على ضراوتها لم تترك على مدى الـ 128 عاما الماضية تراثا موثقا يعتد به، اللهم إلا على سبيل الندرة، ولإيضاح هذه المسألة نعود إلى التركيز على فرية العمالة للاستعمار، تلك الفرية الحديثة نسبيا. إن أول ما يتبادر إلى الأذهان هو ذلك الغباء البادي في نقض تلك المشايخ غزلها أنكاثا. إن هذه الظاهرة لا تحدث إلا إذا بدأت المعارضة كل مرة من جديد دون الالتفات إلى تراث المعارضة الخالي، الأمر أشبه بموظف مسؤول على رأس مؤسسة ينقض كل ما بدأه سلفه، ثم ينقض عمل هذا الموظف خلفه بدوره، ومن ثم لا يكتب لتلك المؤسسة النجاح مطلقا.
لا أحد ممن عارضوا المسيح الموعود وعادوه كُتب لذكره البقاء، اللهم إلا من كتابات المسيح الموعود نفسه، عدا هذا، لا يكاد المؤرخ أو موثق الأحداث التاريخية يعثر للبطالوي مثلا على موضع بيت أو قبر، أفلا يلفت هذا الأمر أنظارنا إلى السنة الإلهية المثبتة في الآية المباركة:

كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (4)

بلى، إن معارضة الصالحين والمبعوثين لا تلبث أن تتهاوى وتنمحي أمام ثبات وصمود دعوة الحق من الله تعالى، متمثلة في آيات صدق المبعوث السماوي، ومن جملة تلك الآيات دوام ذكره الطاهر.

1. الخزائن الروحانية، المجلد 1، البراهين الأحمدية، الترجمة العربية، ص572
2. الخزائن الروحانية، المجلد 1، البراهين الأحمدية، الترجمة العربية، ص608
3. الخزائن الروحانية، المجلد 3، كتاب فتح الإسلام، الترجمة العربية، ص13، حاشية رقم 3 4 . الرعد: 18
Share via
تابعونا على الفايس بوك