عودة الخلافة في الأرض بواسطة خليفة الله المهدي

عودة الخلافة في الأرض بواسطة خليفة الله المهدي

التحرير

لا يخفى على كل متدبر أن أول وأهم ما أراده الله تعالى بعد أن خلق السماوات والأرض هو أن يجعل في الأرض خليفة يُبثُّ بواسطته الروح في أهلها ويريهم مناسكهم ويصلح حالهم ويلم شملهم. فهو من ناحية يعكس على الناس التجليات الإلهية ومن أخرى يشهد أمام الحضرة الإلهية على استيعاب الناس أوامره عز وجل، وبالتالي يكون عليهم شهيدا. وهكذا – ومنذ البداية – أصبحت الخلافة البوابة الوحيدة التي يتلاقى عندها الله تعالى مع البشر، وعن طريقها تنزل الأوامر الإلهية والتعاليم السماوية والعلوم الدينية لأهل الأرض. وانطلاقا من هذا المعنى أصبح من المستحيل أن تُترك الأرض بدون خليفة يُفوض إليه تمثيل السلطة الإلهية. وقد حرص الله جل شأنه أن لا يدع مكانا أو زمانا يخلو من خليفة تتناسب بعثته مع متطلبات الزمان والمكان حتى جاء الوقت الذي أراد الله تعالى أن يرسخ فيه الخلافة الكاملة ببعثة الخليفة الكامل، خاتم النبيين وسيد الخلق أجمعين سيدنا ومولانا محمد المصطفى .

وهكذا أصبح واضحا أن الخلافة الربانية في صورة النبي تحدث بطريق مباشر حيث يختار الله تعالى فيها الخليفة بغير أن يشترك أحد من الناس في عملية الاختيار. ويذكر لنا القرآن الكريم مثالين من هذه الخلافة. الأول عن آدم حيث يقول تعالى:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 31).

والثاني عن داود حيث يذكر سبحانه في كتابه العزيز:

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ (ص:27).

وبما أن الله تعالى هو الذي يختار الخليفة مباشرة فإنه يُنسب إليه سبحانه، فيقال إنه خليفة الله. وعلى ذلك فإن كل نبي وكل رسول هو في واقع الأمر خليفة الله، أي أن النبوة هي في حقيقتها خلافة ربانية مباشرة، يختار الله فيها الخليفة (أي النبي) بطريق مباشر، دون أن يشترك أحد من الناس في عملية الاختيار هذه. ولا يخفى على أي متدبر أن هنالك قسما ثانيا من الخلافة غير مباشر. ويُطلق على هذه الخلافة في الإسلام اسم “الخلافة الراشدة”، وهي الخلافة التي تلي بعثة النبي أو الرسول، ولذلك فهي يُنسب إلى ذلك النبي أو الرسول، فيُقال عن الخليفة إنه “خليفة النبي” أو “خليفة الرسول” أو “خليفة المسيح”.

وقد وصف سيدنا رسول الله هذه الخلافة بأنها “خلافة على منهاج النبوة”. كذلك قال إنه لم تكن من نبوة إلا وتبعتها خلافة. وهكذا حقق الله وعده على لسان نبيه الكريم لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات كي يستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا، بحيث يعبدونه فلا يشركون به شيئا. ومع أن الله تبارك وتعالى قد جعل هذا الوعد شبيها بما حدث في الأمم السابقة من المؤمنين إلا أن تلك التسمية، وهي الاستخلاف أو الخلافة، لم تكن بارزة هذا البروز الظاهر الجلي كما حدث في الأمة الإسلامية. فمع أن القرآن الكريم يطلق لقب “خليفة الله” على الأنبياء، إلا أن هذا اللقب لم يكن بارزا ومتداولا في تلك الأديان، وكأن في ذلك إشارة إلى أن الاستخلاف في السابق كان معنويا وغير بارز ذلك البروز الذي قدر له أن يكون لاحقا في الإسلام. فبوفاة الرسول برزت الخلافة كمؤسسة في الأمة الإسلامية لتتخذ هذا المسمى تلقائيا دون سابق تخطيط. فبرزت كقيادة لجماعة المسلمين التي تأسست على الإيمان بما جاء به المصطفى والتي كانت تدين له بالطاعة والولاء التام. فجاء الخليفة الأول، حضرة أبي بكر الصديق ، ليرث مقعد الرسول وصلاحياته، وليتابع قيادة هذه الجماعة على منهج النبي فكان خليفته الأول. وبما أن المصطفى هو أعظم الأنبياء وخاتمهم فهو “خليفة الله” تعالى على أكمل وجه وصورة وفقا للتعريف القرآني. فكان الخليفة الأول، حضرة أبي بكر الصديق “خليفة الرسول” مما يعني تلقائيا أنه “خليفة خليفة الله” فكانت الخلافة هي خلافة النبي وهي الاستخلاف الذي وعد الله به عباده المؤمنين الصالحين.

ثم امتدت الخلافة الراشدة في عهد حضرة عمر بن الخطاب واستمرت أمارات الاستخلاف وعلاماته بالظهور وكان عهدا راشدا رشيدا، وكان هذا ثمرة إخلاص المؤمنين الذين التفوا حول إمامهم وأطاعوه فكافأهم الله بمزيد من الأمن والأمان والتمكين. وقد بدأ عهد الخليفة الثالث، حضرة عثمان بن عفان ، بمثل ما كان مع صاحبه رضي الله عنهما، ولكن الفتنة كانت قد بدأت بالتسلل والتعاظم حتى انتهت بمأساة استشهاده بشكل مأساوي على يد بعض من المسلمين. فاستلم الخليفة الرابع، حضرة علي بن أبي طالب ، لأمة كانت بذور الاختلاف حول مقام الخلافة قد وجدت تربة خصبة فنمت سريعا. فواجه حضرة علي ، بكل أسف، عصيانا وتمردا وعدم احترام إمام جماعة المؤمنين. فكان الطمع في السلطان والانصراف عن الوجهة الحقيقية التي أُوجدت الخلافة من أجلها سببا في ضياع الخلافة الراشدة من المسلمين إلى الأبد. فضاع منصب الخليفة الذي هو إمام جماعة المسلمين، وأصبح مسمى الخليفة رديفا لمسمى “الملك” عند الأمم الأخرى من غير المسلمين، وأصبح مفرغا من مضمونه الديني الذي قام على أساسه.

وقد أكرم الله تعالى الأمة الإسلامية في هذا الزمان ببعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود كممثل للسلطة الروحية لسيدنا محمد المصطفى ليجمع الأمة على الإيمان مرة أخرى. فهو لم يكن زعيم فرقة ولا قائد حزب كغيره من الزعماء المسلمين. بل هو الإمام المهدي الذي لا بد من الإيمان به كي يصبح المسلم من جماعته. فأعاد جمع جماعة المؤمنين مرة أخرى على نفس المنهج الذي خطه سيده ونبيه حضرة محمد المصطفى . فعادت الخلافة في الأرض من خلال “خليفة الله المهدي” الذي بشر به سيده المصطفى . وبوفاة الإمام المهدي عادت الخلافة الراشدة مرة أخرى إلى الأمة على منهاج النبوة. وتتبع الجماعة في هذا الزمن نظاما حيا محافظا على نعمة الخلافة وتعمل ليل نهار على صيانتها. ولكن لا شك أن الحفاظ عليها لا يكون إلا بالالتزام بما أمر به الله تعالى من الإيمان والعمل الصالح. وينبغي علينا، نحن المسلمين الأحمديين، أن نحرص كل الحرص على أن نكون من الذين آمنوا وعملوا الصالحات كي تستمر فينا هذه النعمة. كما ينبغي علينا أن نتذكر الأخطاء التي وقع فيها المسلمون من قبل وأن نحرص على أن لا نقع فيها.

وهكذا فإن الجماعة الإسلامية الأحمدية تقدم لأمتها الإسلامية خلافة على منهاج النبوة بشكلها الأصيل الذي قامت عليه الخلافة الأولى. وهي خلافة لا إفراط فيها ولا تفريط، فلا بد من أن تكون الجماعة مؤمنة وعاملة للصالحات كي يظهر الخليفة من هذه الطبقة من المؤمنين ومن خيارهم. فمسيرة جماعة المؤمنين تعتمد على حال إيمانها وعملها الصالح، فإن صلحت الجماعة صلح الإمام، وإن فسدت الجماعة فسد كل شيء ولم ينفعها صلاح الإمام وتقواه. وقد شهد تاريخ الجماعة، بفضل الله، سجلا حافلا من الانتصارات التي فرح بها المؤمنون خلف الخلفاء الذين تحققت فيهم أمارات الخلافة، وينبغي أن نقابل هذه النعمة بالشكر كي يزيدها الله ويباركها ويجعلها مستمرة إلى يوم الدين. فيجب أن تكون الجماعة خلف الإمام على خير ما يرام كي يتسنى لهذا القائد أن يقودها إلى الاستخلاف والتمكين والأمن والأمان، وهذه مسئولية كل فرد من الجماعة أن يحافظ على هذه النعمة وأن يصونها وأن يحافظ على وحدة جماعة المؤمنين. على كل فرد أن يدعو للخليفة بأن يؤيده الله بنصره المبين، فما النصر إلا من عند الله، وهو نصر جماعة المؤمنين جميعهم وهو نصر السلام على الحرب ونصر النور على الظلمات. جعلنا الله من المؤمنين المستخلفين، وهدى أمتنا الإسلامية للانضواء تحت ظل الخلافة الإسلامية التي عادت من جديد، وأدام علينا نعمة الخلافة وأيد مولانا، حضرة مرزا مسرور أحمد، بنصره المبين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك