ضرورة مبايعة الإمام المهدي عليه السلام

ضرورة مبايعة الإمام المهدي عليه السلام

حميد كوثر

الحوار الصريح

من العادات الخسيسة لدى النقاد الذين تعودوا على الاصطياد في الماء العكر البحث عن كلمة هنا أو جملة هناك، يُجردونها من معناها ويُخرجونها من سياق الحديث ويثيرون حولها الضجيج والفتن. وها نحن نعرض بين أيديكم بعض الاستنتاجات الخاطئة التي توصل إليها أولئك الذين تمسكوا بالقشر ورموا باللب عرض الحائط!!!

إن الوعد الذي قطعته التقوى على نفسها بأن تكون مهداً لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “الحوار الصريح” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة.

إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر التقوى الرحب سيتسع لكل سؤال بناء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

سؤال هذا العدد يجيب عليه الأستاذ محمد حميد كوثر (داعية إسلامي أحمدي)

 

السؤال

لماذا تؤكد الجماعة الإسلامية الأحمدية على ضرورة مبايعة ميرزا غلام أحمد القادياني مؤسس الجماعة بكونه المسيح الموعود والمهدي المعهود؟ وهل من لا يُبايعه يعتبر خارجًا عن الإسلام؟

الجواب

لقد فرض الله على كل مسلم ينتمي إلى سيدنا محمد المصطفى ويتبع أوامر القرآن الكريم، أن يؤمن وينصر ويبايع المسيح الذي وُعدت به الأمة، والإمام المهدي المعهود الذي حدثنا عنه رسول الله . وقد قال في كتابه العزيز حكاية عن ميثاق النبيين:

وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (آل عمران: 82-83)

وكتب الإمام الفخر الرازي في تفسير الآية: “..إن المراد من الآية أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كانوا يأخذون الميثاق من أممهم” (التفسير الكبير ج 8 ص 15)

وقد وردت كلمة “ميثاق” ومشتقاتها في القرآن الكريم 34 مرة، ووردت كلمة “النبيين” 13 مرة، ولكن لم تجتمع كلمة ميثاق وكلمة النبيين في الكتاب العزيز كله سوى مرتين: مرة في الآية السابقة، ومرة في الآية التالية:

وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (الأحزاب: 8-9)،

وهذا يدل على أن ميثاق النبيين الذي ذُكر في سورة آل عمران هو نفسه ميثاق النبيين الذي ذُكر في سورة الأحزاب، فما هو هذا الميثاق؟

يقول تعالى أنه أنزل على الأنبياء وعلى أممهم الكتاب والحكمة، ثم جاءهم رسول من عند الله تعالى أن يؤمنوا بذلك الرسول، وينصروه نصرًا معززًا، وأن الذي يتولى عن هذا الالتزام يكن من الفاسقين.

وتحقيقًا لهذا الميثاق كان كل نبي يتولى إبلاغ قومه عن الرسول المقدر في علم الله تعالى أن يأتي إلى قومه، ويبلغهم على وجه الخصوص عن سيدنا محمد الذي سوف يبعثه الله تعالى إلى كل الأقوام. وحيث أن رسول الله كان هو صاحب الشريعة التي تنسخ كل شريعة أخرى، وهو صاحب الدين الذي لا يقبل الله دينًا سواه، لذلك فقد أخبر كل نبي قومه عن صفات وعلامات ذلك النبي الأعظم، حتى إذا جاء زمن رسول الله استطاع أتباع كل الأنبياء السابقين أن يتعرفوا عليه ويتبعوه ويدخلوا في طاعته. ولما كانت جميع أنواع النبوات السابقة قد انتهت بمبعث رسول الله ولم يبق منها سوى ذلك النوع الفريد من النبوة غير التشريعية وغير المستقلة.. أي النبوة التابعة لنبوة رسول الله ، فقد قدر الله تعالى أن يأخذ هذا الميثاق.. ميثاق النبيين.. من رسول الله حتى يلتزم به أتباعه متى جاء ذلك المنتظر.. ولهذا فقد أدى الرسول الأمانة وبلغ الرسالة وأخبر قومه عن المسيح الموعود والإمام المهدي المنتظر، وأمرهم أن من يلق منهم ذلك الإمام فَلْيُقرؤه منه السلام، وحثهم على أن يأتوه ويبايعوه ولو حبوًا على الثلج، وذلك تحقيقًا لميثاق النبيين الذي يلزمهم بأن يؤمنوا به وينصروه.

ولا يخفى على أصحاب اللغة العربية أسلوب التأكيد الذي استعمله الله تعالى بشأن هذا الميثاق في قوله: لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ، وهو كما لا يخفى على من له إلمام ومعرفة بأساليب اللغة العربية.. أنه قمة أسلوب التأكيد.. حيث استعمل الله تعالى لام التأكيد ونون التأكيد في كل من فعلي الإيمان والنصر لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ ، وهذا للدلالة على أهمية الإيمان بذلك المبعوث وبضرورة نصرته، وإن أي تقصير في هذا الإيمان والنصر إنما هو بمثابة تولي وانصراف عن الإلتزام بهذا الميثاق مما يؤدي إلى الفسوق.

وندعوك للتدبر أيها القارئ الكريم في كلمة وَمِنْكَ التي جاءت في سورة الأحزاب، فهي تشير إلى أن الله قد أخذ ميثاق النبيين من سيدنا محمد ، ثم قرأ الحديث الشريف: “كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم” (صحيح البخاري باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام).

لقد أوصى رسول الله أتباعه أن يلبوا دعوة الإمام الموعود، وأخبرهم أن إمامهم هذا سيكون منهم، وألزم كل مسلم أن يؤمن به وينصره. وكذلك قال سيدنا محمد : “والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم” (صحيح البخاري – باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام)

“والله لينزلن ابن مريم” (صحيح مسلم – باب نزول بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد )

وقال عن الإمام المهدي: “فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوًا على الثلج فهو خليفة الله المهدي” (سنن ابن ماجة كتاب الفتن – باب خروج المهدي)

وصى الرسول المؤمنين كما روى حذيفة بن اليمان: “تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قال: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك” (صحيح البخاري – باب علامات النبوة في الإسلام)

“من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية” (صحيح مسلم كتاب الإمارة – باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن) “من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية” (مسند أحمد ابن حنبل ج 4 ص 96)”من عصاني فقد عصى الله.. ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني” (صحيح مسلم كتاب الإمارة – باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن)

ويبدو واضحًا من آيات سورتي آل عمران والأحزاب المذكورة آنفًا، ومن هذه المجموعة من الأحاديث الشريفة، أن واجب كل مسلم أن يؤمن بالإمام المهدي المنتظر والمسيح الموعود وينصره، فقد أكد سيدنا محمد على مجيئه بحلف اليمين، وأمر كل مسلم أن يبايعه ولو حبوًا على الثلج، وذكر أنه إذا مات أحد وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.

وإذا كان الله تعالى قد ذكر أن من يتولى عن الإيمان بالرسول الذي يأتي حسب ميثاق النبيين، ويتولى عن نصره، يكن من الفاسقين؛ وإذا كان رسول الله قد أعلنها واضحة أن من أطاع الأمير فقد أطاعه ومن عصى الأمير فقد عصاه ، أفلا يدل ذلك على أهمية وضرورة بيعة الإمام المهدي والدخول في جماعته ونصره نصرًا معززًا؟

وهنا يطرح هذا السؤال نفسه: هل من يعص الله ورسوله ويمتنع عن بيعة الإمام المهدي ، يكون قد كفر وخرج عن الإسلام أم يظل مسلمًا؟

مما أوحاه الله تعالى إلى سيدنا الإمام المهدي ما معناه: “الذي لا يتبعك ولا يدخل في بيعتك ويبقى مخالفًا لك يكون عاصيًا لله ولرسوله”. ويتضح من هذه العبارة أن عدم الإيمان بسيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المنتظر ، لا يؤدي بالمرء إلى الخروج عن حظيرة الإسلام، ولكن عصيان رسوله أمر خطير قد يؤدي بالإنسان إلى الخروج من الإسلام. هل نسيتم الآية القرآنية الكريمة القائلة:

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (النساء: 15).

ولهذا قال مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية ما تعريبه:

“.. لا أسمي الناطق بالشهادتين كافرًا، ما لم يكفرني هو ويُكذبني فيكتب الكفر على نفسه. وهكذا في هذه المعاملة كان المخالفون أسبق مني دائمًا، فهم كفروني وأفتوا عليّ بذلك مع أنني كنت مسلمًا عند الله تعالى، فبتكفيرهم إياي يصبحوا هم الكافرين تبعًا لفتوى رسول الله ، فأنا لا أكفرهم، بل هم الذين يشملون أنفسهم في فتوى رسول الله” (ترياق القلوب ص 130)

ويقول كذلك في كتاباته باللغة العربية:

“.. لا نبي لنا تحت السماء من دون نبينا المجتبى، ولا كتاب لنا من دون القرآن وكل من خالفه فقد جر نفسه إلى اللظى، ومن أنكر أحاديث نبينا التي نُقدت ولا تُعارض القرآن، فهو أخو إبليس وإنه ابتاع لنفسه اللعنة وأضاع الإيمان، وإن القرآن مقدم على كل شيء، ووحي الحكم مقدم على أحاديث ظنية بشرط أن يطابق القرآن وحيه مطابقة تامة، وبشرط أن تكون الأحاديث غير مطابقة للقرآن، وتوجد في قصصها مخالفة لقصص صحف مطهرة، ذلك بأن وحي الحكم ثمرة غض وقد جني من شجرة يقينية، فمن لم يقبل وحي الإمام المعهود، ونبذه لروايات ليست كالمحسوس المشهود، فقد ضل ضلالاً مبينًا ومات ميتة الجاهلية، وآثر الشك على اليقين ورُد من الحضرة الإلهية..” (الخزائن الروحانية: ج 19 – كتاب مواهب الرحمن ص 287)

ومن الواضح تمامًا أن هذا القول يتفق مع قول الله ، ويتفق كذلك مع قول الرسول .

ولكن يأبى المعارضون والمخالفون للجماعة الإسلامية الأحمدية إلا أن يحاولوا الاصطياد في الماء العكر، لعلهم يجدوا كلمة هنا أو جملة هناك، يلتقطونها ويُثيرون حولها الضجيج عاليًا، ولذلك يحلو لهم دائمًا الاعتراض بقول سيدنا ميرزا بشير الدين محمود أحمد الخليفة الثاني لسيدنا أحمد الذي ذكر ما معناه معربًا:

“.. إن كل مسلم لم يدخل في بيعة المسيح الموعود، سواء سمع به أو لم يسمع، فهو كافر وخارج من دائرة الإسلام”. (معرب من كتاب مرآة الصدق)

ولعل هؤلاء الذين يعترضون على هذا القول قد يتناسون أحاديث سيدنا ومولانا محمد المصطفى التي قال فيها: “خيار أمتي أولها، وآخرهم نهج أعوج، ليسوا مني ولست منهم” (الجامع الصغير في أحاديث البشير والنذير تأليف جلال الدين السيوطي رقم الحديث: 3978)

وقال بحلف اليمين:

“والذي نفس محمد بيده! لتفترقن أمتي على ثلاث وسبعين فرقة. واحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار، قيل: يا رسول الله! من هم؟ قال: الجماعة” (ابن ماجة كتاب الفتن – باب افتراق الأمم)”.. وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، قال: من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي” (الترمذي كتاب الإيمان – باب افتراق هذه الأمة)

“يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه..” (مشكاة – كتاب العلم – الفصل الثالث)

بناء على هذه الأقوال التي ذكرها رسول الله نريد أن نقول للمخالفين والمعارضين:

دعونا مؤقتًا من الجماعة الإسلامية الأحمدية ومن مؤسسها، وتعالوا نفترض أنه حسب معتقداتكم قد نزل المسيح من السماء، وبعث الله تعالى الإمام المهدي، وكان هناك جماعة من المسلمين الصادقين قد أطاعوا الإمام في ذلك الوقت وبايعوه، بينما سمع بعض المسلمين الآخرين عنه ولم يبايعوه، والبعض الآخر لم يسمع عنه بعد. ألا تشير أقوال رسول الله المذكورة عاليه إلى أن الفرقة الناجية التي وصفها رسول الله بانها “الجماعة”، هي التي اتبعت الإمام وبايعته، وأن جميع المسلمين الآخرين، سواء سمعوا بالإمام المهدي أو لم يسمعوا به، هم ضمن الاثنتين وسبعين فرقة التي ذكر رسول الله أنهم في النار؟ وهل تظنون أن رسول الله قضى بأن تكون كل هذه الفرق في النار وهو يعلم أنهم ينتمون إلى الإسلام الصحيح أم أنهم.. رغم اعترافهم بأنهم مسلمون.. إلا أنهم مسلمون بالاسم فقط، وعلى ذلك قال: “.. ليسوا مني ولست منهم” وقال: “.. كلهم في النار”؟

إننا لن نجيب على هذه التساؤلات، وإنما نترك الإجابة عليها للمعارضين والمخالفين، ولضمير القارئ المخلص الذي يبتغي بكل إخلاص أن يعرف الحقيقة ثم يتبعها ويقبلها حين يجدها، فالحكمة ضالة المؤمن.. أنى وجدها فهو أحق الناس بها.

إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تعتقد اعتقادًا راسخًا، بأنها تتبع الإمام المهدي المنتظر والمسيح الموعود به لهذه الأمة، وعلى ذلك.. حسب قول رسول الله هي الفرقة الناجية، لأنها أطاعت الله تعالى وآمنت بمبعوث آخر الزمان ونصرته بكل ما آتاها الله تعالى من قوة، وأطاعت رسول الله لأنها آمنت بالإمام المهدي وبايعته كما أمر بذلك سيد الخلق . ونحن ندعو الناس كافة إلى هذه الواحة المثمرة، وإلى هذه الجنة الوارفة، وإلى هذا النبع الجاري الذي يسقي المؤمنين من كؤوس الإيمان ويغذيهم بغذاء الروح الذي هو طاعة الله وطاعة رسوله. اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون!

مفاجئة سارة  – الحمد لله

تحاول التقوى مواكبة السباق الحضاري الذي يعيشه عالم اليوم، ويسعدها أن تدخل كل بيت وكل قلب وها هي اليوم تعلن مفاجئة سارة للقراء الكرام حيث يمكنهم قراءة صفحات مجلتهم التقوى على الشبكة العالمية (الإنترنت) وبهذا تكون التقوى قد كسرت كل الحواجز التي تمنع وصولها إلى قارئها العزيز. يمكنك عزيزي القارئ قراءة صفحات المجلة على العنوان الإلكتروني التالي:

http://www.ecofx.com/altaqwa

Share via
تابعونا على الفايس بوك