يوم الرسول في برادفود (بريطانيا)

يوم الرسول في برادفود (بريطانيا)

يوم الرسول في برادفود (بريطانيا) 11/06/1995

الحديث عن سيدنا محمد المصطفى أمر سهل.. ما على الإنسان إلا أن يفتح أي صفحة من صفحات سيرته فيجد فيها من الخير والجمال ما يسعد الجميع. والحديث عن سيدنا محمد المصطفى ليس حديث يوم أو ليلة، بل هو حديث لا يتوقف ولا ينقطع مدى الدهر .. لأنه يوم يتوقف، بل لحظة أن يتوقف الحديث عنه لدى شخص أو أمة كان ذلك علامة شر .. ثم علامة مرض .. ثم علامة هلاك.

هذا الكلام ليس مجرد كلام مسلم محب لسيدنا المصطفى .. وإنما هو حقيقة دينية .. لا يجوز أن نجهلها، ولا نَسْلم ولا ننجو في الدنيا والآخرة بدون التمسك بها .

إن الهدف من حياتنا .. نحن البشر – هو أن نعبد الله تعالى . وعبادة الله تعني معرفته أولا .. ثم التعرف على صفاته الحسنى، ثم الإعجاب بها والتعلق وعشقها. وهذا يؤدي بالطبع إلى أن نسعى بكل قوانا لنتمثلها في أنفسنا، ونتحلى بها، ونعمل بمقتضاها. إذن فعبادة الله تعني أن يتحول الإنسان إلى عبد رباني.. فيه من جلال الله وكماله، وحسنة وجماله، ما يميزه عن سائر المخلوقات.

وكيف يمكن للإنسان أن يصعد هذا المرتقى الصعب؟ وكيف يتعرف على ربه وصفاته؟ وماهي الوسائل التي تساعده على سلوك هذا السبيل؟

ليس هناك طريق لذلك إلا إذا أتانا الله تعالى وعرّفنا بنفسه، وأخذ بيدنا وساعدنا في هذا الطريق إليه. فكانت سنة الله منذ أن ترقّى الإنسان في عهد آدم وإلى أن يشاء تعالى … أن يتجلى الله على عبادٍ له.. يتميزون باستعداد نفسي يؤهلهم للقائه، وإدراك ما ينزله عليهم من كلامه، وما يتفضل به عليهم من تعليم.. فيتمثلونه في نفوسهم.. ويصبحون مرايا بشرية تعكس الصفات الإلهية.. فيراها البشر، فمن كان من هؤلاء مسعودا رأى فيهم هذه الصورة الإلهية، واشتم العطر الرباني يفوح منهم.. فاتخذهم مثلا له، وسار وراءهم ومعهم في الطريق إلى الله.

وجاء سيدنا محمد عندما وصل الإنسان إلى مرحلة من التقدم تبشر بأنه مستعد لتلقي الدرس بصورة كاملة.. فاختار الله تعالى محمدا المصطفى ليكون مثلا فريدا بين الأوَّلين والآخرين. اختاره إنسانا ذا ملكات روحية بلغت القمة… وتجلى عليه ربه بما لم يتجل َّ به على إنسان سواه. وأراه من آيات كماله وجماله مالم يشهده غيره. ولذلك كان سيدنا المصطفى الصورة الكاملة لتجلِّي الله على البشر.

يقول لنا ربنا:

لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا .

فمحمد هو المثال الكامل الجميل الذي يجب على الإنسان أن يتأسّى به.. إذا كان هذا الإنسان يريد القرب من الله والفوز برضاه.. فينال بذلك بذلك درجة النجاح في الحياة الآخرة .. التي تؤهله إلى منازل القرب من الله. وإذا أراد الإنسان أن يعرف ربه حق المعرفة، ويكون في ذكره دائما.. يذكر محاسنه وأفضاله.. فليتبع محمدًا .. فحياته وسلوكه، وأخلاقه وصفاته.. هي الصورة البشرية للكمال الإلهي الذي يثير الحب والإعجاب في الإنسان فلا ينساه أبدا.. ويلتصق به، ويلهج لسانه بحمده والثناء عليه.

والحب الحقيقي هو الذي يجعل المحب يلازم حبيبه، ويفعل ما يسره، ويتصف بما يريده، ويتجمل له حتى يرضى عنه. فالذي يعرف محمدا يعرف ربه.. ومن يطع محمدا يطع ربه.. ومن كان كذلك كان عبدا صادقا لله.

فالحديث إذن عن محمد يجب ألا يتوقف.. بل يجب أن يكون معنا في كل حركة وسكنة، لأن هذا هو الطريق إلى رضا الله تعالى. والحديث عن محمد هو القرآن في صورة إنسان. عندما سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها – كيف كان خلق رسول الله.. قالت: كان خلقه القرآن .. أي أن كلمة الله تعالى نزلت عليه تحولت فيه إلى أخلاق. الواقع أن من سألها هذا السؤال  كان ساذجا. إن سيرة الرسول لابد أن تكون ترجمة عملية لما نزل إليه من كلام ربه. هل يمكن أن يكون خلق رسول الله مختلفًا في قليل أو كثير عن كلمة الله تعالى؟ الواقع أن  التفسير الكامل الواقعي لكل تعاليم الله تعالى .. الموصلة إلى سعادة الدنيا والآخرة.. وفلاح البشر وهنائهم.. هو اتباع ترجمة الرسول للقرآن .. في حياته يوما فيوما ولحظة بلحظة.

ولا يستطيع الإنسان الإحاطة بكمالات وجمالات المصطفى في لقاء أو ألف لقاء. الواقع أن أسرار سيرته لاتزال تتكشف حتى اليوم، وتبدي الكثير من نواحي كماله. فكلما ظهر من القرآن كنز جديد .. كان للنبي وسيرته جانب وفضل فيه.

فلنحاول في هذه الدقائق أن نتذوق قطرات من بحره العذب الزاخر.. علّنَّا نتفهمها ونستزيد بها من حبه.. فنُرضي ربنا تعالى .. ونتقدم خطوات نحوه.

لقد وصفه الله تعالى أنه

ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ..

وقد شرح سيدنا إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية – الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود.. أيده الله بنصره العزيز.. هذه الآية بأسلوب يوضح مكانة النبي . فقال ما خلاصته أن النبي من البشر .. من الدنيا.. ولكنه ترك كل ذلك وراء ظهره، ودنا من الله تعالى وارتقى إلى أعلى ما يصل إليه البشر.. واقتبس من الله تعالى الجمال والكمال.. ثم أعاده الله للناس فتدلى ونزل إليهم وهو متصف بهذه الصفات.. فكان بذلك قاباً مشتركا لقوسين أو أقرب من ذلك. أي أنه كان وصلة تجمع بين الله تعالى من ناحية.. وبين الناس من ناحية أخرى. لو أمسك الناس بالقاب المحمدي من ناحيتهم لوجدوا يد الله تمسك أيضا بهذا ألقاب .. أي أن يد الله تعالى تكون فوق أيديهم.

وأول صفة قدَّم الله بها نفسه إلى البشر ليتعرفوا عليه تعالى هي رحمته.. فقال في مستهل كتابه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ . هذا الحب والعطف والشفقة على البشر .. كانت صفة واحدة في تصرفات النبي تعكس أنوار هذه الصفة الإلهية.. وأخبرنا بها في حديثة عن الأم التي تتلهف ابنها في وقت الخطر وقال “الله أشفق على عباده من هذه الأم على وليدها”.

كيف تجلت هذ الشفقة الإلهية في محمد ؟

نراها في حضرته.. وهو يقف وحيدا يدعو قريشا إلى ما فيه خيرهم وفلاحهم، فيصدونه ويسبونه ويؤذونه.. ويسلطون عليه سفاءهم وعبيدهم ليرجموه .. ولكنه لا يكفُّ عن دعوتهم لما فيه فلاحهم ونجاتهم كلما وجد فرصة لذلك.

والعجيب أنه لم يكتف بذلك. بل لم تخرج من شفته صرخة إلى الله تعالى لينتقم منهم! جاءه ملك الجبال وعرض عليه أن يطبق عليهم جبلي مكة فيقضي عليهم جميعا.. ولكنه قال: لا، فلعل الله يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئا. إنه ينظر إلى الأجيال القادمة من البشر.. لو كفر هؤلاء فسوف يؤمن غيرهم. هذا هو التفاؤل وطلب الخير والرأفة بالناس.

والأعجب من ذلك أنه يمضي معظم ليله واقفا حتى تتورم قدماه الشريفتان.. يدعو ربه ويبتهل إليه .. لمن؟ لهولاء البشر .. يدعو لمن يكفرون به ويؤذونه. يدعو لهم بالهداية ويقول : “اللهم اهد قومي فإنهم لا يعملون”.

يدعو الله أن يُعِزَ بهم الإسلام وينير بصيرتهم. لقد كان إسلام عمر إجابة لدعوته الكريمة. ويدعو للمؤمنين به الذين به تحملوا معه أشد الإيذاء والاضطهاد والتعذيب .. كي يخفف عنهم ويثبت أقدامهم ويحررهم.

ونرى شفقته ورحمته هذه.. التي هي انعكاس لشفقة الله تعالى ورحمته.. في كل توجيهاته وتعاليمة. كان يوصي بالرفق في الأمور، وعدم التشدد في المواقف، والأخذ بالتيسير ورفض التعسير، وعدم الإسراف في الأعمال التعبديه، والشفقة بالأطفال والنساء وكبار السن. هل تذكرون قوله لحادي الإبل: “رفقا بالقوارير” يا أنجشة، لأن جملة كان يحمل سيدة!

نرى رحمته وشفقته مع أعدى أعدائه.. نهى عن التمثيل بالقتلى انتقاما، ونهى عن قتل الأسير، أو الإجهاز على الجريح، أو إحراق الشجر والنخيل، أو إيذاء من لا يشترك في الحرب من رجال دين ونساء والمسنين.

ونرى رحمته وشفقته – وهي من صفات الله الحسنى. إن الإنسان إذا جاء ربه يحمل على عاتقه الذنوب والخطايا كالجبال.. ثم استغفر ربه صادقا مخلصا وجد الله توابا رحيما، يرحب به ويشمله بعطفه. وهكذا كان محمد مرآه لهذه الصفة .. تجلت يوم الفتح الأكبر- يوم كان بوسعه لو أراد .. وما كان له أن يريد ذلك أبدا – أن ينتقم ممن عذبوه واضهدوه وقتلوا أحبابه وأصحابه.. وفعلوا مالا يغفره عامة البشر. ولكن محمدا رسول الله الرحيم.. صفح وغفر وقال قولته الخالدة: لا تثريب عليكم.. إذهبوا فأنتم الطلقاء.

السيدة التي كانت زوجة لزعيم الكفار المحاربين له.. والتي قتلت عمه وحبيبه حمزة أسد الله .. التي شقت جوفة ولاكت كبدة.. فأحزنت الرسول أيما حزن.. وكان قد أمر بقتلها عقوبة على جرائمها في قتل المسلمين والتحريض عليهم.. دخلت عليه مع نساء قومها محجبة وبايعت معهن على الإسلام .. فوجدت في قلبه من الرحمة ما غفر لها سوء أفعالها السابقة.. ما دامت قد دخلت في الإسلام وبايعت.

نرى شفقته ورحمته وحبه للإنسانية في معاملته لزوجاته ولأصحابه ولخدمه وللعبيد والفقراء والضعاف. ماذا نقول: إن حياته كلَّها كانت رحمة.. ألم يقل الله تعالى له:

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ .

نعم. كان رسول الله رحمة للعالمين .. كل العالمين:

هل رأيتم رحمته بالأنبياء السابقين؟ حيث بيَّن أنهم إخوة له في الرسالة والنبوة، وبرَّأهم من كل تهمة اتهمتهم بها أتباعهم، وخلصهم من خرافات نُسبت إليهم.. وجعلهم شركاء له في الشرف والكرامة.. نصلي ونسلم عليهم كلما ذكرناهم.

وهذه رحمته بالرجال والنساء والأطفال.. ورحمته للأصدقاء والأعداء، ورحمته للقريب والغريب. فهل رأيتم  رحمة بالحيوان والطير؟ كان ينهى تعذيب الحيوان وقتله دون مبرر. وينهى عن تجويعه وحرمانه من الماء.. هل تذكرون قوله:

“عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ جُوعًا فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ ..لَا أَنْتِ أَطْعَمْتِهَا وَلَا سَقَيْتِهَا حِينَ حَبَسْتِيهَا وَلَا أَنْتِ أَرْسَلْتِهَا فَأَكَلَتْ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ”..

وقوله أن رجلا سقى كلبا لاهثا فغفر الله له؟ أرأيتم كيف أمرنا أن نحسن الذبحة.. إذا ذبحنا الحيوان للطعام فلنذبحه بحيث نقلل من ألمه وعذابه.. بسكين حادة تنهي حياته بلا ألم؟

هل رأيتم رحمته حتى بالاحجار؟ لقد كانت تصنع منها الأصنام التي تعبد من دون الله.. فطهر الأرض من الإثم، وعادت الأحجار تسبح ربها ولا تُظلم و تُدنس بهذا العمل؟

هل رأيتم رحمته بالنجوم والكواكب؟ كانت تستخدم في معرفة الطالع، ومنها ما يُعبد ويؤلَّه.. فبيّن للناس أنها من آيات الله التي سخرها لهم كي ينتفعوا بها في أرصادهم وأسفارهم ويحمدون الله عليها.

إذا نظرنا في نواحي الحياة.. التي وجهنا سيدنا المصطفى إلى سلوكها .. وجدنا رحمته وشفقته وحبه للإنسانية واضحا في كل صغيرة وكبيرة.. ولا يكفي كتاب أو كتب للإحاطة بذلك. لكن لو تدبر الإنسان في أوامره وتعاليمه ونصائحه وتوصياته لتبين له أنها رحمته النابعة من رحمة الله تعالى.

إن ما يقاسي منه المسلمون اليوم بأيدي المسلمين ليكشف بوضوح أنهم نسوا درس الرحمة والشفقة والمحبة للبشر الذي أكده رسول في حياته وسيرته. صاروا قساة القلوب.. تحجرت وتصلبت.. فلم يعد أحد يرحم الناس. إنهم يقتلون ويدمرون ويعذبون مسلمين مثلهم، مواطنين من أهل بلدهم، بشرا من جنسهم. إن النبي كان يحترم إنسانية الإنسان، وبشرية البشر.. حتى ولو كان كافرا أشد الكفر، عدوا للدين.. مادام لم يرفع يده بعدوان.

كان النبي في المدينة في المدينة هو ولي الأمر.. في يده خلافة الله تعالى ومعه السلطان السياسي على من فيها جميعا.

وفي أثناء عودته من أحد الغزوات ثارت مناوشة بين غلامين أحدهما للأنصار والآخر للمهاجرين.. فأراد كبير المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول أن يثيرها فتنة.. وقال قولا فيه إهانة للرسول وللمهاجرين.. سجله القرآن في قوله

يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ

أي أعلن أنه سيعمل على طرد النبي وصحابته المهاجرين من المدينة.. ووصفهم بالذلّة، ونسب إلى نفسه العزة ..

ما هو العقاب الذي فرضه النبي عليه؟ إنه لم يعاقبه بل منع المسلمين من التعرض له. ومنع ابنه عبد الله بن عبد الله من أن يعقَّ أباه أو يؤذيه. وعندما توفي هذا الرجل صلّى عليه الجنازة، وكفنه في قميصه! أرأيتم عطفه وشفقته بالبشر. لقد عرف أنه إنسان موتور..ضاع منه تاج الملك.. ولم يعد له سلطان، وهذه كلمات لسان يعبر بها عن غضبه، ولم تصدر منه أمام الرسول، وإنما قالها في عدد قليل ممن على شاكلته، وسمعه شخص واحد. فأخذ الرسول بما عليه من رحمة. هؤلاء الذين يقتل بعضهم بعضا في أنحاء العالم الإسلامي باسم محمد لا يعرفون محمدا.. ولا يفهمون أسوته الحسنة.. ويظلمون سيرته وسنته.

الذين ينشرون الرعب والظلام، والفوضى والانقسام.. ويزيدون هموم أمة الإسلام فوق همومها يظلمون أنفسهم ويظلمون محمدا .. الذي كان ولا يزال رحمة للعالمين..

إن من رحمته وشفقته على الإنسانية.. أنه حذر أمته من الفتن والشرور التي سوف تتعرض لها من بعده.. وبينها لهم حتى يراها ويعرفها كل من كانت له عين يبصر بها، أو أذن يسمع بها، أو قلب يدرك به.

ولم يكتف بالتحذير.. بل دلّ على العلاج والطبيب .. ودلنا على المخرج والنجاة .. والأسف أشد الأسف .. أنه لم يكد ينقضي جيل واحد على وفاته .. حتى بذرت بذور الفتنة في أرض الإسلام، وأخذ المسلمون يخوضون فيما حذرهم منه، ويقعون في الفخاخ الشيطانية التي نبههم إليها. وأخذ الفساد يدب في الجسد الإسلامي شيئا فشيئا حتى أصبح أخيرا جثة هامدة .. لا حول لها ولا قوة. وصار الإسلام قشورا من الطقوس يؤديها الناس.. لا روح فيها ولا طعم، يصلون ولا يشعرون بلذة، ويصومون فيأكلون ويسمنون، وتوقفوا عن أداء الزكاة والبذل والتضحية في سبيل الله، ويحجون ويعودون من الحج كما ذهبوا. تتحرك ألسنتهم بالذكر والتسبيح دون أن تتحرك معها قلوبهم. الواقع أن الإسلام قد ترك الأرض وعاد إلى السماء يشكو إلى ربه: إن المسلمين قد اتخذوا القرآن مهجورا. وتحولت بلاد الإسلام إلى شراذم وقطعا مفتتة.. يلعب بها أهل الصليب كما يلعب بقطع الشطرنج.. يحركون قادتهم وأولي الأمر كما يشاءون. وراح رجال الدين في غيبوبة الجهل وطلب الدنيا. يحفظون القرآن والحديث عن ظهر قلب.. ولكنهم لا يفهمون روح الدين، ولا يعلمون حتى بما يعرفونه.

ولكن رحمة الرسول .. التي هي شعاع من نور الله تعالى.. قد حذرتنا ونبهتنا. وقد تحقق في زمننا هذا ما أخبر به .. كما تحقق من قبل ما بشّر به. لقد أخبر عن المجددين الذين الذين يضيئون مصابيح الهدى على رأس كل قرن.. فكان سيدنا عمر بن عبد العزيز، والإمام الشافعي، وأبو الحسن الأشعري، والغزالي، وعبد القادر الجيلاني وابن حجر العسقلاني والدهلوي، والبريلوي من الأعلام.. من أهل الله الصالحين الأبرار. ولما اشتدت الظلمات وعم البلاء أرسل الله تعالى الإمام المهدي والمسيح الموعود .. الذي أخبر المصطفى عن بعثه في الزمن الأخير لإحياء الإسلام. وتحققت أقوال النبي أيما تحقق.. فكانت مزيدا من الأدلة على صدق النبي، وصدق من حفظوا سنته وحديثه.. وآية على رحمته وحبه للإنسانية.

لقد جاء الإمام المهدي بدرا يضيء الدنيا بأنوار الشمس المحمدية كي تدب الحياة الروحية مرة أخرى في بني الإسلام، ويصحح مسارهم إلى الصراط المستقيم، ويصلح ما بينهم وبين ربهم الذي استحقوا غضبه وسخطه فتركهم لقمة سائغة لأهل الصليب.

لقد جاء الإمام المهدي والمسيح الموعود بالروح المحمدية .. ولكن في ثوبه الأحمدي .. أي متصفا على وجه الخصوص بالجانب الجمالي من محمد … وهذا ما تحتاجه الأمه الإسلامية اليوم في زمن تسيّد فيه الدجال على الدنيا.

في هذا الثوب الأحمدي تتجلى الرحمة والشفقة والمحبة والرقة، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. بهذا الثوب الأحمدي تخرج الدعوات والابتهالات والتضرعات إلى الله.. وتتوثق علاقات الحب والود معه تعالى.. ومع سائر البشر من كل صنف وجنس ودين.. عملا على توحيد الجميع تحت راية المصطفى .

اللهم وفق أمة محمد إلى مافيه خير الإسلام وخير المسلمين .. وإلى مافيه ظهور الإسلام على الدين كله.. واجعله من نصيبنا وبيدنا يا رب العالمين. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم وبارك إنك حميد حميد!

Share via
تابعونا على الفايس بوك