رسالة إلى قارئ كريم
الأستاذ الفاضل عمر .. المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
سعدت برسالتكم المؤرخة 20 أبريل 1995، واعتذر لتأخر ردي عليكم لانشغالي الشديد بإخراج الجزء الثاني من تفسير القرآن الكريم باللغة العربية ترجمة عن النص الأردو لسيدنا الخليفة الثاني. وهذا يستغرق وقتا وجهدا في المراجعة المستمرة. الحمد لله.. سوف يخرج إن شاء الله مع الجلسة السنوية للجماعة التي تنعقد هنا في آخر يوليو القادم.
الحق أن أسلوبكم في الكتابة يشرح القلب ويشجع على الحوار. ولكني في الحقيقة معجب ومتعجب .. فنادرا ما نجد بين دارسي الدين من يتمتعون بسعة أفقكم وطيبة قلبكم. إن حشو الرأس بالمعلومات لايفيد الإنسان ما دام القلب متحجرا والبصيرة مطموسة. زادكم الله وعيًا وإدراكا.
ياسيدي، من حقك أن تسأل كما تشاء بدون أي حرج – ما دامت هذه لهجتك التي تفصح عن رغبة في معرفة الحق. وتأكد أن طالب الحق بمثل هذه الروح لابد أن يطفيء الله ظمأه ويشفى غليله ويريح نفسه.
وعلينا أن نجيبك بقدر ما نستطيع.. وإلا قصّرنا في واجبنا وخنّا الأمانة. فقط أود قبل الإجابة على أسئلتك أن أخبرك بأن الجماعة الإسلامية الأحمدية ليست من المذاهب الفقهية أو الفكرية. إنها الإسلام الصحيح. وهذا ما يجب أن تكون.. لأنه إذا كان مؤسسها هو حقا الإمام المهدي والمسيح الموعود الذي أخبرنا عنه المصطفى .. لكانت هي سفينة النجاة لكل الناس، وكانت هي الملّة الناجية التي تمسك بالكتاب والسنة. هل يمكن أن يكون رئيس طائفة أو شيخ مذهب ندًّا للإمام المهدي والحكم العدل بتسمية المصطفى ؟ إن من مهماته الأساسية الفصل في خلافات المذاهب بما يؤدي إلى توحيدها.. فلا تبقى إلا ملة واحدة .. وإمام واحد هو المصطفى .
وإليك الرد الموجز على أسئلتك بترتيبها في رسالتك:
- لقد ضاع الشرطان اللازمان للخلافة من المسلمين بعد مقتل سيدنا الحسين .. وتولي حكم المسلمين ملك – وإن سمى نفسه خليفه، فالتسمية لا قيمة لها. ولكن الخلافة سلسلة متوالية من بعد نبي ينشئ جماعة ربانية.. ثم يتولى إمامتها الروحية من تختاره الأمة عن طيب خاطر على أساس من تقواه وصلاحه وسابق خدمته للمسلمين.
- إن ملأ الأرض عدلا وقسطا يتطلب فهم العدل والقسط. إن الإمام المهدي أو أي إنسان آخر.. لا يستطيع أن يملأ الأرض عدلا وقسطا بما يزيد على ما فعله النبي . إنه يوم بُعث ملأ الأرض عدلا وقسطا مع أنه كان ذا سلطان دنيوي محدود في المدينة. فالعدل والقسط هو بيان التعاليم الإلهية بيانا كاملا.. وإقامة الحجة على الناس جميعا، وتقديم الأسوة الحسنة والقدوة الطيبة في العمل والسلوك والخلق. يفهم هذا القول على ضوء ما قاله الله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ..
- ونعرف أن الإسلام عند وفاة النبي كان محصورا في جزيرة العرب ولم ينتصر ماديا على الأديان كلها. ومع ذلك فقد ظهر الإسلام على الدين كله بعد أن اتضحت رسالته علما وعملا، قولا وسلوكا في شخص النبي وجماعته التي قدِّر لها أن تتمم المسيرة، وأصبح الإسلام في نظر كل شريف النفس سويِّ العقل هو الدين الصحيح الظاهر على كل الأديان.
وبناء على ذلك… نقول أن الإمام المهدي قد أدى مهمته تماما.. فقد أوضح في كتبه كمالات الإسلام وجماله، وبين هدف خلق الإنسان ووسائل تحقيقه، وأرشد الناس إلى طريق الوصول إلى الله تعالى عن طريق اتباع النبي اتباعا صحيحا واعيا.. وأسس جماعة تسير في هذا السبيل لتحقيق ظهور الإسلام على الدين كله. وإذا كان الأمر كذلك فقد ملئت الأرض عدلا وقسطا لمن عمل بهذا الهدي الإلهي.. حتى وإن وضعوه في غياهب السجن.
إن عدالة الإسلام ومفاهيمة الحقيقية المثيرة تزحف إلى كل ركن من الأرض اليوم .. يحملها دعاة الأحمدية.. وتهبط من السماء عبر الأقمار الصناعية. وليس ببعيد ذلك اليوم الذي تصير فيه هذه الأرض جنة تتردد في جنباتها أناشيد ذكر الله تعالى وتسبح بحمده وحده. إنك وأنت تعلِّم تلاميذك في المدرسة تقتل الجهل وتبيد الظلام .. لمن؟ لمن يستمع لك ويتعلم منك ويعمل بما تقول؟ إنك إذا حذرت ابنك من اللص، ونبهته إلى أساليبه، وشرحت له كيف يتقيه.. فقد قتلت اللص وقضيت عليه .. متى؟ إذا أخذا ابنك بقولك وعمل به.
فعندما يدخل الناس هذه الجماعة -جماعة الإمام المهدي والمسيح الموعود- فإنهم يقربون اليوم الذي يتم فيه القضاء العملي على الدجال وتطهير الأرض من ظلمات صليبه. لقد وضعت البذرة ونمت وصارت شجرة طيبة .. وكلما امتدت فروعها أظلت عددا كبيرا وأمدتهم بالفئ والثمار.
2- إن للجماعة فروعا كثيرة في كل بلاد أفريقيا تقريبا. وبنشر الإسلام بين الوثنيين والمتنصرين والمسلمين الذين يحتاجون إلى فهم الإسلام.. يجري كسر الصليب كل يوم بدخول الناس في الإسلام مع الجماعة الإسلامية الأحمدية، وهناك تقارير المجامع الكنيسة تشكو مر الشكوى من جهود دعاة الأحمدية ونجاحهم الذي وقف عقبة صعبة ضد الإرساليين الصليبيين.
4- أما رأي الأحمدية عن كل المذاهب الأخرى فهو أمر بديهي. إذا كان مؤسس الجماعة هو الإمام المهدي والمسيح الموعود فيجب كل المسلمين -مهما كان مذهبهم- أن يبايعوه.. فتنمحي خلافاتهم وتنتهي فُرقتهم..
ويصبح الحق واحدا لا خلاف فيه.. كتاب الله وهدي رسوله .
وإذا أبوا كانوا مخالفين لتوجيه الرسول ، ومسئولين أمام الله تعالى لتقصيرهم في العمل على إحياء الإسلام والجهاد الذي أمر به.
5- لا أرى أن العقيدة في الله مسألة شائكة. إنها عقيدة التوحيد البسيطة التي جاء بها الرسول الأُمي لأعراب الصحراء الأميين فجعلهم أولياء لله يملأون العالم نورا وحضارة.
الله سبحانه وتعالى واحد، متصف بكل الكمالات، منزه عن كل النقائص.. ليس كمثله شيء .. وكل ما سواه مخلوق له.. صفاته كلها فعالة دون توقف أو تضارب.
إن الذين يعقِّدون الأمور يفعلون ذلك إما لمتعة عقلية، أو ليتعيَّشوا منها، أو لتخبطهم في جهالة الخلط بين الخالق والمخلوق.
6- النبوة والرسالة بالنسبة للإنسان وجهان لعملة واحدة.. فالنبي هو من ينبيء عن الله .. والرسول هو من يحمل هذه الأنباء إلى الناس. فكل نبي رسول وكل رسول من البشر نبي.
والنبوة بطبيعتها تقتضي الوحي.. أي كلام الله الموجه لمن اختاره نبيا ورسولا. وهذا الوحي إما أن يكون فيه تشريع وأحكام أو أن يكون تثبيتا و توجيها.
النوع الأول من الوحي قد بلغ كماله في شخص المصطفى فليس بعده رسول يأتي بشريعة جديدة.. تزيد على القرآن أو تنقص منه.
أما النبوة والرسالة الثانية .. التي هي للتوجيه والتثبيت فهي باقية لا تنقطع إلى يوم القيامة. وهي بالطبع خاضعة تماما لإرادة الله وحكمته.. وليست منصبا يملكه أي مخلوق. كل مافي الأمر أن من يدعي النبوة.. أن يكون من أمة محمد ، خادما لشريعته، لا يزيد عليها ولا ينقص منها .. ويكون أسوة حسنة للمسلمين. وإذا اختار الله تعالى مثل هذا الشخص فلابد أن تكون له آيات دالة على صدقه، وعليه أن يبينها للناس.. فإن كان نبيا صادقا أفلح في مهمته.. وإلا فسوف يهلكه الله تعالى .. الذي قال عن أصدق الأنبياء
7- أهم خدماتنا هي: نشر الإسلام وتقديمه للعالم خاليا من التشويه الذي أحدثه المسلمون أو افتراه أعداء الإسلام، توضيح مفاهيم الإسلام، الدفاع عن الإسلام بالحجة البينة، خدمة المجتمعات بالمدارس والمستشفيات والمساجد، والمعونات للمنكوبين بقدر استطاعتنا، الدعوة إلى المحبة ونبذ الكراهية وإقامة السلام.
8- أما التمويل فهو مما يدفعه أبناء الجماعة، فكل أحمدي ملتزم أن يدفع في سبيل الله 1:16 أي 6.25% من دخله الذي يرزقه الله به. أما المتميز فيدفع 10% من دخله على الأقل، ويسمى الموصي ..
والجماعة لا تقبل أي معونة من حكومة أو حزب أو هيئة أو فرد .. فكل قرش تحصل عليه هو من الكسب الحلال لأبنائها.. الفقراء قبل الأغنياء، الأطفال قبل الكبار، والنساء قبل الرجال. وأشد عقاب إداري في الجماعة هو رفض مساهماته المالية. وكل العاملين بها متطوعون.. ولذلك يبارك الله جهودها.. والحمد لله أولا و آخرًا.
هذه ردود موجزة على أسئلة كثيرة.. ولو أردت تناول هذه المسائل بتفصيل أكثر فاكتب لي بما تراه.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى مايرضاه، ويكتب لنا نصيبا مشكورا في خدمة دينة الحنيف. وأن يجعلنا ممن يؤثرون الدين على الدنيا، ولا يخشون في الحق لومة لائم. آمين.
وفقك الله في عملك، وجعل نشاطاتك كلها فيما يرضيه. وكما رأيت
تعني أن تكون جميعا وحدة واحدة وليس مذاهب. جمعنا الله على الحق.
سوف تصلك الكتب والنشرات بالبريد البحري! فلا تقلق.
والسلام.