نبأ عظيم لمن يبتغي الحق

بعد مراجعة الترجمة العربية لكتاب (فلسفة تعاليم الإسلام) وهو خطبة لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود .. ننشر هذا الكتاب هدية لكل طالب حق.. كي يتعرف عليه ويتذوق حكمة تعاليم الإسلام.. بلسان من أقامه الله تعالى وبشّر بمقدمه المصطفى .. لإحياء الإسلام وعرض جماله وكماله على العالمين. التقوى

نبأ عظيم لمن يبتغي الحق

لقد دعا “سوامي شوكَن شاندرا” في إعلانه المنشور الزعماء الدينيين من المسلمين والمسيحيين والآريين.. وناشدهم باسم الله أن يبينوا حقائق ومزايا أديانهم في مؤتمر اقترح عقده. ونحن نود أنه نخبر سوامي صاحب أنه إكراما لإسم الله تعالى كما ذكر.. فإننا على استعداد لإجابة مطلبه، وسوف يُتلى خطابنا إن شاء الله في المؤتمر المقترح. إن الإسلام هو الدين الذي يحض المسلم الصادق السبق في الطاعة إذا دُعي إلى عمل ما في سبيل الله تعالى. وسوف نرى الآن مدى إخلاص إخوانه من الزعماء الدينيين.. سواء كانوا من الآريين أو المسيحيين لشرف البرمشوار “الإله عند طائفة من  الآريين من الهندوس” أو ليسوع المسيح، وما إذا كانوا على استعداد للإشتراك في ذلك المؤتمر المقترح عقده باسم الإله القدوس الأعظم.

لقد كتب هذا العبد المتواضع مقالا سوف يتلى على الملأ في مؤتمر الأديان العظمى الذي سيتم عقده في قاعة المدينة ( Town Hall) بمدينة لاهور في 26، 27،28 من شهر ديسمبر 1896م يتناول فيه مزايا الإسلام ومعجزات القرآن الكريم.

وليس هذا المقال من نتاج الجهد العادي للإنسان وإنما هو آية من آيات الله تعالى سُطّرت بتأييده الخاص. وهو يشرح الحقائق وجوانب الجمال التي يذخر بها القرآن هو -بكل حق- كلمة الله، وهو كتاب منزل من لدن رب العالمين. وإنني على يقين أن من يستمع إلى هذا المقال من أوله إلى آخره ويُنصت لمعالجتي للأسئلة الخمسة التي وضعها المؤتمر فإنه سوف يشعر بإيمان جديد يغزو قلبه، وسوف يُبصر نورا جديدا يشع داخل فؤاده، وينال فهمًا ويكتسب تفسيرا متكاملا لكلام الله تعالى. إن مقالي هذا خالٍ من زلات الأخطاء البشرية والمزاعم الخاوية والتأكيدات الفارغة.

لقد حركتني مشاعر الشفقة على بني نوعي من الإنسان لكي أقدم على هذا الإعلان.. وذلك حتى يشاهدوا جمال القرآن الكريم، ويدركوا مدى خطأ معارضينا الذين يحبون الظلام ويكرهون النور. عن الله العليم الخبير قد أوحى إليّ أن مقالي سوف ينال السبق العظيم على كل سائر المقالات الأخرى فهو مملوء من أنوار الحقائق والحكمة والعرفان التي سوف تصم كل الأحزاب الأخرى بالخجل.. بشرط أن يحضروا المؤتمر ويستمعوا إلى هذا المقال من أوله إلى آخره. وأنهم لن يستطيعوا أن يستخرجوا من صحفهم من المعارف ما يتقارب مع ما احتواه هذا المقال سواء كانوا من المسيحيين أو الآريين أو سناتن دهرم أو من أي فرقة أخرى.. لأن الله العزيز قد قدّر أن يتجلى شأن كتابه العظيم في ذلك اليوم. لقد رأيت في كشف أن يدًا من وراء الغيب قد حطت على قصري. وبلسمة تلك اليد انبعث من القصر نور عظيم، وانتشر في جميع الأنحاء، وفي كل اتجاه، كما أنه أضاء يداي أيضا. وحينئذ هتف أحد الواقفين بجواري بصوت عظيم : “الله أكبر خربت خيبر”. وتفسير ذلك أن القصر يرمز لجناني الذي غشيه النور السماوي لحقائق القرآن العظيم، وأما خيبر فهي تعني جميع الأديان المنحرفة التي خربتها الوثنية والضلالات التي رُفع فيها الإنسان العاجز إلى مقام الله تعالى، أو التي انحطت فيها الصفات الإلهية من مقامها الأسمى.

وعلى ذلك فقد تكشّف لي أن نشر هذا المقال على نطاق واسع سوف يكشف زيف الأديان الباطلة، بينما تتضح وتنتشر باضطراد حقائق القرآن المجيد في الأرض حتى تصل إلى أوجها. ومن حالة الكشف تلك انتقلت إلى حالة تلقّي الوحي، فأوحى إليّ ربي بقوله “إن الله معك. إن الله يقوم حيث تقوم”. وهذا تعبير مجازي يفيد تأكيد التأييد الإلهي.

ولا أراني بحاجة إلى المزيد من الكتابة، بل إنني أحث الجميع أن يحضروا المؤتمر في لاهور.. حتى ولو تكبدوا بعض العناء، وأن يستمعوا إلى هاتيك الحقائق. فإن فعلوا هذا.. فإنّ بصائرهم وإيمانهم سوف تنال من البركات ما يفوق كل توقعاتهم. والسلام على من اتبع الهدى.

غلام أحمد

قاديان. 21 ديسمبر 1896

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمده ونصلي على رسوله الكريم

مدار البحث

إنني أتولى اليوم إظهار محاسن الإسلام في هذا المجمع المبارك الذي كان الغرض منه أن يبين فيه كل مندوب عن زعماء الأديان مزايا دينه، مراعيًا في ذلك الأسئلة الخمسة المنشورة على صفحات الجرائد. وقبل الخوض في موضوع الخطاب، أرى من المناسب أن أخبركم أنني أتعهد فيما أنا قائله أن لا أذكر إلا ما ذكره القرآن المجيد.. كلام الله القدسي.. لأنني أرى أن أول واجب على من يتديّن بكتاب يعتقد أنه وحي ربّاني، أن لا يتوسع فيما أُسند عليه من سُلطة التمثيل وواجب النيابة، بحيث ينشئ من آرائه كتابًا جديدًا.

الأمانة في التمثيل

وبما أنني أخذت اليوم على عاتقي أن أظهر فضائل القرآن المجيد، وأبيّن كمالاته، فخليق بي أن أتقيد بالقاعدة المذكورة، فلا أتعسف في كلمة ما عما يقوله القرآن العظيم، وإنني لفاعل، ولن أقول شيئا إلا اعتمادًا على بيّنات القرآن المجيد، مستمدًا من تصريحاته وإشاراته، من غير أن أحمل شيئا منها على معنى لا تكون دلالته ظاهرة واضحة من سياق الكلام وسباقه، والمأمول من غيري أيضًا أن يلاحظ نفس المبدأ فيما يذكر نقلا عن كتابه المقدس، وذلك كي يتسنى للسامعين الكرام أن يقارنوا بين الكتب المختلفة بعضها البعض، فيحكموا لكل منها حسب قيمته، ويعلموا مبلغه من الصحة والإصابة، ومكانته من السمو والفضل.

وإني -حرصًا على محافظتي على المبدأ المذكور، ورجاءً في أن يتمسك كل متحدث بكتابه المقدس- قد تركت الأحاديث النبوية الصحيحة جانبًا، وإن كانت جميعها مأخوذة من القرآن العظيم وهو الكتاب الكامل الذي خُتمت به الكتب كلها. فاليوم يوم يتجلّى فيه القرآن شأن جليل، ويتحقق للملأ أن كلمته هي العليا، وإنّا لندعو الله أن يكون لنا ناصرًا ومعينًا. آمين.

تنبيــه

ضرورة الكلمة التمهيدية

لا يغيبن عن السامعين الكرام أنهم سيجدون في أوائل هذا الخطاب تمهيدًا ربما ظنوا ألا علاقة له بالموضوع، ولكنه في الحقيقة أمر ضروري جدًا حتى لا يتعذر على أحد إدراك الغرض المقصود.

السؤال الأول

حالات الإنسان

الطبْعية والأخلاقية والروحانية

الحالات الثلاث للنفس البشرية

لا يخفى أن السؤال الأول يتصل بحالات الإنسان الطبْعية والأخلاقية والروحانية.

أما الجواب.. فاعلموا أنَّ القرآن الحكيم قد قسّم هذه الحالات الثلاث تقسيمًا يحدد لها ثلاثة مبادئ، لكل حالةٍ منها مبدأ على حِدة. وبعبارةٍ أخرى: إنه جعل لها ثلاث ينابيع تنبع منها تلك الحالات كل على حدة من ينبوعها الخاص.

الحالة الأولى: النفس الأمارة 

يسمَّى الينبوعَ الأول.. الذي يُعتبر منشأ جميع الحالات الطبْعية.. “النفسَ الأمارة”، وذلك في قوله تعالى: إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسوءِ (يوسف: 54)

أي أنَّ طبيعة النفس الأمَّارة أنها تميل بالإنسان إلى فعل السيئات التي تُغاير الأخلاقَ وتُنافي الكمال، وتدفعه إلى السير في مسالك السوء ومذاهب المنكر. فخروج الإنسان عن حد الاعتدال وجموحُه إلى السيئات، حالةٌ تسبق بطبيعتها الحالة الأخلاقية في الاستيلاء عليه طبعيًا، وتظلُّ هذه الحالة طبْعية في الأكل والشرب والنوم واليقظة والغيظ والغضب وما شابه ذلك من الميول والأهواء.

أما إذا تصرَّف الإنسان في حالاته الطبْعية على ضوء توجيه العقل والعرفان، وراعى فيها حد الاعتدال المطلوب، فلا تبقى هذه الحالات طباعًا، بل تصير أخلاقا كما سنبيّنه بالإيجاز فيما بعد.

الحالة الثانية: النفس اللوَّامة

وأما منشأ الحالات الأخلاقية فاسمه في القرآن المجيد.. “النفس اللوامة”.. كما يقول:

وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (القيامة: 3)

 أي أُقسِم بالنفس التي تلوم ذاتها على كل مأثمة تغشاها أو زلّةٍ تبدر منها. هذه النفس اللوامة هي الينبوع الثاني الذي تنشأ منه الحالات الأخلاقية. وإذا وصل الإنسان إلى هذه الدرجة نجا من مشابهة الأنعام. والله تعالى لم يُقْسِم هنا بالنفس اللوامة إلّا تنويهًا1 بشأنها، فكأنما استحقت النفس عند الله هذا الإكرام من أجل أنها انسلخت عن طبيعتها الأولى الأمّارة بالسوء وارتقت إلى درجة النفس اللوامة.

وقد سمَّاها باللوامة لأنها تلوم الإنسان على الشرّ، ولا ترضى له في حالٍ من الأحوال أن يستهتر في ميوله وأهوائه، ويسترسل في الشهوات ومقتضيات الغرائز الطبعيّة استرسال الأنعام الهُمَّل2، ويعيش عيشة البهائم والدواب المطلقة القيود والأرسان3. بل تُطالبه بأن يسترشد عقله وفكره في تلبية دواعي الغرائز والقيام بمقتضى الشهوات الطبعيّة. ولا يتجاوز في جميع لوازم الحياة حدَّ الاعتدال، ولا يصدر منه إلّا خيرُ الحالات وصالح الأخلاق. وبما أنَّ النفس تلوم الإنسان على سوء فعله مرةً بعد أخرى فقد وصفها الله تعالى باللّوامة أي كثيرة اللّوم.

والنفس اللوامة وإن كانت تمقتُ الانصياعَ للشهوات الطبْعية، ولا تنفك تزجر نفسها عنها.. فإنها مع ذلك لا تكون قادرةً كل القدرة على عمل الصالحات، بل إن النوازع الطبْعية تصرعها أحيانا فتتعثر وتسقط كالطفل الضعيف الذي يحاول ألا يسقط، إلا أنه يسقط بسبب ضعفه، ويأسف على عجزه هذا.

وخلاصة القول.. إن هذه الحالة الأخلاقية التي تجمع بها النفس في ذاتها مكارم الأخلاق، وتكره الطغيان والفسوق.. لا تستطيع بعد أن تتغلب على النفس الأمارة حق الغلبة.

الحالة الثالثة: النفس المطمئنة

المنبع الثالث، اسمه في مصطلح القرآن الحكيم: “النفس المطمئنّة”، وهو الذي ينبغي أن نعتبره منشأ الحالات الروحانية كلها، وقد ورد ذكره في قول الله تعالى:

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي (الفجر: 28-31).

 إنَّ هذا المقام الروحاني هو الذي تخلع فيه النفس الضعف والوهَن كله، وتمتلئ من الملكات الروحانية، وتتصل بربها اتصالا لا تكاد تحيا بدونه طرفة عين. وكما أن السيل المنحدر من فوق التلال يتدفق في جريانه تدفقًا شديدًا بسبب غزارة أمواجه دون أن يعترض سبيله عائق يمنع مجراه وينقص من سرعته، فكذلك النفس المطمئنة تنطلق إلى الله مندفعةً اندفاعًا شديدًا لا يحول دونه حائل. وإلى هذا الاندفاع تشير الآية:

  يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ * ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيّةً .  (الفجر: 28-29)

 إنَّ النفس تتبدَّلُ تبدلاً عظيمًا في هذه الحياة، لا بعد الموت، وتجد جنّتها في هذا العالم، لا في غيره. وفي هذا العالم تتربّى النفس من ربوبية الله، وتستقي من مَعِين الحياة السرمدي، وتستمدُّ غذاءها من نَمِير4 حُبّ الله الدائم الذي لاتذوق معه الموت أبدًا، كما تدلُّنا الآية السابقة، وكما جاء ذكر ذلك في قوله تعالى:

  قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (الشمس: 10-11)

أي من طهَّر نفسه من الشوائب الأرضية فقد نجا من الهلاك، وأما من أخلد إلى الأرض فقد يئس من الحياة.

هذه هي الحالات الثلاث التي يمكن أن نسميها -بعبارةٍ أخرى- الحالات الطبْعية والأخلاقية والروحانية. وبما أن النوازع الطبْعية تعود عند الإفراط خطرًا عظيمًا، وكثيرا ما تُفسد أخلاقَ الإنسان وتتلف روحانيته، لذلك فقد عُبِّر عنها في كتاب الله القدُّوس باسم النفس الأمارة بالسوء.

علاقة حالات النفس الثلاث في ضوء هَدي القرآن المجيد

تأثير أوضاع الجسم الظاهرية في الحالات الروحانية

إذا سأل سائلٌ: ما هي تعاليم القرآن المجيد لأجل إصلاح الحالات الطبْعية؟ كيف يرشد الإنسان في هذا الشأن، وإلى أي حدٍّ يسمح بالعمل على مقتضاها؟

فالجواب على ذلك وفق هداية الفرقان أنَّ للحالات الطبْعية مع الحالات الأخلاقية والروحانية روابط شديدة جدًا حتى أنَّ أسلوب المرء في الأكل والشرب يؤثّر أيضا في حالات الإنسان الأخلاقية والروحانية. فلو استخدم الإنسان أوضاعه الطبْعية حسب تعليمات الشريعة لصارت كلّ هذه الأوضاع أخلاقًا كما تتحوَّل الأشياء في معدن الملح ملحًا، ولأثَّرت في روحانيته تأثيرًا عميقًا. ومن أجل ذلك اهتم القرآن المجيد أشدَّ الاهتمام بتعديل الأوضاع الظاهريّة، ورعاية الطهارة الجسمانية في سائر العبادات وفي جميع الفرائض التي كان القصد منها إخضاعَ النفس وتزكية الباطن.

ومتى أمعنا النظر في حكمة أوامر الشريعة المتعلِّقة بظاهر الحركات، تبيَّن لنا أن الفلسفة الصحيحة الصائبة.. غاية الصحة والصواب.. هي أن للأوضاع الجسمانية تأثيرًا قويًا في الروح. وينكشف ذلك التأثير جليًّا من دراسة وظائف الأعضاء، وما يحدث بسبب هذه الاوضاع من الآثار في الفطرة الباطنة. إنَّ بين هذه وتلك صلةً عميقة وعلاقةً متينة. فإنَّ حركاتنا الطبْعية، وإن كانت جسمانية، فلها في حالاتنا الروحانية أثر محسوس، فالعين مثلا إذا أخذتْ في البكاء ولو تصنُّعًا.. لا بد أن ينبعث من الدموع لوعةً تسري إلى القلب، فَيَخضع لأثرها ويكتئب. وكذلك لو ضحِكنا وإن يكن تكلّفًا في بادئ الأمر يكتسب الفؤاد فرحًا وانبساطًا. وكذلك نرى أن السجود الجسماني يولد في نفس الساجد حالة من التضرُّع والخشوع، كما نشاهد بالعكس أنَّ التطاول والتقاعس والتغطرس يُصيب المرء كبرا وغطرسة. ومن هذه الأمثلة يتبين بكمال الوضوح أن للأوضاع الجسمانية في الحالات الروحانية أثرا من دون ريب.

تأثير الأغذية في القوى النفسيّة

كذلك تثبتُ لنا التجارب أنَّ الأغذية المتنوعة تؤثّر أيضا في الوظائف الفكرية والقوى النفسية.

تأمَّلوا قليلاً أولئك الذين لا يأكلون اللحوم كيف تضمحلُّ فيهم قوة الشجاعة شيئا فشيئا حتى إنهم يصبحون جبناء للغاية، ويفقدون بسبب ذلك قوةً محمودة.. هي إحدى مواهب الرحمن الجليلة! ولنا في ذلك شاهدٌ آخر من السُنة الإلهية الجارية في الحيوانات التي تقتات بالأعشاب، إذ لا يوجد من بينها حيوانٌ واحد له مِثلُ شجاعة الحيوان الذي يتغذى باللحوم، وهذا هو المشاهَدُ بعينه في الطيور. وإذن فلا شك أن الأغذية تؤثر في الأخلاق تأثيرا عظيما.

أجل.. إن الذين يُغرَمون باللحوم ليل نهار، ولا يتناولون من البقول إلا قليلا جدا، يتضاءل فيهم خُلق الحلم والتواضع كما يتضاءل خُلق الشجاعة في الذين يجتنبون اللحوم كليةً، والذين يتخذون بينهما طريقا وسطًا يَرِثونَ كِلا الخُلقيْن.. الشجاعة والرحمة.. ولهذه الحكمة نفسها أمرنا تعالى بقوله

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا (الأعراف:32)

أي كُلوا من اللحوم ومن البقول، ولا تُفرطوا في شيء مما تأكلون، لئلا تتضرر الصحة من هذا الإفراط، فيَسري إلى الأخلاق أثره السيء.

التفاعل بين الحالات الروحانية والهيئات الجسمانية

وكما أن الأفعال الجسمانية تؤثر في الروح، كذلك فإن للروح تأثيرًا يَنبثُّ في الجسم أحيانًا كثيرة ويبعث فيه آثارًا واضحة فمَنْ أصابه الغم اغرورقت عيناه بالدموع، ومن أحس بالسرور افترّت مباسمه5.

إن جميع ما لنا من الأفعال الطبْعية الضرورية كالأكل والشرب والنوم واليقظة والحركة والسكون والاغتسال وغيره.. كل ذلك مما يؤثر في حالاتنا الروحانية، وإن بين تكويننا الجسماني وجِبلَّتنا6 رابطةٌ مُحكمة، إذ تذهب قوة الإدراك بغتة بإصابةٍ واحدة في مركز من المراكز الدماغيّة، وبأخرى يغيب الإنسان عن العقل والشعور تمامًا، وكذلك ترون أنَّ الأهواء الوبيئة السامة سرعان ما تغمر القلب بعد أن تسري في الجسم كله، فلا يلبث أن يختل النظام الباطني الذي به قوام الأخلاق كلها، وفي بضع دقائق يجود الإنسان بنفسه مكروبًا مخذولاً.

نشأة الروح من الجسم

فكم هي عجيبة هذه الحوادث والإصابات الجسمانيّة التي تمرُّ بنا وتقع أمام أعيننا كل يوم! وما هي في الحقيقة إلّا أمثلة صادقة وأدلة بيّنة تُثبت أنَّ بين الروح والجسم علاقةً ليس في وسع الإنسان أن يكشف سرّها المكنون. وليس أدلّ على ذلك من أنَّ الروح تتولَّد من الجسم وتنشأ فيه. إنَّ الأراوح لا تتنزَّل في بطون الحوامل من جوِّ السماء، وإنّما هي نورٌ مكنون في النطفة نفسها، تنكشف شيئًا فشيئًا مع نشوئها ونموِّها.

يخبرنا كلام الله القدسي.. بأنَّ الروح تبرز في الوجود من نفس القالب الذي يتكوَّن في الرحم من النطفة، كما يقول في كتابه الحكيم.. حيث يذكر تكوَّن الإنسان من النطفة فالعلقة:

ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (المؤمنون: 15)

أي أننا نُنشئ الجسم بعد تهيئته في الرحِم نشأةً أُخرى، ونُبرزُ له خلقًا آخر يسمّى الروح، فتبارك الله أحسن الخالقين.

نشأة الروح في الأعمال الصالحة

إنَّ ما ذكره الله تعالى من إنشائه الخلق الآخر في الجسم هو سرٌّ غامض يُبيّن حقيقة الروح، ويُشير إلى ما بينها وبين الجسم من الصِلات المستحكمة. وكذلك يدلُّ على أنَّ هذه الحكمة الإلهيّة نفسها تتعلَّق بأعمال الإنسان وأقواله وأفعاله الطبعيّة كلها إِذا أصبحت خالصةً لله وصدرت في سبيله، أي أنَّ الأعمال المخلصة تكمن فيها الروح منذ الابتداء كمون الروح في النطفة، حتى إذا اكتمل القالب في تكوّنه واستوى.. فهناك تبتدئ في جسد الأعمال حركة الحياة المحسوسة، وسرعان ما يكتمل قالبها وينبثق في داخله نورٌ ساطع، يتلألأ كالبرق تلألؤًا واضحًا، وهذه هي الفترة التي يصفها الله تعالى في كتابه الحميد بقوله:

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر: 20)

أي إذا أتممتُ قالب الأعمال، ووضعتُ جميع مظاهر التجليّات في مواضعها، ونفخت فيه من روحي، وجب عليكم جميعًا أن تخرّوا له على الأرض ساجدين. فالآية تُشير إلى نفس المعنى.. أي عندما يستعدُّ قالب الأعمال استعداده التام، تتجلّى فيه تلك الروح التي نسبها الله تعالى إلى ذاته، لأنَّ هذا القالب لا يبلغ تمام الخلق إلا إذا طرأ على الحياة الدنيا الفناء الكامل. فإذا تمّ تكوينه هذا.. أشرق معه النور الربّاني دفعةً واحدة ولم يكُ من قبل إلا ضئيلاً. ووجب على كل من يشاهد هذه الآية الإلهيّة أن يسجد لها وينجذب إليها، وهكذا يسجد الجميع عند رؤية هذا النور.. ويُقبلون عليه عن طيب نفس.. إلا إبليس اللعين الذي يحبُّ الظلام.

والآن نعود إلى ما كنا بصدده فنقول.. إنَّ الحقّ الذي لا ريب فيه مطلقًا هو أنَّ الروح نورٌ لطيف ينشأ من الجسم الذي يتكوَّن داخل الرحم، والمراد من نشوء الروح من الجسم.. ظهورها بعد الكمون.. أي أنَّ جرثومتها كانت أولاً مستترة في باطن النطفة ثم برزت إلى حيّز الظهور. ولا شكَّ أنَّ للروح علاقةً غامضة بالنطفة في علم الله ومشيئته، وانّها جوهر النطفة النوراني. ولكننا لا نستطيع أن نقول أنها تدخل النطفة من الخارج، أو أنها تهبط على الأرض من السماء فتمتزج بمادة النطفة، بل إنها كامنة في النطفة كمون النار في الزند7.

خطأ فكرة الهندوس عن الروح

كلا.. لا يقول الله أنَّ الروح لها وجود مستقل، أو أنّها تتنزَّل من السماء أو تهبط على الأرض من جوِّ الفضاء.. ثم تختلط بالنطفة مصادفةً وتتسرَّب معها إلى الرحم. إنَّ هذا لزعمٌ باطل لا يصحُّ أبدًا، ولئن ظننا هذا لكذَّبتنا سُنن الفطرة وشهدت علينا قوانين الطبيعة، فإننا نرى كل يوم أنَّ ألوفًا مؤلفةً من الديدان والجراثيم تتكوَّن من الأطعمة الآسنة والمتعفنة وفي الجروح المتقيِّحة، ومئات من القمل تتولَّد في الأسمال القذرة والأطمار المتسخة. فهل نقول أنَّ أرواحها تأتي من الخارج؟ أم هل رآها أحدٌ تتساقط من السماء؟ كلا، بل إنَّ الروح تنشأ من الجسم نفسه، وهذا النشوء دليلٌ قاطع على كونها مخلوقةً كسائر المخلوقات.

النشأة الثانية للروح

إنَّ الخالق القدير الذي -بقدرته الكاملة- أنشا في الجسم  نشأة الروح الأولى، يريد كذلك أن يجعل الجسم مظهر نشأة الروح الثانية.

ومما هو بيّن واضح.. أنَّ حركة الروح مرتبطة بحركة الجسم، وأننا حيثما قُدنا الجسم انقادت معه الروح وتبعته، لذلك يجدر بكتاب الله الحق ألا يُقصّر عن معالجة حالات الإنسان الطبعيّة، بل يعتني بتعديلها وإصلاحها قبل كل شيء. ولذلك رأينا القرآن الكريم يوجّه عنايةً خاصة نحو إصلاح أوضاع الإنسان الطبعيّة، والتفت إلى ذلك أشدَّ الالتفات، وأرشد الإنسان إلى الطريق المـُثلى فيما يجب عليه وما ينبغي له من مراعاة الآداب والأطوار في الأكل، والشرب، والقيام، والقعود، والمشي، والوقوف، والنطق، والصمت، والضحك، والبكاء، والغسل، والنظافة، والمرض، والصحة، والزواج، والعزوبة، وفي جميع أفعاله وحركاته الجسمانية، واعتبر هذه الحالات الطبعيّة على اختلافها أعظم مؤثر في حالات الإنسان الروحانية، ولئن تناولتُ هذه الأمور بالتفصيل فلا أحسب أن الوقت يسمح لي بذلك، فالموضوع فسيح الجوانب.

الارتقاء التدريجي للإنسان

كلّما تدبَّرتُ كلام الله المجيد، وتأملتُ بإمعان كيف أراد الله تعالى أن يعلَّم الإنسان مبادئ الإصلاح لحالاته الطبعيّة ليسمو به إلى الأعلى فالأعلى، حتى يبلغ به منتهى المعراج الروحاني، تبيَّن لي في كل ذلك أنَّ الله سبحانه وتعالى أراد ان يُعلِّم الإنسان قواعد المعيشة الضرورية، وأنّ هذه البداية الحكيمة تتضمَّن آداب المعاشرة الأوليّة من الأكل والشرب والقعود والقيام والنطق والمحادثة وغير ذلك من سائر آداب المعاشرة، وبذلك يخرج من الأطوار البهيميّة، ويميّزه من مشابهة الأنعام تمييزًا كاملاً، فيسمو به عن الهمجيّة والتوحّش، ويصل به إلى أول حالة أخلاقية، تسمّى الأدب والتهذيب. ثم بعد ذلك يريد أن يخفِّف من حدّة عاداته الطبعيّة التي نسميّها رذائل تخفيفًا تتحوَّل به أخلاقًا فاضلة. ولايخفى أن كلتا هاتين الطريقتين شيء واحد لأنهما تهدفان إلى إصلاح الحالات الطبعيّة. وليس الفرق بينهما إلا للتمييز بين الأدنى والأعلى، وقد بيَّن الله الحكيم هذا النظام بهذا النسق ليتيسَّر للإنسان الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى.

ثم إنَّ الحالة الثالثة التي حدَّدها الله لتَقدُّمِ الإنسان روحانيًا هي أن يفنى الإنسان في حبِّ خالقه ويصبح وجوده لله وحده. وهي التي من أجل أن يذكرها المسلمون دائمًا أبدًا.. سمَّى الله دينهم باسم الإسلام.. لأنَّ الإسلام معناه أن يكون الإنسان كله لله، وأن لا يبقى لذاته من شيء، كما يقول تعالى:

بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة: 113)

أي ليست النجاة بالأقاويل، بل إنَّ الناجي هو ذلك الإنسان الذي تلَّ نفسه ضحيةً في سبيل الله، وأثبت صدقه ليس بمجرد الأماني بل بالأعمال الصالحة. فمن كان هذا شأنه فقد حقَّ له عند الله أجره، ويكون ممن لا يخافون شيئًا ولا يحزنون.

ويقول بنفس المعنى في مقامٍ آخر:

  قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 163 -164)

 ويقول:

وَأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتِّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ (الأنعام: 154)

 ويقول:

قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ آل (عمران: 32).

الفرق بين الحالات الثلاث والصلة بين عناصر الارتقاء

فلنأتِ الآن إلى بيان الدرجات الثلاث المذكورة كل على حدة، ولكن يجب أن أُخبركم قبل كل ذلك بأن الحالاتِ الطبْعية التي مبدؤها النفس الأمارة ليست بمنفصلة عن الحالات الأخلاقية، كما يتبيّن ذلك من كلام الله المجيد الذي جعل جميع الغرائز والشهوات والأميال والأهواء في عِداد الأطوار الطبْعية، وهذه الأطوار الطبْعية.. بتعديلها واستعمالها تحت إشراف العقل.. تتحول هي نفسها إلى أخلاق فاضلة. وعلى ذلك.. فإنَّ الحالات الأخلاقية ليست مغايرة للحالات الروحانيّة، بل إنَّ الحالات الأخلاقية نفسها تصطبغ بالصبغة الروحانية من خلال التزكية التامة. والحب الخالص لله تعالى، والفناء الكامل في ذاته، والوصال الربّاني الكامل، ومنتهى السكينة والطمأنينة التي ينالها الإنسان بذكر الله تعالى، وتضحية النفس في سبيله، ألا فاعلموا أن الحالات الطبعيّة لا تؤهّل الإنسان للثناء ما لم تَصِر أخلاقًا.. إذ لا تخلو منها العجماوات وحتى الجمادات. وعلى ذلك فإنّ الأخلاق الفاضلة وحدها لا تمنح الإنسان حياة روحانية، فقد يتخلَّق بها زنديق يكفر بالله. إنّ استكانة القلب، ورقّة الفؤاد، والمسالمة والمداراة، ومجانبة الشر، والإعراض عن مقاومة الشرير.. كل هذه حالات طبعيّة يمكن أن يتصف بها من يجهل ينبوع الحياة الحقيقي ويكون محرومًا منه كل الحرمان. فكم من حيوانٍ مسكين يُظهِر الهوادة بالاستئناس والاستئلاف، نراه ذلولاً لا يُبدي حراكًا مهما ضُرب، ومع هذا لا يصحُّ أن نُسميه إنسانًا، فضلاً عن أن نعدَّه بسبب دماثة طبائِعه من الطبقة السامية بين البشر، وعلى ذلك يمكن أن يتطبَّع بذلك شرّ الزنادقة، بل ويمكن أن يتصف بها من يرتكب بعض الفواحش أيضًا. ومن الممكن أن تبلغ الرأفة بالإنسان إلى درجةٍ لا يُجيز معها قتل الديدان التي تختلج في جروحه وتؤلمه، وأن يُشفق على ذوات الحياة بحيث لا يرضى أن يؤذي حتى القمل الذي يدبُّ في الرأس والديدان التي تتولّد في الأمعاء والدماغ، وإنني لأقبلُ أن تُفضي الرحمة بالإنسان أن يعافَ العسل إبقاءً على النحل، إذ لا يُشتار العسل إلا بعد إزعاج النحل من مأمنها وإتلاف كثيرٍ من نفوسها. وأني لأُسلِّم أيضًا أن يأنف البعض من المسك لأنه من دم الغزال المسكين وأنه لا يُقتنى إلا بعد قتله وتشريد أطفاله، وكذلك لا أُنكر أن يكفّ الناس عن استعمال اللآليء ويمسكوا عن لبس الحرير رحمةً وحنانًا بالحيوان لأنهما لا يمكن الحصول عليهما إلا بالقضاء على تلك الدُويْبَات٨. بل وإني أُصدِّق بأن يُتوفى المرء وهو في شدة مصابه يتحمل مضض٩ الألم في نفسه ولا يريد للعَلَق المسكين الموت. وفي نهاية الأمر، فإنّي لا أُكذِّب.. وإن كذَّب غيري.. أنّ فلانًا قد بلغت به الرحمة منتهاها بأن ترك شرب الماء وأعطب نفسه من أجل سلامة الجراثيم الموجودة في الماء! نعم، أقبلُ كل هذا، ولكن لا أقبل اعتبار جميع هذه الحالات الطبعية شيئًا من الأخلاق، أو أنها وحدها تُطهّر الأدران الباطنة التي تَحُولُ بين المرء وبين الله. كلا، لا أُصدّق أنّ التمسكن والتحالم والتوادع والطباع التي قد يفوق الحيوان فيها البشر بشيءٍ قليل.. تضمن للإنسان الارتقاء الأسمى وتوصله إلى المقام الأعلى من معراج الإنسانية. كلا، إنّ ذلك.. كما يقول البعض.. حربٌ على سُنن الفطرة الربّانية، وخِصامٌ مُبين لمشيئة الله، وكُفرانٌ ظاهر بالنعمة العظمى التي أعطانا الله إيّاها، ألا أنّ الغاية الروحانية لا يمكن نوالها إلا باستعمال كل خُلق في موضعه، وبالسلوك في سُبل الله تعالى وبالصدق والاستقامة، وبأن يكون السالك كله لله، ومن كان لله فعلامته أنه لا يستطيع الحياة بدونه. إنّ العارف بالله يبدو كسمكةٍ مذبوحة بيد الله.. لا تعيش إلا في مَعينِ حبه تعالى.

معاني المفردات:

  • 1- نوّه بالشيء تنويهًا: شهره ورفع ذكره.
  • 2- الهٌمَّل: جمع هامل وهو السارح بغير راعٍ.
  • 3- الأرسان: الزمام على الأنف.
  • 4- نمير: الماء الطيب الناجع في الرِّي.
  • 5- مباسمه: ثغره.
  • 6- جِبلَّتنا: الخِلقة.
  • 7- الزند: العود العلوي الذي تُقدح به النار.
  • 8- الدويبات: الدواب الصغيرة.
  • 9- مضض: فعله على مضض أي كارهًا متألمـًا.

(يتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك